المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بين المصنف وشيخه ابن تيمية: - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ نسبة الكتاب لمؤلفه:

- ‌(ضبط اسمه)

- ‌ حجمه:

- ‌ موضوعه ومباحثه:

- ‌ توطئة:

- ‌ رد مؤاخذة، وبيان أمر كلّي على عجالة:

- ‌ فصول نافعة وأصول جامعة في القياس:

- ‌ عناية المصنف بكتاب عمر في القضاء:

- ‌ هل كتاب "الأعلام" شرح لكتاب عمر في القضاء

- ‌ مباحث كتاب "الأعلام" لغاية إيراد المصنف كتاب عمر في القضاء:

- ‌ مباحث (الفتوى) في الكتاب:

- ‌ الرأي وأنواعه:

- ‌ أصول الإمام أحمد:

- ‌ كتاب عمر رضي الله عنه في القضاء

- ‌ عودة إلى مباحث (القياس) في الكتاب:

- ‌ إلماحة في رد كون كتابنا شرحًا لكتاب عمر في القضاء فحسب:

- ‌ تحريم الفتوى بغير علم:

- ‌ تفصيل القول في التقليد:

- ‌ وجوب إعمال النصوص:

- ‌ الزيادة على النص:

- ‌ العرف وحجيته:

- ‌ تغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:

- ‌ المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات كما هي معتبرة في العبادات:

- ‌ الحيل:

- ‌ سد الذرائع وتوظيفه للمنع من الحيل:

- ‌ مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد:

- ‌ حجية قول الصحابي:

- ‌ فوائد تتعلق بالفتوى:

- ‌ فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ أمور جملية لا بد منها:

- ‌ جهود العلماء والباحثين في التعريف بموضوع الكتاب:

- ‌مصادر المصنف وموارده في كتابه هذا

- ‌ توطئة:

- ‌ كتب البيهقي:

- ‌ كتب الشافعي:

- ‌ كتب الشافعية:

- ‌ كتب الحنفية:

- ‌ كتب المالكيّة:

- ‌ كتب الإمام مالك

- ‌ شروح "الموطأ

- ‌ كتب ابن عبد البر الأخرى:

- ‌ كتب المالكية الفقهية الأخرى:

- ‌ كتب الإمام أحمد والحنابلة:

- ‌ كتب الإمام أحمد ومسائل أصحابه له:

- ‌ معرفة المصنف لمذهب أحمد وإعجابه به:

- ‌ كتاب "الجامع الكبير" للخلال:

- ‌ كتب القاضي أبي يعلى الفراء:

- ‌ كتب ابن القاضي أبي يعلى:

- ‌ كتب أبي الخطاب الكلوذاني:

- ‌ كتب الحنابلة الأخرى:

- ‌ كتب فقهية أخرى:

- ‌ فتاوى بعض السلف:

- ‌ كتب ابن المنذر:

- ‌ كتب أخرى:

- ‌ كتب ابن حزم:

- ‌ كتب الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام:

- ‌ كتب الفتوى:

- ‌ كتب أصول الفقه:

- ‌ كتب الحيل:

- ‌ كتب التفسير:

- ‌ كتب اللغة والغريب والأدب والتاريخ:

- ‌ كتب التوحيد والعقائد:

- ‌ موارد المصنف الحديثية:

- ‌ الصحف والنسخ الحديثية

- ‌ دواوين السنة المشهورة (الصحاح، السنن، المسانيد والمعاجم):

- ‌ السنن:

- ‌ المسانيد والمعاجم:

- ‌ كتب أحاديث الأحكام وشروحها:

- ‌ كتب العلل:

- ‌ كتب مسندة تعتني بالأحاديث وآثار السلف:

- ‌ كتب التراجم والرواة والجرح والتعديل:

- ‌ المصادر الشفهية وما في حكمها:

- ‌ بين المصنّف وشيخه ابن تيمية:

- ‌منهج ابن القيم في كتابه

- ‌المحور الأول: الاستدلال والاستنباط:

- ‌ وجوب ذكر الدليل والتحقق من صحته:

- ‌ معنى كتاب اللَّه عند ابن القيم

- ‌ منزلة القرآن والسنة من الاستنباط:

- ‌ ضرورة الاحتجاج بالسنّة:

- ‌ الاحتجاج بالصحيح من السنة دون الضعيف:

- ‌ مؤاخذات حديثيّة على المصنّف:

- ‌ تقديم الأدلة النقلية على غيرها:

- ‌الاستدلال بالنظر والقياس الصحيح والمعقول:

- ‌ عمل أهل المدينة:

- ‌ أقسام العمل عند ابن القيم:

- ‌ الاستصحاب:

- ‌ كلمة في حجية القياس:

- ‌ الاستنباط وبيان وجوه الاستدلال:

- ‌ عنايته بمحاسن الشريعة وحِكَمها

- ‌ ابن القيم ومقاصد الشريعة:

- ‌المحور الثاني: التفصيل والتأصيل والتحليل والاستيعاب وطول النَّفس مع التكامل والانسجام:

- ‌أولًا:

- ‌ثانيًا:

- ‌ثالثًا:

- ‌رابعًا:

- ‌خامسًا:

- ‌سادسًا:

- ‌سابعًا:

- ‌ثامنًا:

- ‌تاسعًا:

- ‌المحور الثالث: الإنصاف والأمانة والتقدير والموضوعية والترجيح:

- ‌أولًا:

- ‌ثانيًا:

- ‌ثالثًا:

- ‌رابعًا:

- ‌خامسًا:

- ‌سادسًا:

- ‌سابعًا:

- ‌المحور الرابع: طريقته في العرض وأسلوبه في البحث:

- ‌أولًا: أسلوبه الأدبيُّ:

- ‌ثانيًا: حسن الترتيب واتّساق الأفكار وتسلسلها:

- ‌ثالثًا: التكرار:

- ‌رابعًا: الاستطراد

- ‌خامسًا: العناية بالجانب الوجداني وإيقاظ الشعور الإيماني

- ‌سادسًا: بين التواضع والاعتزاز:

- ‌الجهود المبذولة في كتابنا هذا

- ‌ أهمية الكتاب وفائدته:

- ‌ أثر الكتاب في مؤلفات ودراسات من بعده:

- ‌الأصول المعتمدة في نشرتنا هذه

- ‌ النسخة الأولى:

- ‌ النسخة الثانية:

- ‌ النسخة الثالثة:

- ‌ النسخة الرابعة:

- ‌أشهر طبعات الكتاب وتقويمها:

- ‌ تقويم الطبعات التي وقفت عليها وعملي في هذه النشرة والدافع لها:

- ‌ ملاحظاتي على تخريج الأحاديث في الطبعات السابق ذكرها:

- ‌ طبعة عبد الرحمن الوكيل

- ‌ طبعة دار الجيل

الفصل: ‌ بين المصنف وشيخه ابن تيمية:

عند المصنف قريب مما فيه في مواطن قليلة، مثل:(تأويل البقر) قارن كلام المصنف بما في "البدر المنير"(279 - 280).

