المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَكَمْ ضَعِيْفٍ ضَعِيفٍ فِيْ تَقَلُّبِهِ … كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيْجِ الْبَحْرِ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وَكَمْ ضَعِيْفٍ ضَعِيفٍ فِيْ تَقَلُّبِهِ … كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيْجِ الْبَحْرِ

وَكَمْ ضَعِيْفٍ ضَعِيفٍ فِيْ تَقَلُّبِهِ

كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيْجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ

هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الإِلهَ لَهُ

فِيْ الْخَلْقِ سِرٌّ خَفِيٌّ لَيْسَ يَنْكَشِفُ

وحكي (1): أن بعض العلماء سئل فقيل له: ما الدليل على أن للعالم صانعًا واحدًا؟

قال: ثلاثة أشياء: ذل اللبيب، وفقر الأديب، وسقم الطبيب.

قال في "التأويلات النجمية": الإشارة فيه إلى أن لا يعلق العباد قلوبهم إلا بالله سبحانه؛ لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجوده إلا من الله، فالبسط الذي يسرهم ويؤنسهم منه وجوده، والقبض الذي يسوءهم ويوحشهم منه حصوله، فالواجب لزوم بابه سبحانه بالإسرار، وقطع الأفكار عن الأغيار. انتهى.

إذ لا يفيد للعاجز طلب مراده من عاجز مثله، فلا بد من الطلب من القادر المطلق، الذي هو الحق سبحانه، نسأل الله سبحانه أن يوقظنا من سنة الغفلة، ولا يجعلنا من المعذبين بعذاب الجهالة، إنه الجواد الكريم، البر الرؤوف الرحيم.

‌38

- و {الفاء} : في قوله: {فَآتِ} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أيها المكلف: أن البسط والقبض كليهما بيد الله سبحانه، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك آت؛ أي: أعط يا من بسط الله عليه الرزق {ذَا الْقُرْبَى} ؛ أي: صاحب القرابة لك {حَقَّهُ} ؛ أي: ما يستحقه عليك، إما على سبيل الوجوب، أو الندب من الصلة والصدقة وسائر المبرات.

والخطاب فيه (2) للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أسوته، أو لكل مكلف له مال واسع، وقدم الإحسان إلى القرابة؛ لأن خير الصدقة ما كان على قريب، فهو صدقة مضاعفة، وصلة رحم مرغب فيها.

(1) روح البيان.

(2)

الشوكاني.

ص: 149

وبهذه الآية يحتج أبو حنيفة على وجوب النفقة لذوي الأرحام المحارم عند الاحتياج، ويقيسهم الشافعي على ابن العم، فلا يوجب النفقة إلا على الولد والوالدين، لوجود الولادة.

{وَ} آت {الْمِسْكِينَ} سواء كان ذا قرابة أم لا {وَابْنَ السَّبِيلِ} ؛ أي: المسافر ما يستحقانه من الصدقة والإعانة والضيافة، فإن ابن السبيل هو الضيف، كما في "كشف الأسرار"، والمراد بحقه: الصدقة المندوبة، ولا يصح حملها على الواجبة، وهي الزكاة؛ لأن السورة مكية، والزكاة ما فرضت إلا في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة. اهـ. "شيخنا".

ووجه تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر (1): أنهم أولى من سائر الأصناف بالإحسان، ولكون ذلك واجبًا لهم على كل من له مال فاضل عن كفايته وكفاية من يعول.

وقد اختلف في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة؟ فقيل: هي منسوخة بآية الميراث، وقيل: محكمة، وللقريب في مال قريبه الغني حق واجب، وبه قال مجاهد وقتادة، قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج، وقال الحسن: إن الأمر في إيتاء ذي القربى للندب، وقيل: المراد بالقربى: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: والأول: أصح؛ لأن حقهم مبين في كتاب الله سبحانه في قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} .

والمعنى: أي (2) أعط أيها الرسول أنت ومن تبعك من المؤمنين الأقارب الفقراء، جزءًا من مالك، صلةً للرحم، وبرًا بهم؛ لأنهم أحق الناس بالشفقة، وكذا المسكين الذي لا مال له، إذا وقع في ورطة الحاجة .. فيجب على من عنده مقدرة دفع حاجته، وسد عوزه.

ومثله: المسافر البعيد عن ماله الذي لا يستطيع إحضار شيء منه، لانقطاع السبل به، فيجب مساعدته بما يدفع خصاصته، حتى يصل إلى مأمنه، وسرعة

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

ص: 150