الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعطار، وكتابه الجامع لأمهات الأحكام، وحقائق الفقه، وأصول التشريع، وحكمه وأسراره، المسمى "إعلام الموقعين" وغيرهما مما يعجب ويطرب، لو لم يكن منها إلا هذان الكتابان لكفى" (1).
*
أثر الكتاب في مؤلفات ودراسات من بعده:
كان لكتابنا "الأعلام" أثر ظاهر في مؤلفات من بعده من كبار العلماء، على اختلاف فنونهم ومشاربهم، وأخصُّ الحنابلة منهم، فإنهم أقاموا لاختياراته في كتبهم ومصنفاتهم وزنًا، وأحالوا عليها، ونقلوا منها، وهذه أمثلة تدلل على ذلك (2):
* أثر كتابنا في كتاب "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل"(3) لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ) رحمه اللَّه تعالى.
(1)"ابن قيم الجوزية: حياته، آثاره، موارده"(ص 71 - 72).
(2)
فيما هو في "إعلام الموقعين"، وجلّ نقولاتهم الفقهية عن ابن القيم منه دون سائر مصنفاته.
(3)
من أجمع كتب الحنابلة، جمع مصنفه فيه ما وقع له من كتب الرواية، ومن الكتب الجامعة لها، ومن كتب المتون في المذهب بما فيها:"الفروع" المسمى: "مكنسة المذهب"؛ لكثرة ما حوى من آلاف الفروع، وتقدر الفروع في الصفحة بنحو خمسين فرعًا في منطوقه. . .، وما لحقها من الروح، والحواشي، والتعاليق، والتخاريج، والتصحيح، والتنقيح. . . وذلك في هذا الكتاب الجامع الفذ:"الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" وربطه بـ "المقنع" قاعدة انطلاق لمسائله، لانكباب الناس عليه، ثم أتبعها في كل باب ما فاته، وضم إليه من الفوائد، والتنبيهات، وثمرات الخلاف في المذهب، وغيره، ما تقر به عين الفقيه، ويبهر المتبحر، فضلًا عن الطالب المتعلم.
فصار بهذا للمذهب مجددًا، ولشمله جامعًا، ولرواياته، وتخاريجه، مصححًا ومنقِّحًا.
وقد بيَّن في مقدمته غاية البيان عن: مصادره، وسَمَّاها، وعن شرطه، وطريقته، ومسالك الترجيح، وطرق التصحيح، بحيث إذا عرفَ الفقيه هذه المقدمة مع مقدمة ابن مفلح لـ"الفروع"، ومقدمة المرداوي لـ"تصحيح الفروع"، وخاتمة ابن النجار الفتوحي لـ"شرح المنتهى"؛ صارت لديه العدة لمعرفة المذهب، وسلك المدخل لتحقيقه، وتصحيحه ومعرفة راجحه من مرجوحه.
وبالجملة فمسلكه في هذا الكتاب، نظير مسلك ابن قاضي عجلون الشافعي في "تصحيح المنهاج" للنووي، وهو لروايات المذهب مثل:"جامع الأصول" و"كنز العمال" في السنة، يجمع الروايات ومن خَرَّجها. =
أكثر المرداوي في "الإنصاف" من النقل من كتابنا "إعلام الموقعين" وهذا البيان:
1 -
قال في "الإنصاف"(5/ 420) في مسألة (مقاسمة الدَّيْن في الذمة):
"تنبيه: مراده بقوله "في الذمة" الجنس. فمحل الخلاف: إذا كان في ذمتين فأكثر، قاله الأصحاب. أما إذا كان في ذمة واحدة: فلا تصح المقاسمة فيها، قولًا واحدًا، قاله في "المغني" و"الشرح" و"الفروع"، وغيرهم.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يجوز أيضًا، ذكره عنه في "الاختيارات"، وذكره ابن القيم رحمه الله رواية في "إعلام الموقعين"".
2 -
وفي "الإنصاف" أيضًا (8/ 162 - 163) تحت (فائدة) في مبحث (نكاح المحلل) ما نصه:
"لو اشترى عبدًا وزوَّجه بمطلقته ثلاثًا، ثم وهبها العبد أو بعضه، ليفسخ نكاحها: لم يصح.
قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا طلقها ثلاثًا وأراد أن يراجعها، فاشترى عبدًا وزوجه بها: فهذا الذي نهى عنه عمر رضي الله عنه، يؤدبان جميعًا. وهذا فاسد، ليس بكفء، وهو شبه المحلل.
قال في "الفروع": وتزويجه المطلقة ثلاثًا لعبده بنية هبته، أو بيعه منها، ليفسخ النكاح: كنية الزوج. ومن لا فرقة بيده، ولا أثر لنيته.
وقال ابن عقيل في "الفنون" فيمن طلق زوجته الأمة ثلاثًا، ثم اشتراها لتأسفه على طلاقها: حِلُّها بعيد في مذهبنا، لأنه يقف على زوج وإصابة، ومتى
= ومن أهم مميزات هذا الكتاب: "الإنصاف" الآتي:
1 -
استوعب ما أمكن من الروايات في المذهب ومصادرها.
2 -
حوى بين دفتيه ما سبقه من أُمَّات كتب المذهب متنًا، وشرحًا، وحاشية، وحواها لا سيما المعتمدة منها؛ فصار كتابه مغنيًا عن سائر كتب المذهب قبله.
