الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والباطنة، فأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح الشبه والعلل.
روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس، وقد سأله عن هذه الآية:"الظاهرة: الإِسلام وما حسن من خلقك، والباطنة: ما ستر عليك من سيء عملك" وقيل: الظاهرة: الصحة وكمال الخلق، والباطنة: المعرفة والعقل، وقيل: الظاهرة: ما يرى بالأبصار من المال والجاة والجمال وتوفيق الطاعات، والباطنة: ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين، وما يدفع عن العبد من الآفات، وقيل: الظاهرة: نعم الدنيا، والباطنة: نعم الآخرة.
ثم ذكر أنه مع كل هذه الأدلة الظاهرة قد مارى وجادل بعض الناس دون برهان عقل، ولا مستند من نقل، فقال:{وَمِنَ النَّاسِ} ؛ أي: وبعض الناس، فهو مبتدأ، وخبره قوله:{مَنْ يُجَادِلُ} ؛ أي: وبعض الناس والمشركين يخاصم {فِي} توحيد {اللَّهِ} سبحانه وصفاته وينكرها، كالنضر بن الحارث وأبي بن خلف، ويميل إلى الشرك حيث يزعم أن الملائكة بنات الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مستفاد من عقل {وَلَا هُدًى} مستفادٍ من جهة الرسول {وَلَا كِتَابٍ} أنزله الله سبحانه {مُنِيرٍ}؛ أي: مضيء له بالحجة،
21
- بل يجادل بمجرد التقليد، كما قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} ؛ أي: لهؤلاء المجادلين، والجمع باعتبار معنى من {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} تعالى على نبيه من القرآن الواضح، والنور البيّن، فآمنوا به {قَالُوا} لا نتبعه {بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} الأقدمين من عبادة الأصنام والأوثان والملائكة، فإنهم كانوا أهل حق ودين صحيح، فنعبد ما كانوا يعبدونه من الأصنام، ونمشي في الطريق الذي كانوا به في دينهم، فوبخهم سبحانه على تلك المقالة التي هي من حبائل الشيطان ووساوسه، فقال:{أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} ؛ أي: يدعو آباءهم، والهمزة فيه (1) للاستفهام الإنكاري المضمن للتعجب من التعلق بشبهة هي في غاية البعد من مقتضى العقل، داخلة على محذوف، والضمير عائد إلى الآباء، والجملة في حيز النصب على الحالية من المحذوف.
(1) روح البيان.
والمعنى: أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم بما هم عليه من الشرك {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} ؛ أي: إلى عذاب النار الشديدة الاتقاد والالتهاب، فهم مجيبون إليه حسبما يدعوهم؛ أي: أيتبعونهم في حال دعاء الشيطان آباءَهم إلى العذاب، مع أنه لا ينبغي أتباعهم في هذه الحال؛ لأنها حال تلفٍ وعذاب.
ويجوز أن يراد أنه يدعو هؤلاء الأتباع إلى عذاب السعير؛ لأنه زين لهم اتباع آبائهم والتدين بدينهم، ويجوز (1) أن يراد أنه يدعو جميع التابعين والمتبوعين إلى العذاب، فدعاؤه للمتبوعين بتزيينه لهم الشرك، ودعاؤه للتابعين بتزيينه لهم دين آبائهم، وفي الآية منع صريح من التقليد، وما أقبح التقليد، وأكثر ضرره على صاحبه، وأوخم عاقبته، وأشأم عائدته على من وقع فيه، فإن الداعي له إلى ما أنزل الله على رسوله، كمن يريد أن يذود الفراش عن لهب النار لئلا تحترق، فتأبى ذلك، وتتهافت في نار الحريق وعذاب السعير.
فائدة: والتقليد لغةً (2): وضع الشيء في العنق محيطًا به، ومنه القلادة، ثم استعمل في تفويض الأمر إلى الغير كأنه ربطه بعنقه، واصطلاحًا: قبول قول الغير بلا حجة، فيخرج الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حجة في نفسه، وفي "التعريفات" (3): التقليد: عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقية فيه من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادةً في عنقه. انتهى.
والمعنى (4): أي أيتبعونهم على كل حال دون نظر إلى الدليل، فربما كان اعتقادهم مبنيًا على الهوى وترهات الأباطيل، سداه ولحمته: ما زينه لهم الشيطان من وساوس لا تستند إلى حجة ولا برهان.
والخلاصة: أما كان لهم أن يفكروا ويتدبروا حتى يعلموا الحق من الباطل،
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
(3)
التعريفات.
(4)
المراغي.
والصواب من الخطأ، فإن الرجال بالحق وليس الحق بالرجال، وفي هذا ما لا يخفى من تسفيه عقولهم وتسخيف آرائهم، وأنهم بلغوا الدرك الأسفل في هدم العقل وعدم الركون إلى الدليل مهما استبانت غايته، واستقامت محجته.
