المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مضاجعهم التي يضطجعون فيها لمنامهم، فلا ينامون، داعين ربهم خوفًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: مضاجعهم التي يضطجعون فيها لمنامهم، فلا ينامون، داعين ربهم خوفًا

مضاجعهم التي يضطجعون فيها لمنامهم، فلا ينامون، داعين ربهم خوفًا من سخطه وعذابه، وطمعًا في عفوه عنهم وتفضله عليهم برحمته ومغفرته، ومما رزقناهم من المال، ينفقون في وجوه البر، ويؤدون حقوقه التي أوجبها عليهم فيه.

‌17

- {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} من النفوس، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلًا عمن عداهم، لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: لا تعلم نفس من النفوس؛ أي: نفس كانت {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ؛ أي: ما أخفاه الله سبحانه لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة من التجافي والدعاء والإنفاق.

والمراد: لا تعلم نفس ما أخفي لهم علمًا تفصيليًا، وإلا فنحن نعلم ما أعد للمؤمنين من النعيم إجمالًا، من حيث إنه غرفٌ في الجنة وقصور وأشجار وأنهار وملابس ومآكل وغير ذلك، ذكره أبو السعود.

ومحل الجملة: نصب بـ {لَا تَعْلَمُ} سدت مسد المفعولين {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ؛ أي: مما تقر به أعينهم، إذا رأوه، وتسكن به أنفسهم، وتطمئن إليه قلوبهم من النعيم واللذات، التي لم يطلع على مثلها أحد مما يحصل به الفرح.

جوزوا ذلك {جَزَاءً} وفاقًا {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ أي: بسبب ما كانوا يعملون في الدنيا، من إخلاص النية وصدق الطوية في الأعمال الصالحة، أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.

روى الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" قال أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه، عن ابن مسعود قال: إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر،

ص: 356

ولا يعلم ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وانه لفي القرآن:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وهذه عدة عظيمة، لا تبلغ الأفهام كنهها، بل ولا تفاصيلها، وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة، وهي معروفة، فلا نطيل الكلام بذكرها.

وقرأ الجمهور (1): {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ، فعلًا ماضيًا مبنيًا للمفعول، وحمزة والأعمش ويعقوب: بسكون الياء، فعلًا مضارعًا للمتكلم، وابن مسعود:{ما نخفى} بنون العظمة، والأعمش أيضًا:{أخفيت} وقرأ محمد بن كعب: {ما أخفي} ، فعلًا ماضيًا مبنيًا للفاعل، وقرأ الجمهور:{من قرة} على الإفراد، وقرأ عبد الله وأبو الدرداء وأبو هريرة وعوف العقيلي:{من قرات} على الجمع بالألف والتاء، وهي رواية عن أبي جعفر والأعمش.

الإعراب

{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} .

{الم (1)} : خبر لمبتدأ محذوف، إن قلنا إنه علم على السورة، تقديره: هذه السورة: {الم (1)} ؛ أي: مسماة به، والجملة مستأنفة، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ}: مبتدأ، {لَا}: نافية للجنس، {رَيْبَ}: في محل النصب اسمها، {فِيهِ}: خبرها، وجملة {لَا}: في محل النصب حال من {الْكِتَابِ} ، {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر {تَنْزِيلُ} ، والجملة: مستأنفة، وهاهنا أعاريب آخر، ضربنا عنها صفحًا، لئلا يطول الكلام، وقد تقدم في أول البقرة ما يشبه هذا. {أَمْ}: منقطعة بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة، {افْتَرَاهُ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على محمد ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} . {بَلْ} : حرف إضراب إبطال لإبطال قولهم، {هُوَ الْحَقُّ}: مبتدأ

(1) البحر المحيط.