3 -
حوى اختيارات وتراجيح الشيوخ المعتمدين في المذهب؛ فصار دليلًا لتصحيحات شيوخ المذهب المعتمدين قبله.
4 -
حرر المذهب رواية، وتخريجًا، وتصحيحًا لما أطلق، وتقييدًا لما أخل بشرطه إلى آخر ما التزمه في مقدمته له، جاعلًا ما ذهب إليه الأكثر من الأصحاب هو المختار. انظر:"المدخل المفصل"(2/ 729 - 731)، "المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة"(334 - 336).
زوجها -مع ما ظهر من تأسفه عليها- لم يكن قصده بالنكاح إلا التحليل. والقصد عندنا يؤثر في النكاح، بدليل ما ذكره أصحابنا: إذا تزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج من البلد: لم يصح. ذكره في "الفروع".
قال المصنف، والشارح: ويحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل.
وقال العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين": لو أخرجت من مالها ثمن مملوك، فوهبته لبعض من تثق به، فاشترى به مملوكًا، ثم خطبها على مملوكه، فزوجها منه، فدخل بها المملوك، ثم وهبها إياه: انفسخ النكاح، ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه، وهو الزوج، فإنه لا أثر لنية الزوجة، ولا الولي، قال: وقد صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها (1).
فقال في "المغني": فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها. انتهى.
وهذه الصورة غير التي منع منها الإمام أحمد رحمه الله، فإنه منع من حلها إذا كان المطلق الزوج واشترى العبد وزوجه بإذن وليها ليحلها. انتهى" انتهى ما عند المرداوي.
قلت: وهذا الكلام في نشرتنا (4/ 448 - 449).
3 -
وفي "الإنصاف"(8/ 175) أيضًا تحت (فائدة) ما نصه:
"لو أبيح للحر نكاح أمة، فنكحها، ولم يشترط حرية أولاده: فهم أرقاء لسيدها. على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
وعنه: أن ولد العربي يكون حرًا، وعلى أبيه فداؤه. ذكره الزركشي في آخر كتاب النفقات على الأقارب.
وإن شرط حرية الولد، فقال في "الروضة" -فى إرث غرَّة الجنين-: إن شرط زوج الأمة حرية الولد: كان حرًا، وإن لم يشرط: فهو عبد. انتهى.
ذكره في "الفروع" في أواخر "باب مقادير ديات النفس".
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" -في (الجزء الثالث في الحيل) -
(1) نقله ابن المفلح في "المبدع"(7/ 86) عن ابن القيم في "الأعلام"، وقال بعده:"وفي المحرر" و"الفروع": ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيّته" وكذا في "كشاف القناع" (5/ 96) وصرح بالنقل عن كتابنا أيضًا.
المثال الثالث والسبعون: إذا شرط الزوج على السيد حرية أولاده: صح، وما ولدته فهم أحرار".
قلت: انظره في نشرتنا (4/ 406).
4 -
وفي "الإنصاف"(8/ 424 - 425) أيضًا تحت (فوائد) وذكر (الفائدة الأولى)، وقال:
"يحرم الخلع حيلة لإسقاط عين طلاق، ولا يقع على الصحيح من المذهب.
جزم به ابن بطة في مصنف له في هذه المسألة. وذكره عن الآجري، وجزم به في "عيون المسائل"، والقاضي في "الخلاف"، وأبو الخطاب في "الانتصار"، وقال: هو محرم عند أصحابنا.
وكذا قال المصنف في "المغني": هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق، والحيل خدع لا تحل ما حرم اللَّه.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: خلع الحيلة لا يصح على الأصح، كما لا يصح نكاح المحلل، لأنه ليس المقصود منه الفرقة، وإنما يقصد به بقاء المرأة مع زوجها، كما في نكاح المحلل، والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده. وقدمه في "الفروع".
وقيل: يحرم، ويقع.
وقال في "الرعايتين"، و"الحاوي الصغير": ويحرم الخلع حيلة، ويقع في أصح الوجهين.
قال في "الفروع": وشذ في "الرعاية"، فذكره.
قلت: غالب الناس واقع في هذه المسألة، وكثيرًا ما يستعملونها في هذه الأزمنة. ففي هذا القول فرج لهم.
واختاره ابن القيم في "إعلام الموقعين". ونصره من عشرة أوجه (1).
وقال في "الفروع": ويتوجه أن هذه المسألة، وقصد المحلل التحليل، وقصد أحد المتعاقدين قصدًا محرمًا، كبيع عصير ممن يتخذه خمرًا: على حد واحد، فيقال في كل منهما ما قيل في الأخرى".
قلت: انظر نشرتنا (4/ 231).
(1) نقل ابن ضويان في "منار السبيل"(2/ 963 - ط الباز) كلام ابن تيمية، وقال:"واختار ابن القيم في "إعلام الموقعين" أنه يحرم ويصح، أي: يقع، ونصره من عشرة أوجه".
5 -
وفيه (6/ 4 - 5) أيضًا (في الإجارة) عند قوله: (وفي لفظ البيع وجهان) قال: "بأن يقول: بعتك نفعها، وأطلقهما في "الهداية"، و"المذهب"، و"مسبوك الذهب" و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"الكافي"، و"الهادي"، و"المغني"، و"المذهب الأحمد"، و"التلخيص"، و"البلغة"، و"الشرح"، و"شرح ابن منجا"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير"، و"الفروع"، و"الفائق"، و"الزركشي"، و"القواعد الفقهية"، والطوفي في "شرح الخرقي".