الإعراب
{الم (1)} : تقدم إعراب هذه الكلمة مرةً بعد مرةً، فلا عودة ولا إعادة. {تِلْكَ}: مبتدأ. {آيَاتُ الْكِتَابِ} : خبره ومضاف إليه، والجملة: مستأنفة. {الْحَكِيمِ} : صفة لـ {الْكِتَابِ} ، وسيأتي معنى إسناد الحكمة إليه في مبحث البلاغة، {هُدًى وَرَحْمَةً}: حالان من {الآيات} ، والعامل فيهما ما في تلك من معنى الإشارة. {لِلْمُحْسِنِينَ}: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو بنفس المصدر، تنازع فيه كل من الحالين {الَّذِينَ} صفة {لِلْمُحْسِنِينَ}. {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول. {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} : كذلك معطوف على الصلة، {وَهُمْ}: مبتدأ، {بِالْآخِرَةِ}: متعلق بـ {يُوقِنُونَ} ، و {هُمْ}: الثاني تأكيد للأول، وجملة {يُوقِنُونَ}: خبر لـ {هُم} الأول، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة الصلة. {أُولَئِكَ} : مبتدأ. {عَلَى هُدًى} : خبره، {مِنْ رَبِّهِمْ}: صفة لـ {هُدًى} ، والجملة الاسمية: مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها ومدحًا لهم، {وَأُولَئِكَ}: مبتدأ، {هُمُ}: ضمير فصل، {الْمُفْلِحُونَ}: خبر للمبتدأ، والجملة: معطوفة على الجملة التي قبلها.
{وَمِنَ النَّاسِ} : خبر مقدم، {مَنْ}: اسم موصول مبتدأ مؤخر، {مَنْ}: فعل وفاعل مستتر، وهو عائد الموصول ومفعول به، والجملة الفعلية: صلة {مَنْ} الموصولة، والجملة الاسمية: مستأنفة مسوقة لتقرير حال
اللاهين، الذين يضيعون أوقاتهم باللهو ومضاحيك الكلام، {لِيُضِلَّ}:{اللام} : حرف جر وتعليل، {يضل}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {من} منصوب بأن مضمرة بعد {اللام} ، {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، {بِغَيْرِ عِلْمٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {يَشْتَرِي} ؛ أي: يشتري غير عالم بحال ما يشتريه، وجملة {يضل}: مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} ، تقديره: يشتري اللهو لإضلاله الناس، والجار والمجرور متعلق بـ {يَشْتَرِي}. {وَيَتَّخِذَهَا} الواو: عاطفة. {يتخذها} : فعل وفاعل مستتر ومفعول أول بالنصب معطوف على {يضل} ، وبالرفع معطوف على {يَشْتَرِي}. {هُزُوًا}: مفعول ثان لـ {يتخذ} ، {أُولَئِكَ}: مبتدأ أول {لَهُمْ} : خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر. {مُهِينٌ} : صفة لـ {عَذَابٌ} ، والجملة من المبتدأ الثاني، وخبره: خبر للأول، وجملة الأول: مستأنفة.
{وَإِذَا} {الواو} : عاطفة. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {تُتْلَى}: فعل مضارع مغير الصيغة، {عَلَيْهِ}: متعلق بـ {تُتْلَى} ، {آيَاتُنَا}: نائب فاعل لـ {تُتْلَى} . والجملة الفعلية: في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، {وَلَّى}: فعل ماض وفاعل مستتر، {مُسْتَكْبِرًا}: حال من فاعل {وَلَّى} ، وجملة {وَلَّى}: جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا}: معطونة على جملة {يَشْتَرِي} على كونها صلة الموصول. {كَأَنْ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، أي: كأنه، وجملة:{لَمْ يَسْمَعْهَا} : في محل الرفع خبرها، وجملة؛ {كَأَنْ}: في محل النصب حال ثانية من فاعل {وَلَّى} ، {كَأَنْ}: حرف نصب وتشبيه، {فِي أُذُنَيْهِ}: خبر مقدم لـ {كَأَنْ} ، {وَقْرًا}: اسمها مؤخر، وجملة {كَأَنْ}: حال من فاعل: {يَسْمَعْهَا} أو بدل من جملة {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} ، وأجاز الزمخشري أن تون جملتا التشبيه مستأنفتين، {فَبَشِّرْهُ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر،
تقديره: إذا عرفت حال ذلك المعرض، وأردت بيان عاقبته .. فأقول لك: بشره، {بشره}: فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به، {بِعَذَابٍ}: متعلق به، {أَلِيمٍ}: صفة لـ {عذاب} ، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة.