ص: 357

وخبر، والجملة: مستأنفة استئنافًا بيانيًا، {مِنْ رَبِّكَ}: جار ومجرور حال من {الْحَقُّ} ، {لِتُنْذِرَ}:{اللام} : حرف جر وتعليل، {تنذر}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {قَوْمًا}: مفعول به، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} ، تقديره: لإنذارك قومًا، والمفعول الثاني: للإنذار، محذوف، والجار والمجرور: متعلق بمحذوف، تقديره: أنزلناه إليك لتنذر قومًا العقاب، والجملة المحذوفة: مستأنفة. {مَا أَتَاهُمْ} : {مَا} : نافية. {أَتَاهُمْ} : فعل ومفعول به، {مِنْ}: زائدة، {نَذِيرٍ}: فاعل، والجملة: صفة {قَوْمًا} ، {مِنْ قَبْلِكَ}: صفة لـ {نَذِيرٍ} ، ويجوز أن يتعلق بـ {أَتَاهُمْ} ، {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَهْتَدُونَ}: خبره، وجملة {لعل}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} .

{اللَّهُ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة، {خَلَقَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الموصول، والجملة: صلة الموصول، {السَّمَاوَاتِ}: مفعول به، {وَالْأَرْضَ}: معطوف عليه، {وَمَا}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، {بَيْنَهُمَا}: ظرف ومضاف إليه، صلة لـ {ما} الموصولة، {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}: متعلق بـ {خَلَقَ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ، ولكنها هنا بمعنى الواو، {اسْتَوَى}: فعل ماض وفاعل مستتر معطوف على {خَلَقَ} ، {عَلَى الْعَرْشِ}: متعلق بـ {اسْتَوَى} ، {مَا}: نافية، {لَكُمْ}: خبر مقدم، {مِنْ دُونِهِ}: حال من {وَلِيٍّ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {مِنْ}: زائدة، {وَلِيٍّ}: مبتدأ مؤخر، {وَلَا شَفِيعٍ}: معطوف على {وَلِيٍّ} ، والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {خَلَقَ} أو {اسْتَوَى} ، {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}:{الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفلا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون، والجملة المحذوفة: مستأنفة، {لا}: نافية، {تتذكرون}: فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف.

ص: 358

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} .

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : فعل وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة الفعلية: في محل النصب حال من فاعل {اسْتَوَى} ، {مِنَ السَّمَاءِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يُدَبِّرُ} ، و {مِنَ} للابتداء، {إِلَى الْأَرْضِ}: متعلق به أيضًا .. و {إِلَى} للانتهاء، {ثُمَّ يَعْرُجُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {الْأَمْرَ} ، {إِلَيْهِ} متعلق بـ {يَعْرُجُ} ، والجملة الفعلية: حال من الأمر، أي: حال كون ذلك الأمر المدبر يرجع إليه، {فِي يَوْمٍ}: متعلق بـ {يَعْرُجُ} أيضًا، {كَانَ مِقْدَارُهُ}: فعل ناقص واسمه، {أَلْفَ سَنَةٍ}: خبره، وجملة {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {سَنَةٍ} ، وجملة {تَعُدُّونَ}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: مما تعدونه.

{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)} .

{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة، {وَالشَّهَادَةِ}: معطوف على {الْغَيْبِ} . {الْعَزِيزُ} : خبر ثان لاسم الإشارة، {الرَّحِيمُ}: خبر ثالث له، {الَّذِي}: خبر رابع له، ويجوز أن يكون نعتًا لـ {عَالِمُ الْغَيْبِ} ، أو رفعه أو نصبه على القطع، {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به، والجملة: صلة الموصول، {خَلَقَهُ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة الفعلية: في محل الجر صفة لـ {شَيْءٍ} أو في محل النصب صفة لـ {كُلَّ} ، وقرىء: خلقه بسكون اللام، فيكون بدل اشتمال من {كُلَّ شَيْءٍ} ، والضمير عائد على {كُلَّ شَيْءٍ} {وَبَدَأَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، معطوف على {أَحْسَنَ}. {خَلْقَ الْإِنْسَانِ}: مفعول به، {مِنْ طِينٍ}: متعلق بـ {خَلْقَ} .

{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} .

{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ، {جَعَلَ نَسْلَهُ}: فعل وفاعل مستتر يعود على

ص: 359

الله، ومفعول به معطوف على {بَدَأَ} ، {مِنْ سُلَالَةٍ}: متعلق بـ {جَعَلَ} إن كان بمعنى الخلق، أو في محل نصب على أنه مفعول ثان له، {مِنْ مَاءٍ}: صفة لـ {سُلَالَةٍ} ، {مَهِينٍ} صفة لـ {مَاءٍ} .