قال في "التلخيص" و"الفائق": وأما لفظ البيع: فإن أضافه إلى الدار لم يصح، وإن أضافه إلى المنفعة فوجهان. انتهيا.
أحدهما: يصح. اختاره ابن عبدوس في "تذكرته"، والشيخ تقي الدين رحمه الله فقال في "قاعدة له في تقرير القياس" -بعد إطلاق الوجهين- والتحقيق: أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ كان من الألفاظ التي عَرَفَ به المتعاقدان مقصودهما. وهذا عام في جميع العقود، فإن الشارع لم يحدّ حدًّا لألفاظ العقود، بل ذكرها مطلقة. انتهى.
وكذا قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين".
قال في "إدراك الغاية": لا تصح بلفظ البيع في وجه. وقدمه ابن رزين في "شرحه".
والوجه الثاني: لا يصح، صححه في "التصحيح"، و"النظم".
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله -بعد ذكر الوجهين- بناء على أن هذه المعاوضة نوع من البيع، أو شبيهة به" (1).
قلت: انظره في نشرتنا (2/ 198).
6 -
وفيه (6/ 345) أيضًا تحت (فائدة جليلة) ما نصه:
"تثبت الوديعة بإقرار الميت، أو ورثته، أو بينته.
وإن وجد خط موروثه "لفلان عندي وديعة" وعلى كيس "هذا لفلان" عمل به وجوبًا، على الصحيح من المذهب.
قال في "الفروع": ويعمل به على الأصح.
(1) مثله في "تصحيح الفروع" للمرداوي أيضًا (4/ 421) وفيه زيادة، وهو قوله عن الوجه الأول:"قلت: وهو الصواب"، ونقله البهوتي في "كشاف القناع"(3/ 405) عن ابن تيمية، وقال:"ومعناه أيضًا لابن القيم في "إعلام الموقعين".
قال الحارثي: هذا المذهب، نص عليه من رواية إسحاق بن إبراهيم في الوصية، ونصره، ورد غيره.
وقال: قاله القاضي أبو الحسين، وأبو الحسن ابن بكروس، وقدمه في "المستوعب"، و"التلخيص"، وهو الذي ذكره القاضي في "الخلاف".
وقيل: لا يعمل به، ويكون تركة.
اختاره القاضي في "المجرد"، وابن عقيل، والمصنف، وقدمه الشارح، ونصره وجزم به في "الحاوي الصغير"، و"النظم".
وإن وجد خطه بدين له على فلان: حلف الوارث، ودفع إليه، قطع به في "المغني"، و"الشرح"، و"الفروع"، و"شرح الحارثي"، و"إعلام الموقعين".
وإن وجد خطه بدين عليه فقيل: لا يعمل به، ويكون تركة مقسومة.
اختاره القاضي في "المجرد"، وجزم به في "الفصول"، والمذهب، وقدمه في "المغني"، و"الشرح".
وقيل: يعمل به، ويدفع إلى من هو مكتوب باسمه.
قال القاضي أبو الحسين: المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه، أومأ إليه، وجزم به في "المستوعب".
وهو الذي ذكره القاضي في "الخلاف": هو ظاهر ما قطع به في "إعلام الموقعين"، وقدمه في "التلخيص"، وصححه في "النظم"، وهو المذهب عند الحارثي، فإنه قال: والكتابة بالديون عليه كالكتابة بالوديعة، كما قدمنا. حكاه غير واحد منهم السامري، وصاحب "التلخيص". انتهى".
7 -
وفيه أيضًا (9/ 5) بعد كلام:
"وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله أن قوله: "الطلاق يلزمني" ونحوه يمين باتفاق العقلاء والأمم والفقهاء، وخرجه على نصوص الإمام أحمد رحمه الله.
قال في "الفروع": وهو خلاف صريحها.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضًا: إن حلف به نحو "الطلاق لي لازم" ونوى النذر: كَفَّر عند الإمام أحمد رحمه الله. ذكره عنه في "الفروع" في كتاب الأيمان، ونصره في "إعلام الموقعين"، هو والذي قبله (1).
(1) وكذا في "كشاف القناع"(5/ 312 - 313)، وفي مطبوعه "نص"! بدل "نصر".
وقد ذكر أن أخا الشيخ تقي الدين رحمه الله اختار عدم الكفارة فيهما، وهو مذهب ابن حزم.
فعلى المذهب: إذا لم ينو شيئًا، فأطلق المصنف هنا في وقوع الثلاث أو وقوع واحدة الروايتين، وأطلقهما في "القواعد الأصولية"، وابن منجا في "شرحه"".
قلت: انظر نشرتنا (3/ 33، 4/ 301، 319، 334، 539).
8 -
وفيه أيضًا (9/ 111) تحت (فائدتين)، وذكر الثانية منهما، فقال:
"لو قالت امرأته "أريد أن تطلقني" فقال: "إن كنت تريدين" أو "إذا أردت أن أطلقك فأنت طالق" فظاهر الكلام: يقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه، للإرادة التي أخبرته بها. قاله ابن عقيل في "الفنون".
ونصر الثاني العلامة ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين"". انتهى.