{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {آمَنُوا} ، {لَهُمْ}: خبر مقدم، {جَنَّاتُ النَّعِيمِ}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {خَالِدِينَ} حال مقدرة من ضمير لهم، {فِيهَا}: متعلق بـ {خَالِدِينَ} . {وَعْدَ اللَّهِ} : مصدر مؤكد لنفسه منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: وعدهم الله ذلك وعدًا، والجملة المحذوفة: مستأنفة مسوقة لتأكيد ما قبلها، وإنما قلنا مؤكد لنفسه لأن معنى {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}: وعدهم الله بها، فأكد معنى الوعد بالوعد، {حَقًّا}: مصدر مؤكد لغيره، منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: حقه حقًا، أي: حق ذلك الوعد حقًا، والجملة المحذوفة: مستأنفة مسوقة لتأكيد ما قبلها، وإنما قلنا مؤكد لغيره؛ لأن {حَقًّا}: دال على معنى الثبات أكد به معنى الوعد، {وَهُوَ الْعَزِيزُ}: مبتدأ وخبر أول، {الْحَكِيمُ}: خبر ثان، والجملة الاسمية: مستأنفة. {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية: مستأنفة مسوقة للاستدلال على قدرته تعالى وعزته، {بِغَيْرِ عَمَدٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من {السَّمَاوَاتِ}؛ أي: حالة كونها خاليةً من عمد، {تَرَوْنَهَا}: فعل وفاعل ومفعول به، والرؤية هنا بصرية، والجملة الفعلية: في محل الجر صفة لـ {عَمَدٍ} ؛ أي: بغير عمدٍ مرئية لكم.
{وَأَلْقَى} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله معطوف على {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} . {فِي الْأَرْضِ} : متعلق بـ {ألقى} . {رَوَاسِيَ} : صفة لمفعول محذوف، تقديره: جبالًا، رواسي، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر، {تَمِيدَ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {الْأَرْضِ} منصوب بـ {أَنْ} المصدرية، {بِكُمْ}: متعلق بـ {تَمِيدَ} ، والمصدر المؤول من {أَنْ} المصدرية ومدخولها: مجرور بإضافة المصدر المقدر إليه، المعلل للفعل، تقديره: وألقى في الأرض رواسي كراهية ميدها بكم. {وَبَثَّ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله معطوف على {ألقى} . {فِيهَا} : متعلق بـ {بث} ، {مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لمفعول به محذوف، تقديره: حيوانات كائنات من كل دابة. {وَأَنْزَلْنَا} : فعل وفاعل معطوف على {خَلَقَ} على طريق الالتفات عن الغيبة إلى التكلم، {مِنَ السَّمَاءِ}: متعلق بـ {أنزلنا} ، {مَاءً}: مفعول به، {فَأَنْبَتْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {أنزلنا} ، {فِيهَا}: متعلق بمحذوف حال {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} . {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} : متعلق بـ {أنبتنا} أو صفة لمفعول محذوف؛ أي: نباتًا من كل زوج، {كَرِيمٍ} صفة لـ {زَوْجٍ}. {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ}: مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة، {فَأَرُونِي}:{الفاء} : عاطفة. {أروني} : بمعنى أخبروني فعل أمر وفاعل ومفعول أول، وهو يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل، وهذا أولها، والجملة الاستفهامية المعلقة: سدت مسد المفعولين {مَاذَا} : اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم لـ {خَلَقَ} ، أو {ما}: اسم استفهام مبتدأ، {ذا}: اسم موصول خبره، {خَلَقَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل صلة لذا الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما الذي خلقه الذين {مِنْ دُونِهِ} : جار ومجرور صلة {الَّذِينَ} ، {بَلِ}: حرف للإضراب الانتقالي، {الظَّالِمُونَ}: مبتدأ، {فِي ضَلَالٍ}: خبره، {مُبِينٍ}: صفة لـ {ضَلَالٍ} ، والجملة: مستأنفة.
{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية. و {اللام} : موطئة للقسم، {قد}: حرف
تحقيق. {آتَيْنَا} : بمعنى أعطينا فعل وفاعل، {لُقْمَانَ}: مفعول أول، {الْحِكْمَةَ}: مفعول ثان له، والجملة الفعلية: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة، {أَنِ}: مفسرة لأن الإيتاء فيه معنى القول؛ أي: قلنا له: {اشْكُرْ} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة الفعلية: جملة مفسرة لـ {آتَيْنَا} : لا محل لها من الإعراب، ويجوز أن تكون {أَنِ}: مصدرية مؤولة ما بعدها بمصدر منصوب على كونه بدلًا من {الْحِكْمَةَ} ، والأول: أظهر {لِلَّهِ} : متعلق بـ {اشْكُرْ} . {وَمَنْ يَشْكُرْ} : {الواو} : استئنافية. {من} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما، {يَشْكُرُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ {من} : على كونه فعل شرط لها، {فَإِنَّمَا}:{الفاء} : رابطة الجواب، {إنما}: كافة ومكفوفة {يَشْكُرُ} ؛ فعل وفاعل مستتر، {لِنَفْسِهِ}: متعلق به، والجملة: جواب {من} الشرطية، وجملة {من} الشرطية: مستأنفة، {وَمَنْ كَفَرَ}:{الواو} : عاطفة. {من} : اسم شرط مبتدأ، والخبر: جملة الشرط، {كَفَرَ}: فعل ماض وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها. {فَإِنَّ} : {الفاء} : رابطة. {إن الله غني} : ناصب واسمه وخبره. {حَمِيدٌ} : خبر ثان، وجملة {إن}: في محل الجزم جواب {من} الشرطية، وجملة {من} الشرطية، معطوفة على جملة {من} الأولى.