{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)} .

{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ، {سَوَّاهُ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به معطوف على {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ} إن كان الضمير لـ {الْإِنْسَانِ} ، أو معطوف على {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} إن كان الضمير للنسل، {وَنَفَخَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله معطوف على {سَوَّاهُ} ، {فِيهِ}: متعلق بـ {نفخ} ، {مِنْ رُوحِهِ}: متعلق بـ {نفخ} أيضًا، أو مفعوله إن قلنا {مِنْ}: زائدة. {وَجَعَلَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله معطوف على {نفخ} ، {لَكُمُ}: متعلق بـ {جعل} . {السَّمْعَ} : مفعول به لـ {جعل} ، {وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}: معطوفان على {السَّمْعَ} ، {قَلِيلًا}: صفة لمصدر محذوف، أو لظرف محذوف منصوب على المفعولية المطلقة، أو على الظرفية، والعامل فيه:{تَشْكُرُونَ} ، {مَا}: زائدة، زيدت لتأكيد القلة، {تَشْكُرُونَ}: فعل وفاعل؛ أي: تشكرون شكرًا قليلًا، أو زمانًا قليلًا، والجملة الفعلية: مستأنفة.

{وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} .

{وَقَالُوا} : {الواو} : استئنافية، {قالوا}: فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة، مسوقة لبيان ضروب من أباطيلهم، {أَإِذَا}:{الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، مقدمة على محلها، لأنها داخلة على جواب، {إذا} المقدر، تقديره: إذا ضللنا في الأرض أنبعث، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، مضمن معنى الشرط، {ضَلَلْنَا}: فعل وفاعل، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به، والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه، على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق بالجواب

ص: 360

المحذوف، وجملة {إذا}: في محل النصب مقول {قالوا} ، {أَإِنَّا}:{الهمزة} : للاستفهام الإنكاري أيضًا، {إنا}: ناصب واسمه، {لَفِي}:{اللام} : حرف ابتداء، {في خلق}: خبر {إن} ، {جَدِيدٍ}: صفة {خَلْقٍ} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قالوا} أيضًا. {بَلْ} : حرف إضراب للإضراب الانتقالي من بيان كفرهم بالبعث، إلى ما هو أدل على قبح صنيعهم، {هُمْ}: مبتدأ، {بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ}: متعلق بـ {كَافِرُونَ} . و {كَافِرُونَ} : خبرهم، والجملة: مستأنفة، {قُلْ}: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: مستأنفة، {يَتَوَفَّاكُمْ}: فعل مضارع ومفعول به، {مَلَكُ الْمَوْتِ}: فاعل، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قُلْ} ، {الَّذِي}: في محل الرفع صفة لـ {مَلَكُ الْمَوْتِ} ، {وُكِّلَ}: فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعله: ضمير يعود على الموصول، {بِكُمْ}: متعلق بـ {وُكِّلَ} ، والجملة: صلة الموصول، {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {إِلَى رَبِّكُمْ}: متعلق بـ {تُرْجَعُونَ} ، و {تُرْجَعُونَ}: فعل مغير ونائب فاعل معطوف على {يَتَوَفَّاكُمْ} على كونه مقولًا لـ {قُلْ} .

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)} .

{وَلَوْ} {الواو} : استئنافية، {لو}: حرف شرط غير جازم، {تَرَى}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد، أو على أي مخاطب، {إِذِ}: ظرف لما مضى من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، {الْمُجْرِمُونَ}: مبتدأ، {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ}: خبر ومضاف إليه، {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: حال من الضمير المستكن في {نَاكِسُو} ، والجملة الاسمية في محل الجر مضاف إليه، والظرف: متعلق بـ {تَرَى} لتحقق وقوعه، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} ، وجعله أبو البقاء مما وقعت فيه، {إِذِ}: موقع إذا، و {تَرَى} بصرية، مفعولها محذوف، أغنى عنه المبتدأ، وجواب {لو}: محذوف، والتقدير: ولو ترى المجرمين وقت نكوسهم رؤوسهم عند ربهم .. لرأيت أمرًا فظيعًا، وجملة {لو} الشرطية: مستأنفة. {رَبَّنَا} : منادى مضاف، {أَبْصَرْنَا}: فعل وفاعل والمفعول محذوف؛ أي: صدق وعدك

