الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته، أو لشيء من لوازمه بحيز معين ووضع مخصوص.
{وَبَثَّ فِيهَا} ؛ أي: وفرق الله سبحانه في الأرض {مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} ؛ أي: من كل نوع من أنواع الدواب مع كثرتها واختلاف أجناسها، وبث الشيء: تفريقه، كبث الريح التراب، فبث كل دابة في الأرض إشارة إلى إيجاده تعالى، ما لم يكن موجودًا وإظهاره إياه، والدب والدبيب: مشي خفيف - كما سيأتي - ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر.
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} ؛ أي: من السحاب؛ لأن السماء في اللغة: ما علاك وأظلك، {مَاءً} هو المطر {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا}؛ أي: في الأرض بسبب ذلك الماء، والالتفات إلى نون العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرهما {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ}؛ أي: صنف {كَرِيمٍ} ؛ أي: كثير المنفعة، ووصفه بكونه كريمًا لحسن لونه وكثرة منافعه، وقيل المراد بذلك: الناس، فالكريم منهم من يصير إلى الجنة، واللئيم من يصير إلى النار، قاله الشعبي وغيره، والأول أولى.
واعلم: أن كل ما في العالم فهو زوج، من حيث إن له ضدًا ما، أو مثلًا ما، أو تركبًا ما، من جوهر وعرض مادة وصورة، وفيه تنبيه على أنه لا بد للمركب من مركب، وهو الصانع الفرد.
ومعنى الآية (1): أي ومن الأدلة على قدرته البالغة، وحكمته الظاهرة: أن خلق السماوات السبع بغير عمد تستند إليه، بل هي قائمة بقدرة الحكيم الفعال لما يشاء، وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة الرعد، وأن ألقى في الأرض، وجعل على ظهرها ثوابت الجبال، لئلا تضطرب بكم وتميد بالمياه المحيطة بها الغامرة لأكثرها، وأن بث فيها من كل دابة؛ أي: وأن ذرأ فيها من أصناف الحيوان ما لا يعلم عددها، ومقادير أشكالها وألوانها، إلا الذي فطرها، وأن أنزلنا من السماء ماء، فكان ذلك سببًا لإنبات كل صنف كريم من النبات ذي المنافع الكثيرة،
11
- ثم
(1) المراغي.
بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله وأنشأه، فأروني ماذا خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة فقال:{هَذَا} الذي ذكر من السماوات والأرض والجبال والحيوان والنبات {خَلْقُ اللَّهِ} ؛ أي: مخلوقة، كضرب الأمير؛ أي: مضروبه، فأقيم المصدر مقام المفعول توسعًا؛ أي: هذا الذي تشاهدونه من السماوات والأرض وما فيهما من الخلق، مخلوق الله وحده، دون أن يكون له شريك في ذلك.
{فَأَرُونِي} ؛ أي (1): فأخبروني أيها المشركون الذين يعبدون هذه الأصنام والأوثان {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} تعالى؛ أي: أي شيء خلق الذين من دونه تعالى مما اتخذتموه شركاء له سبحانه في العبادة، حتى استحقوا به العبودية، كما استحق ذلك عليكم خالقكم وخالق هذه الأشياء التي عددتها لكم، و {مَاذَا} بمنزلة اسم واحد بمعنى: أي شيء، نصب بـ {خَلَقَ} ، أو ما مرفوع بالابتداء وخبره ذا وصلته، و {أَرُونِي}: معلق عنه على كلا التقديرين، والاستفهام: للتقريع والتوبيخ، والمعنى: فأروني أي شيء خلقوا مما يحاكي خلق الله أو يقاربه، وهذا الأمر لهم لقصد التعجيز والتبكيت.
ثم انتقل من توبيخهم بما ذكر إلى تسجيل الضلال عليهم، المستدعي للإعراض عنهم، وعدم مخاطبتهم بالمعقول من القول، لاستحالة أن يفهموا منه شيئًا فيهتدوا إلى بطلان ما هم عليه فقال:{بَلِ الظَّالِمُونَ} ؛ أي: بل المشركون بالله، العابدون معه غيره من أهل مكة وغيرهم {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}؛ أي: في خطأ واضح ظاهر لا اشتباه فيه لمن تأمله ونظر فيه، فأنى لهم أن يرعووا عن غي أو يهتدوا إلى رشد وحق.
فقرر ظلمهم أولًا، وضلالهم ثانيًا، ووصف ضلالهم بالوضوح والظهور، ومن كان هكذا فلا يعقل الحجة، ولا يهتدي إلى الحق.
(1) المراغي.