{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية. {إذ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد لقومك قصة إذ قال لقمان، والجملة المحذوفة: مستأنفة، {قَالَ لُقْمَانُ}: فعل وفاعل، {لِابْنِهِ}: متعلق به، والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} ، {وَهُوَ}:{الواو} : حالية. {هو} : مبتدأ، وجملة {يَعِظُهُ}: خبره، والجملة الاسمية، في محل النصب حال من {لُقْمَانُ}. {يَا بُنَيَّ}:{يا} : حرف نداء، {بني}: منادى مضاف إلى ياء
المتكلم، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قَالَ} ، {لَا}: ناهية، {تُشْرِكْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ {لا} الناهية، {بِاللَّهِ}: متعلق به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قَالَ} : على كونها جواب النداء. {إِنَّ الشِّرْكَ} : ناصب واسمه، {لَظُلْمٌ}: خبره، و {اللام}: حرف ابتداء، {عَظِيمٌ}: صفة {لَظُلْمٌ} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قَالَ} : على كونها معللة للنهي المذكور قبله.
{وَوَصَّيْنَا} : {الواو} : اعتراضية. {وصينا الإنسان} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية مع ما بعدها، إلى قوله:{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} : معترضة لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين وصايا القمان لابنه، مؤكدة لما اشتملت عليه من النهي عن الشرك، {بِوَالِدَيْهِ}: متعلق بـ {وصينا} ، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة: معترضة بين المفسَّر الذي هو {وصينا} والمفسِّر الذي هو {أَنِ اشْكُرْ} : لا محل لها من الإعراب، {وَهْنًا}: حال من {أُمُّهُ} ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: حالة كونه ذات وهن، أو مصدر مؤكد لفعل محذوف وقع حالًا، تقديره حالة كونها تهن وهنًا على. {عَلَى وَهْنٍ} صفة لـ {وَهْنًا}. {وَفِصَالُهُ}: مبتدأ، {فِي عَامَيْنِ}: خبره، والجملة معطوفة على جملة قوله:{حَمَلَتْهُ} : على كونها معترضة. {أَنِ} : مفسرة، {اشْكُرْ}: فعل وفاعل مستتر، والجملة: مفسرة لـ {وصينا} ، واختار الزجاج أن تكون {أَنِ} مصدرية، والمصدر المؤول منها: منصوب بنزع الخافض، والخافض المحذوف: متعلق بـ {وصينا} ؛ أي: ولقد وصينا الإنسان بالشكر لي ولوالديه وليس ببعيدٍ {لِي} : جار ومجرور متعلق بـ {اشْكُرْ} ، {وَلِوَالِدَيْكَ}: معطوف عليه، {إِلَيَّ}: خبر مقدم، {الْمَصِيرُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة: مستأنفة.
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} .
{وَإِنْ} {الواو} : عاطفة لقول محذوف على {وصينا} ؛ أي: ولقد وصينا الإنسان بالشكر لي ولوالديه وقلنا له: {إن جاهداك} ، {إن}: حرف شرط، {جَاهَدَاكَ}: فعل وفاعل ومفعول به، في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، {عَلَى}: حرف جر، {أَنْ}: حرف مصدر. {تُشْرِكَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر منصوب بـ {أَنْ} المصدرية، {بِي}: متعلق به، والمصدر المؤول من {أَن} المصدرية وما في حيزها: مجرور بـ {عَلَى} والجار والمجرور متعلق بـ {جَاهَدَاكَ} ؛ أي: وإن جاهداك على الإشراك بي. {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول {تُشْرِكَ} . {لَيْسَ} : فعل ناقص، {لَكَ}: خبر مقدم لها. {بِهِ} : متعلق بـ {عِلْمٌ} . {عِلْمٌ} اسم ليس مؤخر، وجملة {لَيْسَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة. {فَلَا} : {الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا، {لا}: ناهية، {تُطِعْهُمَا}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة: في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول للقول المحذوف كما قدرنا آنفًا.
{وَصَاحِبْهُمَا} {الواو} : عاطفة. {صاحبهما} : فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على جواب {إن} الشرطية، {فِي الدُّنْيَا}: حال من ضمير المفعول، {مَعْرُوفًا}: منصوب بنزع الخافض؛ أي: بالمعروف، {وَاتَّبِعْ}: فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على الجواب أيضًا، {سَبِيلَ}: مفعول به، {مَنْ}: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، وجملة {أَنَابَ}: صلة {مَنْ} الموصولة، {إِلَيَّ}: متعلق بـ {أَنَابَ} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {إِلَيَّ}: خبر مقدم، {مَرْجِعُكُمْ}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة {اتبع} ، {فَأُنَبِّئُكُمْ}:{الفاء} : عاطفة. {أنبئكم} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {أنبئكم} ، والجملة الفعلية: معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ}: خبره،
وجملة {كان} صلة لـ {ما} الموصولة.
