المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كأنه قال: أعد لكن، لأن من أراد الله ورسوله والدار - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: كأنه قال: أعد لكن، لأن من أراد الله ورسوله والدار

كأنه قال: أعد لكن، لأن من أراد الله ورسوله والدار الآخرة كان محسنًا. {أَجْرًا}؛ أي: ثوابًا {عَظِيمًا} ؛ أي: كبيرًا في ذاته، حسنًا في صفاته، باقيًا في أوقاته.

والمعني (1): أي وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله، وثواب الدار الآخرة .. فأطعنهما، فإن الله أعد للمحسنات منكن في أعمالهن القولية والفعلية ثوابًا عظيمًا، تستحقر الدنيا وزينتها دونه كفاء إحسانهن.

والخلاصة: أنتن بين أحد أمرين: أن تقمن مع الرسول وترضين بما قسم لكن، وتطعن الله، وأن يمتعكن ويفارقكن إن لم ترضين بذلك.

‌30

- وبعد أن خيرهن واخترن الله ورسوله، أتبع ذلك بعظتهن وتهديدهن إذا هن فعلن ما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم، وأوعدهن بمضاعفة العذاب فقال:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} الكريم، توجيه (2) الخطاب إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن، ونداؤهن هاهنا وفيما بعده بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام {مَنْ يَأْتِ} ويفعل {مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ}؛ أي: بسيئةٍ بليغةٍ في القبح، وهي الكبيرة، وقد عصمهن الله عن ذلك وبرأهن وطهرهن.

وقرأ زيد بن علي والجحدري وعمرو بن فائد الأسواري ويعقوب (3): {تأت} بتاء التأنيث، حملًا، على معنى {من} ، والجمهور: بالياء، حملًا على لفظ {من} {مُبَيِّنَةٍ} قرىء بكسر الياء، وقرىء بفتحها كما مر في سورة النساء؛ أي: ظاهرة القبح، من بين بمعنى تبين، قيل: هذا كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} لا أن منهن من أتت بفاحشة؛ أي: معصية ظاهرة.

قال أبو حيان: ولا يتوهم أنها الزنا لعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، لأنه وصفها بالتبيين والزنا مما يتستر به، وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته. انتهى.

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

(3)

البحر المحيط.

ص: 487

قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق، وقال بعضهم: لعل (1) وجه قول ابن عباس أن الزلة منهن، كسوء الخلق مما يعد فاحشة بالنسبة إليهن؛ لشرفهن وعلو مقامهن، خصوصًا إذا حصل بها أذية النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قال:{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} ؛ أي: يعذبن ضعفي عذاب غيرهن؛ أي: مثليه، إذا أتين بمثل تلك الفاحشة، وذلك لشرفهن وعلو درجتهن وارتفاع منزلتهن، ولما كان مكانهن مهبط الوحي من الأوامر والنواهي .. لزمهن بسبب ذلك، وكونهن تحت الرسول أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، وقد ثبت في هذه الشريعة في غير موضع، أن تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات، يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات.

{وَكَانَ ذَلِكَ} ؛ أي: تضعيف العذاب لهن {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ؛ أي: سهلًا لا يصعب عليه ولا يتعاظمه، لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل يدعوه إليه لمراعاة حقه، وليس أمر الله كأمر الخلق، حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة شفعائهم.

ومعنى الآية (2): يا أزواج النبي، من يعص منكم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلب ما يشق عليه ويضيق به ذرعًا، ويغتم لأجله .. يضاعف لها العذاب يوم القيامة ضعفين؛ أي: تعذب ضعفي عذاب غيرها، لأن قبح المعصية أشد، ومن ثم كان ذم العقلاء للعالم العاصي أشد منه للجاهل العاصي، وكان ذلك سهلًا يسيرًا على الله الذي لا يحابي أحدًا، لأجل أحد، إذ كونهن نساء رسوله ليس بمغنٍ عنهن شيئًا بل هو سبب لمضاعفة العذاب.

روي: أن رجلًا قال لزين العابدين رضي الله عنه: إنكم أهل بيت مغفور لكم، فغضب، وقال: نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله سبحانه في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من أن نكون كما قلت، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر، ولمسيئنا ضعفين من العذاب، وقرأ هذه الآية التي بعدها.

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 488

وقرأ نافع وحمزة وعاصم والكسائي (1): {يُضَاعَفْ} بألف وفتح العين، والحسن وعيسى وأبو عمرو: بالتشديد وفتح العين، والجحدري وابن كثير وأبو عامر: بالنون وشد العين مكسورةً، وزيد بن علي وابن محيصن وخارجة عن أبي عمرو: بالألف والنون والكسر، وفرقة: بياء الغيبة والألف والكسر، ومن فتح العين، رفع العذاب، ومن كسرها نصبه، ومعنى ضعفين؛ أي: عذابين، فيضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر.

قال في "الأسئلة المقحمة": ما وجه تضعيف العذاب لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لما كان فنون نعم الله عليهن أكثر، وعيون فوائده لديهن أظهر، من الاكتحال بميمون غرة النبي صلى الله عليه وسلم، وترداد الوحي إلى حجراتهن، بإنزال الملائكة، فلا جرم كانت عقوبتهن عند مخالفة الأمر من أعظم الأمور وأفخمها، ولذا قيل: إن عقوبة من عصى الله تعالى عن العلم، أكثر من عقوبة من يعصيه عن الجهل، وعلى هذا أبدًا. وحد الحر أعظم من حدّ العبد، وحدّ المحصن أعظم من حدّ غير المحصن؛ لهذه الحقيقة. انتهى. وعوتب (2) الأنبياء بما لا يعاتب به الأمم.