ص: 361

ووعيدك، {وَسَمِعْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {أَبْصَرْنَا} ، ومفعوله محذوف؛ أي: تصديق رسلك، وجملة {أَبْصَرْنَا}: جواب النداء، وجملة النداء مع جوابه: مقول لقول محذوف، منصوب على الحال من الضمير المستكن في {نَاكِسُو} ، تقديره: ناكسوا رؤوسهم، حالة كونهم قائلين: ربنا أبصرنا وسمعنا، فارجعنا نعمل صالحًا، {فَارْجِعْنَا}:{الفاء} : عاطفة تفريعية، {ارجعنا}: فعل دعاء سلوكًا مسلك الأدب مع الباري، مبني على السكون، وفاعله: ضمير يعود على الله، و {نا}: ضمير المتكلمين في محل النصب مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {أَبْصَرْنَا} وإن كانت إنشائية لجوازه، {نَعْمَلْ}: فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله: ضمير يعود على المتكلمين، {صَالِحًا}: مفعول به، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {مُوقِنُونَ}: خبره، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)} .

{وَلَوْ} {الواو} : عاطفة لقول محذوف على قول محذوف عند قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} ؛ أي: يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا، ونقول لهم: لو شئنا لآتينا كل نفس هداها في الدنيا إلخ، أو استئنافية، {لو}: حرف شرط، {شِئْنَا}: فعل وفاعل، والجملة؛ فعل شرط {لو} ، {لَآتَيْنَا}:{اللام} : رابطة لجواب {لو} ، {آتينا}: بمعنى أعطينا، فعل وفاعل، والجملة: جواب {لو} الشرطية، وجملة {لو} الشرطية: في محل النصب مقول للقول المحذوف، أو مستأنفة، {كُلَّ نَفْسٍ}: مفعول أول لـ {أتينا} ، {هُدَاهَا}: مفعول ثانٍ له. {وَلَكِنْ} : {الواو} : عاطفة. {لكن} : حرف استدراك، {حَقَّ الْقَوْلُ}: فعل وفاعل، {مِنِّي}: متعلق بـ {حَقَّ} ، أو حال من {الْقَوْلُ}: وجملة الاستدراك: معطوفة على جملة {وَلَوْ شِئْنَا} ، {لَأَمْلَأَنَّ}:{اللام} : موطئة للقسم، {أملأن}: فعل مضارع في محل الرفع، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة: حرف لا محل لها من الإعراب، وفاعله: ضمير يعود على الله، {جَهَنَّمَ}: مفعول به، {مِنَ الْجِنَّةِ}: متعلق بـ {أملأن} ،

ص: 362

{وَالنَّاسِ} : معطوف على {الْجِنَّةِ} ، {أَجْمَعِينَ}: توكيد لـ {الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ، والجملة الفعلية: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه: في محل الرفع بدل من القول، على كونه فاعلًا محكيًا، لـ {حَقَّ} بدل كل من كل.

{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)} .

{فَذُوقُوا} {الفاء} : حرف عطف وتفريع، {ذوقوا}: فعل أمر وفاعل، والمفعول: محذوف لدلالة ما بعده عليه؛ أي: فذوقوا العذاب، والجملة الفعلية: معطوفة مفرعة على جملة {حَقَّ الْقَوْلُ} ، {بِمَا}:{الباء} : حرف جر وسبب، {ما}: مصدرية، {نَسِيتُمْ}: فعل وفاعل، {لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية: في تأويل مصدر مجرور بـ {الباء} تقديره: فذوقوا العذاب بسبب نسيانكم لقاء يومكم هذا، الجار والمجرور: متعلق بـ {ذوقوا} . {إِنَّا} : ناصب واسمه، {نَسِينَاكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة {فَذُوقُوا}: مؤكدة لها، {بِمَا}:{الباء} : حرف جر وسبب، {ما}: اسم موصول في محل الجربـ {الباء} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ}: خبره، وجملة {كان} صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: بما كنتم تعملونه، والجار والمجرور: متعلق بـ {ذوقوا} .

{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)} .