وذكر في (5/ 198) تحت (الفائدة الحادية والستين) من (آداب الفتوى) وهي في الإكثار من الدعاء عند الفتوى، قال:"وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، وجرَّبنا ذلك نحن، فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة".

وتعدُّ موارد المصنف الشفهية في كتابنا هذا غيضًا من فيض موارده العلمية المتنوعة، وهي تدلل على تفنُّن المصنف، وتترجم حرصه واهتمامه بالكتب كما ذكره غير واحدٍ من مترجميه (1). ومن الواجب أن يُذَكر هنا أن المصنف لم يعن بذكر الكتب كعنايته بتحرير المسائل والمباحث، وأنه أكثر من النقل عن الكتب التي لها تعلق بمباحث الكتاب (2) من مثل: الفتوى ومباحثها وما يخدمها ويخدم المباحث المتفرعة عنها، وما يلزم القضاة والمفتين (وهم الموقِّعون عن رب العالمين).

ومن المشايخ الذين أكثر المصنف ذكرهم وتردادهم في كتبه عامة، وفي كتابه هذا خاصة: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم الحراني، الشهير بـ (ابن تيمية)، ونقولاته عنه كانت من كتبه ومؤلفاته، ومباحثه وتحريراته، وما سمعه من فمه، وألقاه اللَّه عز وجل على لسانه من حكم ومباحث ومواقف، وهذا ما سنوضّحه في المبحث التالي.

وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى ذكر المصنف لبعض مؤلفاته هنا، وأحال عليها، فقال في (4/ 420 - 421) عند مسألة (المحلل في السباق)، وحكمه عند العلماء وتفاصيلهم في وجوده على أقوال، قال عنها:"وقد ذكرناها في كتابنا الكبير "الفروسية الشرعية"، وذكرنا فيه، وفي كتاب "بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال" بيان بطلانه من أكثر من خمسين وجهًا، وبيّنّا ضعف الحديث الذي احتج به من اشترطه، وكلام الأئمة في ضعفه، وعدم الدلالة منه على تقدير صحته".

*‌

‌ بين المصنّف وشيخه ابن تيمية:

كان ابن القيم معجبًا بشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أشد إعجاب، وكان له

(1) قدمنا نقولاتهم في مطلع هذا المبحث.

(2)

سبق الكلام على ذلك بالتفصيل، وللَّه الحمد والمنة.

ص: 145

الأثر البالغ في "تكوين اتجاهه، وتغذية مواهبه، وإشباع نهمته بعلوم الكتاب والسنة، والرد إلى اللَّه والرسول، حتى صار أبرع تلاميذه، وألمعهم نجمًا، وأجلاهم اسمًا، فلا يكاد يُذَكر الشيخ ابن تيمية إلا ويذكر معه تلميذه ابن قيم الجوزية، وسرى نور هذين العلمين في آفاق المعمورة، بسعة العلم، وأصالة الفكر، والتجديد في دعوة الناس إلى صراط اللَّه المستقيم"(1).

وكانت مدة ملازمة ابن القيم لشيخه ستة عشر عامًا (2)، منذ سنة (712 هـ) -وهي السنة التي عاد فيها ابن تيمية من مصر إلى دمشق- إلى سنة (728 هـ)، سنة وفاة ابن تيمية.

وفي هذه المدة أخذ التلميذ من الشيخ علمًا جمًّا، وتأثّر بسَمْتِه وهديه، واستمع إلى نصائحه وتوجيهاته (3)، وعُرف به، وامتحن وأوذي مرات بسبب ذلك (4).

وكان ابن القيم بارًا بشيخه، كثير الترداد لاسمه، والثناء عليه، وذكر اختياراته (5)، ولعل ذلك لم يقع في كتاب من كتبه كما وقع في كتابنا هذا.

وهذه طاقة مهمة من النقولات من خلال جولة سريعة في كتابنا هذا فحسب؛ تدلّل على مدى تأثر المصنف بشيخه، وأنه تَصْدُق فيه مقولة ابن حجر:"غلب عليه حب ابن تيمية، حتى لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه"(6) ومقولة الذهبي: "تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وكان من عيون أصحابه"(7)، ومقولة صلاح الدين

(1)"ابن قيم الجوزية، حياته وآثاره"(ص 78) للشيخ بكر أبو زيد.

(2)

خلافًا لما ذكره الشيخ صبحي الصالح رحمه الله في تقديمه لـ"أحكام أهل الذمة"(1/ 67) أن مدة ملازمته له زهاء أربعين سنة، نعم منذ اتصاله بابن تيمية سنة (712 هـ) إلى وفاة ابن القيم سنة (751 هـ)، زهاء الأربعين، أما مدة التلمذة والتلقي فهي كما قررنا.

(3)

تجد طرفًا منها في "الهدية في مواعظ الإمام ابن تيمية"(ص 21 - 26) وفيما سيأتي برقم (خامسًا).

(4)

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 448)، "أعيان العصر"(4/ 368)، "الدرر الكامنة"(4/ 21)، "النجوم الزاهرة"(10/ 195).

(5)

تجد هذه الاختيارات في (الإحالات) تحت هذا العنوان، وكذا في (فهرس الأعلام) في المجلد الأخير، وتجد في نقولات العلماء الآتية عند بيان أثر الكتاب فيما بعده الارتباط الوثيق بين ذكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في نقلها عنهما الآراء والأقوال والترجيحات.

(6)

"الدرر الكامنة"(4/ 21) ومثله في "البدر الطالع"(2/ 143) و"أبجد العلوم"(3/ 139).

(7)

"ذيول العبر"(4/ 155).

ص: 146

الصفدي: "وكان يسلك طريق العلامة تقي الدين ابن تيمية في جميع أحواله ومقالاته التي تفرّد بها، والوقوف عند نص أقواله"(1) و"لم يُخلِّفِ الشيخ العلامة تقي الدين ابن تيمية مثله"(2)، ومقولة السخاوي عنه:"رئيس أصحاب ابن تيمية، بل هو حسنة من حسناته"(3).

ومن أكثر كتب ابن تيمية التي نقل منها المصنف في كتابنا هذا "بيان الدليل في إبطال التحليل"(4)، وتكاد تكون النقولات الموجودة في كتابنا هذا نسخة أخرى منه، ولا غرو في ذلك، إذ قام المصنف بنسخ "البيان" في (430) ورقة، وما زالت نسخته محفوظة (5).

قال ابن القيم بعد نقل طويل: "هذا كلام شيخ الإسلام في (مسألة مهر السر والعلانية) في كتاب "إبطال التحليل" نقلته بلفظه"(6).