والحاصل: أن الذنب يعظم بعظم جانبه، وزيادة قبحه متابعة لزيادة شرف المذنب والنعمة، فلما كانت الأزواج المطهرة أمهات المؤمنين؛ وأشراف نساء العالمين .. كان الذنب منهن أقبح، على تقدير صدوره، وعقوبة الأقبح أشد وأضعف.

وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أن الثواب والعقاب بقدر نفاسة النفس وخستها، يزيد وينقص، وأن زيادة العقوبة على الجرم من أمارات الفضيلة، كحدّ الحر والعبد، وتقليل ذلك من أمارات النقص. انتهى.

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

ص: 489

تتمة في حكم الخيار المذكور في الآية

اختلف (1) العلماء في هذا الخيار: هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الاختيار أم لا؟ فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا .. فارقهن، لقوله تعالى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور، وأنه قال لعائشة: لا تعجلي حتى تستشيري أبويك، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور.

وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق، ولو اخترن أنفسهن .. كان طلاقًا.

التفريع على حكم الآية: اختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر وابن مسعود وابن عباس: وإذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها .. لا يقع شيء، وإن اختارت نفسها .. يقع طلقةً واحدةً، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقةً بائنةً، إذا اختارت نفسها، وعند الآخرين رجعيةً، وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج .. يقع طلقةً واحدةً، وإذا اختارت نفسها .. فثلاث، وهو قول الحسن، وبه قال مالك: وروى عن علي رضي الله عنه: أنها إذا اختارت زوجها .. طلقةً واحدةً، وإذا اختارت نفسها .. فطلقةً بائنة، وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها .. لا يقع شيء.

وعن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدةً أو مئةً أو ألفًا بعد أن تختارني، ولقد سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان طلاقًا، وفي روايةٍ: فاخترناه، فلم يعد ذلك شيئًا. متفق عليه.

فصل

وجملة (2) أزواجه، اللاتي كن تحته وقت هذا التخيير تسع: وهن اللاتي

(1) الخازن.

(2)

الفتوحات.

ص: 490

مات عنهن، وفي "المواهب": واختلف في عدة أزواجه صلى الله عليه وسلم وترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله ومن مات عنهن، ومن دخل بها ومن لم يدخل بها، ومن خطبها، ولم ينكحها، ومن عرضت نفسها عليه، والمتفق على دخوله بهن إحدى عشرة امرأةً، ست من قريش: خديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة.

وأربع عربيات: زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت خزيمة الهلالية "أم المساكين" وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية.

وواحدة غير عربية من بني إسرائيل، وهي صفية بنت حيي من بني النضير.

ومات صلى الله عليه وسلم عن تسع دخل بهن باتفاق.

وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم تزوج نسوةً غير من ذكرنَ، وجملتهن ثنتا عشرة امرأة: الأولى: الواهبة نفسها له صلى الله عليه وسلم وهي أم شريك القرشية، الثانية: خولة بنت الهذيل بن هبيرة، الثالثة: عمرة بنت يزيد، الرابعة: أسماء بنت النعمان، الخامسة: مليكة بنت كعب، السادسة: فاطمة بنت الضحاك، السابعة: عالية بنت ظبيان، الثامنة: قتيلة بنت قيس، التاسعة: سبأ بنت أسماء، العاشرة: شراق بنت خليفة أخت دحية الكلبي، الحادية عشرة: ليلى بنت الخطيم، الثانية عشرة: امرأة من غفار، فهؤلاء. الاثنتا عشرة، جملة من ذكر من أزواجه صلى الله عليه وسلم، وفارقهن في حياته، بعضهن قبل الدخول، وبعضهن بعده على خلاف فيه.

فجملة من عقد عليهن ثلاث وعشرون امرأةً، دخل ببعضهن دون بعضٍ، مات عنده منهن بعد الدخول خديجة وزينب بنت خزيمة، ومات منهن قبل الدخول اثنتان: أخت دحية وبنت الهذيل باتفاق، واختلف في مليكة وسبأ: هل ماتتا أو طلقهما، مع الاتفاق على أنه لم يدخل بهما، وفارق بعد الدخول باتفاق بنت الضحاك وبنت ظبيان، وقبله باتفاق عمرة وأسماء والغفارية، واختلف في أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة، والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات باتفاقٍ سبع، وثنتان على خلفٍ، والميتات في حياته باتفاق أربع،

ص: 491

ومات صلى الله عليه وسلم عن عشرة، واحدة لم يدخل بها، وهي قتيلة بنت قيس، وخطب صلى الله عليه وسلم ثماني نسوة لم يعقد عليهن بإتفاق، وأما سراريه التي دخل عليهن بالملك فأربعة: مارية القبطية وريحانة بنت شمعون من بني قريظة، وقيل: من بني النضير، وأخرى وهبتها له زينب بنت جحش، واسمها نفيسة، والرابعة: أصابها في بعض النبي ولم يعرف اسمها. اهـ. من "المواهب" من المقصد الثاني، وقد بسط الكلام عليهن هناك جدًا فأرجع إليه إن شئت.