{إِنَّمَا} : أداة حصر، {يُؤْمِنُ}: فعل مضارع، {بِآيَاتِنَا}: متعلق به، {الَّذِينَ}: فاعل، والجملة: مستأنفة، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {ذُكِّرُوا}: فعل ونائب فاعل، {بِهَا}: متعلق بـ {ذُكِّرُوا} ، والجملة: في محل الخفض بضافة {إِذَا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق

ص: 363

بالجواب، {بِهَا} جار ومجرور متعلقان بـ {ذُكِّرُوا}. {خَرُّوا}: فعل وفاعل {سُجَّدًا} : حال من واو {خَرُّوا} ، وجملة {خَرُّوا} جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا}: صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب أيضًا، {وَسَبَّحُوا}: فعل وفاعل معطوف على {خَرُّوا} ، {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل {سبحوا}؛ أي: يسبحوا حالة كونهم ملتبسين بحمد ربهم، {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}:{الواو} : حالية، {هم}: مبتدأ، وجملة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {خَرُّوا} أو معطوفة على صلة {الَّذِينَ} .

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} .

{تَتَجَافَى} : فعل مضارع، {جُنُوبُهُمْ}: فاعل، والجملة: مستأنفة مسوقة لبيان بقية خصالهم الحميدة، أو حال من فاعل {سبحوا} ، {عَنِ الْمَضَاجِعِ}: متعلق بـ {تَتَجَافَى} ، {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب حال من ضمير {جُنُوبُهُمْ} ؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه {خَوْفًا وَطَمَعًا} : منصوبان، إما: على التعليل، أو على الحال، أو على المصدرية لفعل محذوف؛ أي: يخافون خوفًا، ويطمعون طمعًا، {وَمِمَّا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُنْفِقُونَ} ، {رَزَقْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف؛ أي: ومما رزقناهموه {يُنْفِقُونَ} ، فعل وفاعل، والجملة: معطوفة على جملة {تَتَجَافَى} على كونها مستأنفة. {فَلَا تَعْلَمُ} : {الفاء} : استئنافية أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت الخصال الحميدة المذكورة لهؤلاء، وأردت معرفة جزائهم عند الله تعالى .. فأقول لك: لا تعلم نفس، {لا}: نافية، {تَعْلَمُ نَفْسٌ}: فعل وفاعل، والجملة: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، أو مستأنفة؛ {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به، لـ {تَعْلَمُ} ؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، {أُخْفِيَ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله: ضمير يعود على {ما} ، والجملة: صلة الموصول، {لَهُمْ} ؛ متعلق بـ {أُخْفِيَ} ، {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}: جار ومجرور حال من

ص: 364

نائب فاعل {أُخْفِيَ} . {جَزَاءً} : مفعول مطلق لفعل محذوف، تقديره: جوزوا ذلك جزاءً، والجملة المحذوفة: مستأنفة على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {جَزَاءً} ، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ}: خبره، وجملة {كان}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: يعملونه.

التصريف ومفردات اللغة

{افْتَرَاهُ} ؛ أي: افتعله واختلقه من عند نفسه.

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : التدبير: التفكر في دبر الأمور، والنظر في عاقبتها، وهو بالنسبة إليه تعالى التقدير: وتهيئة الأسباب، وله تعالى مدبرات سماوية كما قال:{فالمدبرات أمرًا} .

والمعنى: يدبر الله تعالى أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها. وأضاف التدبير إلى ذاته، إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره لا أثر له.

{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} العروج: ذهاب في صعود، من عرج بفتح الراء، يعرج بضمها، من باب نصر، إذا صعد؛ أي: يصعد ذلك الأمر إليه تعالى، ويثبت في علمه موجودًا بالفعل.

{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدة النهار بين ليلتين، والعرب قد تعبر عن المدة باليوم، كما قال الشاعر:

يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ

وَيوْمُ سَيْرٍ إِلَى الأَعْدَاءِ تَأْوِيْبُ

فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين، وإنما أراد أن زمانهم شطرين، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم.

{الْغَيْبِ} : ما غاب عن الخلق.

ص: 365

{وَالشَّهَادَةِ} : ما شوهد لهم.

{الْعَزِيزُ} : الغالب على أمره، الذي لا يغالب على ما أراده.

{الرَّحِيمُ} : المنعم على عباده.