والملاحظ أن النقل من هذا الكتاب كثير، ويكون بلفظ المصنف تارة، ويتصرف فيه ويقتصر على المعنى تارة أخرى، ويتخلّله نقولات وإيضاحات ورد استشكالات على تقرير ابن تيمية تارة أخرى، ويكون بعضها من خلال مشاهداته وسماعه، فها هو يقول بعد نقل منه:

"وكان شيخنا رحمه الله يمنع من (مسألة التورّق)، روجع فيها وأنا حاضر مرارًا، فلم يرخص فيه"(7).

ولم أظفر بتصريح ابن القيم باسم الكتاب إلا في موطن واحد (3/ 493)، ويسهب ابن القيم في توجيه كلام شيخه فيه، والتدليل عليه، ورد مؤاخذات وانتقادات المعارضين، مما يجعلنا نقول: إن القول بان ابن القيم نسخة عن شيخه فحسب، فرية بلا مرية، وهي من أكاذيب وبواطيل الخصوم، ولا تصدر إلا ممن

(1)"أعيان العصر"(4/ 368).

(2)

"الوافي بالوفيات"(2/ 196).

(3)

"وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام"(1/ 53).

(4)

نشر ضمن "مجموع الفتاوى"، وطبع بتحقيق الشيخ حمدي السلفي، عن المكتب الإسلامي، وبتحقيق الشيخ فيحان المطيري عن مكتبة لينا، مصر، وأكثر من النقل عنه في (الحيل) و (سد الذرائع) مع زيادة، مع ملاحظة أن عباراته عبارات ابن تيمية تارة، وطابقتها أخرى، انظر:"مقاصد الشريعة عند ابن تيمية"(370).

(5)

في مكتبة الأوقاف العامة، ببغداد، تحت رقم (8473) وعليها تملكات للسفاريني (1138 هـ)، ونعمان الآلوسي (1298 هـ)، انظر:"ثبت ابن تيمية"(50/ 4).

(6)

"إعلام الموقعين"(3/ 489 - 493).

(7)

"إعلام الموقعين"(4/ 86).

ص: 147

لم يَخْبُرْ كلام ابن القيم، وإنما باعثها الحقد والحسد.

وينظر لكثرة نقل المصنف من كتاب "بيان الدليل" هذه المواطن مع التنبّه لتعليقنا على بعضها (3/ 416 - 419، 473، 488 - 493، 494 - 495، 495، 523، 529 - 530، 538 و 4/ 6 هامش (7)، 17، 18، 21، 25، 27، 70، 71، 72 - 73، 78، 79، 83، 86، 87، 89، 90، 93، 94، 95، 96 - 99، 100، 101، 139، 140 - 141، 147، 148 - 163، 170، 174، 178 - 183، 234 - 236، 237 - 241، 242، 243، 248 - 250).

ولم يقتصر نقل المصنف من "بيان الدليل"، بل تعداه لكتب أخرى، ففي (مسألة المعدول به عن القياس)(1) أكثر المصنف من النقل عن شيخه ابن تيمية، ووجدت هذه النقولات في "مجموع الفتاوى"(20/ 504 - 585 و 21/ 1 - 23)، وفي "مجموعة الرسائل الكبرى" بالقاهرة، سنة 1323 هـ، وسماها تلميذه محمد بن عبد الهادي في "العقود الدرية" (ص 45):"قاعدة في تقرير القياس في مسائل عدة، والرد على من يقول: هي على خلاف القياس"، وتذكر بعض فهارس دور الكتب الخطية ضمن مصنفات ابن تيمية "جواب عما يسمى بخلاف القياس الذي يقع في كلام الفقهاء"(2)، قال المصنف: "وسألتُ شيخنا -قدس اللَّه روحه- عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس. . .

فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس".

(1) للشيخ عمر عبد العزيز رحمه الله دراسة منشورة بعنوان "المعدول به عن القياس حقيقته وحكمه، وموقف شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية منه" واستفدتُ منها في تعليقي على الكتاب.

(2)

منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط، برقم (209)، انظر:"سلسلة التراث المخطوط"(14/ 12)، ونشرها محب الدين الخطيب في القاهرة، سنة 1346 هـ -وعنه غير واحد في بيروت- في مجموع بعنوان "القياس في الشرع الإسلامي".

وقام الأستاذ صالح المهندي بتحقيق هذه الرسالة عن نسخة الرباط وطبعها عن وزارة الأوقاف القطرية بعنوان "شمول النصوص لأحكام أفعال العباد"، ثم رأيتها ضمن (المجموعة الثانية) من "جامع المسائل"(3/ 231 - 351) بعنوان "قاعدة في شمول النصوص للأحكام". واعتمد على نسخة الأسكوريال والرباط، وثلاث نسخ أخرى، وقال (ص 236) عن ابن القيم:"فلا نستغرب أن يقتبسها من شيخه على طريقته من الاستفادة من كتبه كما يظهر ذلك لكل من يقرأ كلام الشيخين في موضوع واحد". وقارن بـ "مجموع الفتاوى"(31/ 338 - 356)، و"تفسير آيات أشكلت"(2/ 491 - 573).

ص: 148

قال المصنف بعد ذلك مباشرة: "وأنا أذكر ما حصّلته من جوابه بخطّه ولفظه، وما فتح اللَّه سبحانه لي بيُمن إرشاده، وبركة تعليمه، وحسن بيانه وتفهيمه"(1).

وكثرت النقولات والاستطرادات والمناقشات حول هذه المسألة، وتقع في نشرتنا في (2/ 165 - 237)، ونَقْلُ المصنف عن شيخه ابن تيمية في هذه المسألة -كنقله في التي قبلها- يظهر تارة، ويَختَفي أخرى، ويتخلله تقعيد وتأصيل وتدليل وتمثيل وتفريع.

وهذه المسألة في القياس هي فصل من فصول ثلاثة (2)، قرر فيها ابن القيم مذهب شيخه (3) بقوة، وأطال النفس جدًّا في تبنّي ما ذهب إليه، كيف لا؟ وها هو يقول عنها:"هذه الفصول الثلاثة من أهم فصول الكتاب، وبها يتبيّن للعالم المنصف مقدارُ الشريعة وجلالتها وهيمنتها وسعتها وفضلها وشرفها على جميع الشرائع" قال: "ونحن نعلم أنّا لا نوفِّي هذه الفصول حقَّها ولا نقارب، وأنّها أجلُّ من علومنا وفوق إدراكنا، ولكن ننبّه أدنى تنبيه، ونشير أدنى إشارة إلى ما يفتح أبوابها، وينهج طرقها، واللَّه المستعان، وعليه التكلان"(4).

قال ابن النجار: "وقد ذكر الشيخ تقي الدين -وتبعه ابن القيم- أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وما لا يُعقل معناه، وبيّنا ذلك بما لا مزيد عليه"(5)،

(1)"إعلام الموقعين"(2/ 165).

(2)

والفصلان المتبقيان هما:

* في بيان شمول النصوص للأحكام، والاكتفاء بها عن الرأي والقياس.

* في سقوط الرأي والاجتهاد والقياس، وبطلانها مع وجود النص.