الإعراب

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)} .

{قَدْ} : حرف تحقيق. {يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} : فعل وفاعل ومفعول به. {مِنْكُمْ} : حال من المعوقين. {وَالْقَائِلِينَ} : معطوف على {الْمُعَوِّقِينَ} . {لِإِخْوَانِهِمْ} : متعلق بـ {القائلين} ، والجملة الفعلية: مستأنفة مسوقة لتصوير حال المنافقين، {هَلُمَّ}: اسم فعل أمر بمعنى أقبلوا عند الحجازيين، مبني على الفتح، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنتم، ويلزم عندهم صيغةً واحدةً في المفرد والمذكر وغيرهما، وجاء هنا على لغتهم، وعند بني تميم فعل أمر، وتلحقه علامات التثنية والجمع والتأنيث، ويستعمل لازمًا كما هنا، ومتعديًا كما في الأنعام، {إِلَيْنَا}: جار ومجرور متعلق به، وجملة اسم الفعل: في محل النصب مقول {القائلين} . {وَلَا يَأْتُونَ} : الواو: حالية. {لا} : نافية. {يَأْتُونَ} : فعل وفاعل. {الْبَأْسَ} ؛ أي: القتال مفعول به. والجملة الفعلية: في محل النصب حال من الضمير المستكن في {القائلين} . {إلَّا} : أداة استثناء مفرغ، {قَلِيلًا}: منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: إلا إتيانًا قليلًا، أو على الظرفية الزمانية؛ أي: إلا إتيانًا قليلًا، أو زمانًا قليلًا.

{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} .

ص: 492

{أَشِحَّةً} : حال من فاعل {يَأْتُونَ} . {عَلَيْكُمْ} : متعلق به. {فَإِذَا جَاءَ} : {الفاء} : استئنافية. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {جَاءَ الْخَوْفُ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ (إذا) على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {رَأَيْتَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، لأن رأى هنا بصرية، يتعدى إلى مفعول واحد، والجملة الفعلية: جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} مستأنفة، وجملة {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ}: حال من مفعول {رَأَيْتَهُمْ} . {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل النصب حال من فاعل {يَنْظُرُونَ} ، وهو {الواو}. {كَالَّذِي}: جار ومجرور نعت لمصدر محذوف، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: تدور أعينهم دورانًا كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت. {يُغْشَى} : فعل مضارع مغير الصيغة. {عَلَيْهِ} : جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ {يُغْشَى} . {مِنَ الْمَوْتِ} متعلق بـ {يُغْشَى} . {فَإِذَا ذَهَبَ} : {الفاء} : عاطفة. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {ذَهَبَ الْخَوْفُ} : فعل وفاعل. والجملة: في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها. {سَلَقُوكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به. والجملة: جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا}: معطوفة على جملة قوله: {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} . {بِأَلْسِنَةٍ} : متعلق بـ {سَلَقُوكُمْ} . {حِدَادٍ} : صفة لـ {ألسنة} : {أَشِحَّةً} حال من فاعل {سَلَقُوكُمْ} ، أو منصوب على الذم؛ أي: أذم أشحةً {عَلَى الْخَيْرِ} ، جار ومجرور متعلق بـ {أَشِحَّةً} .

{أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} .

{أُولَئِكَ} : مبتدأ. {لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يُؤْمِنُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} . والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: مستأنفة. {فَأَحْبَطَ} : {الفاء} : حرف عطف وتفريع. {أحبط الله أعمالهم} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {لَمْ يُؤْمِنُوا} بمعنى: ما آمنوا. {وَكَانَ ذَلِكَ} : فعل ناقص واسمه. {عَلَى اللَّهِ} متعلق بـ {يَسِيرًا} . {يَسِيرًا} خبر {كان} . وجملة {كان} : مستأنفة أو حال من فاعل {أحبط} .

ص: 493

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)} .

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ} : فعل وفاعل ومفعول أول. {لَمْ يَذْهَبُوا} : جازم وفعل وفاعل، والجملة: في محل النصب مفعول ثان لـ {حسب} ، والجملة الفعلية: مستأنفة. {وَإِنْ يَأْتِ} : {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط. {يَأْتِ الْأَحْزَابُ} : فعل وفاعل مجزوم، بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وعلامة جزمه: حذف حرف العلة. {يَوَدُّوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها، والجملة الشرطية: معطوفة على جملة {يَحْسَبُونَ} . {لَوْ} : حرف مصدر ومدخولها محذوف، تقديره: لو ثبت أنهم بادون. {أَنَّهُمْ} : ناصب واسمه {بَادُونَ} : خبره {فِي الْأَعْرَابِ} : متعلق به، وجملة {أن}: في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف، تقديره: لو ثبت كونهم في البادية، وجملة الفعل المحذوف: صلة {لو} المصدرية، وجملة {لو} مع صلتها: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {يَوَدُّوا} ، تقديره: يودوا كونهم في البادية مع الأعراب. {يَسْأَلُونَ} : فعل وفاعل. {عَنْ أَنْبَائِكُمْ} : متعلق به. وجملة {يَسْأَلُونَ} : حال من الضمير المستكن في {بَادُونَ} : وقول المعربين هنا حال من الواو في {بادون} غلط فاحش لأنّ الواو في {بادون} حرف جيء به علامة على الرفع، فلا يصلح أن يكون صاحب حال؛ لأنه لا يكون إلا اسمًا. {وَلَوْ كَانُوا}:{الواو} : استئنافية أو حالية. {لو} : حرف شرط غير جازم. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {فِيكُمْ} : خبره. والجملة: فعل شرط لـ {لو} . {مَّا} : نافية. {قَاتَلُوا} : فعل وفاعل. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {قَلِيلًا} : صفة لمصدر محذوف؛ أي: إلا قتالًا قليلًا أو لزمن محذوف؛ أي: إلا زمنًا قليلًا، والجملة الفعلية: جواب {لو} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية: مستأنفة، أو حال من فاعل {يَسْأَلُونَ} .