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} : قال الراغب: الإحسان: يقال على وجهين:

أحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان.

والثاني: إحسان من فعله، وذلك إذا علم علمًا حسنًا، أو عمل عملًا حسنًا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه: الناس على ما يحسنون؛ أي: منسوبون إلى ما يعلمون من الأفعال الحسنة. انتهى.

{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ} ؛ أي: خلق آدم أبي البشر عليه السلام.

{مِنْ طِينٍ} : الطين: التراب والماء المختلط.

{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} ؛ أي: ذريته، سميت به لأنها تنسل من الإنسان؛ أي: تنفصل، كما قال في "المفردات": النسل الانفصال من الشيء، والنسل: الولد، لكونه ناسلًا عن أبيه. انتهى.

{مِنْ سُلَالَةٍ} ؛ أي: من نطفة مسلولة؛ أي: منزوعة من صلب الإنسان.

{مَهِينٍ} ؛ أي: ضعيف حقير، كما في "القاموس".

{ثُمَّ سَوَّاهُ} ؛ أي: قوم النسل بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي.

{وَالْأَفْئِدَةَ} : جمع فؤاد، بمعنى: القلب، لكن إنما يقال: فؤاد، إذا اعتبر في القلب معنى التفؤد؛ أي: التوقد، كما مرّ.

{أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} : قال في "القاموس": ضل صار ترابًا وعظامًا وخفي وغاب. انتهى. وأصله: ضل الماء في اللبن: إذا غاب وهلك.

والمعنى: هلكنا وصرنا ترابًا مخلوطًا بتراب الأرض، بحيث لا يتميز منه،

ص: 366

أو غبنا فيه بالدفن، وذهبنا عن أعين الناس.

{يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} : التوفي: أخذ الشيء تامًا وافيًا، واستيفاء العدد، قال في "الصحاح": توفاه الله: قبض روحه، والوفاة: الموت، والملك: جسم لطيف نوراني، يتشكل بأشكال مختلفة، قال بعض المحققين: المتولي من الملائكة شيئًا من السياسة، يقال له: ملك بالفتح، ومن البشر يقال له: ملك بكسر اللام، فكل ملك ملائكة، وليس كل ملائكة ملكًا، بل الملك هم المشار إليهم بقوله:{فَالْمُدَبِّرَاتِ} ، {فَالْمُقَسِّمَاتِ} ، {وَالنَّازِعَاتِ}: ونحو ذلك، ومنه ملك الموت. انتهى. والموت: صفة وجودية، خلقت ضدًا للحياة.

{الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} التوكيل: أن تعتمد على غيرك، وتجعله نائبًا عنك، والتوكل: أن تكون نائبًا عن غيرك.

فائدة في التفعل والاستفعال: قال الزمخشري: والتوفي: استيفاء النفس، وهي الروح، قال الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} .

وإن قلت: كيف نفسر التوفي بالاستيفاء؟

قلت: إنه معلوم أن التفعل فيما يلي:

1 -

مطاوعة الرباعي المضعف، نحو نبهته فتنبه، وجمعته فتجمع، وكسرته فتكسر، وقطعته فتقطع.

2 -

التكلف: نحو تصبر وتكرم وتشجع؛ أي: تكلف الصبر والكرم والشجاعة.

3 -

الاتخاذ: نحو توسد ذراعه؛ أي: اتخذه وسادةً، وتورك البعير؛ أي: اتخذ وركه مطية، وتبنيت يوسف؛ أي: اتخذته ابنًا.

4 -

التجنب: نحو تأثم؛ أي: تجنب الإثم، وتهجد؛ أي: تجنب الهجود وهو النوم، وتذمم؛ أي: تجنب الذم.

5 -

التدريج: نحو تحفظت الدرس؛ أي: حفظته قسمًا بعد قسم، وتجرعت

ص: 367

الدواء؛ أي: أخذته جرعةً.

6 -

الصيرورة: نحو تأيمت المرأة؛ أي: صارت أيمًا؛ أي: لا زوج لها.

7 -

الطلب نحو تعجل الشيء؛ أي: طلب عجلته، وتبينه؛ أي: طلب بيانه.

8 -

الانتساب نحو تبدى؛ أي: انتسب إلى البادية.