قلت: انظره في نشرتنا (1/ 381 - 382، 3/ 484 - 485، 4/ 228، 517).
9 -
وفيه أيضًا (9/ 127) تحت (فوائد):
"فإن حلف على زوجته في شعبان بالثلاث أن يجامعها في نهار شهرين متتابعين فدخل رمضان. فالحيلة: أن يسافر بها.
قدمه في "الهداية"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير".
واختاره المصنف، والعلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين"".
10 -
وفيه أيضًا (10/ 391 - 392) تحت (تنبيه) في (التذكية بالسن)؛ ما نصه:
"ظاهر قوله: "إلا السن" أنه يباح الذبح بالعظم، وهو إحدى الروايتين. والمذهب منهما.
قال المصنف في "المغني": مقتضى إطلاق الإمام أحمد رحمه الله إباحة الذبح به، قال: وهو أصح.
وصححه "الشارح"، و"الناظم".
وهو ظاهر كلامه في "الوجيز".
قال في "الهداية"، و"المذهب"، و"الخلاصة"، وغيرهم: وتجوز الذكاة بكل آلة لها حد يقطع وينهر الدم، إلا السن والظفر.
قدمه في "الكافي"، وقال: هو ظاهر كلامه.
والرواية الثانية: لا يباح الذبح به.
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" في (الفائدة السادسة) بعد ذكر الحديث: وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام: إما لنجاسة بعضها، وإما لتنجيسه على مؤمني الجن.
واختاره ابن عبدوس في "تذكرته"، وقدمه ابن رزين في "شرحه".
قال في "الترغيب": يحرم بعظم، ولو بسهم نصله عظم.
وأطلقهما في "المحرر"، و"الرعايتين"، و"الحاويين"، و"الفروع"(1).
قلت: وكلام ابن القيم في "الأعلام" في نشرتنا (5/ 50).
11 -
وفيه (11/ 166 - 167) أيضًا وذكر نقلين من كتابنا هذا، قال تحت (فائدتين) وذكر (الثانية) فقال:
"لو تعين عليه أن يفتي وله كفاية، فهل يجوز له الأخذ؟ فيه وجهان.
وأطلقهما في "آداب المفتي"، و"الرعاية الكبرى"، و"أصول ابن مفلح"، و"فروعه".
واختار ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" عدم الجواز (2).
ومن أخذ رزقًا من بيت المال لم يأخذ أجرة لفتياه. وفي أجرة خطه وجهان: وأطلقهما في "الفروع".
أحدهما: لا يجوز.
قدمه ابن مفلح في "أصوله".
واختاره الشيخ ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين".
الثاني: لا يجوز.
ونقل المروذي فيمن يُسأل عن العلم، فربما أهدى له؟ قال: لا يقبل، إلا أن يكافئ.
(1) ومثله في "تصحيح الفروع" للمرداوي أيضًا (6/ 312).
(2)
مثله في "تصحيح الفروع" أيضًا (6/ 440).
ويأتي أيضًا حكم هدية المفتي عند ذكر هدية القاضي".
قلت: واختيار ابن القيم الأول في نشرتنا (5/ 159)، والثاني في (5/ 158).
12 -
وفيه أيضًا (11/ 861 - 187) عند الكلام على (صفات المفتي)، وهل تصح الفتوى من فاسق؟ قال:
"ولا تصح من فاسق لغيره، وإن كان مجتهدًا، لكن يفتي نفسه ولا يسأل غيره.
وقال الطوفي في "مختصره"، وغيره: لا تشترط عدالته في اجتهاده، بل في قبول فتياه وخبره.
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين": قلت: الصواب جواز استفتاء الفاسق، إلا أن يكون معلنًا بفسقه، داعيًا إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته" (1) ثم تكلم في الموطن نفسه عن (فتوى مستور الحال)، فقال:
"ولا تصح من مستور الحال أيضًا، على الصحيح من المذهب.
قدمه في "الفروع"، وغيره من الأصوليين.
وقيل: تصح.
قدمه في "آداب المفتي" وعمل الناس عليه.
وصححه في "الرعاية الكبرى".
واختاره الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين".
وقيل: تصح إن اكتفينا بالعدالة الظاهرة، وإلا فلا".
قلت: انظر كلام ابن القيم عن (فتوى الفاسق) في نشرتنا (5/ 138)، وعن (فتوى مستور الحال) فيها أيضًا (138 - 139).
13 -
وفيه (11/ 189) أيضًا:
"وإن حدث ما لا قول فيه تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت.
وقيل: لا يجوز في أصول الدين.
قال في "آداب المفتي": ليس له أن يفتي في شيء من مسائل الكلام مفصلًا، بل يمنع السائل وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلًا، وقدمه في "مقنعه".
(1) مثله في "كشاف القناع"(6/ 300)، وصرح بالنقل من "إعلام الموقعين".
وجزم به في "الرعاية الكبرى".
وقدم ابن مفلح في "أصوله": أن محل الخلاف في الأفضلية، لا في الجواز وعدمه، وأطلق الخلاف.
وقال في خطبة "الإرشاد": لا بد من الجواب.
وقال في "إعلام الموقعين" -بعد أن حكى الأقوال-: والحق التفصيل، وأن ذلك يجوز بل يستحب، أو يجب عند الحاجة، وأهلية المفتي والحاكم، فإن عدم الأمران: لم يجز، وإن وجد أحدهما: احتمل الجواز والمنع، والجواب عند الحاجة دون عدمها". انتهى.
