المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"شرح المشارق" لابن الملك. ومن هنا قال النبي صلى الله عليه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: "شرح المشارق" لابن الملك. ومن هنا قال النبي صلى الله عليه

"شرح المشارق" لابن الملك.

ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب"؛ أي: يقطع كمالها وينقصها مرور هذه الأشياء بين يدي المصلي، أما المرأة فلكونها أحب الشهوات إلى الناس، وأشد فسادًا للحال من الوسواس، وأما الكلب الأسود فلكونه شيطانًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الكلب الأسود شيطان" سمى شيطانًا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعًا وأكثرها نعاسًا، ومن هذا قال الإِمام أحمد بن حنبل: لا يحل الصيد به، وأما الحمار فلكون الشيطان قد تعلق بذنبه حين دخل سفينة نوح عليه السلام، فهو غير مفارق عنه في أكثر الأوقات، وهو السر في اختصاص الحمار برؤية الشيطان. والله أعلم.

كما أن وجه اختصاص الديك برؤية الملك، كون صياحه تابعًا لصياح ديك العرش، كما ثبت في بعض الروايات الصحيحة، فالملك غير مفارق عنه في غالب الحالات، وفي الحديث:"إن الله يبغض ثلاثة أصواتها، نهقة الحمير، ونباح الكلب، والداعية بالحرب".

‌20

- ولما فرع الله سبحانه من قصة لقمان .. رجع إلى توبيخ المشركين على إصرارهم على ما هم عليه مع مشاهدتهم لدلائل التوحيد، وتبكيتهم، وإقامة الحجج عليهم فقال:{أَلَمْ تَرَوْا} ؛ أي: ألم تعلموا يا بني آدم {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {سَخَّرَ} وذلل {لَكُمْ} ؛ أي: لمنافعكم، والتسخير سوق الشيء إلى الغرض المختص به قهرًا {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من (1) الكواكب السيارة، مثل الشمس والقمر وغيرهما، والملائكة المقربين، بأن جعلها أسبابًا محصلة لمنافعكم، ومراداتكم، فتسخير الكواكب بأن الله تعالى سيرها في البروج على الأفلاك التي دبر لكل واحد منها فلكًا، وقدر لها القرانات والاتصالات، وجعلها مدبرات العالم السفلي من الزماني، مثل الشتاء والصيف والخريف والربيع، ومن المكاني مثل المعدن والنبات والحيوان والإنسان، وظهور الأحوال المختلفة بحسب

(1) روح البيان.

ص: 256

الكواكب على الدوام لمصالح الإنسان ومنافعهم منها، وتسخير الملائكة بأن الله تعالى من كمال قدرته وحكمته، جعل كل صنف من الملائكة موكلين على نوع من المدبرات وعونًا لها، كالملائكة الموكلين على الشمس والقمر والنجوم وأفلاكها، والموكلين على السحاب والمطر، وقد جاء في الخبر:"إن على كل قطرة من المطر موكلًا من الملائكة لينزلها حيث أمر". والموكلين على البحور والفلوات والرياح والملائكة الكتاب للناس الموكلين عليهم.

ومنها المعقبات من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من أمر الله، حتى جعل على الأرحام ملائكةً، فإذا وقعت نطفة الرجل في الرحم. يأخذها الملك بيده اليمنى، وإذا وقعت نطفة المرأة .. يأخذها الملك بيده اليسرى، وإذا أمر بمشجها .. يمشج النطفتين، وذلك قوله تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} والملائكة الموكلون على الجنة والنار، كلهم مسخرون لمنافع الإنسان ومصالحهم، حتى الجنة والنار مسخرتان لهم تطميعًا وتخويفًا؛ لأنهم يدعون ربهم خوفًا وطمعًا.

{و} سخر لكم {مَا فِي الْأَرْضِ} من الجبال والصحارى والبحار والأنهار والحيوانات والنباتات والمعادن، بأن مكنكم من الانتفاع بها بوسط أو بغير وسط، فيدخل في ذلك جميع مخلوقات الأرض المسخرة لبني آدم، من الأحجار والتراب والزرع والشجر، والثمر والحيوانات التي ينتفعون بها، والعشب الذي يرعون فيه دوابهم، وغير ذلك مما لا يحصى كثرةً.

فالمراد بالتسخير: جعل المسخر بحيث ينتفع به المسخر له، سواء كان منقادًا له وداخلًا تحت تصرفه أم لا، {و} أن الله {أَسْبَغَ} وأتم وأكمل {عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} يقال: سبغت النعمة: إذا تمت وكملت وكثرت.

وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة (1): {وأصبغ} بالصاد، وهي لغة لبني كلب يبدلونها من السين إذا جامعت الغين أو الخاء أو القاف صادًا، وباقي

(1) البحر المحيط.

ص: 257

القراء: بالسين على الأصل، وقرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وحفص {نِعَمَهُ} جمعًا مضافًا للضمير، وباقي السبعة وزيد بن علي:{نعمةً} على الإفراد.

حالة كون تلك النعم {ظَاهِرَةً} ؛ أي (1): محسوسةً مشاهدة، مثل حسن الصورة وامتداد القامة، والحواس الظاهرة من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والنطق، وذكر اللسان والرزق والمال والجاه والخدم والأولاد والصحة والعافية والأمن ووضع الوزر ورفع الذكر، والأدب الحسن، ونفس بلا ذلة، وقدم بلا زلة، والإقرار والإِسلام من نطق الشهادتين، والصلاة والصوم والزكاة، والحج وتعلم القرآن وحفظه، ومتابعة الرسول إلى غير ذلك.

{و} حالة كونها {بَاطِنَةً} ؛ أي: معقولةً غير مشاهدة بالحس، كنفخ الروح في البدن، وإشراقه بالعقل والفهم والفكر والمعرفة، وتزكية النفس عن الرذائل، وتحلية القلب بالفضائل، ولذا قال عليه السلام:"اللهم كما حسنت خَلقي، فحسن خُلقي" ومحبة الرسول وزينه في قلوبكم، واتصال الذكر على الدوام والرضى والغفران وقلب بلا غفلة، وتوجهٍ بلا علةٍ، وفيض بلا قلةٍ".

والمعنى (2): أي ألم تروا أيها الناس، أن الله هو الذي سخر لكم ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم، تستضيئون بها ليلًا ونهارًا، وتهتدون بها في ظلمات البر والبحر، وسحاب ينزل لكم الأمطار لسقي الناس والحيوان والمزارع المختلفة، وما في الأرض من الدواب والأشجار والمياه والبحار والسفن والمعادن التي في باطنها إلى نحو ذلك من المنافع التي جعلها لغذائكم وأقواتكم، فتتمتعون ببعض ذلك وتنتفعون بجميع ذلك، وأتم عليكم نعمة محسوسة وغير محسوسة.

والخلاصة: أنه تعالى نبه خلقه إلى ما أنعم به عليهم في الدنيا والآخرة، بأن سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليهم من النعم الظاهرة

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 258