والناظر في رسالة "الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس" لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، يجدها لا تخرج عن تقرير ابن القيم في هذه الفصول ونقوله عن ابن تيمية منها، إنما كانت بواسطته.

(3)

في مكتبة الأسكوريال برقم (1336): "رسالة في شمول النصوص للأحكام وموافقتها للقياس الصحيح" لابن تيمية، وهي في (11) ورقة، وهي في المكتبة الظاهرية برقم (2693): "مسألة فيمن يقول: إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة، وهي في (6) ورقات، لابن تيمية أيضًا، وهذه مسميات لكتاب واحد، وهو الذي صنفه ابن تيمية بسبب سؤال تلميذه ابن القيم، كما تقدم نقله عنه هنا، واللَّه الموفق.

(4)

"إعلام الموقعين"(2/ 116).

(5)

"شرح الكوكب المنير"(4/ 225).

ص: 149

فمتابعة ابن القيم لشيخه في هذه المسألة أمر مشهور، كما يؤخذ من هذا النقل، واللَّه الموفق لا رب سواه.

وكذلك في مسألة الحلف بالطلاق، فقد أكثر المصنف النقل عن شيخه ابن تيمية فيها، وأظهر عناية شيخه في هذه المسألة، قال (4/ 540):"وصنّف في المسألة ما بين مطوّل ومتوسط ومختصر ما يقارب ألفي ورقة (1)، وبلغت الوجوه التي استدل بها عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس، وقواعد إمامه خاصة، وغيره من الأئمة زهاء أربعين دليلًا" وقال عن شيخه بعد ذلك:

"وصار إلى ربه وهو مقيم عليها، داع إليها، مباهل لمنازعيه، باذل نفسه وعرضه، وأوقاته لمستفتيه، فكان يفتي في الساعة الواحدة فيها بقلمه ولسانه أكثر من أربعين فتيا"(2).

وبيَّن أثر فتياه هذه بقوله: "فعُطِّلتْ لفتاواه مصانع التحليل، وهدّمت صوامعه وبيعه، وكسدت سوقه، وتقشّعت سحائب اللعنة عن المحقلين، والمحلَّل لهم من المطلّقين، وقامت سوقُ الاستدلال بالكتاب والسنة والآثار السلفية. . . "(3).

وأطال المصنف الكلام في هذه المسألة، وأكثر النقل فيها عن شيخه أبي

(1) من رسائل ابن تيمية المحفوظة في دور الكتب الخطية: "لمحة المختطف في الفرق بين الطلاق والحلف" منها نسخة في (7) ورقات في مكتبة حسن الأنكرلي، المهداة للأوقاف العامة ببغداد، برقم (13853/ 4) وأخرى في الظاهرية في (8) ورقات، برقم (3808)، وثالثة في مكتبة نصيف بجدة في (18) ورقة، ورابعة في جامعة برنستون - جاريت في (5) ورقات برقم (1521) وأخيرة في مكتبة الأوقاف ببغداد في (10) ورقات، برقم (5674/ 4).

ثم رأيتها مطبوعة بهذا العنوان عن دار الراية - الرياض، بتحقيق عبد العزيز بن أحمد الجزائري عن نسخة الظاهرية، وزعم (ص 16) أنها نسخة وحيدة!! وأفاد أن منها قسمًا في:"مجموع الفتاوى"(33/ 58 - 66) وفي "القواعد النورانية"(ص 242 - إلى آخر الكتاب، ط الفقي). ومنها أيضًا: "الاجتماع والافتراق في مسائل الأيمان والطلاق"، منها نسخة في دار الكتب المصرية، رقم (1344)، وأخرى في مكتبة الأوقاف العامة بالموصل (62/ 18) وثالثة في المكتبة العمومية بدمشق (35/ 99/ 18)، ويذكر مترجمو ابن تيمية له في هذا الباب:"تحقيق الفرقان بين التطليق والأيمان"(نحو أربعين كراسة)، "الفرق المبين بين الطلاق واليمين"، "قاعدة في تقرير أن الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة"، وقاعدة سماها "التفصيل بين التكفير والتحليل"، "الرد الكبير على من اعترض عليه في مسألة الحلف بالطلاق"(ثلاث مجلدات).

(2)

"إعلام الموقعين"(4/ 540).

(3)

"إعلام الموقعين"(4/ 540).

ص: 150

العباس، انظر -على سبيل المثال-:(2/ 362، 3/ 341، 364 - 473، 450 - 473 و 4/ 520 - 525).

ونقولات المصنف عن شيخه في مسائل الطلاق الأخرى كثيرة، من أهمّها المسائل الآتية:

* (المسألة السريجية)، انظرها في نشرتنا (4/ 201 - 234)، وقارن بما في "مجموع الفتاوى"(32/ 289، وما بعد، 311 وما بعد)، و"بيان الدليل"(182، 215 وما بعد).

* (مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد)، تعرض لها المصنف في مواطن عديدة من هذا الكتاب (1)، ولم يخرج عن رأي شيخه فيها، ولشيخه "سؤال وجواب في الطلاق الثلاث"(2).

* (مسألة الخلع هل هو طلاق؟)، تعرض لها المصنف في مواطن من كتابه هذا، ولم يخرج عن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية (3)، ولابن تيمية:"رسالة في الخلع هل هو طلاق أم لا"(4) ويذكر له "مسائل الفرق بين الطلاق البدعي والخلع ونحو ذلك".

* (فيما يحل ويحرم من مسائل الطلاق)، أكثر المصنف من التعرض لمسائل الطلاق وتفصيلاته (5)، وهو يقرر ما ذهب شيخه إليه بقوّة، وينتصر له بناءً على موافقته الدليل الشرعي، ولابن تيمية رسائل مفردة في هذا الباب (6).

(1) انظرها في المجلد الأخير (فهرس الفوائد الفقهية - كتاب الطلاق).

(2)

منه نسخة في مكتبة جامعة برنستون -أمريكا- جاريت، رقم (1531)، وقد ذكر مترجمو شيخ الإسلام له عدة رسائل في هذا الباب، ثم رأيت في (المجموعة الأولى) من "جامع المسائل"، لابن تيمية (2/ 273 - 291):"فصل في جمع الطلاق الثلاث" و (2/ 293 - 314)"فصل في الأحاديث الواردة في الطلاق الثلاث" و (2/ 315 - 349)، "فصل في الطلاق الثلاث" و (2/ 351 - 367)، "فتوى في الطلاق الثلاث بكلمة واحدة"، وهي كلها بتحقيق الأستاذ محمد عزير شمس عن نسخ محفوظة في جامعة برنستون، وينظر في تحقيق المسألة "الحكم المشروع في الطلاق المجموع" لذهبي العصر العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني، وهو مطبوع.

(3)

انظر: -على سبيل المثال-: (1/ 224 و 3/ 402 و 4/ 537).

(4)

منها نسخة في مكتبة شهيد علي بتركيا، ضمن السليمانية، رقم (2751).

