المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وجوب ذكر الدليل والتحقق من صحته: - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ نسبة الكتاب لمؤلفه:

- ‌(ضبط اسمه)

- ‌ حجمه:

- ‌ موضوعه ومباحثه:

- ‌ توطئة:

- ‌ رد مؤاخذة، وبيان أمر كلّي على عجالة:

- ‌ فصول نافعة وأصول جامعة في القياس:

- ‌ عناية المصنف بكتاب عمر في القضاء:

- ‌ هل كتاب "الأعلام" شرح لكتاب عمر في القضاء

- ‌ مباحث كتاب "الأعلام" لغاية إيراد المصنف كتاب عمر في القضاء:

- ‌ مباحث (الفتوى) في الكتاب:

- ‌ الرأي وأنواعه:

- ‌ أصول الإمام أحمد:

- ‌ كتاب عمر رضي الله عنه في القضاء

- ‌ عودة إلى مباحث (القياس) في الكتاب:

- ‌ إلماحة في رد كون كتابنا شرحًا لكتاب عمر في القضاء فحسب:

- ‌ تحريم الفتوى بغير علم:

- ‌ تفصيل القول في التقليد:

- ‌ وجوب إعمال النصوص:

- ‌ الزيادة على النص:

- ‌ العرف وحجيته:

- ‌ تغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:

- ‌ المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات كما هي معتبرة في العبادات:

- ‌ الحيل:

- ‌ سد الذرائع وتوظيفه للمنع من الحيل:

- ‌ مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد:

- ‌ حجية قول الصحابي:

- ‌ فوائد تتعلق بالفتوى:

- ‌ فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ أمور جملية لا بد منها:

- ‌ جهود العلماء والباحثين في التعريف بموضوع الكتاب:

- ‌مصادر المصنف وموارده في كتابه هذا

- ‌ توطئة:

- ‌ كتب البيهقي:

- ‌ كتب الشافعي:

- ‌ كتب الشافعية:

- ‌ كتب الحنفية:

- ‌ كتب المالكيّة:

- ‌ كتب الإمام مالك

- ‌ شروح "الموطأ

- ‌ كتب ابن عبد البر الأخرى:

- ‌ كتب المالكية الفقهية الأخرى:

- ‌ كتب الإمام أحمد والحنابلة:

- ‌ كتب الإمام أحمد ومسائل أصحابه له:

- ‌ معرفة المصنف لمذهب أحمد وإعجابه به:

- ‌ كتاب "الجامع الكبير" للخلال:

- ‌ كتب القاضي أبي يعلى الفراء:

- ‌ كتب ابن القاضي أبي يعلى:

- ‌ كتب أبي الخطاب الكلوذاني:

- ‌ كتب الحنابلة الأخرى:

- ‌ كتب فقهية أخرى:

- ‌ فتاوى بعض السلف:

- ‌ كتب ابن المنذر:

- ‌ كتب أخرى:

- ‌ كتب ابن حزم:

- ‌ كتب الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام:

- ‌ كتب الفتوى:

- ‌ كتب أصول الفقه:

- ‌ كتب الحيل:

- ‌ كتب التفسير:

- ‌ كتب اللغة والغريب والأدب والتاريخ:

- ‌ كتب التوحيد والعقائد:

- ‌ موارد المصنف الحديثية:

- ‌ الصحف والنسخ الحديثية

- ‌ دواوين السنة المشهورة (الصحاح، السنن، المسانيد والمعاجم):

- ‌ السنن:

- ‌ المسانيد والمعاجم:

- ‌ كتب أحاديث الأحكام وشروحها:

- ‌ كتب العلل:

- ‌ كتب مسندة تعتني بالأحاديث وآثار السلف:

- ‌ كتب التراجم والرواة والجرح والتعديل:

- ‌ المصادر الشفهية وما في حكمها:

- ‌ بين المصنّف وشيخه ابن تيمية:

- ‌منهج ابن القيم في كتابه

- ‌المحور الأول: الاستدلال والاستنباط:

- ‌ وجوب ذكر الدليل والتحقق من صحته:

- ‌ معنى كتاب اللَّه عند ابن القيم

- ‌ منزلة القرآن والسنة من الاستنباط:

- ‌ ضرورة الاحتجاج بالسنّة:

- ‌ الاحتجاج بالصحيح من السنة دون الضعيف:

- ‌ مؤاخذات حديثيّة على المصنّف:

- ‌ تقديم الأدلة النقلية على غيرها:

- ‌الاستدلال بالنظر والقياس الصحيح والمعقول:

- ‌ عمل أهل المدينة:

- ‌ أقسام العمل عند ابن القيم:

- ‌ الاستصحاب:

- ‌ كلمة في حجية القياس:

- ‌ الاستنباط وبيان وجوه الاستدلال:

- ‌ عنايته بمحاسن الشريعة وحِكَمها

- ‌ ابن القيم ومقاصد الشريعة:

- ‌المحور الثاني: التفصيل والتأصيل والتحليل والاستيعاب وطول النَّفس مع التكامل والانسجام:

- ‌أولًا:

- ‌ثانيًا:

- ‌ثالثًا:

- ‌رابعًا:

- ‌خامسًا:

- ‌سادسًا:

- ‌سابعًا:

- ‌ثامنًا:

- ‌تاسعًا:

- ‌المحور الثالث: الإنصاف والأمانة والتقدير والموضوعية والترجيح:

- ‌أولًا:

- ‌ثانيًا:

- ‌ثالثًا:

- ‌رابعًا:

- ‌خامسًا:

- ‌سادسًا:

- ‌سابعًا:

- ‌المحور الرابع: طريقته في العرض وأسلوبه في البحث:

- ‌أولًا: أسلوبه الأدبيُّ:

- ‌ثانيًا: حسن الترتيب واتّساق الأفكار وتسلسلها:

- ‌ثالثًا: التكرار:

- ‌رابعًا: الاستطراد

- ‌خامسًا: العناية بالجانب الوجداني وإيقاظ الشعور الإيماني

- ‌سادسًا: بين التواضع والاعتزاز:

- ‌الجهود المبذولة في كتابنا هذا

- ‌ أهمية الكتاب وفائدته:

- ‌ أثر الكتاب في مؤلفات ودراسات من بعده:

- ‌الأصول المعتمدة في نشرتنا هذه

- ‌ النسخة الأولى:

- ‌ النسخة الثانية:

- ‌ النسخة الثالثة:

- ‌ النسخة الرابعة:

- ‌أشهر طبعات الكتاب وتقويمها:

- ‌ تقويم الطبعات التي وقفت عليها وعملي في هذه النشرة والدافع لها:

- ‌ ملاحظاتي على تخريج الأحاديث في الطبعات السابق ذكرها:

- ‌ طبعة عبد الرحمن الوكيل

- ‌ طبعة دار الجيل

الفصل: ‌ وجوب ذكر الدليل والتحقق من صحته:

‌منهج ابن القيم في كتابه

يتضح لنا من خلال العرض السابق، والنظر الفاحص المتمعن في الكتاب، أن لصاحبه منهجًا مطردًا علميًّا فيه، نجمله في المحاور الأربعة الآتية:

‌المحور الأول: الاستدلال والاستنباط:

ابن القيم إمام ربانيّ، لا يطوي قلبه، ولا يسطر يَراعُهُ حكمًا في مسألة من غير دليل، يشمل هذا كتابنا وغيره، وذكر ذلك العلماء في ترجمته، فيقول -مثلًا- الشوكاني عنه:"كان متقيّدًا بالأدلة الصحيحة، معجبًا بالعمل بها، غير معوّل على الرأي، صادعًا بالحق، لا يحابي فيه أحدًا"(1).

*‌

‌ وجوب ذكر الدليل والتحقق من صحته:

وقال: "وليس له على غير الدليل معول في الغالب، وقد يميل نادرًا إلى مذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلّة بالمحامل الباردة، كما يفعله غيره من المتمذهبين، بل لا بد له من مستند في ذلك، وغالب أبحاثه الإنصاف، والميل مع الدليل حيث مال، وعدم التعويل على القيل والقال"(2).

وقال عنه أيضًا: "وبالجملة؛ فهو أحد من قام بنشر السنة، وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جُنّة، فرحمه اللَّه، وجزاه عن المسلمين خيرًا"(3).

ويركز ابن القيم في كتابه هذا تركيزًا شديدًا على ضرورة ذكر الدليل، فقال:

"ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك، ولا يُلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه، وقلّة بضاعته من العلم"(4)، وبيّن أن هذا هو طريق أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خلافًا لأهل الأهواء والبدع، فقال:

(1)"البدر الطالع"(2/ 143 - 144).

(2)

"البدر الطالع"(2/ 144 - 145).

(3)

"البدر الطالع"(2/ 145).

(4)

"إعلام الموقعين"(5/ 49).