وأشهر معاني الاستفعال ما يأتي:

1 -

الطلب: نحو استقدمت فلانًا؛ أي: طلبت قدومه، واستخرجت حل المسألة؛ أي: حصلت عليه بعد طلبٍ.

2 -

الصيرورة: نحو استحجر الطين؛ أي: صار حجرًا، واستنوَق الجمل؛ أي: صار كالناقة، واسترجلت المرأة؛ أي: صارت كالرجل.

3 -

النسبة: نحو استوصبت رأيه؛ أي: أي نسبت إليه الصواب، واستقبحت فعله؛ أي: نسبت إليه القبح.

4 -

اختصار اللفظ: نحو استرجع القوم؛ أي: قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

5 -

القوة: نحو استهتر؛ أي: اشتد هتاره، واستكبر؛ أي: قوي كبره، وقد تأتي هذه الصيغة بمعنى أفعل، نحو استجاب بمعنى أجاب، وقد تكون مطاوعًا له، نحو أحكمت البناء، فاستحكم، وأقمت اعوجاجه فاستقام.

{نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} النكس: قلب الشيء على رأسه؛ أي: مطرقوا رؤوسهم.

{خَرُّوا سُجَّدًا} قال في المفردات: خر الشيء إذا سقط سقوطًا، وسمع منه خرير، والخرير: يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من العلو، فاستعمال الخرور في الآية تنبيه على اجتماع أمرين: السقوط، وحصول الصوت منهم بالتسبيح، وقوله: بعد {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} تنبيه على أن ذلك الخرير كان تسبيحًا بحمد الله، لا شيئًا آخر. انتهى.

ص: 368

{تَتَجَافَى} التجافي: النبوّ والبعد. أخذ من الجفاء، فإن من لم يوافقك

فقد جافاك، وتجنب وتنحى عنك.

{جُنُوبُهُمْ} : جمع جنب، وهو شق الإنسان وغيره.

{عَنِ الْمَضَاجِعِ} : جمع مضجع، كمقعدٍ، بمعنى: موضع الضجوع؛ أي: وضع الجنب على الأرض، قال عبد الله بن رواحة:

وَفِيْنَا رَسوْلُ اللهِ يَتْلُوْ كِتَابَهُ

إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوْفٌ مِنْ الصُّبْحِ سَاطِعُ

أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوْبُنَا

بِهِ مُوْقِنَاتٌ مَا إِذَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيْتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ

إِذَا اسْتَثْقَلَتَ بِالْمُشْرِكِيْنَ الْمَضَاجِعُ

{مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ؛ أي: خبىء لهم.

{مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} : القرة: بمعنى اسم الفاعل؛ أي: ما يحصل به القرير؛ أي: الفرح والسرور؛ أي: من شيء نفيس تقربه أعينهم وتسر.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: {تنذر} - و {نَّذِيرٍ} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} . وفي قوله: {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} .

ومنها: إطلاق المعين، وإرادة المطلق، في قوله:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} لأن المراد هنا: مطلق المدة، لا اليوم الذي هو بين ليلتين.

ومنها: الطباق بين {الْغَيْبِ} {وَالشَّهَادَةِ} ، وبين {خَوْفًا} {وَطَمَعًا} .

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} : مثل ناقة الله، وبيت الله، إظهارًا بأنه خلق عجيب ومخلوق شريف.

ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} والأصل وجعل له السمع، والنكتة: أن الخطاب إنما يكون مع الحي، فلما نفخ

ص: 369

تعالى الروح فيه .. حسن خطابه مع ذريته.

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وغرضهم: الاستهزاء والاستبعاد.

ومنها: الإضمار في قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} ؛ أي: يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} لأن المتوفي حقيقة: هو الله سبحانه وتعالى.

ومنها: الاختصاص في قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ؛ أي: إليه لا إلى غيره مرجعكم يوم القيامة.

ومنها: حذف جواب {لو} للتهويل، في قوله:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} ؛ أي: لرأيت أمرًا مهولًا.