(5)

انظر: مواطن بحثها في (فهرس الفوائد الفقهية - كتاب الطلاق).

(6)

في معهد المخطوطات بباكو "رسالة فيما يحل من الطلاق ويحرم" برقم (4156 - b) =

ص: 151

وهذه المسائل مبحوثه في مواطن من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية (1)، وحصل الوقوف على ما قررناه من تبنّي المصنف لآرائه، وإن لم نظفر بجميع النقولات بالحرف واللفظ من كتبه.

والأمر ليس مقتصرًا على (مسائل الطلاق)، وإنما ذكرتها للتمثيل لا للحصر، وإلا فمسألة (الطهارة للطواف) مثلًا ذكرها المصنف هنا (2)، ونقلها بتطويل عن ابن تيمية، وظفرتُ بها -على طولها- في "مجموع الفتاوى"(26/ 176 - 218).

ومسألة (ضمان البساتين)، لما ذكرها في كتابنا (2/ 213) وذكر الأقوال فيها، قال عن الجواز:"واختاره شيخنا، وأفرد فيه مصنفًا"، وانظر تعليقنا على الموطن المذكور، فهناك بيان اسم هذا المصنّف، ونسخه الخطية، واللَّه الموفق.

وهكذا في مسائل كثيرة في مختلف العلوم، والناظر في الهوامش يجد عزوًا كثيرًا لـ"مجموع الفتاوى"، انظر -على سبيل المثال-:(1/ 485 و 2/ 174، 190، 211، 212، 212 - 213، 214، 225، 228 - 229، 231، 237 - 238، 243، 244، 244 - 245، 247 - 248، 248 - 250، 250 - 253، 255 - 256، 272، 300، 319، 362، 363، 368، 393، 424، 428، 539 و 3/ 371، 382، 463 و 4/ 310، 330، 363، 397، 400، 417، 420، 423، 428، 456، 469، 470، 491، 505، 539 و 5/ 64، 230، 431، 453).

ونَقلُ المصنف لم يقتصر من كتب ابن تيمية على هذا، وإنما نقل نصوصًا

= في (28) ورقة، كما في "المنتخب من مقتنيات معهد المخطوطات بباكو"(44)، وفي مركز المخطوطات بالكويت (124/ 1):"المسألة البغدادية فيما يحل ويحرم من الطلاق" في (31) ورقة.

(1)

جهدتُ في توثيق المسائل مما وقع تحت يدي من كتب شيخ الإسلام، ولا سيما "مجموع الفتاوى" له، ووثقتُ الاختيار من غيره أحيانًا، مثل "شرح العمدة" له أيضًا، انظر:(4/ 506 و 5/ 303)، ووثقت اختياراته أيضًا من "الاختيارات الفقهية" للبعلي انظر -على سبيل المثال-:(2/ 226، 311 و 4/ 330، 331، 404، 491، 512).

(2)

انظر: "إعلام الموقعين"(3/ 375)، ومن محفوظات مكتبة جامعة الإمام ابن سعود بالرياض، برقم (8959/ 1/ خ) مجموع في (230 ق)، والرسالة قبل الأخيرة فيه "فصل في طواف الحائض والجنب والمحدث" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهي عين ما في "مجموع الفتاوى".

ص: 152

طويلة من "تفسير آيات أشكلت"، وعزاها لابن تيمية، ولم يسم الكتاب، انظر (2/ 73، 411، 397 - 414).

ومما ينبغي ذكره هنا أمور:

أولًا: كانت عبارات المصنف دقيقة، فتارة كان يصرح باختيار ابن تيمية، وتارة يقول:"وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى هذا القول"(1) و"كان شيخنا يجنح إليه"(2).

ثانيًا: كان يرجِّح اختيار شيخه ابن تيمية على مذهب أحمد، فها هو -مثلًا- يقول في (مسألة شراء المسلم طفلًا كافرًا)، و (مسألة السابي) (3) هل يحكم بإسلامهما؟ قال:"نحكم بإسلامه، قاله شيخنا قدس اللَّه روحه"(4) ثم قال: "ولكن جادة المذهب أنه -أي السابي- باقٍ على كفره كما لو سُبي مع أبويه وأولى" قال: "والصحيح قول شيخنا، لأن. . . "(5).

ثالثًا: كان يذكر أحيانًا اختياراته، ويقول:"وغيره من الأصحاب" هكذا بالإبهام، انظر -على سبيل المثال-:(4/ 491، 505)، ويقرنه أحيانًا بذكره لإمام من أئمة الفقه، انظر -مثلًا- (4/ 404).

رابعًا: كان رحمه الله يقرر أشياء بإجمال، وتفصيلها في كتب شيخه ابن تيمية، وأذكر مثالين، أحدهما صرح بذلك، والآخر لم يصرح.

أما الأول، فقوله (2/ 428):"ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجهًا، ذكرها شيخنا رحمه الله في بعض تصانيفه"(6).

وأما الآخر؛ فقوله بعد سرده مكفرات الذنوب: "فهذه عشرة أسباب تمحق أثر الذنب"(7)، وهي موجودة بتفصيل وتأصيل وتدليل في كلام شيخه ابن تيمية في

(1)"إعلام الموقعين"(4/ 496).

(2)

"إعلام الموقعين"(5/ 453).

(3)

صورة المسألة: إذا زوج الذمي عبده الكافر من أمته، فجاءت بولد، أو تزوّج الحرُّ منهم بأَمَةِ فأولدها، ثم باع السيدُ هذا الولَدَ لمسلمٍ.

(4)

"إعلام الموقعين"(2/ 272).

(5)

"إعلام الموقعين"(2/ 272 - 273).

(6)

"إعلام الموقعين"(2/ 428) وقارن -غير مأمور- بـ "مجموع الفتاوى"(11/ 671، 28/ 129، 29/ 279)، وذكر في كتابه "الفوائد"(ص 153 - 164) ثلاثًا وعشرين وجهًا في التفصيل المذكور، وفي الظاهرية تحت رقم (20/ 114 - المجموع) لابن تيمية "قاعدة أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه".

(7)

"إعلام الموقعين"(3/ 77).

ص: 153

"منهاج السنة النبوية"(6/ 205 - 239) و"مجموع الفتاوى"(7/ 487 - 501) وانظره أيضًا (4/ 432).

خامسًا: من الأمور المهمة جدًّا: ذكر المصنف في كتابنا هذا أحوال شيخه، ونصائحه وتوجيهاته له، وأجوبته على أسئلته إياه أو أسئلة غيره مباشرة دون نقل من كتاب، وهي غنية بالفوائد الفرائد، وفي بعضها بيان اختيارات ابن تيمية وتعليق المصنف عليها بتوجيه ماتع، ودقة فائقة، وهذه أمثلة على ذلك:

1 -

قال في مسألة (إقامة الإمام الحد على من جاء تائبًا): "وسألت شيخنا عن ذلك، فأجاب بما مضمونه:. . . "(1) وذكر كلامًا، ثم وجهه وقوّاه بالأدلة النقلية، وقال عنه:"وهذا المسلك وسط" قال: "وإذا تأملت السنة رأيتها لا تدل إلا على هذا القول الوسط"(2).