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} .

ص: 494

{لَقَدْ} : {اللام} : موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {كاَنَ} : فعل ماض ناقص. {لَكُمْ} : خبره مقدم. {فِي رَسُولِ اللَّهِ} : حال من {أُسْوَةٌ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {أُسْوَةٌ} : اسمه مؤخر. {حَسَنَةٌ} صفة لـ {أُسْوَةٌ} . وجملة {كَانَ} : جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة. {لِمَنْ} : جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله: لكم بدل بعض من كل. {كَانَ} : فعل ناقص واسمها ضمير يعود على من. {يَرْجُو اللَّهَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به. {وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} : معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية: في محل النصب خبر {كَانَ} . وجملة {كَانَ} : صلة {من} الموصولة. {وَذَكَرَ اللَّهَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على جملة {كَانَ} . {كَثِيرًا} : منصوب على المصدرية؛ لأنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: ذكرًا كثيرًا، أو على الظرفية؛ أي: زمانًا كثيرًا.

{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)} .

{وَلَمَّا} {الواو} : استئنافية. {لما} : اسم شرط غير جازم في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بجوابه. {رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ} : فعل وفاعل ومفعول به، لأن رأى هنا بصرية يتعدى إلى مفعول واحد، والجملة الفعلية: فعل شرط لـ {لما} في محل جر بالإضافة. {قَالُوا} : فعل وفاعل جواب {لما} الشرطية، وجملة {لما} الشرطية مستأنفة. {هَذَا مَا}: مبتدأ وخبر، والجملة: مقول لـ {قَالُوا} . {وَعَدَنَا اللَّهُ} : فعل ومفعول أول وفاعل. {وَرَسُولُهُ} : معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية: صلة {ما} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: ما وعدناه الله، وهو المفعول الثاني لوعد. {وَصَدَقَ اللَّهُ}: فعل وفاعل، {وَرَسُولُهُ}: معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية: معطوفة على الجملة الاسمية على كونها مقول {قَالُوا} . {وَمَا زَادَهُمْ} : {الواو} : عاطفة. {ما} : نافية. {زَادَهُمْ} : فعل ومفعول به أول، وفاعله: ضمير يعود على رؤية الأحزاب، وذكر الضمير؛ لأن تأنيثها غير حقيقي، أو ضمير يعود على الوعد. والجملة معطوفة

ص: 495

على جملة {قَالُوا} . {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {إِيمَانًا} : مفعول ثان لـ {زاد} . {وَتَسْلِيمًا} : معطوف عليه.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} .

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} : خبر مقدم. {رِجَالٌ} : مبتدأ مؤخر. والجملة: مستأنفة مسوقة لبيان حال الصالحين من الصحابة. {صَدَقُوا} : فعل وفاعل صفة {رِجَالٌ} . {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول {صَدَقُوا} . {عَاهَدُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: صلة لـ {ما} الموصولة. {عَلَيْهِ} متعلق بـ {عَاهَدُوا} ، وهو العائد على {ما} الموصولة. {فَمِنْهُمْ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت من المؤمنين رجال، وأردت بيان مراتبهم .. فأقول لك: منهم. {منهم} : خبر مقدم. {مَن} : اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {قَضَى} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} . {نَحْبَهُ} : مفعول به. والجملة: صلة {من} الموصولة. {وَمِنْهُمْ} : خبر مقدم. {مَّن} : اسم موصول مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها. {يَنْتَظِرُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {من} . والجملة صلة الموصول. {وَمَا} : {الواو} : حالية. {مَا} : نافية. {بَدَّلُوا} : فعل وفاعل. {تَبْدِيلًا} : مفعول مطلق مؤكد لعامله، والجملة الفعلية: في محل النصب حال من فاعل {يَنْتَظِرُ} .

{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)} .

{لِيَجْزِيَ} {اللام} : حرف جر وتعليل. {يجزي الله الصادقين} : فعل وفاعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بلام كي، والجار والمجرور: متعلق بمعلول محذوف، تقديره: وقع جميع ما وقع لجزاء الله سبحانه الصادقين: {بِصِدْقِهِمْ} :

ص: 496

متعلق بـ {يجزي} ، والجملة المحذوفة: مستأنفة مسوقة لبيان ما دعا إلى وقوع ما حكى من الأقوال والأحوال. {وَيُعَذِّبَ} : فعل مضارع معطوف على {يجزي} منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {الْمُنَافِقِينَ}: مفعول به. {إن} : حرف شرط. {شَاءَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، ومفعول {شَاءَ}: محذوف؛ أي: إن شاء تعذيبهم، وجواب {إن} الشرطية: محذوف أيضًا، والتقدير: إن شاء تعذيبهم يعذبهم، وجملة {إن} الشرطية: معترضة لا محل لها من الإعراب. {أَوْ يَتُوبَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر معطوف على {يعذب} . {عَلَيْهِمْ} : متعلق بـ {يَتُوبَ} . {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {كَانَ} : فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على {اللَّهَ} . {غَفُورًا} : خبر أول له. {رَحِيمًا} : خبر ثان. وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)} .