قلت: انظر كلامه في نشرتنا (5/ 208).
14 -
وفيه (11/ 194 - 195) أيضًا في مسألة التّمذهب:
"وقال ابن مفلح في "أصوله": وقال بعض الأصحاب: هل يلزم المقلد التمذهب بمذهب، والأخذ برخصه وعزائمه؟ فيه وجهان.
قلت: قال في "الفروع" -في أثناء "باب شروط من تقبل شهادته"-: وأما لزوم التمذهب بمذهب، وامتناع الانتقال إلى غيره في مسألة: ففيه وجهان، وفاقًا لمالك والشافعي رحمهما اللَّه، وعدمه أشهر. انتهى.
قال في "إعلام الموقعين": وهو الصواب المقطوع به.
وقال (1) في "أصوله": عدم اللزوم قول جمهور العلماء، فيتخير.
وقال في "الرعاية الكبرى": يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر فلا يقلد غير أهله.
وقيل: بلى.
وقيل: ضرورة.
فإن التزم فيما يفتى به، أو عمل به، أو ظنه حقًا، أو لم يجد مفتيًا آخر: لزم قوله، وإلا فلا. انتهى.
واختار الآمدي منع الانتقال فيما عمل به.
وعند بعض الأصحاب: يجتهد في أصح المذاهب فيتبعه (2).
(1) أي: ابن مفلح، وكلامه في كتابه "أصول الفقه"(4/ 1562).
(2)
وكذا في "الفروع"(6/ 572)، وعقب هذا عنده:"وتقدم كلام الشيخ تقي الدين في كلام المصنف، وهو موافق لما قاله ابن القيم، وهو الصواب".
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: في الأخذ برخصه وعزائمه طاعة غير الرسول عليه الصلاة والسلام في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع". انتهى.
قلت: والكلام المشار إليه في نشرتنا (5/ 203 - 204).
15 -
وفيه: (11/ 221) أيضًا في مسألة (فتيا الحاكم هل هي حكم منه؟)، قال:
"قال القاضي في "التعليق"، والمجد في "المحرر": فعله حكم إن حكم به هو، أو غيره، وفاقًا، كفتياه.
فإذا قال: "حكمت بصحته" نفذ حكمه باتفاق الأئمة. قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين": فتيا الحاكم ليست حكمًا منه. فلو حكم غيره بغير ما أفتى: لم يكن نقضًا لحكمه، ولا هي كالحكم. ولهذا يجوز أن يفتى للحاضر والغائب، ومن يجوز حكمه له ومن لا يجوز". انتهى.
قلت: انظر نشرتنا (5/ 141).
16 -
وفيه (11/ 318) أيضًا ما نصه:
"وفي تضمين مفت ليس أهلًا: وجهان.
وأطلقهما في "الفروع".
واختار ابن حمدان في كتابه "أدب المفتي والمستفتي" أنه لا ضمان عليه (1).
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" في الجزء الأخير: ولم أعرف هذا القول لأحد قبل ابن حمدان.
ثم قال: قلت خطأ المفتي كخطأ الحاكم أو الشاهد" (2).
قلت: وكلامه في نشرتنا (5/ 147).
هذا، ولم يقتصر نقل المرداوي في كتابه "الإنصاف" من كتابنا "الإعلام"
(1) قال المرداوي في "تصحيح الفروع"(6/ 494) عقبه: "قلت: وهو بعيد جدًّا، لا وجه له".
(2)
قال المرداوي في "تصحيح الفروع"(6/ 494) عقبه: "هذا الذي قاله ليس من المسألة في شيء؛ لأن مراده بخطإ المفتي الذي هو أهل للإفتاء، والمسألة مفروضة فيمن ليس أهلًا، وعلى كل حال القول بعدم الضمان ضعيف جدًّا، والأولى للمصنف -أي: ابن مفلح في "الفروع"- أنه كان يقدم الضمان، واللَّه أعلم".
وإنما نقل منه في كتبه الأخرى، مثل "تصحيح الفروع"(1)، وهنالك نقولات مشتركة بينه وبين "الإنصاف"، وقد أشرتُ إليها في محالّها، وللَّه الحمد.
إلا أني ظفرتُ بمسألة هي فيه ليست في "الإنصاف"، وهي:
قوله في "تصحيح الفروع"(1/ 386):
"ولو سأل مفتيين واختلفا فهل يأخذ بالأرجح، أو الأخف، أو الأشد، أو يخيره؟ فيه أوجه، انتهى. أطلق الخلاف في عدة أقوال: أحدها: أنه يخير، اختاره القاضي وأبو الخطاب والشيخ الموفق في "الروضة"، نقله عنه المصنف في "أصوله"، ولم أره فيها وقطع به المجد في موضع من "المسودة"، قال أبو الخطاب: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقدمه المصنف في "أصوله"، والوجه الثاني: يأخذ بالأرجح، ذكره ابن البناء، وغيره، وهو الصحيح، واختاره بعض الأصحاب، قاله المصنف في "أصوله"، قال في "إعلام الموقعين" يجب عليه أن يتحرى، ويبحث عن الراجح بحسبه وهو أرجح المذاهب السبعة". انتهى.
