الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحصل الكلام أنه رحمه الله لم يوجب على نفسه تقليد الأشخاص والرجال واتباعهم في الفقه وغيره من الأمور، بل كان يعتبر الكتاب والسنة وآثار الصحابة أسوة وقدوة لنفسه، وإن هذه الوجهة تضاعف بها التوطيد والتدعيم في ارتباط الفقه مع القرآن والسنة وبها قوي واستحكم أمر إجالة الفكر والنظر والاجتهاد في المسائل الفقهية.
وهذه السمة في منهجه الفقهي منحته رفعة وعظمة وقبولًا عند جميع المنصفين.
- ترتيب الأدلة:
*
معنى كتاب اللَّه عند ابن القيم
(1):
- من خلال النقولات السابقة نجد أن ابن القيم اعتبر النصوص أصلًا أولًا للاستنباط، ويراد بالنصوص، نصوص الكتاب والسنة، ولم يهتم ابن القيم بإعطاء تعريف للكتاب والسنة، إلا ما جاء عرضًا، حيث نجده يبيّن من خلال رسالة عمر إلى أبي موسى المراد من لفظ (كتاب اللَّه) الوارد في "ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه. . . "(2)، فيقول:
"ومعلوم أنه ليس المراد به القرآن قطعًا، فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن، بل علمت من السنة، فعلم أن المراد بكتاب اللَّه حكمه، كقوله {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كتاب اللَّه القصاص في كسر السن" (3) فكتابه سبحانه يطلق على كلامه وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم"(4).
*
منزلة القرآن والسنة من الاستنباط:
يظهر من خلال ما سبق أن القرآن والسنة عند ابن القيم في منزلة واحدة، ويؤكد ذلك أمور:
أولًا: قال في معنى (الذكر): "اللَّه أمر بسؤال أهل الذكر، والذكر هو
(1) انظر: "ابن القيم أصوليًا"(48).
(2)
انظر تخريجه في التعليق على (1/ 93، 3/ 112).
(3)
انظر تخريجه في التعليق على (2/ 113).
(4)
"إعلام الموقعين"(2/ 114).
القرآن، والحديث الذي أمر اللَّه نساء نبيّه أن يذكرنه بقوله:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، فهذا هو الذكر الذي أمرنا اللَّه باتباعه" (1).
فجعل رحمه الله الكتاب والسنة في منزلة واحدة.
ثانيًا: لما عدّ أصول الإمام أحمد (2)، اعتبر الكتاب والسنة شيئًا واحدًا أو أصلًا واحدًا، فعبر عنه بالنصوص، فهو بذلك يضعهما في رتبة واحدة، للتلازم بين الكتاب والسنة، من حيث أن السنة مبيّنة ومفصّلة وموضّحة لمجمل القرآن.
ثالثًا: ذكر أن اللَّه عز وجل نصب رسوله صلى الله عليه وسلم: "منصب المبلغ المبتن عنه، فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن اللَّه أن هذا شرعه ودينه"(3) قال:
"ولا فرق بين ما يبلِّغه عنه من كلامه المتلو، ومن وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع، ومخالفة هذا كمخالفة هذا"(4).
فهذا تصريح منه في وجوب امتثال أوامر الكتاب والسنة، واجتناب نواهيهما.
رابعًا: قال في معنى (الرد) الواجب عند التنازع في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، "إن الناس أجمعوا أنّ الرد إلى اللَّه سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته، وإلى سنّته بعد وفاته"(5).
وجاء هذا الرد في سياق واحد، لخروجهما من مشكاة واحدة.
خامسًا: لما تحدث عن إتيان السنة بأحكام زائدة عن القرآن، قال:"فما كان منها زائدًا عن القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديمًا لها على كتاب اللَّه، بل امتثال لما أمر اللَّه به من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم"(6).
سادسًا: قوله عند شرح حديث: "إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب اللَّه وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"(7): "فلا يجوز
(1)"إعلام الموقعين"(2/ 529).
(2)
انظرها في "الإعلام"(1/ 50).
(3)
"الإعلام"(3/ 97).
(4)
"الإعلام"(3/ 97 - 98).
(5)
"إعلام الموقعين"(1/ 93).
(6)
"إعلام الموقعين"(3/ 84 - 85).
(7)
انظر تخريجه في التعليق على (3/ 84).