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة: مستأنفة. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {بِغَيْظِهِمْ} : جار ومجرور حال من الموصول؛ أي: ملتبسين بغيظهم. {لَمْ يَنَالُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} . {خَيْرًا} : مفعول به، والجملة: في محل النصب حال ثانية من الموصول. {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} : فعل وفاعل ومفعولان، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ} ، {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا}: فعل ناقص واسمه وخبره، {عَزِيزًا}: خبر ثان له. والجملة: معطوفة على جملة قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ} .

{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)} .

{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {وَرَدَّ اللَّهُ} . {ظَاهَرُوهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به صلة الموصول. {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} : جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل ظاهروهم. {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} : متعلق

ص: 497

بـ {أنزل} ، وهو اسم منقوص مجرور بكسرة مقدرة، ويحتمل كون جملة {أنزل}: مستأنفة مسوقة لبيان قصة غزوة بني قريظة. {وَقَذَفَ} : فعل وفاعل مستتر يعود على الله معطوف على {أنزل} . {فِي قُلُوبِهِمُ} : متعلق بقذف. {الرُّعْبَ} : مفعول به لـ {قذف} . {فَرِيقًا} : مفعول مقدم لـ {تَقْتُلُونَ} . {تَقْتُلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة مبينة ومقررة لقذف الله الرعب في قلوبهم. {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {تَقْتُلُونَ} .

{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)} .

{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} : فعل وفاعل مستتر ومفعولان معطوف على {أنزل} . {وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا} : معطوفات على {أَرْضَهُمْ} . {لَمْ تَطَئُوهَا} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل المصب صفة لـ {أرضا} . {وَكَانَ اللَّهُ} : فحل ناقص واسمه. {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} : متعلق بـ {قَدِيرًا} . {قَدِيرًا} : خبر {كان} . وجملة {كان} : مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء. {أي} : منادى نكرة مقصودة. و {الهاء} : حرف تنبيه زائد. {النَّبِيُّ} : صفة لـ {أي} أو بدل منه، وجملة النداء: مستأنفة مسوقة لتقرير موقف الإِسلام من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على {النَّبِيُّ} . {لِأَزْوَاجِكَ} : متعلق به. والجملة: جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {إن} : حرف شرط. {كُنْتُنَّ} : فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها فعل شرط لها. {تُرِدْنَ}: فعل مضارع في محل الرفع مبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة: في محل الرفع فاعل. {الْحَيَاةَ} : مفعول به. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةَ} . {وَزِينَتَهَا} : معطوف على الحياة، والجملة الفعلية: في محل النصب خبر {كان} ؛ أي: مريدات الحياة الدنيا. {فَتَعَالَيْنَ} : {الفاء} : رابطة لجواب

ص: 498

{إن} الشرطية وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية. {تعالين} : فعل أمر مبني على السكون ونون النسوة فاعل، والجملة الفعلية: في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها. وجملة {إنْ} الشرطية في محل النصب مقول {قُلْ} . {أُمَتِّعْكُنَّ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على النبي مجزوم بالطلب السابق و {الكاف} : ضمير الإناث في محل النصب مفعول به والنون علامة جمع الإناث، الجملة جوابية لا محل لها من الإعراب {وَأُسَرِّحْكُنَّ}: فعل وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {أُمَتِّعْكُنَّ} ، {سَرَاحًا}: مفعول مطلق. {جَمِيلًا} : صفة له.

{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} .

{وَإِنْ} {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط {كنتنّ} : فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إن} الشرطية. {تُرِدْنَ اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به، {وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ}: معطوفان على لفظ الجلالة. {الْآخِرَةَ} : صفة لـ {الدار} . وجملة {تُرِدْنَ} : في محل النصب خبر {كان} . {فَإِنَّ اللَّهَ} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية. {إن الله} : ناصب واسمه. {أَعَدَّ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} . {لِلْمُحْسِنَاتِ} : متعلق بـ {أَعَدَّ} . {مِنْكُنَّ} : حال من المحسنات {أَجْرًا} : مفعول {أَعَدَّ} ، {عَظِيمًا}: صفة {أَجْرًا} . وجملة {أَعَدَّ} : في محل الرفع خبر {إن} . وجملة {إن} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها. وجملة {إن} الشرطية: في محل النصب معطوفة على جملة {إن} الأولى على كونها مقولًا لـ {قُلْ} . {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} : منادى مضاف، وجملة النداء، في محل النصب مقول لـ {قُلْ}. {مَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما. {يَأْتِ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {مَن} : مجزوم بحذف حرف العلة، على كونه فعل شرط لـ {مَنْ}. {مِنْكُنَّ}: حال من فاعل {يَأْتِ} . {بِفَاحِشَةٍ} : متعلق

