الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عقب ذلك في مسألة (تزوج الرجل امرأته المخلوقة من ماء الزنا): "ولم يقل -أي الشافعي- إنه مباح ولا جائز، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحلّه اللَّه به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم"(1).
سادسًا:
مع تقدير ابن القيم للعلماء، وحرصه على نبذ ما أُلصق بهم من بواطيل وترهات، والاعتذار لهم عند الخطأ ومخالفة الدليل، فإنه كان جريئًا على الأدعياء، اللابسي ثوبي زور، والمتشبِّعين بما ليس فيهم، فنعتهم بـ (جامدي الفقهاء" (2) و"خفافيش البصائر، وضعفاء العقول"(3) و"محبوسون في سجن الألفاظ، ومقيدون بقيود العبادات"(4). وقال عنهم: "خلوف رغبوا عن النصوص"(5)، و"أهل الأهواء والبدع"(6)، و"الطغام وأشباه الأنعام"(7)، و"من الكاذبين المفترين على شريعة أحكم الحاكمين"(8)، و"علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض"(9).
و"عيب عندهم أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه، قال اللَّه، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول اللَّه وقول رسوله لا يفيد اليقين في مسائل أصول الدين، وإنما يحتج بكلام اللَّه ورسوله فيها الحشوية والمجسمة والمشبهة، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن اللَّه تعالى، ولا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلَّدوه دينهم، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك المصنِّف، وأجلّهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ ذلك الكتاب ويقول: هكذا قال، وهذا لفظه، فالحلال ما أحلَّه ذلك الكتاب، والحرام ما حرمه، والواجب ما أوجبه، والباطل ما أبطله، والصحيح ما صححه هذا! "(10).
وقال عنهم: "أقوام رؤيتهم قذى العيون، وشجى الحلوق، وكرب النفوس،
(1)"إعلام الموقعين"(1/ 80 - 81).
(2)
"إعلام الموقعين"(3/ 316).
(3)
"إعلام الموقعين"(5/ 97).
(4)
"إعلام الموقعين"(5/ 97) وأنشد في هؤلاء (4/ 434):
وسامح نفوسًا بالقشور وقد ارتضت
…
وليس لها للُّبِّ من متطلع
(5)
"إعلام الموقعين"(5/ 64).
(6)
"إعلام الموقعين"(5/ 65).
(7)
"إعلام الموقعين"(4/ 540).
(8)
"إعلام الموقعين"(4/ 540).
(9)
"إعلام الموقعين"(5/ 65).
(10)
"إعلام الموقعين"(5/ 65).
وحمَّى الأرواح، وغم الصدور، ومرض القلوب، إن أنصفتهم لم تقبل طبيعتهم الإنصاف، وإن طلبته منهم، فأين الثريا من يد الملتمس، قد انتكست قلوبهم، وعمي عليهم مطلوبهم، رضوا بالأماني، وابتلوا بالحظوظ، وحصلوا على الحرمان، وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوى الباطلة وشقائق الهذيان، ولا واللَّه ما ابتلت من وَشَله (1) أقدامهم، ولا زكت به عقولهم وأحلامهم، ولا ابيضت به لياليهم وأشرقت بنوره أيامهم، ولا ضحكت بالهدى والحق منه وجوه الدفاتر إذ بُلَّتْ بمدادِه أقلامُهم، أَنفقوا في غير شيء نفائسَ الأنفاس وأَتعبوا أنفسهم وحيَّروا مَنْ خلفهم من الناس، ضيَّعوا الأصول، فحُرِمُوا الوصول، وأعرضوا عن الرسالة فوقعوا في نهاية الحيرة وبيداء الضلالة" (2).
وقال عنهم: "ليس لهم تحقيق في العلم"(3).
ونعت ابن القيم هؤلاء فيما مضى بصيغة الجمع وكان كلامه معهم في بعض الأحايين بصيغة الإفراد، كقوله:
"وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلّد المتعصّب، المقرّ على نفسه بما شهد عليه به جميعُ أهل العلم، أنه ليس من جملتهم، فذاك وما اختار لنفسه، وباللَّه التوفيق"(4) وقوله:
"فأجابهم مَنْ مُنِع التوفيق، وصُدَّ عن الطريق"(5)، و"الجاهل الظالم لا يرى الإحسان إلا إساءة، ولا الهدى إلا ضلالة"(6)، و"الجاهل الظالم يخالفك بلا حجة، ويكفّرك ويبدّعك بلا حُجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة"(7).
وقال عن هذا الصنف: "ليلزم حدّه، ولا يتعدّى طوره، ولا يمد إلى العلم الموروث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم باعًا يقصر عن الوصول إليه، ولا يتّجر بنقدٍ زائف لا يروج عليه"(8).
ولا يعارض هذا ما قلناه من الإنصاف الذي يتحلى به ابن القيم، فإن كلامه هذا مع فرقة تلاعبت بأحكام الدين، وجعلت كلام أئمتها عيارًا على الكتاب
(1) الوشل: الماء القليل.
(2)
"إعلام الموقعين"(5/ 66 - 67).
(3)
"إعلام الموقعين"(4/ 243).
(4)
"إعلام الموقعين"(4/ 311).
(5)
"إعلام الموقعين"(5/ 98).
(6)
"إعلام الموقعين"(4/ 434).
(7)
"إعلام الموقعين"(4/ 388).
(8)
"إعلام الموقعين"(3/ 514).