الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الجملة: خبرية لفظًا، إنشائيةً معنًى قصد بها الأمر؛ أي: اقتدوا به اقتداءً حسنًا، وهو أن تنصروا دين الله، كما نصر هو بنفسه بالخروج إلى الغزو.
و (اللام) في قوله: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} : ويأمل ثوابه {و} يرجو {الْيَوْمَ الْآخِرَ} ؛ أي: نعيمه، أو يخاف الله واليوم الآخر، فالرجاء يحتمل الأمل والخوف متعلقه بحسنة، أو بمحذوف، هو صفة لحسنة؛ أي: كائنة لمن كان يرجو الله، وقال الزمخشري: إنه بدل من {لَكُمْ} ، كقوله:{لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} . انتهى. ولا يجوز (1) على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم، ولا من ضمير المخاطب اسم ظاهر في بدل الشيء، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش، ويدل عليه قول الشاعر:
بِكَمْ قُرَيْشٍ كَفَيْنَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ
…
وَأَمَّ نَهْجَ الْهُدَى مَنْ كَانَ ضَلِيْلًا
والمراد بـ {مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} : المؤمنون، فإنهم الذين يرجون الله، ويخافون عذابه، ومعنى يرجون الله: يرجون ثوابه أو لقاءه، ومعنى يرجون اليوم الآخر: إنهم يرجون رحمة الله فيه، أو يصدقون بحصوله، وأنه كائن لا محالة، وهذه الجملة: تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى.
وقوله: {وَذَكَرَ اللَّهَ} سبحانه بلسانه، وجنانه ذكرًا {كَثِيرًا} في جميع أوقاته وأحواله معطوف على {كان}؛ أي: ولمن ذكر الله سبحانه في جميع أحواله، ذكرًا كثيرًا، وجمع (2) بين الرجاء لله، وكثرة الذكر له، المؤدية إلى ملازمة الطاعة؛ لأن بهما يتحقق الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحكيم الترمذي: الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول وفعل.
22
- ثم بين سبحانه ما وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب، ومشاهدتهم لتلك الجيوش، التي أحاطت بهم كالبحر المحيط، فقال: {وَلَمَّا رَأَى
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}؛ أي: الجنود المجتمعة لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق، والحزب: جماعة فيها غلظ، كما في "المفردات" .. {قَالُوا}؛ أي: قال المؤمنون {هَذَا} البلاء العظيم، والإشارة (1) بقوله:{هَذَا} إلى ما رأوه من الجيوش، أو إلى الخطب الذي نزل بهم، والبلاء الذي دهمهم {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ} سبحانه وأخبرنا به، {وَرَسُولُهُ} صلى الله عليه وسلم بقوله:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} الآية. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم، والعاقبة لكم عليهم"، وبقوله عليه السلام:"إن الأحزاب سائرون، إليكم بعد تسع ليال أو عشر" كما روي عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إن الأحزاب سائرون، إليكم تسعًا أو عشرًا؛ أي: في آخر تسع ليال أو عشر، فلما رأوهم قد أقبلوا من حين الإخبار .. قالوا ذلك، وهذا القول استبشار بحصول ما وعدهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، من مجيء هذه الجنود، وأنه يعقب مجيئهم إليهم نزول النصر والظفر من عند الله تعالى.
ثم أردفوا ما قالوه بقولهم: {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ؛ أي: ظهر صدق خبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {وَمَا زَادَهُمْ} ما رأوه {إِلَّا إِيمَانًا} بالله وتصديقًا بمواعيده {وَتَسْلِيمًا} لأوامره ومقاديره، وقال الفراء: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا وتسليمًا.
وقرأ ابن أبي عبلة (2): {وما زادوهم} بالواو وضمير الجميع يعود على الأحزاب؛ أي: ولما أبصر (3) المؤمنون الصادقون المخلصون لله في القول والعمل الأحزاب، الذين أدهشت رؤيتهم العقول، وتبلبلت لها الأفكار، واضطربت الأفئدة .. قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، من الابتلاء والاختبار، الذي يعقبه النصر في نحو قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
(1) الشوكاني.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.