ص: 499

بـ {يَأْتِ} : {مُبَيِّنَةٍ} صفة لـ {فاحشة} . {يُضَاعَفْ} : فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بـ {مَن} الشرطية على كونه جوابًا {لَهَا} : متعلق بـ {يُضَاعَفْ} . {الْعَذَابُ} : نائب فاعل {ضِعْفَيْنِ} : مصدر مبين لعدد عامله، منصوب على المفعولية المطلقة، وجملة {من} الشرطية: في محل النصب مقول {قُل} على كونها جواب النداء. {وَكَانَ} : {الواو} : حالية أو استئنافية. {كان ذلك} : فعل ناقص واسمه. {عَلَى اللَّهِ} : متعلق بـ {يَسِيرًا} : خبر {كان} . وجملة {كان} : في محل النصب حال من العذاب أو مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} ؛ أي: المثبطين، الذين يخذلون المسلمين من التعويق، وهو: التثبيط، يقال: عاقه وهوقه: إذا صرفه عن الوجه الذي يريده، والعائق: الصارف عما يراد منه خير، ومنه عوائق الدهر، وتقول: فلان صحبه التعويق فهجره التوفيق.

{هَلُمَّ إِلَيْنَا} ؛ أي: أقبلوا إلينا، وهو اسم فعل أمر عند الحجازيين، ويلزم صيغة واحدة في خطاب الواحد وغيره، والمذكر وغيره، وعند بني تميم: فعل أمر وتلحقه علامات التثنية والجمع والتأنيث، فيقولون: هلم يا رجل، وهلموا يا رجال، وهلما يا رجلان، هلمّي يا هندُ وهلمّا يا هندان وهلمُمْن يا هندات.

{وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} : والبأس في الأصل: الشدة، والمراد به هنا: الحرب والقتال.

{أَشِحَّةً} : جمع شحيح، وهو البخيل والحريص، وهو جمع لا ينقاس، إذ قياس فعيل الوصف الذي عينه ولامه من وادٍ واحد، أن يجمع على أفعلاء، نحو خليل وأخلاء، وظنين وأظناء، وضنين وأضناء، وقد سمع أشحاء، وهو القياس. قال الراغب: الشح بخل مع حرصٍ، وذلك فيما كان عادةً، يقال: رجل شحيح، وقوم أشحة.

{تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} ؛ أي: تدير أعينهم أحداقهم من شدة الخوف.

ص: 500

{كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} : يقال: غشى على فلان: إذا نابه ما غشي فهمه؛ أي: ستره.

{سَلَقُوكُمْ} ؛ أي: آذوكم بالكلام، يقال: سلقه بالكلام: إذا آذاه، كما في "القاموس". وأصل السلق: بسط العضو للضرب، وهو من باب ضرب. اهـ. "شيخنا". وفي "المختار": سلقه بالكلام آذاه، وهو شدة القول باللسان، وقال تعالى:{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} وسلق البصل والبيض أكلاه بالنار إغلاءً خفيفًا، وباب الكل ضرب. اهـ. وفي "المصباح": أنه من باب قتل أيضًا. اهـ. قال القتيبي: المعنى: آذوكم بالكلام الشديد، وعبارة الشهاب: أصل السلق: بسط العضو ومدة للقهر، سوا كان يدًا أو لسانًا، كما قال الراغب، فتفسيره بالضرب مجاز.

والحاصل عليه: توصيف الألسنة بالحداد، ويجوز أن يشبه اللسان بالسيف على طريق الاستعارة المكنية، والضرب: تخييل. اهـ. وفي "السمين": يقال: سلقه، اجترأ عليه في خطابه، وخاطبه مخاطبةً بليغة، وأصله البسط، ومنه سلق امرأته؛ أي: بسطها وجامعها، والسليقة: الطبيعية. اهـ. وسلقه بالرمح: طعنه؛ وسلقه بالسوط: ضربه إلى أن نزع جلده، وسلق اللحم عن العظم: قشره، وعلى كل حال فالعامة تستعمل هذه الكلمة استعمالًا عامًا لا غبار عليه.

{بِأَلْسِنَةٍ} : جمع لسان، كأسلحة جمع سلاح، وهي الجارحة المعروفة.

{حِدَادٍ} : جمع حديد، يقال: لسان حديد، نحو لسان صارم وماض، وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد؛ أي: ذربةٍ سلطة تفعل فعل الحديد.

{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} ؛ أي: بخلاء حريصين على مال الغنيمة.

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ} : الأحزاب: جمع حزب، وهم الذين تحزبوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{يَوَدُّوا} ؛ أي: يتمنوا، والود: محبة الشيء وتمني كونه وحصوله.

{بَادُونَ} : جمع بادٍ، وهو ساكن البادية، يقال: بدا يبد وبداوةً: إذا خرج

ص: 501

إلى البادية، وهي خلاف الحاضرة، يقال: لقد بدوت يا فلان؛ أي: نزلت البادية وصرت بدويًا، ومالك والبداوة، وتبدى الحضري: إذا سكن البادية، ويقال: أين الناس؟ فتقول: لقد بدوا؛ أي: خرجوا إلى البادية، وكانت لهم غنيمات يبدون إليها.