{يَا بُنَيَّ} : منادى مضاف، وجملة النداء، معطوفة بعاطف مقدر على جملة النداء في قوله:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} على كونها مقولًا لـ {قال} ، {إِنَّهَا}: ناصب واسمه، {إن}: حرف شرط جازم، {تَكُ}: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ {إن} الشرطية، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، واسمها ضمير مستتر جوازًا، تقديره: هي يعود على الخطيئة، {مِثْقَالَ حَبَّةٍ}: خبرها، {مِنْ خَرْدَلٍ}: صفة لـ {حَبَّةٍ} ، {فَتَكُنْ}: فعل مضارع ناقص معطوف على {تَكُ} ، واسمها ضمير يعود على الخطيئة أيضًا، {فِي صَخْرَةٍ} خبر {تكن} ، {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ}: معطوفان على {فِي صَخْرَةٍ} ، {يَأْتِ}: فعل مضارع مجزوم بـ {إِن} الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، {بِهَا}: متعلق بـ {يَأْتِ} ، {اللَّهُ}: فاعل {يَأْتِ} . وجملة {إن} الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل الرفع خبر {إنّ} . وجملة {إنّ} واسمها في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {لَطِيفٌ}: خبر أول له، {خَبِيرٌ}: خبر ثان، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قال} على كونها معللةً لما قبلها.
{يَا بُنَيَّ} : منادى مضاف معطوف بعاطف مقدر على قوله: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} على كونه مقول {قال} ، {أَقِمِ الصَّلَاةَ}: فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول {قال} : على كونها جواب النداء، {وَأْمُرْ}: فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على {أَقِمِ} ، {بِالْمَعْرُوفِ}: متعلق به، {وَانْهَ}: فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على أيضًا على {أَقِمِ الصَّلَاةَ} ، {عَنِ
الْمُنْكَرِ}: متعلق بـ {وَانْهَ} ، {وَاصْبِرْ}: فعل أمر وفاعل مستتر على أقم. {عَلَى مَا} : جار ومجرور متعلق بـ {اصبر} ، {أَصَابَكَ}: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة: صلة لـ {ما} الموصولة، {إنَّ ذَلِكَ}: ناصب واسمه، {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}: جار ومجرور ومضاف إليه خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قال} على كونها معللة لما قبلها.
{وَلَا} {الواو} : عاطفة، {لا}: ناهية جازمة، {تُصَعِّرْ خَدَّكَ}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به مجزوم بـ {لا} الناهية، {لِلنَّاسِ}: متعلق بـ {تُصَعِّرْ} ، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {أَقِمِ الصَّلَاةَ} . {وَلَا تَمْشِ} : {الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية جازمة، {تَمْشِ}: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ {لا} الناهية، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {أَقِمِ الصَّلَاةَ} ، {مَرَحًا}: منصوب على الحالية، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: ذا مرح، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: مشيًا مرحًا، أو مفعول لأجله، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ}: حرف ناف وفعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، {فَخُورٍ}: صفة لـ {مُخْتَالٍ} : أو عطف بيان منه، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قال} على كونها معللةً لما قبلها.
{وَاقْصِدْ} : فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على {أَقِمِ الصَّلَاةَ} ، {فِي مَشْيِكَ}: متعلق بـ {اقصد} ، {وَاغْضُضْ}: فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على {أَقِمِ الصَّلَاةَ} ، {مِنْ صَوْتِكَ} متعلق بـ {اغضض}. {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ}: ناصب واسمه، {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}: خبره ومضاف إليه، و {اللام}: حرف ابتداء، والجملة: في محل النصب مقول {قال} على كونها معللةً لما قبلها.
{أَلَمْ تَرَوْا} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري التوبيخي، {لم}: حرف جزم، {تَرَوْا}: فعل مضارع وفاعل مجزوم بـ {لم} ، والرؤية هنا قلبية، والجملة: مستأنفة مسوقة لتوبيخ المشركين على شركهم مع قيام الحجة، {أَنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {سَخَّرَ}: فعل ماض وفاعل مستتر {لَكُمْ} متعلق به. {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول {سَخَّرَ} وجملة {سَخَّرَ} في محل الرفع خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ}: في تأويل مصدر ساد مسد مفعول {تَرَوْا} . {فِي السَّمَاوَاتِ} : جار ومجرور صلة لـ {مَّا} الموصولة، {وَمَا فِي الْأَرْضِ}: معطوف على {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . {وَأَسْبَغَ} : فعل ماض وفاعل مستتر معطوف على {سَخَّرَ} ، {عَلَيْكُمْ}: متعلق بـ {أسبغ} . {نِعَمَهُ} : مفعول به، {ظَاهِرَةً}: حال من {نِعَمَهُ} ، {وَبَاطِنَةً}: معطوف على {ظَاهِرَةً} ، {وَمِنَ النَّاسِ}: خبر مقدم، {مَن}: مبتدأ مؤخر، وجملة {يُجَادِلُ}: صلة {مَن} الموصولة، {فِي اللَّهِ}: متعلق بـ {يُجَادِلُ} ، والجملة الاسمية: مستأنفة، {بِغَيْرِ عِلْمٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {يُجَادِلُ} ، {وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ}: معطوفان على {علم} ، {مُنِيرٍ}: صفة لـ {كِتَابٍ} .