ومنها: العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية، في قوله:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} حيث لم يقل ولو ترى إذ ينكس المجرمون رؤوسهم، عدل عن الفعلية إلى الاسمية، لتقرير ثباتهم على نكس رؤوسهم، خجلًا وحياءً وخزيًا عندما تبدو مثالبهم، وهناتهم بصورة دميمة شوهاء، تبعث على الهزء بهم، والسخرية منهم، كأنما استمر ذلك منهم لا يرتفع لهم رأس، ولا يمتد منهم طرف.

وكذلك عدل عن الفعلية إلى الاسمية المؤكدة في قوله: {إِنَّا مُوقِنُونَ} ؛ أي: إنهم ثابتون على الإيقان، راغبون فيه، بعد أن ظهرت لهم المغاب، مناديةً عليهم بالويل والثبور.

ومنها: المشاكلة في قوله: {بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ} وهي الاتفاق في اللفظ، مع الاختلاف في المعنى؛ لأن الله سبحانه لا ينسى ولا يذهل، وإنما المعنى: نترككم في العذاب ترك الشيء المنسي المرمي ظهريًا.

ومنها: التهكم في قوله: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} لأن الذوق حقيقة في الشيء اللذيد.

ص: 370

ومنها: التكرار في قوله: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} للتأكيد والتشديد، ولتبيين المفعول المطوي للذوق الأول، وللإشعار بأن سببه ليس مجرد النسيان، بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا .. اهـ. "أبو السعود".

ومنها: الكناية عن كثرة العبادة والتبتل ليلًا في قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} .

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} حيث أسند التجافي إلى الجنوب، ولم يقل يجافون جنوبهم، إشارةً إلى أن حال أهل اليقظة ليس كحال أهل الغفلة، فإنهم لكمال حرصهم على المناجاة، ترتفع جنوبهم عن المضاجع حين ناموا بغير اختيارهم كأن الأرض ألقتهم من نفسها، وأما أهل الغفلة فيتلاصقون بالأرض لا يحركهم محرك، كما سبق.

ومنها: إضافة الموصوف إلى صفته للتأكيد، في قوله:{عَذَابَ الْخُلْدِ} مثل عذاب الحريق؛ لأن المعنى العذاب المخلد.

ومنها: التنكير في قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} لقصد العموم؛ أي: أي نفس كانت من ملك مقرب، ونبي مرسل.

ومنها: الحصر في قوله: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} ؛ أي: ما يؤمن بآياتنا إلا الذين إذا ذكروا بآيات ربهم إلخ.

ومنها: حذف العامل في قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لقصد الإيجاز؛ أي: جوزوا جزاءً بما كانوا إلخ.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 371

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)} .

المناسبة

قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا

} الآية، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (1) حال المجرمين والمؤمنين .. عطف على ذلك سؤال العقلاء: هل يستوي الفريقان؛ وبين أنهما لا يستويان، ثم فصل ذلك ببيان مآل كل منهما يوم القيامة.

قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ

} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر في أول السورة الرسالة والتوحيد والبعث .. عاد في آخرها إلى ذكرها مرةً أخرى.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا} الآية، مناسبتها لما قبلها: أن

(1) المراغي.

ص: 372

الله سبحانه لما ذكر الرسالة في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ

} أعاد هنا ذكر التوحيد، مع ذكر البرهان عليه بما يرونه من المشاهدات التي يبصرونها.

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ

} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما أثبت الرسالة والتوحيد فيما سبق .. عطف على ذلك ذكر الحشر، وبذلك صار ترتيب آخر السورة متناسقًا مع ترتيب أولها، فقد ذكر الرسالة في أولها بقوله:{لِتُنْذِرَ قَوْمًا} وفي آخرها بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وذكر التوحيد في أولها بقوله: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وفي آخرها بقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} وذكر الحشر في أولها بقوله: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} وفي آخرها بقوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} .

أسباب النزول

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا

} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه الواحدي، وابن عساكر، عن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال: الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سنانًا، وأنشط منك لسانًا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق فنزلت:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} .

وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار مثله.

وأخرج ابن عدي، والخطيب في "تاريخه" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله.

وأخرج الخطيب وابن عساكر، من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط، وذلك في سباب كان بينهما، كذا في هذه الرواية: أنها نزلت في عقبة بن الوليد لا الوليد.

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ

} الآية، سبب نزولها: ما

(1) لباب النقول.

ص: 373