قلت: انظر نشرتنا (5/ 205 - 206).
وهنالك نقولات عديدة جدًّا عند كثير من متأخري الحنابلة من كتابنا هذا، وأقتصر على بيان ذلك بالتفصيل من:
* كتاب "كشاف القناع"(2) للشيخ منصور بن يونس البهوتي (ت 1051 هـ).
1 -
قال فيه (3/ 273) في آخر (فصل: في المصارفة وهي بيع نقد بنقد)، وتكلم استطرادًا عن الحيل، قال:"وقد ذكر ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" من ذلك صورًا كثيرة جدًّا، يطول ذكرها، فَلْتعاود؛ لعموم الحاجة إليها".
2 -
وقال في (3/ 405)(فصل: في أحكام الجوار):
(1) حقق فيه ترجيحات ابن مفلح في "الفروع"، ودقق، وكأنما استظهر "الفروع"، فأتى بالعجائب، واسمه "تصحيح الخلاف المطلق في الفروع".
(2)
هو شرح "الإقناع لطالب الانتفاع" لموسى الحجاوي (ت 968 هـ)، قال السفاريني:"هو أحسن شروحه"، وهو شرح فريد محقَّق للكتاب، يورد فيه صاحبه غالبًا علل الأحكام، وأدلتها على طريق الاختصار، ويعزو الأقوال لقائليها، ويبين المعتمد في المواضع التي تعارض كلام "الإقناع"، وما خالف فيه "المنتهى" -متعرضًا لذكر الخلاف فيها- ليعلم مستند كل منهما، انظر:"المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة"(342).
ومما ينبغي ذكره أن في "كشاف القناع" مسائل مشتركة مع "الإنصاف" ذكرناها سابقًا في الهوامش، فراجعها.
"وفي "المبهج": في (الأطعمة): ثمرةُ غصنٍ في هواءِ طريقٍ عامٍّ للمسلمين" قال بعده: "ومعناه أيضًا لابن القيم في "إعلام الموقعين"، لأنّ إبقاءه إِذْنٌ عرفًا في تناول ما سقط منه".
3 -
وقال في (4/ 208) آخر (باب الجعالة):
"ولو وقع الحريق بدار ونحوها فهدمها غير صاحبها بغير إذنه على النار لئلا تسري النار، أو هدم قريبًا منها إذا لم يقدر على الوصول إليها وخيف تعديها وعتوها لم يضمن. ذكره ابن القيم في "الطرق الحكمية"، ثم قال: "ولو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل، ولا يهدم الدار كان محسنًا ولا يضمن" انتهى، وكذا في "إعلام الموقعين"".
4 -
وقال في (5/ 271)(باب الاستثناء في الطلاق):
"ويشترط في استثناء (نيةٍ قبل تمام المستثنى منه) فقوله: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، لا يعتد بالاستثناء إلا إن نواه قبل تمام قوله: أنت طالق ثلاثًا (وقطع به جمع. و) تصح نيته (بعده) أي بعد تمام المستثنى منه (قبل فراغه) من كلامه بأن يأتي به ناويًا له عند تمامه قبل أن يسكت (واختاره) أي اختار القول بصحة نيته بعد تمام المستثنى منه قبل فراغه (الشيخ و) تلميذه ابن القيم في "إعلام الموقعين"، وقال الشيخ: دل عليه كلام أحمد ومتقدمي أصحابه".
5 -
وقال في (5/ 290)(فصل: وإن قال العامي: أَنْ دخلت الدار، فأنت طالق، بفتح الهمزة وسكون النون):
"ولا فرق عند الشيخ تقي الدين بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أو غير مذكورة فإذا يتبين انتفاؤها لم يقع الطلاق. وقال في "إعلام الموقعين": وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره، فإذا قيل له: امرأتك قد شربت مع فلان وباتت عنده، فقال: اشهدوا على أنها طالق ثلاثًا، ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي، فإن هذا الطلاق لا يقع قطعًا، وأطال فيه. (ولذلك أفتى ابن عقيل في "فنونه" فيمن قيل له: زنت زوجتك، فقال: هي طالق، ثم تبيَّن أنها لم تزن أنها لا تطلق وجعل السبب) الذي لأجله أوقع الطلاق (كالشرط اللفظي وأولى). قال في "الاختيارات": وهو قول عطاء بن أبي رباح، وأطال فيه. وقال القاضي: تطلق مطلقًا، سواء كانت دخلت أو لم تدخل، وهو ظاهر "المنتهى". ويؤيده نص أحمد في رواية المروذي في رجل قال لامرأته: إن
خرجت فأنت طالق، فاستعارت امرأة ثيابها فلبستها فرآها زوجها حين خرجت من الباب، فقال: قد فعلت أنت طالق، قال: يقع طلاقه على امرأته، فنص على وقوع طلاقه على امرأته مع أنه وإن قصد إنشاء الطلاق، فإنما أوقعه عليها لخروجها الذي منعها منه ولم يوجد. أشار إليه ابن نصر اللَّه في "حواشي القواعد الفقهية"".