{وَإِذَا} {الواو} : عاطفة. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {قِيلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {لَهُمُ}: متعلق به، {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: نائب فاعل محكي لـ {قِيلَ} ، وجملة {قِيلَ}: في محل الجر بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، وإن شئت قلت:{اتَّبِعُوا} : فعل أمر وفاعل، {مَا}: اسم موصول مفعول به، والجملة: في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} ، {أَنْزَلَ اللَّهُ}: فعل وفاعل صلة لـ {مَا} ، والعائد: محذوف:؛ أي: أنزله الله. {قَالُوا} : فعل وفاعل جواب {إذا} ، وجملة {إذا}: معطوفة على جملة {يُجَادِلُ} على كونها
صلة لـ {مَا} الموصولة، {بَلْ}: حرف عطف وإضراب، {نَتَّبِعُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به. والجملة معطوفة على محذوف، هو مقول {قَالُوا} ، تقديره: قالوا لا نتبع ما أنزل الله بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، {وَجَدْنَا}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِ}: متعلق به، {آبَاءَنَا}: مفعول به لـ {وجد} ؛ لأنه من وجد الضالة، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} الموصولة. {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ}:{الهمزة} : للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، تقديره: أيتبعونه، {ولو}:{الواو} : حالية. {لو} : حرف شرط غير جازم، {كَانَ الشَّيْطَانُ}: فعل ناقص واسمه، {يَدْعُوهُمْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَدْعُوهُمْ} ، وجملة {يَدْعُوهُمْ}: في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان}: فعل شرط لـ {لو} لا محل لها من الإعراب، وجواب {لو} الشرطية: محذوف، تقديره: ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يتبعونه، وجملة {لو} الشرطية: في محل النصب حال من فاعل الفعل المحذوف، الذي هو مدخول همزة الاستفهام، والتقدير: أيتبعونه حال كون الشيطان داعيًا لهم إلى عذاب السعير.
التصريف ومفردات اللغة
{الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} : إما فعيل بمعنى مفعل؛ أي: المحكم المحروس من التغيير والتبديل، والممنوع من الفساد والبطلان، فهو فعيل بمعنى مفعل، وإن كان قليلًا في كلامهم، كقولهم: أعقدت الدبس فهو عقيد؛ أي: معقد، أو بمعنى فاعل؛ أي: الحاكم بين العباد ببيان الحلال والحرام، والصحيح والفاسد.
{يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} : وفي "المفردات": إقامة الشيء، توفية حقه، وإقامة الصلاة: توفية شرائطها، لا الإتيان بهيئتها.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} : والاشتراء: دفع الثمن وأخذ المثمن، والبيع: دفع المثمن وأخذ الثمن، وقد يتجوز بالشراء والاشتراء عن كل ما يحصل به شيء، واللهو: مصدر لها يلهو، والمراد به هنا: اسم الفاعل؛ أي:
ما يلهي ويشغل الإنسان عما يهمه من طاعة ربه، كالأحاديث التي لا أصل لها، وكل باطل ألهى عن الخير، والملاهي آلة اللهو، والملهى موضع اللهو، والحديث: يستعمل في قليل الكلام وكثيره، وإضافة اللهو إلى الحديث للبيان، وضابطها: أن يكون المضاف بعد المضاف إليه صالحًا للإخبار به عنه، كخاتم فضة.
{كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} والوقر الصمم، قال في "المفردات": الوقر: الثقل في الأذن، وفي "فتح الرحمن": الوقر الثقل الذي يغير إدراك المسموعات. {بِغَيْرِ عَمَدٍ} : والعمد: بفتحتين: جمع عماد، كأهب وإهاب، وهي السارية، وفي "المصباح": وعمدت الحائط عمدًا: دعمته، وأعمدته بالألف لغةً، والعماد: ما يسند به، والجمع عمد بفتحتين، وفيه أيضًا الدعامة بالكسر: ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط، ودعمت الحائط دعمًا من باب نفع.
{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} قال ابن عباس: هي الجبال الشامخات من أوتاد الأرض، وهي سبعة عشر جبلًا، منها: قاف - وأبو قبيس - والجودي ولبنان - وطور سنين - وطور سيناء، أخرجه ابن جرير في "المبهمات" للسيوطي. اهـ. ابن لقيمة على "البيضاوي"، وفي "المختار" رسا الشيء، ثبت، وبابه عدا وسما، والرواسي من الجبال: الثوابت الرواسخ، واحدتها راسية. اهـ. والإلقاء: طرح الشيء حيث تلقاه وتراه، ثم صار في التعارف اسمًا لكل طرح.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} : الميد: اضطراب الشيء العظيم، كاضطراب الأرض، يقال: ماد يميد ميدًا وميدانًا: إذا تحرك واضطرب.
{وَبَثَّ فِيهَا} : وأصل البث: إثارة الشيء، وتفريقه، كبث الريح التراب.
{مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} وهي كل ما يدب على الأرض، من الدب، والدبيب، وكذا الدب: المشي الخفيف، ويستعمل ذلك في الحيوان، وفي الحشرات أكثر.
{مِنَ السَّمَاءِ} ؛ أي: من السحاب؛ لأن السماء في اللغة: ما علاك وأظلك، كما مر.
{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} ؛ أي: صنف.