ص: 162

"وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا سُئلوا عن مسألة يقولون: قال اللَّه كذا، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا، وفعل كذا، ولا يعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيلًا قط فمن تأمَّل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور، فلما طال العهد وبُعدُ الناسِ من نور النبوة صار هذا عيبًا عند المتأخرين أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال اللَّه، وقال رسول اللَّه، أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول اللَّه وقول رسوله لا يفيد اليقين في مسائل أصول الدين، وإنما يحتج بكلام اللَّه ورسوله فيها الحشوية والمجسمة والمشبهة، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يُذكَرُ فيها نَصٌّ اللَّه تعالى، ولا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلَّدوه دينهم، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء، والأموال على قول ذلك المصنِّف، وأجلّهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ ذلك الكتاب ويقول: هكذا قال، وهذا لفظه، فالحلال ما أحلَّه ذلك الكتاب، والحرام ما حرمه، والواجب ما أوجبه، والباطل ما أبطله، والصحيح ما صححه هذا. . . "(1).

وقال أيضًا: "عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالمُعيب، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان اللَّه عليهم والقياس الصحيح عيبًا؟ وهل ذكر قول اللَّه ورسوله إلا طراز الفتاوى؟ وقول المفتي ليس بموجب للأخذ به، فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي أن يخالفه وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم.

وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُسأل عن المسألة فيضرب لها الأمثال ويشبهها بنظائرها، هذا وقوله وحده حجة، فما الظن بمن ليس قوله بحجة؟ ولا يجب الأَخذ به وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ له قبول قوله، وهيهات أن يسوغ بلا حجة، وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إذا سئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها فيقول: قال اللَّه كذا، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا، فيشفى السائل، ويبلغ القائل، وهذا كثير جدًّا في فتاويهم لمن تأمَّلها، ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه وعلمه يأبى أن

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 65).

ص: 163

يتكلم بلا حجة، والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل، ثم طال الأمد وبَعُدَ العهد بالعلم وتقاصرت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلًا، ولا مأخذًا ويعترف بقصوره وفضل من يفتي بالدليل، ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى ما حالهم في الفتاوى، واللَّه المستعان" (1).

وقد اختار ابن القيم هذا الموقف في العصر الذي كان فيه التقليد بالمعين أمرًا سائدًا؛ بحيث كان يظن كل فقيه ومفت أن العمل على مذهب إمامه واجب، وأنه لا تجوز مخالفته في حالة ما، ولذلك كانت الطريقة المتبعة عند الفقهاء أنهم كانوا لا يستدلون على المسائل الطارئة من النصوص الشرعية، بل كانوا يكتفون بذكر المقتبسات من الكتب الفقهية أو بنقل آراء الفقهاء، ولكن العلامة ابن القيم قد خالف هذا المنهج، والتزم عند استنباط المسائل واستخراجها طريقة منفردة منه، وروجها وعممها، وهي: أنه كان يرجع أولًا للعلم بوجهة الشريعة في المسائل الطارئة إلى الكتاب والسنة ويستأنس فيها بآثار الصحابة والتابعين، وكان يذكر في هذا الصدد آراء أئمة الفقه أيضًا، وإن كان يضطر إلى اختيار أثر من آثار الصحابة والتابعين وقول من أقوالهم، أو إلى رأي من آراء الفقهاء في مسألة عند عدم وجود نص صريح واضح من الكتاب والسنة فيها، فكان يقبل ويرجح قطعيًا في هذه الحالة رأيًا أقرب إلى الكتاب والسنة وإن لم يوافق ذلك مذهبه الفقهي، وكان يتبع هذا المنهج أيضًا عند الاجتهاد في المسائل المتجددة فكان يقوي ويبرهن فتواه وقوله بنصوص من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين لا بأقوال الفقهاء، ولا يعني هذا أنه لا يوجد ذكر الكتاب والسنة قطعًا لدى تشريح المسائل الفقهية وتوضيحها أو تفريعها عند غيره من الفقهاء المعاصرين له، بل الاستشهاد والاستئناس بالنصوص الشرعية عندهم أيضًا يوجد بدون شك، ولكنه تبعًا لأنهم كانوا يذكرون مواقف أئمتهم من الفقهاء المجتهدين وحججهم بدلًا من أن ينتفعوا بهذه النصوص مباشرة، فيكتفون بنقل النصوص الواردة في دلائل أئمتهم، أما ابن القيم فعندما كان يتعرض للمسائل الفقهية كان يستأنف التفكير في الكتاب والسنة وبعد التفكير وإمعان النظر في الأدلة كان يستنتج النتائج، ثم إن لم يكن بد من مزيد التصريح والتوضيح فيستأنس بآراء الفقهاء القدامى.

(1)"إعلام الموقعين"(5/ 200 - 201).

ص: 164