{فِي الْأَعْرَابِ} : قال في "القاموس وشرحه": العرب: بالضم والتحريك، خلاف العجم مؤنث، وهم سكان الأمصار، أو عام، والأعراب منهم: سكان البادية، لا واحد له، ويجمع على أعاريب، وعرب وعاربة وعرب عرباء، وعرب وعربة صرحاء، وعرب متعربة، وعرب مستعربة، دخلاء، والمعنى هنا: خارجون إلى البدو، مقيمون بين أهله.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} : قال الراغب: الأسوة بضم الهمزة والإسوة بكسرها: كالقدوة، والقدوة: الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، حسنًا كان أو غيره، ضارًا أو غيره، ويقال: تأسيت به؛ أي: اقتديت. اهـ. والأسوة: بمعنى الاقتداء، وهي اسم وضع موضع المصدر، وهو الائتساء كالقدوة من الاقتداء، وائتسى فلان بفلان؛ أي: اقتدى به. اهـ. "سمين".

وفي "المصباح": الإسوة بكسر الهمزة وضمها: القدوة، وتأسيت به وائتسيت: اقتديت. اهـ.

{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} ؛ أي: مات، والنحب: النذر، ووقع قولهم: قضى نحبه عبارة عن الموت، لأن كل حي لا بد له من أن يموت، فكأنه نذر لازم في رقبته، فإذا مات .. فقد قضى نحبه؛ أي: نذره، والنذر: بفتح النون، وقد وهم صاحب "المنجِد" فضبطه بكسرها، وهذا غريب. وفي "المصباح": نحب نحبًا من باب ضرب بكى، والاسم: النحيب، ونحب نحبًا من باب قتل نذر، وقضى نحبه مات أو قتل في سبيل الله، وفي التنزيل:{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} . انتهى. وفي "القرطبي": والنحب: النذر والعهد والموت والحاجة والمدة. {بِغَيْظِهِمْ} : والغيظ أشد الغضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه.

{مِنْ صَيَاصِيهِمْ} ؛ أي: من حصونهم، جمع صيصية بالكسر، وهي كل ما

ص: 502

يتحصن به ويمتنع، قال الشاعر:

فَأصْبَحَتِ النِّيْرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ

نِسَاءُ تَمِيْمٍ يَبْتِدِرْنِ الصَّيَاصِيَا

وفي "القاموس": والصيصية: شوكة الحائك يسوي بها السدى واللحمة، وشوكة الديك التي في رجله، وقرن البقر والظباء، والحصن وكل ما امتنع به. انتهى.

{وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} والأسر: الشد بالقيد، وسمي الأسير بذلك، ثم قيل لكل مأخوذٍ مقيدٍ، وإن لم يكن مشدودًا بذلك.

{لَمْ تَطَئُوهَا} : من وطىء يطأ وطئًا: إذا مشى على الأرض.

{فَتَعَالَيْنَ} : فعل أمر مبني على سكون الياء ونون النسوة فاعل، كما مر، وأصل الأمر أن يكون الآمر أعلى مكانًا من المأمور، فيدعوه أن يرفع نفسه إليه، ثم كثر استعماله حتى صار معناه أقبل، وقال صاحب "الروح" أصل تعالى أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المنخفض، ثم كثر حتى استوت في استعماله الأمكنة كلها، ولم يرد حقيقة الإقبال والمجيء، بل أراد أجبن علي ما أعرض عليكن، وأقبلن بإرادتكن واخيتاركن لإحدى الخصلتين، كما مر.

{وَأُسَرِّحْكُنَّ} : السرح: شجرة له ثمرة، وأصله: سرحت الإبل: إذا أرسلتها لرعي السرح، ثم جعل لكل إرسال في الشرعي، والتسريح في الطلاق: مستعار من تسريح الإبل؛ كالطلاق في كونه مستعارًا من طلاق الإبل.

{بِفَاحِشَةٍ} : قال الراغب: الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. انتهى.

{ضِعْفَيْنِ} : مثنى ضعف بكسر الضاد، يقال: ضعف الشيء: مثله في المقدار أو مثله وزيادة غير محصورة، فقولهم: لك ضعفه، يعني لك مثلاه أو ثلاثة أمثاله أو أكثر، وفي "المصباح": ضعف الشيء: مثله، وضعفاه: مثلاه، وأضعافه: أمثاله. وقال الخليل: التضعيف: أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثليه وأكثر، وكذلك الأضعاف والمضاعفة، وقال الأزهري: الضعف في كلام

ص: 503

العرب المثل، هذا هو الأصل، ثم استعمل الضعف في المثل وما زاد، ليس للزيادة حد، يقال: هذا ضعف هذا؛ أي: مثله، وهذان ضعفان؛ أي: مثلاه. قال: وجاز في كلام العرب أن يقال: هذا ضعفه؛ أي: مثلاه وثلاثة أمثاله، لأن الضعف زيادة غير محصورة، فلو قال في الوصية: أعطوه ضعف نصيب ولدي .. أعطي مثليه، ولو قال: ضعفيه، أعطي ثلاثة أمثاله، حتى لو حصل للابن مئة؟. . أعطي مئتين في الضعف، وثلاث مئة في الضعفين، وعلى هذا جرى عرف الناس واصطلاحهم، والوصية تحمل على العرف، لا على دقائق اللغة هذا، وللضعف بفتح الضاد والضعف بكسرها والضعف بضمها معان، نظمها بعضهم بقوله:

وَفِيّ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ يَكُوْنُ الضَّعْفُ

وَالْوَهْنُ فِيْ الْجِسّمِ فَذَاكَ الضَّعِيْفُ

زِيَادَةُ الْمِثْلِ كَذَا وَالضِّعْفُ

جَمْعُ ضَعِيْفٍ زَهْوَ شَاكِيْ الضُّرِّ

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التأكيد المستفاد من قد في قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} فإنها لتأكيد العلم بالتعويق، ومرجع العلم إلى توكيد الوعيد.