{كَرِيمٍ} ؛ أي: كثير المنفعة، قال في "المفردات": وكل شيء يشرف في بابه، فإنه يوصف بالكرم.
واعلم: وفقنا الله تعالى جميعًا للتفكر في عجائب صنعه، وغرائب قدرته، أن عقول العقلاء، وأفهام الأذكياء قاصرة متحيرة في أمر النباتات والأشجار، وعجائبها وخواصها وفوائدها ومضارها ومنافعها، وكيف لا؟ وأنت تشاهد اختلاف أشكالها، وتباين ألوانها، وعجائب صور أوراقها، وروائح أزهارها، وكل لون من ألوانها ينقسم إلى أقسام، كالحمرة مثلًا كوردي وأرجواني وسوسني وشقائق وخمري وعنابي وعقيقي ودموي، ولكي وغير ذلك، مع اشتراك الكل في الحمرة، ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضًا، واشتراك الكل في طيب الرائحة، وعجائب أشكال أثمارها وحبوبها وأوراقها، ولكل لون وريح وطعم وورقٍ وثمرة وزهر وحب خاصية لا تشبه الأخرى، ولا يعلم حقيقة الحكمة فيها إلا الله تعالى، والذي يعرف الإنسان من ذلك بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من بحر.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} قال الراغب: الحكمة: إصابة الحق بالعلم والعمل، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات على ما هي عليه، وفعل الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في هذه الآية.
{وَهُوَ يَعِظُهُ} والوعظ: زجر يقترن بتخويفٍ، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، والاسم: العظة والموعظة.
{يَا بُنَيَّ} : بالتصغير والإضافة إلى ياء المتكلم بالفتح والكسر، وتقدم البحث عن إعرابه، وأصله في سورة يوسف، فراجعه.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} ؛ أي: أمرناه، يقال: وصيت زيدًا بعمرو: أمرته بتعهده ومراعاته.
{وَهْنًا} : والوهن: الضعف من حيث الخلق، والخلق. وفي "المختار": الوهن: الضعف، وقد وهن من باب وعد، ووهنه غيره يتعدى ويلزم، ووهن بالكسر يهن وهنًا: لغة فيه، وأوهنه غيره، ووهنه توهينًا.
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} في "القاموس": الفصال: فطم الولد، وفيه أيضًا: وفصل الولد عن الرضاع، وبابه ضرب، والفصال: التفريق بين الصبي والرضاع، ومنه الفصيل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه، والعام بالتخفيف: السنة، لكن كثيرًا ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب، ولذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام: فيما فيه الرخاء؛ أي: فطام الإنسان من اللبن، يقع في تمام عامين من وقت الولادة، وهي مدة الرضاع عند الشافعي، كما مر.
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ} المجاهدة: استفراغ الجهد؛ أي: الوسع في مدافعة العدو.
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} قال في "المفردات": المعروف: اسم لكل فعل يعرف بالعقل، والشرع حسنه، والمنكر: ما ينكر بهما، ولهذا قيل للاقتصاد في الجود: معروف، لما كان ذلك مستحسنًا في العقول بالشرع.
{إِنَّهَا إِنْ تَكُ} أصله: تكون، حذف الواو لاجتماع الساكنين، الحاصل من سقوط حركة النون بـ {إن} الشرطية، وحذفت النون أيضًا تشبيهًا لها بحرف العلة في امتداد الصوت، أو بالواو وفي الغنة، أو بالتنوين، وقال بعضهم: حذفت تخفيفًا لكثرة الاستعمال، فلا تحذف من مثل لم يصن ولم يخن، فإن وصلت بساكن .. ردت النون وتُحرك نحو {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
{مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} المثقال: ما يوزن به، وهو من الثقل، وذلك اسم لكل صنج. وفي "كشف الأسرار": مثقال الشيء: ما يساويه في الوزن، وكثر الكلام فيه، فصار عبارةً عن مقدار الدنيا. انتهى، والحبة: واحد الحبوب، والخردل: نبات له حب صغير جدًا أسود مقرح، الواحدة: خردلة، ويقال: خردل الطعام: أكل خياره، وخردل اللحم: قطع أعضاءه وافرةً صغارًا.
{فِي صَخْرَةٍ} الصخر: الحجر الصلب، والمراد بالصخرة: أية صخرة
كانت، لإيراده بلفظ النكرة، كذا قيل: كما مر.
{مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} العزم والعزيمة: عقد القلب على إمضاء الأمر، وعزم الأمور: ما لا يشوبه شبهة، ولا يدافعه ريبة.
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} التصعر: التواء وميل في العنق من خلقة أو داء أو من كبر في الإنسان وفي الإبل، والتصعير: إمالته عن النظر كبرًا كما في "تاج المصادر". ولما كان ذلك لغرض من الأغراض التي لا تدوم .. أشار إلى المقصود به بقوله: {لِلنَّاسِ} بلام العلة؛ أي: لا تفعل ذلك لأجل الإمالة عنهم، وفي "المصباح": الصعر، بفتحتين: ميل في العنق وانقلاب في الوجه إلى أحد الشدقين، وربما كان الإنسان أصعر خلقةً، أو صعره غيره بشيء يصيبه، وهو مصدر من باب تعب وصعر خده بالتثقيل، وصاعره: أماله عن الناس إعراضًا وتكبرًا. انتهى. وخد الإنسان: ما اكتنف الأنف عن اليمين والشمال، أو ما جاوز مؤخر العينين إلى منتهى الشدق، أو من لدن المحجر إلى اللحى، كما في "القاموس".
