الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث) مع ملاحظة تكرار بحث المصنف والإشارة إليها.
- حكم الاستثناء في الطلاق، استغرقت في نشرتنا نحو أربع وثلاثين صفحة فبدأ من (ص 462) وانتهى بـ (ص 496) من (المجلد الرابع).
سادسًا:
من السِّماتِ المنهجية المهمة لفقه الإمام ابن القيم في كتابنا هذا التحليل والتأصيل وسعيه نحو التقعيد، فهو "يغوص في مدارك المسائل بنظره الثاقب، فيستخرج جميع الوجوه والاحتمالات، ثم يعطي كل احتمال حكمه الشرعي"(1).
فالمصنف يعمل على تكييف المسألة من ناحية فقهية، ويذكر ما فيها من اختلاف الفقهاء وأقوالهم وآرائهم واجتهاداتهم (2)، على وجه يكون الغرض منه الاستفادة الشمولية الكلية لتأصيل وتقعيد أصولي أو منهجيّ، مدلل عليه، معروف عند السلف الصالح، وذلك من خلال فحص واختبار ما استدل به كل فريق، وإلغاء ما ليس مناسبًا، وإثبات الصالح المناسب، وهذا ما عنيناه بـ (التحليل)، الذي عُرِّف بأنه "عملية عقلية في جوهرها، وهو ينحصر في عزل صفات الشيء، أو عناصره بعضها عن بعض، حتى يمكن إدراكه بعد ذلك إدراكًا واضحًا"(3).
فالمصنف يبحث المسائل على وجه عميق جدًّا، مجاوزًا المنهج التقليدي عند الفقهاء، ممن يعملون على عرض المسائل باعتماد طريقة الأبواب والفصول التي درج عليه فقهاء ذلك العصر، وأصبحت -بناء عليه- مجموعة من المسائل وبحكم مجموعة من المقدمات، من المسلّمات، فرأى ابن القيم أنها تحتاج إلى عرض جديد، بثوب جديد، على خلاف الطريقة المعهودة المطروقة، التي تنطلق من الجزئيات، فوظف الأمور الكلية الفطعية لنصرتها ورجحانها، بجانب الأحاديث النبوية، والآثار الصحابية والتابعية فكانت هذه (المعلمة)(الأصولية) الأصيلة و (الفقهية) التحليلية العميقة.
ورحم اللَّه القرافي لما قال: "وأنت تعلم أن الفقه -وإنْ جلَّ- إذا كان مبددًا، تفرقت حكمته، وقلّت طلاوته، وضعفت في النفوس طُلْبَتُه، وإذا رتبت الأحكام مخرجة على قواعد الشرع، مبنية على مآخذها، نهضت الهمم حينئذٍ
(1)"القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين"(ص 97).
(2)
انظر ما سيأتي تحت (المحور الثالث).
(3)
"المنطق الحديث ومناهج البحث"(ص 263) لقاسم محمود.
لاقتباسها، وأعجبت غاية الإعجاب بتقمص لباسها" (1).
ويجد منعم النظر في كتابنا هذا تأصيلًا وتحليلًا لكثير من المسائل والمباحث، بلغت مرتبة النضوج والاكتمال وصيغت على هيئة قواعد (2) تجريدية
(1)"الذخيرة"(1/ 36).
(2)
ذكر المرداوي في "التحبير شرح التحرير"(8/ 3837) أن ابن القيم ذكر قواعد في الأصول، وكذا في المذهب، ووصفها بـ (كثيرة)، وقال:"أتى بأشياء كثيرة حسنة جدًّا نافعة لطالب العلم"، وقال:"يجب على كل من أراد إحكام علم أن يضبط قواعده، ليرد إليها ما ينتشر من الفروع، ثم يؤكد ذلك بالاستكثار من حفظ الفروع؛ ليرسخ في الذهن، فيتميّز على نظرائه بحفظ ذلك واستحضاره" انتهى.
وهذا نص مهم فات من خَصَّ دراسة القواعد عند ابن القيم بالتَّصنيف، ومما يذكر في هذا الباب: أن كتابنا "إعلام الموقعين" من أنبل كتب ابن القيم "وأجلها وأثراها بالقواعد الفقهية والتخريج عليها" وأن "هذا الكتاب (وثيقة شرعية للقواعد الفقهية) "، أفاده الشيخ العلامة بكر أبو زيد في تقديمه لـ"القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب "إعلام الموقعين""(ص 5).
وقد استقرأ الأستاذ عبد المجيد جمعة الجزائري هذا في كتابه "القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب "إعلام الموقعين"". واستخرج منه (تسعًا وتسعين) قاعدة، وقال في ديباجته (ص 13 - 15) عن كتابنا هذا بعد أن أنعم النظر فيه: "ألفيتُه كتابًا زاخرًا بدرر القواعد، وافرًا لِغرر الفوائد، حافلًا بأنواع المعارف والموائد، قد بلغ فيه مؤلفه الغاية، وأظهر فيه الكفاية. فغُصْتُ في بحره الرّائق، أستخرج من كنز الدّقائق، درَّه النّفيس، فجمعت ما يحكم العِقْد، ويوفي بالقصد.
وبعد الاستخارة والمشاورة، انشرح صدري، واطمأنت نفسي إلى البحث، فسجّلته تحت عنوان:"القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب "إعلام الموقعين" للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله".