2 -

قال: "ولقد أنكر بعضُ المقلّدين على شيخ الإسلام في تدريسه بمدرسة ابن الحنبلي، وهي وقف على الحنابلة، والمجتهد ليس منهم، فقال: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد، لا على تقليدي له"(3).

3 -

وقال بعد تقرير لمسألة على وجه بديع: "وهذا مما حصلته عن شيخ الإسلام -قدس اللَّه روحه- وقت القراءة عليه، وهذه كانت طريقته، وإنما يقرر أنّ القياس الصحيح هو ما دلّ عليه النص، وأن من خالف النص للقياس فقد وقع في مخالفة القياس والنص معًا"(4).

4 -

ونقل إشكالًا في مسألة عن شيخه، وأنَّ حلَّه كان في منامٍ له، رأى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشده إليه، قال (4/ 372):"وقال شيخنا: كان يشكل عليَّ أحيانًا حالُ من أُصلِّي عليه من الجنائز، هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألتُه عن مسائل عديدة منها هذه المسألة، فقال: يا أحمد! الشرط الشرط، أو قال: علّق الدعاء بالشرط، وكذلك أرشد أمته صلى الله عليه وسلم إلى تعليق الدعاء بالحياة والموت بالشرط. . . "(5) وأخذ في الاستدلال على ذلك.

(1)"إعلام الموقعين"(2/ 311).

(2)

"إعلام الموقعين"(2/ 312).

(3)

"إعلام الموقعين"(2/ 542 - 543).

(4)

"إعلام الموقعين"(3/ 158).

(5)

"إعلام الموقعين"(4/ 372)، وانظر المسألة بتفصيل في كتابي "مسائل أعيت العلماء" يسر اللَّه إتمامه بخير وعافية.

ص: 154

5 -

قال في مسألة (البيع بما ينقطع به السعر) -وقرر الجواز-: "وهو الصواب المقطوع به، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر" قال: "وهو منصوص الإمام أحمد، واختاره شيخُنا، وسمعته يقول: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة، يقول: لي أسوةٌ بالناس، اخذ بما يأخذ به غيري. قال رحمه الله ورضي عنه: والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه، بل هم واقعون فيه، وليس في كتاب اللَّه تعالى ولا سنة رسوله ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح ما يحرمه. . . "(1) وأخذ بتأييده بسرده الأشباه والنظائر له.

6 -

قال في مسألة (تبرع المديون بما يضر بأرباب الدين) -وقرر المنع-: "وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحكي عن بعض علماء عصره من أصحاب أحمد، أنه كان ينكر هذا المذهب، ويضعّفه، قال: إلى أنْ بُلِي بغريم تبرَّع قبل الحجر عليه، فقال: واللَّه، مذهب مالك هو الحق في هذه المسألة"(2).

7 -

قال مبيِّنًا حال شيخ الإسلام لما تُعيِيه المسائل: "وشهدتُ شيخ الإسلام -قدّس اللَّه روحه- إذا أعيته المسائل، واستعصت عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة باللَّه، واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلَّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتهنّ يبدأ، ولا ريب أن مَن وُفِّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه حقيقة وقصدًا، فقد أُعطِي حظه من التوفيق، ومن حُرِمه، فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم"(3).

8 -

ذكر من (فقه المفتي): (إذا منع من محظور دلَّ على مباح) وقال عن شيخه بهذا الصدد: "ورأيت شيخنا -قدس اللَّه روحه- يتحرَّى ذلك في فتاويه مهما أمكنه، ومن تأمل فتاويه وجد ذلك ظاهرًا فيها"(4).

9 -

قال: "وسمعتُ شيخ الإسلام يقول: حضرت مجلسًا فيه القضاة وغيرهم، فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول زفر، فقلتُ له: ما هذه الحكومة؟

(1)"إعلام الموقعين"(4/ 401).

(2)

"إعلام الموقعين"(4/ 404 - 405).

(3)

"إعلام الموقعين"(5/ 67 - 68).

(4)

"إعلام الموقعين"(5/ 47).

ص: 155

فقال: هذا حكم اللَّه! فقلت له: صار قول زفر هو حكم اللَّه الذي حكم به، وألزم به الأمة؟! قل: هذا حكم زفر، ولا تقل: هذا حكم اللَّه، أو نحو هذا من الكلام" (1).

10 -

ونقل تعليقًا لابن تيمية على صنيع مفتٍ كان في زمانهم يكتب في فتاويه: "يجوز كذا أو يصح كذا، أو ينعقد، بشرطه" قال المصنف: "وسمعت شيخنا يقول: كل أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط، فإن أي مسألة وردت عليه، يكتب فيها: يجوز بشرطه، أو يصح بشرطه، أو يقبل بشرطه، ونحو ذلك، وهذا ليس بعلم، ولا يفيد فائدة أصلًا سوى حيرة السائل وتنكده"(2).

11 -

ونقل المصنف عن شيخه ردًا على فهم مغلوط لبعض فقهاء عصره في فتاوى العلماء، فتعرض -مثلًا- لمسألة (الوقف على أهل الذمة) وأن بعض الفقهاء صححوه، قال:"فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية الإنكار، وقال: مقصود الفقهاء. . . " إلى قوله: "فغلظ طبع هذا المفتي، وكثف فهمه، وغلظ حجابه عن ذلك، ولم يميز"(3).

12 -

ونقل فتوى عزيزة في لباس أهل الذمة وأنه "حصل لهم بذلك -أي: بإلزامهم بلباس غير لباسهم المعتاد، وزي غير زيهم المألوف- ضرر عظيم في الطرقات والفلوات، وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاع، وآذوهم غاية الأذى" وهل يجوز للإمام ردهم إلى زيهم الأول؟ قال: "فأجابهم مَنْ مُنع التوفيق، وصُدَّ عن الطريق بجواز ذلك" قال: "قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلت: لا تجوز إعادتهم إلى ما كانوا عليه، ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميّزون به عن المسلمين، فذهبوا، ثم غيَّروا الفتوى، ثم جاءوا بها في قالب آخر، فقلت: لا تجوز إعادتهم، فذهبوا ثم أتوا بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المعينة، وإنْ خرجت في عدة قوالب، ثم ذهب إلى السلطان، وتكلم عنده بكلام عجب منه الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم، وللَّه الحمد. ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى. . . "(4).

13 -

وذكر في مسألة (دلالة العالم للمستفتي على غيره) قال: "وكان شيخنا -قدس اللَّه روحه- شديدَ التّجنُّبِ لذلك، ودللتُ مرة بحضرته على مُفْتٍ أو

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 73).

(2)

"إعلام الموقعين"(5/ 76).

(3)

"إعلام الموقعين"(5/ 85 - 86).