ومنها: التندير في قوله: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وحده: أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة، أو نكتة مستظرفة، وهو يقع في الجد والهزل، وهو لا يدخل في نطاق التهكم، ولا في نطاق الهزل الذي يراد به الجد، ويجوز أن يدخل في نطاق باب المبالغة، وذلك واضح في مبالغته تعالى في وصف المنافقين بالخوف والجبن، حيث أخبر عنهم أنهم تدور أعينهم حالة الملاحظة، كحالة من يغشى عليه من الموت.

ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} : شبه اللسان بالسيف المصلت، وحذف ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو السلق، بمعنى الضرب، على طريقة الاستعارة المكنية، ولفظ حداد: ترشيح.

ص: 504

ومنها: التشبيه في قوله: {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وفيه أيضًا مجاز بالحذف؛ لأنه على حذف مضاف، تقديره: تدور أعينهم كعين الذي يغشى عليه من الموت.

ومنها: الإطناب بتكرار الاسم الظاهر في قوله: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} كرر الاسم الشريف؛ للتكريم والتعظيم، ولأنه لو أعادهما مضمرين .. لجمع بين اسم الله تعالى واسم رسوله في لفظة واحدةً، فكان يقول: وصدقا، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ورد على من قاله حيث قال:"من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له: بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله قصدًا إلى تعظيم الله، وقيل: إنه إنما رد عليه؛ لأنه وقف على يعصهما، وعلى الأول استشكل بعضهم بقوله عليه الصلاة والسلام: "حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فقد جمع بينهما في ضمير واحد، وأجيب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم، أعرف بقدر الله تعالى منا، فليس لنا أن نقول كما يقول. اهـ. "سمين".

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} ؛ لأن النحب حقيقة في النذر، فاستعير للموت؛ لأنه نهاية كل حي، فكأنه نذر لازم في رقبة الإنسان، ولكن في هذا تقبيح للاستعارة، وإذهاب لرونقها، ولكن الأنسب بمقام المدح أن يكون النحب مستعارًا لالتزام الموت، شهيدًا، إما بتنزيل أسبابه التي هي أفعال اختيارية للناذر منزلة التزام نفسه، وإما بتنزيل نفسه منزلة أسبابه؛ وإيراده الالتزام عليه. اهـ. "جمل".

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} وفيه التعريض بأرباب النفاق، وأصحاب مرض القلب، فإنهم ينقضون العهود، ويبدلون العقود.

ومنها: الاعتراض في قوله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بجملة {إِنْ شَاءَ} للتنبيه على أن أمر العذاب أو الرحمة، موكول لمشيئته تعالى.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} شبهت هذه المذكورات في بقائها على المسلمين بالميراث الباقي على

ص: 505

الوارثين، فعبر فيها بالميراث.

ومنها: المقابلة بين قوله: {وإن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} وبين قوله: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَأُسَرِّحْكُنَّ} ؛ لأن التسريح حقيقة في تسريح الإبل للرعي، فاستعير التسريح بمعنى إرسال الإبل للرعي لإطلاق الزوجة عن عقد النكاح، فاشتق منه سرح بمعنى طلق، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الكناية في قوله: {فَتَعَالَيْنَ} ؛ لأنه كناية عن الاختيار والإرادة، والعلاقة، هي أن المخير يدنو إلى من يخيره. اهـ. "خطيب".

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

* * *

(1) وكان الفراغ من تسويد الجزء الحادي والعشرين من القرآن الكريم ليلة الاثنين المبارك، الليلة الثانية عشرة من شهر ذي القعدة، من شهور سنة ألف وأربع مئة وثلاث عشرة سنة، 12/ 11/ 1413 من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، ويتلوه الجزء الثاني والعشرون من القرآن الكريم بحول الله تعالى وتيسيره، نسأل الله سبحانه الإعانة لنا على الإتمام والإكمال، كما أعان لنا على الابتداء والافتتاح، وأن يجعل في عمرنا البركة إلى إكماله وطبعه والتدرش عليه، وانتفاع المسلمين به، بمنه وكرمه وجوده واحسانه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، آمين آمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، و صلى الله عليه وسلم على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

تمّ المجلد الثاني والعشرون من تفسير حدائق الروح والريحان، ويليه المجلد الثالث والعشرون، وأوله قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ

} الآية.

ص: 506

شعرٌ

إِذَا رَأَيْتَ لَحِيْنَا

كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا

يَا مَنْ يَعِيْبَ قَوْلِيْ

لِمْ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا

آخرُ

إِنَّمَا الدُّنْيَا كَبَيْتٍ

نَسْجُهُ مِنْ عَنْكَبُوْتِ

آخرُ

أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلِّ سَحَابَةٍ

أَظَلَّتْكَ يَوْمًا عَنْكَ اضْمَحَلَّتِ

فَلَا تَكُ فَرْحَانًا بِهَا حِيْنَ أقْبَلَتْ

وَلَا تَكُ جَزْعَانًا بِهَا حِيْنَ وَلَّتِ

ص: 507