ثم ذكر (سبب اختياره لهذا الموضوع)، ونجتزئ منه ما يكشف عن (القواعد الفقهية): وجودًا وأهمية، قال:
"إنّ العلّامة ابن القيم رحمه الله كانت له اليد الطّولى، والقدم الرّاسخة في دقائق الاستنباط، لما كان يتمتّع به من جودة الفكر، ودقّة النظر، ونور البصيرة، وصفاء القَرِيحة، وتوقّد الذهن، وحسن الفهم، الأمر الذي مكّنه من تفهم روح الكتاب والسّنة، والاستشراف على أسرار الشّريعة الإسلاميّة الغرّاء، فلا غرو أن يأتي -هذا الجهبذ- بغرر القواعد.
إنَّ العلّامة ابن القيّم رحمه الله كان يعرف بفيض علمه، وسعة اطّلاعه، وتبحّره في الفقه الإسلامي، ومعرفته بأصول المذاهب، ومآخذ الأقوال، حتى صار من العلماء الأعلام، وأئمّة الإسلام، الّذين لا يُشَقُّ غبارهم، ولا تُغمزُ قناتهم، بشهادة أهل العلم له، فحريٌّ -بمثل هذا النِّحرير- أن يخرّج المسائل، ويجمع الأمثال، ويؤلف الأشباه في قواعد كليّة عامّة، وضوابط فقهية هامّة.
مساهمته بقسط وافر، وعلم زاخر، في تأسيس القواعد، وبناء صرح هذا العلم الفاخر. =
متحررة من المذهبيّة، أو الطريقة التقليديّة في عرض مادة (الأصول) أو (الفقه) وهو قفزة علمية عملية من فوق (الركود) و (التراكم) -المعروفين في ذلك الزمن- إلى (النصوص) و (القواعد) المتبعة عند (السلف) في الاستدلال والاستنباط، مع تزييف ما خرج عنهما من (المسائل)، أو أدخل فيهما زورًا من (المبادئ) و (الكليات).
وإن النهضة العلمية اليوم تتطلب من تلاميذها العكوف على مثل هذا النوع من المؤلفات، ودراستها بتمحيص من ناحية نظرية ليكون لها أثر علمي في (النوازل المستجدة)، لتتواصل مسيرة (الخير) و (العلم) على (منهج) واحد جامع بين (الأفهام) قائم على (الحق) و (العدل)، ولا سيما مع كثرة المستجدات في الوقت الحاضر في سائر ضروب وميادين الحياة، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبية.
ومن نافلة القول: إن صياغة القواعد الفقهية، أو الضوابط التي كانت معتبرة عند السلف تحتاج إلى قدرة بيانية، وكفاءة فقهية عالية، واستحضار تام لأغلب المسائل الفروعية، وأن هذه الأسباب والشروط تحققت في الإمام ابن القيم، فلا عجب أن يكون له فيها الباع الطويل.
= إنّه رحمه الله شخصية فقهية مستقفة، متحزرة من قيود المذهبيّة، حيث كانت نظرته إلى القواعد كنظرته إلى الفروع والمسائل، يرى أنّ فيها المقبول، وفيها المردود، فما كان فيها مقبولًا أيّده بالدّليل من الكتاب والسّنة، وإجماع الأمة والقياس الصّحيح؛ وما كان فيها مردودًا أتى عليه بالنّقد البنّاء؛ فإبراز هذا الفن في مثل هذه الشخصية خير معين لطلبة هذا الفنِّ على التمييز بين صحيح القواعد وسقيمها، وببن مقبولها ومردودها.
- إنّ القواعد الفقهية في كتاب "إعلام الموقعين" متناثرة، والفوائد فيه متطايرة، وقد يبذل الباحث جهده، وينفد وجده في جمعها والوقوف عليها، وربّما لا يتأتى له منها إلا النّزر اليسير، فأحدث اللَّه في نفسي أن تلك القواعد المهمّة، والفوائد الجمّة لو اجتمعت في كتاب، وحيث تبنى عليها فروعها، وترد إليها مسائلها، لكانت قريبة التّناول، سهلة المأخذ، ولتكيّفت نفس الواقف عليها بها مجتمعة أكثر مما إذا رآها مفرّقة.
- إنّ جمع القواعد الفقهية، واستخراجها من كتاب "إعلام الموقعين" يبرز هذا الفنّ في شخصية الإمام ابن القيّم رحمه الله العلمية.
- المساهمة في خدمة الجانب الفكري لشخصيته العلمية، وذلك أن كثيرًا من الباحثين تناولوا بالدراسة شخصيته من زوايا مختلفة" ثم ختم كلامه، بقوله:
"إنّ كتاب "إعلام الموقّعين" من أنفس ما أفاض به علم ابن القيّم رحمه الله، فقد اشتمل على أصول الشّريعة وحِكَمِها، وكشف عن أسرارها ومحايشها، وزخر بغرر القواعد ومسائلها، فكان حريًّا بالدّراسة واستخراج تلك القواعد منه".
وساق الباحث عبد اللَّه لخضر في أطروحته "ابن القيم أصوليًا"(ص 442 - 443) أُمَّاتِ القواعد الأصولية والفقهية الموجودة في كتابنا هذا.