6 -
وقال في (6/ 308) في آخر (فصل: في أحكام تتعلق بالفتيا):
"ولو سأل العامي مفتيين فأكثر، فاختلفا عليه، تخيَّر، صححه في "الإنصاف"، وقال الموفق في "الروضة": لزمه الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه، وقال الطوفي في "مختصرها": والظاهر الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه، وفي "إعلام الموقعين": يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه، وهو أرجح المذاهب السبعة انتهى. والقول الأول اختاره القاضي وأبو الخطاب. قال: وهو ظاهر كلام أحمد، وقطع به المجد في موضع من "المسودة" وقدمه صاحب "الفروع" في "أصوله"".
وهنالك نقولات عديدة جدًّا؛ ظفرتُ بها في كثير من كتب فقهاء الحنابلة من كتابنا (1)، وفيما ذكرناه كفاية مع التنبه إلى ما أحلنا عليه في مبحث (نسبة الكتاب لمؤلفه) و (ضبط اسمه).
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام: لقد كان لكتابنا هذا تأثير كبير على المنتسبين لمذهب الحنابلة في تقاصر خدمتهم لكتب المذهب، ونقطة تحول في سيرهم إلى الدليل، والأخذ بالدليل من النِّعم السوابغ، ورحمة من اللَّه -سبحانه-
(1) لا تنس ما قدمناه من تعليقات على بعض النقولات السابقة، وهنالك نقولات في كتاب "دقائق أولي النهى لشرح المنتهى" المعروف بـ "شرح منتهى الإرادات"، فيها تصريح بالنقل من كتابنا هذا في مواطن، منها (كتاب الإجارة) في مبحث (ما تنعقد به الإجارة) و (كتاب القضاء والفتيا)(باب استفتاء الفاسق).
ونقل منه يوسف بن عبد الهادي في كتابه "سير الحاثّ"(ص 23 - 26، 37، 37 - 38، 39 - 40، 41، 46 - 48، 63 - 66، 79 ط الأخ العجمي) وكذا ابن مفلح في "المبدع"(7/ 68، 74، 86)، و"تصحيح الفروع"(6/ 281، 428)، والشويكي في "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح"(2/ 794) وصاحب "منار السبيل"(2/ 206 - ط المعارف أو 3/ 1047 - ط الباز) وصاحب "مطالب أولي النهى"(1/ 5، 49، 665 و 3/ 179، 582 و 4/ 172 و 5/ 127، 375، 407، 444 و 6/ 394 - ط المكتب الإسلامي) في جمع آخرين يعسر حصرهم، ويصعب تعدادهم.
للمتبوع والتابع (1).
هذا، ولم يقتصر الحنابلة على النقل من كتابنا في مباحثهم الفقهية، وإنما تعداه النقل إلى المباحث الأصولية، وهذه بعض الأمثلة التي تدلل على ذلك:
نقل منه الشيخ الفقيه الفتوحي الحنبلي في مواطن من كتابه "شرح الكوكب المنير"، منها (1/ 312، 4/ 526 - 527، 545)، والمرداوي في "التحبير في شرح التحرير" في مواطن أيضًا، منها (8/ 3985، 4005، 4007، 4042، 4043، 4045، 4048، 4099)(2).
وأكثر ما يظهر أثر هذا الكتاب في هذه الكتب في مباحث (الفتوى)(3) و (الاجتهاد) و (التقليد)، بل لا تكاد تجد أحدًا كتب في هذا الموضوع إلا ونقل من كتابنا هذا (4)، وأظهر مثال عليه رسالة "مبحث الاجتهاد والخلاف"(5) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنها برمتها منقولة من مواطن منه، وكذا "إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحميّة والعصبيّة بين فقهاء الأعصار"(6) للشيخ صالح بن محمد الفُلَّاني، فإن كثيرًا من مباحثها ونصوصها مأخوذة من كتابنا هذا، وقد صرح المصنف بذلك في مواطن منها، انظرها (ص 57، 99، 103، 107، 115، 120، 156، 162).
ويظهر أثر كتابنا جليًّا في كتب الحديث أيضًا، فنقل منه غير واحد من شراح الحديث المتأخرين وسمَّوه "إعلام الموقعين"، مثل: صاحب "عون المعبود"، فأكثر من النقل عنه في موضع تقوية اختياره، كما تراه في (3/ 146، 209 و 4/
(1) انظر: "المدخل المفصل"(2/ 613).
(2)
جل هذه المواطن اقترن فيها اسم ابن القيم مع كتابنا "إعلام الموقعين"، وفيها التصريح بذكر اختياراته، والقبول لها، وجلها في مباحث الفتوى.
(3)
نمي إليّ أن (الفتوى) عند ابن القيم في "الأعلام" موضع دراسة بعض الباحثين لنيل الشهادة العالمية من بعض جامعات ماليزيا، وتقدم بيان ذلك.
(4)
انظر: ما قدمناه (ص 35 - 37).
(5)
طبعت أكثر من مرة، أجودها بتصحيح ومقابلة عبد العزيز الرومي وصالح الحسن، وهي ضمن "مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، (القسم الثاني/ الفقه/ المجلد الثاني/ الرسالة الثانية)، بتصحيح ومقابلة عبد الرحمن السدحان وعبد اللَّه الجبرين، وقالا في مطلعها (ص 3): "وهي منقولة باختصار من "إعلام الموقعين" لابن القيم رحمه الله".
(6)
لصاحب هذه السطور تحقيق عليه، يسر اللَّه إتمامه وإظهاره والنفع به.
