الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيهقي في "الشعب" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون". وفي رواية: وقولوا: "آمنا بالله وبكتبه وبرسله، فإن قالوا باطلًا .. لم تصدقوهم، وإن قالوا حقًا .. لم تكذبوهم".
قال ابن الملك (1): إنما نهى عن تصديقهم وتكذيبهم؛ لأنم حرفوا كتابهم، وما قالوه إن كان من جملة ما غيروه، فتصديقهم يكون تصديقا بالباطل، وإن لم يكن كذلك .. يكون تكذيبهم تكذيبًا لما هو حق، وهذا أصل في وجوب التوقف فيما يشكل من الأمور والعلوم، فلا يقضى فيه بجواز ولا بطلان، وعلى هذا كان السلف رحمهم الله تعالى.
والمعنى (2): أي إذا حدثكم أهل الكتاب عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن أن يكونوا صادقين فيه، وأن يكونوا كاذبين، ولم تعلموا حالهم في ذلك .. فقولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أنزل إلينا، والتوراة والإنجيل اللذين أنزلا إليكم، ومعبودنا ومعبودكم واحد، ونحن خاضعون له، منقادون لأمره ونهيه.
47
- ثم بين أنه لا عجيب في إنزال القرآن على الرسول، فهو على مثال ما أنزل من الكتب من قبل، فقال:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والإشارة فيه إلى مصدر الفعل الذي بعده، كما بيناه في مواضع كثيرة؛ أي: ومثل ذلك الإنزال البديع الموافق لإنزال سائر الكتب، أنزلنا عليك القرآن، وقيل: المعنى كما أنزلنا الكتب على من قبلك أيها الرسول، أنزلنا إليك هذا الكتاب؛ أي: القرآن.
و {الفاء} (3) في قوله: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} من الطائفتين، لترتيب ما
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
(3)
روح البيان.
بعدها على ما قبلها، فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله. على الوجه المذكور، {يُؤْمِنُونَ بِهِ}؛ أي: بالقرآن، يعني مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأضرابه من أهل الكتاب خاصة، وخصهم بإيتائهم الكتاب، لكونهم العاملين به، وكان غيرهم لم يؤتوه، لعدم عملهم بما فيه، وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة.
وقيل: المراد بهم، من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانوا مصدقين بنزوله حسبما شاهدوا في كتابهم، ومنهم قس بن ساعدة، وبحيرا، ونسطورا، ورقة وغيرهم، وتخصيصهم بإيتاء الكتاب: للإيذان بأن من بعدهم من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزع منهم الكتاب بالنسخ، فلم يؤتوه.
والإشارة في قوله: {وَمِنْ هَؤُلَاءِ} إلى أهل مكة {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} ؛ أي: بهذا القرآن، وهم من أسلم منهم، وقيل: الإشارة إلى جميع العرب.
والمعنى: أي كما أنزلنا الكتب من قبلك أيها الرسول، أنزلنا إليك هذا الكتاب، فالذين آتيناهم الكتب ممن تقدم عهدك من اليهود والنصارى، يؤمنون به إذ كانوا مصدقين بنزوله، بحسب ما علموا عندهم من الكتاب، ومن كفار قريش وغيرهم من يؤمن به.
{وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} أي: بالكتاب (1) المعظم بالإضافة إلينا، يعني: القرآن، عبر عنه بالآيات: للتنبيه على ظهور دلالته على معانيه، وعلى كونه من عند الله. {إِلَّا الْكَافِرُونَ} المتوغلون في الكفر، والمصممون عليه من المشركين وأهل الكتاب، ككعب بن الأشرف وأصحابه، وأبي جهل وأضرابه، فإن ذلك يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيقتها.
والمعنى (2): أي وما يكذب بآياتنا ويجحد بحقيقتها، إلا من يستر الحق بالباطل، ويغطي ضوء الشمس بالوصائل، ويغمط حق النعمة عليه، وينكر التوحيد عنادًا واستكبارًا.
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.