(4)

"إعلام الموقعين"(5/ 97 - 98).

ص: 156

مذهب، فانتهرني. وقال: ما لك وله؟ دعه عنك، ففهمتُ من كلامه: إنك لتبوء بما عساه يحصل له من الإثم، ولمن أفتاه، ثم رأيت هذه المسألة بعينها منصوصة عن الإمام أحمد. . . " (1).

14 -

وذكر فائدة فقهية دقيقة عن شيخه في الفرق بين مسألتين، هما: إذا شهد الرجل جنازة، فرأى فيها منكرًا، لا يقدر على إزالته أنه لا يرجع، بينما في وليمة العرس يرجع، قال المصنف:"فسألتُ شيخنا عن الفرق؟ فقال: لأن الحقّ في الجنازة للميّت، فلا يُترك حفه لما فعله الحيُّ من المنكر، والحقُّ في الوليمة لصاحب البيت، فإذا أُتي فيها بالمنكر، فقد أسقط حقّه من الإجابة"(2).

15 -

قال: "وسمعت شيخنا يقول: سمعت بعض الأمراء يقول عن بعض المفتين من أهل زمانه، يكون عندهم في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: الجواز، والثاني: المنع، والثالث: التفصيل، فالجواز لهم، والمنع لغيرهم، وعليه العمل! "(3).

16 -

وقال عند حديثه عمن أفتى الناس، وهو ليس بأهل للفتوى:"وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أَجُعِلتَ محتسبًا على الفتوى؟ فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب، ولا يكون على الفتوى محتسب؟! "(4).

17 -

وقال في مسألة (ما يصنع المفتي إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى؟): "وسمعتُ شيخنا رحمه اللَّه تعالى يقول: حضرتُ عَقْدَ مجلس عند نائب السلطان في وقف، أفتى فيه قاضي البلد بجوابين مختلفين، فقرأ جوابه الموافق للحق، فأخرج بعضُ الحاضرين جوابه الأول، وقال: هذا جوابك بضدّ هذا، فكيف تكتب جوابين متناقضين في واقعة واحدة؟ فوجم الحاكم، فقلت: هذا من علمه ودينه، أفتى أولًا بشيء، ثم تبيّن له الصواب، فرجع إليه، كما يفتي إمامه بقول، ثم يتبيّن له خلافه، فيرجع إليه، ولا يقدح ذلك في علمه ولا دينه، وكذلك سائر الأئمة، فسُرَّ القاضي بذلك، وسُرِّي عنه"(5).

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 117).

(2)

"إعلام الموقعين"(5/ 130).

(3)

إعلام الموقعين" (5/ 124).

(4)

"إعلام الموقعين"(5/ 131).

(5)

"إعلام الموقعين"(5/ 160).

ص: 157

18 -

وذكر قصة طريفة، فيها فائدة وإنصاف وتربية عن شيخه، قال: "وقد سمعت شيخنا رحمه الله يقول: جاءني بعض الفقهاء من الحنفية، فقال: أستشيرك في أمر. قلت: وما هو؟ قال: أريد أن أنتقل عن مذهبي. قلت له: ولم؟ قال: لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرًا تخالفه، واستشرتُ في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي، فقال لي: ولو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب، وقد تقررت المذاهب، ورجوعك غير مفيد، وأشار عليَّ بعض مشايخ التصوف بالافتقار إلى اللَّه، والتضرع إليه، وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه، فماذا تشير به أنت عليَّ؟

فقلت له: اجعل المذهب ثلاثة أقسام:

- قسم الحق فيه ظاهر بيِّن، موافق للكتاب والسنة، فاقضِ به، وأنت به طيب النفس، منشرح الصدر.

- وقسم مرجوح، ومخالفُه معه الدليل، فلا تُفْتِ به، ولا تحكم به، وادفعه عنك.

- وقسم من مسائل الاجتهاد التي الأدلة فيها متجاذبة، فإن شئت أن تفتي به، وإن شئت أن تدفعه عنك.

فقال: جزاك اللَّه خيرًا، أو كما قال" (1).

19 -

ونقل في مسألة (هل للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجح عنده؟) كلامًا عن شيخه، فيه حق وعدل، قال:"فسألت شيخنا -قدس اللَّه روحه- عن ذلك، فقال: أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهبٌ معين عند الواقعة التي يسأل عنها، وإنما سؤاله عن حكمها، وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه"(2).

20 -

وذكر شيئًا عن حال شيخه ودعائه عند الفتوى، قال:"وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك (3)، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلّم إبراهيم! علِّمني، ويكثر الاستغاثة بذلك، اقتداءً بمعاذ"(4).

21 -

وأخيرًا. . . نقل عن شيخه فائدة في حكم إفتاء من جعل السؤال توصلًا إلى

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 165 - 166).

(2)

"إعلام الموقعين"(5/ 167).

(3)

أي بالدعاء المأثور: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل. . . " وهو في "صحيح مسلم"(770).

(4)

"إعلام الموقعين"(5/ 197).

ص: 158

حصول أغراضهم بأي طريق وافق، وقرر أنه لا يجب على المفتي مساعدتهم، قال:"وقال شيخنا رحمه الله مرة: أنا مخيّر بين إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدين، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليّ، بخلاف من يسأل عن دينه"(1).

سادسًا: ومن الأمور المهمة أيضًا: أن المصنّف أقام وزنًا علميًا لفتاوى شيخه واختياراته، ودعى أن تكون مثل اختيارات غيره من علماء الحنابلة المحررين المعروفين، اسمع إليه وهو يقول:"ولا يختلف عالمان متحلّيان بالإنصاف أنّ اختيارات شيخ الإسلام لا تتقاصر عن اختيارات ابن عقيل وأبي الخطاب، بل وشيخهما أبي يعلى، فإذا كانت اختيارات هؤلاء وأمثالهم وجوهًا يفتى بها في الإسلام، ويحكم بها الحكام، فلاختيارات شيخ الإسلام أسوة بها إن لم ترجح عليها، واللَّه المستعان، وعليه التكلان"(2).

سابعًا: لا بد من التركيز على أصالة ابن القيم في اتباعه لابن تيمية. نعم هو معجب بمنهجه في الاستدلال، مرددًا أقواله، لكنه لم يكن مقلدًا له تقليدًا أعمى (3). وإنما كان متبعًا للكتاب والسنة والآثار، ولم يرض أن يجعل أحدًا -كائنًا من كان- عيارًا على الدين، فاستمع إليه وهو يقول عن التابعين:"لا يجعلون مذهبَ رجلٍ عيارًا على القرآن والسنن، فهؤلاء أتباعهم -أي السابقين الأولين- حقًا، جعلنا اللَّه منهم بفضله ورحمته"(4) وتأمل قوله بعد ذكره مسألة: "وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل النص والقياس"(5) وهكذا فعل في جُلّ اختيارات ابن تيمية (6)، فإنه ذكر أدلتها، وأيّدها بحجة قوية ودليل ظاهر، كيف لا، وهو قد أصّل في كتابه هذا حرمة التقليد، وعاب عليهم عدم الأخذ بالدليل، واتباع السلف، فاستمع إليه وهو يقرع المقلدين: "فلم تنكرون على من

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 200).