101 و 6/ 198، 200 و 8/ 5 و 9/ 365، 370 و 10/ 197 و 12/ 228 و 13/ 28 - ط دار الكتب العلمية) وكذلك فعل صاحب "تحفة الأحوذي"، انظر منه:(1/ 29، 34، 201، 409، 479 و 2/ 37، 60، 73، 241 و 3/ 212، 245 و 4/ 383، 386، 465 و 6/ 478 - ط دار الكتب العلمية).
بل تجد لكتابنا هذا ذكرًا في الكتب الحديثية التي اعتنت بجمع الأحاديث المتواترة، فنقل منه -مثلًا- الكتاني في مواطن من كتابه "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"، فذكر حديث "الإشارة بالسبابة في التشهد" وقال (ص 107):"وذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين" أمثلة ترك فيها المحكم للمتشابه، وعد منها هذا. . " ونقل كلامه بطوله، وذكر (ص 212) حديث "إن المدينة حرام" فقال:"ذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين" أنه رواها بضعة وعشرون صحابيًا. . " وساق نص كلامه، بل نقل منه ابن حجر في "التهذيب" في زياداته على المزي في ترجمة (يحيى بن أبي إسحاق الهنائي)(1) لكلام صاحبه في هذا الراوي.
وأما عن المعاصرين، وأثر هذا الكتاب في دراساتهم وأبحاثهم وتحقيقاتهم؛ فأمر لا يخفى على أحدٍ، وهو منتشر جدًّا، وواسع، ونذكر مثالًا واحدًا من أعيان الدراسات المهمة التي لها صلةٌ به، وذِكْرٌ له:
* قال الباحث محمد بن إبراهيم في كتابه "الحيل الفقهية في المعاملات المالية"(ص 12) في معرض حديثه عن جهود العلماء في (الحيل)، قال:
"أما الكتب القديمة، فهي رغم اغترافها من بعضها لدرجة التشابه، وأحيانًا التماثل غير مستوفية ولا مستوعبة، إذ بعضها أو جلها ينقصه التأصيل والتدليل، فهو يتحدث عن الحيل وكأنه يعلم الناس الفاتحة، على حد تعبير ابن القيم، زيادة على كزازة العبارة وغموضها أحيانًا، وبعد المصطلح الفقهي القديم عن المصطلحات الحديثة، بالإضافة إلى الخلط وعدم التفريق بين أقسام الحيل، وزيادة عن سوء الطبع ورداءة الإخراج، وكثرة الأخطاء المطبعية وغير المطبعية.
ويتمثل هذا واضحًا في كتب أعتبرها من مصادري الأصلية مثل: "المخارج في الحيل"، لمحمد بن الحسن الشيباني (2)، و"الحيل والمخارج" للخصاف، و"الحيل في الفقه"، للقزويني الشافعي.
(1)(11/ 157).
(2)
في نسبته إليه شك، وقدمنا من أنكر ذلك (ص 92)، واللَّه الموفّق.
ولا يستثنى من هذا إلا كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم، و"الفتاوى" لشيخه ابن تيمية. فهما قد ربطا بين التأصيل والتدليل، وبين التطبيق، مع حسن الطبع، والإخراج نسبيًا".
واستعرض (ص 45 - 47) جهود المستشرقين في نشر كتب (الحيل) التراثية (1)، ثم قال (ص 47):
"لقد سبق لابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن نشرا كثيرًا من الحيل، ونشرا أدلة أصحابها بنصاعة ووضوح، خاصة ابن القيم الذي عرض أدلة أصحاب الحيل في قوة ونزاهة ونصاعة عبارة حتى لو وقف عندها القارئ غير المتفقه لآمن بأن الحيل من أصول التشريع الإسلامي قطعًا، ولكنهما، يشنان عليها حملة تفنيد ودحض لما لا يجوز منها، في نفس المستوى من القوة والتجرد ونصاعة العبارة وصلابة الحجة، هي في الحقيقة صلابة الحق والجد والبناء، لا الباطل واللعب والهزل والتخريب".
ووصف (ص 159) جهد ابن القيم في موضوع (الحيل) بأنه "جهد عقلي خصب" وقال (ص 163) بعد كلام: "رحم اللَّه ابن القيم، فكأنه يتحدث عن زماننا، وما انتشر فيه من مفاسد وجرائم بمجرد تبديل الأسماء" وقال (ص 164): "هكذا يصور ابن القيم مفاسد عصره المتولدة عن حيل النفوس المريضة المتذرعة بالذرائع الفاسدة والحيل المرفوضة، فإذا هو رحمه الله يعفينا من تصوير مفاسد عصرنا، التي هي بعينها، هان اختلفت الصور أحيانًا، والمظاهر والطرق والوسائل أحيانًا أُخرى" وقال (ص 198): "أسلوب ابن القيم أسلوب طلق واضح ومشرق".
والأمثلة على استفادة المعاصرين من كتابنا كثيرة، ولكن الذي يذكر أيضًا أن بعضهم انتقد بعض مسائله، كالبوطي (2)، والجيدي (3)، وسبق (4) نقل كلامهما، والإيماء إلى ما فيه.
(1) انظرها في "معجم الموضوعات المطروقة"(1/ 462 - 463).
(2)
في كتابه "ضوابط المصلحة"(300، 303)، و"فقه السيرة"(337).
(3)
في كتابه "العرف"(315 - 316).
(4)
انظر: (ص 54 ت، 177، 178).