(2)

"إعلام الموقعين"(4/ 543).

(3)

انظر رد فرية: (ابن القيم نسخة عن شيخه)، في كتاب "ابن القيم حياته وآثاره"(ص 83 - 85).

(4)

"إعلام الموقعين"(2/ 542).

(5)

"إعلام الموقعين"(3/ 463) ومثله كثير، منه قوله في (5/ 64)، بعد كلام:"وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأحاديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ومذهب فقهاء البصرة، ولا نختار غيره".

(6)

لا أعرف كتابًا لابن القيم اعتنى فيه باختيارات شيخه ابن تيمية مثل هذا الكتاب، وقوي عندي إفراد هذه الاختيارات في فهرس خاص، إلا أن ما ذكرته هنا تحت (بين المصنف وشيخه ابن تيمية)، وفي فهرس (الأعلام) في مواطن ذكر (ابن تيمية) أغنى عن ذلك، واللَّه الموفق.

ص: 159

اقتدى بهما (أي: الكتاب والسنة)، وحَكَّمَهُما، وتحاكم إليهما، وعرض أقوال العلماء عليهما، فما وافقهما قبله، وما خالفهما ردّه؟ فهب أنكم لم تصلوا إلى هذا العنقود، فلم تنكرون على من وصل إليه، وذاق حلاوته"؟ (1).

ثامنًا: ومما له صلة بكتابنا أن ابن القيم أخذ الفقه عن كثير من المشايخ (2) غير ابن تيمية، ومن بين من أخذ عنهم: أخو الشيخ أحمد: أبو محمد شرف الدين (3)، وذكر في كتابنا هذا اختيارًا له، انظر (4/ 539).

ومما ينبغي ذكره: أن مترجمي المصنف (4) ذكروا كتبًا قرأها على شيخه ابن تيمية، مثل: قطعة من "المحرر"، وقطعة من "المحصول" ومن كتاب "الأحكام" للآمدي، وقطعة من "الأربعين" و"المحصل" للصفي الهندي، وأنه قرأ عليه كثيرًا من تصانيفه، وقد سبق بيان بعضها، وأن ابن تيمية ألف بعضها إجابة على سؤال وجهه إليه تلميذه ابن القيم.

والخلاصة: أن ابن القيّم أسهب وأصّل وقعّد ما كان يفتي به شيخه ابن تيمية، وأنه في تصانيفه "يدندن حول مفردات ابن تيمية وينصرها، ويحتج لها"(5)، وأنه "من ألمع تلاميذ ابن تيمية، ويعتبر تفكيره امتدادًا للحركة الإصلاحيّة الواسعة التي أقام صرحَها شيخُه، فقد كان الوارث لذلك التراث العلمي الضخم، الذي خلفه ابن تيمية، فعمل على تنظيمه وتبويبه ونشره. ونصب نفسه مدافعًا عن آرائه في حماس لا مزيد عليه، وإن كان يخالفه أحيانًا في بعض الفتاوى"(6) وأنه "اتخذه مثلًا أعلى، ولازمه مدةً طويلة، وأخذ عنه علمًا جمًّا، واقتبس منه اتجاهه الحر في البحث، واتّبع مذهبه، ونهج نهجه في مقاومة الطوائف الزائغة عن عقيدة السلف، وقد جَرَّتْ له هذه الصحبة، وهذا الاتحاد في المنهج أتعابًا ومحنًا، أصابه منها ما أصاب شيخه من أذى واعتقال"(7) وأنه على كثرة مشايخه لم "يتأثر

(1)"إعلام الموقعين"(3/ 34).

(2)

سبق ذكر بعضهم، انظر (ص 75).

(3)

نص على ذلك جمع، منهم: الصلاح الصفدي في "أعيان العصر"(4/ 366) قال: "وأما الفقه، فأخذه عن جماعة منهم:. . . ومنهم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وأخوه الشيخ شرف الدين".

(4)

انظر -مثلًا-: "أعيان العصر"(4/ 366 - 367)، و"الوافي بالوفيات"(2/ 195 - 196).

(5)

"الدرر الكامنة"(3/ 402) و"البدر الطالع"(2/ 144)، و"أبجد العلوم"(3/ 140).

(6)

"الاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي"(291).

(7)

"الاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي"(292).

ص: 160

بواحد منهم مثلما تأثّر بشيخه ابن تيمية، الذي كان يحل محل ابنه، يوجّهه ويرسم له المناهج القويّة، ويسدي إليه النصائح الرشيدة" (1) وأنه "تشبع بآراء أستاذه الجريئة، واقتنع بمبادئه الإصلاحئة، وتألّم مثله بما كان يشاهده في عصره من انحلالٍ اجتماعي وسياسي، وتناحر مذهبي وطائفي، جعل المسلمين في حال تشتت وفوضى، فانطلق يؤيده في كفاحه الإصلاحي في حياته، ويواصل تحقيق مراميه بعد مماته، وكانت هناك وحدة في الاتجاه، واتفاق في المقاصد والأغراض، فدعا مثل أستاذه إلى التحرر الفكري ونبذ التقليد، وبيَّنَ أن باب الاجتهاد (2) مفتوح على مصراعيه لكل من وجد فيه الأهلية وتوفرت لديه أدواته، كما دعا إلى الوحدة وجمع الكلمة بالرجوع إلى الكتاب والسنة وتحكيمهما في كل اختلاف واقع بين المذاهب، وبذلك يقع اختيار ما هو الأحسن والأوفق.

اكتسب ابن القيم من شيخه قوة في الجدل وإقامة الحجة، غير أنه كان هادئًا صبورًا في جداله ومعارضاته عل خلاف ما عرفت من حدة وثورة في شيخه، ولعل ذلك يرجع إلى أن ابن تيمية كان زعيم هذه الحركة الإصلاحية وحامل لوائها فاشتد النزاع بينه وبين خصومه مما ألجأ كُلًّا من الطرفين أن يستعمل ما يملك من جهد للإطاحة بالآخر، فلما خلفه ابن القيم كان النزاع قد فترت حدته وخفت وطأته، لأن فكرة الإصلاح وجدت سبيلها إلى الأنفس وحصلت على مناصرين عديدين فصارت تعتمد على الهدوء والاتزان" (3).

(1)"الاجتهاد والتجديد في الشريع الإسلامي"(292).

(2)

لا يوجد باب للاجتهاد، حتى يقال: هو هل مفتوح أم لا؟ بل هناك شروط نصّ عليها العلماء، فمتى توفّرت جاز الاجتهاد، وإلا فلا، مع التنويه على أن الاجتهاد يتجزّأ على أصح الأقوال عند الأصوليين.

(3)

"الاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي"(293).

ص: 161