{مَرَحًا} المرح: أشد الفرح والخفة الحاصلة من النعمة، كالأشر والبطر.
{مُخْتَالٍ} الاختيالَ والخيلاء: التكبر عن تخيل فضيلة، ومنه لفظ الخيل، كما قيل: إنه لا يركب أحد فرسًا إلا وجد في نفسه نخوةً، فالمختال: المتكبر المتبختر في مشيته.
{فَخُورٍ} من الفخر، والفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان، كالمال والجاه، والفخور: الذي يعدد مناقبه تطاولًا بها، واحتقارًا لمن عدم مثلها.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} القصد: ضد الإفراط والتفريط، والمعنى: واعدل في المشي بعد الاجتناب عن المرح، فيه، حتى يكون مشيًا بين مشيين، لا تدب دبيب المتماوتين، ولا تثب وثب الشطار.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} يقال: غض صوته وغض بصره: إذا خفض صوته
وغمض بصره، قال في "المفردات": الغض النقص من الطرف والصوت، والصوت: هو الواء المنضغط عند قرع جسمين، قال بعضهم: الهواء الخارج من داخل الإنسان، إن خرج بدفع الطبع .. يسمى نفسًا، بفتح الفاء، وإن خرج بالإرادة وعرض له تموج بتصادم جسمين .. يسمى صوتًا، وإذا عرض للصوت كيفيات مخصوصة، بأسباب معلومة .. يسمى حروفًا، ويقال: صات يصوت صوتًا فهو صائت، ويقال: صوت تصويتًا فهو مصوت، ورجل صات؛ أي: شديد الصوت بمعنى صائت.
{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} : جمع حمار، قال بعضهم: سمي حمارًا لشدته، من قولهم طعنة حمراء؛ أي: شديدة، وحمارة القيظ: شدته.
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ} أصل تروا تريوا: تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، فالتقى ساكنان ثم حذفت الألف لبقاء دالها، فصار تروا بوزن تفوا، والتسخير: سياقة الشيء إلى الغرض المختص به قهرًا.
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} يقال: أسبغ الله عليه النعمة: أتمها، وأسبغ الثوب أوسعه وأطاله، وأسبغ الرجل: لبس درعًا سابغةً، وأسبغ له النفقة: وسع عليه وأنفق تمام ما يحتاج إليه، وفي "المصباح": وسبغت النعمة سبوغًا: اتسعت، وأسبغها الله: أفاضها وأتمها، وأسبغت الوضوء: أتممته، وقرىء بالسين وبالصاد، وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف، تقول في سلخ صلخ، وفي سقر صقر، وفي سالغ صالغ، ومعنى سالغ من سلغت البقرة والشاة، إذا أسقطت السن التي خلقت بها السديس، والسلوغ في ذوات الأظلاف، بمنزلة البزول في ذوات الأخفاف.
{نِعَمَهُ} : جمع نعمة، وهي في الأصل: الحالة الطيبة التي يستلذها الإنسان، فأطلقت للأمور اللذيدة الملائمة للطبع المؤدية إلى تلك الحالة الطيبة.
{مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} يقال: جدلت الحبل، إذا أحكمت فتله، ومنه الجدال، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه.
{إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} والسعر: التهاب النار، وعذاب السعير؛ أي: الحميم، كما في "المفردات".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإسناد المجازي في قوله: {الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} لأن فيه وصف الشيء بصفة فاعله، ويجوز أن يكون الأصل: الحكيم قائله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو الضمير المجرور، فبانقلابه مرفوعًا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة، وهو من أحسن الصناعة.
فائدة: وصف الكتاب هنا بالحكيم مناسب لموضوع السورة؛ لأنه قد كرر في موضوعها الحكمة، حيث قال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} الخ. فناسب أن يختار هذا الوصف من أوصاف الكتاب المجيد على اصطلاحات القرآن، من التنسيق بين الألفاظ والموضوعات.
ومنها: وضع المصدر موضع الوصف للمبالغة، في قوله:{هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)} .
ومنها: الإيجاز في قوله: {لِلْمُحْسِنِينَ} ؛ أي: للذين يعملون الحسنات، ففيه إيجاز بليغ؛ لأن الحسنات لا تحصى، ولكنه خص منها هذه الثلاث المذكورة هنا لفضلها وشرفها.
ومنها: الإشارة إلى القريب باسم إشارة البعيد في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ؛ أي: هذه آيات الكتاب تنزيلًا للبعد الرتبي منزلة البعد الحقيقي.
ومنها: الإطناب بتكرار الضمير، وبتكرار اسم الإشارة في قوله:{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} لزيادة الثناء عليهم والتشريف لهم، كما أن الجملة تفيد الحصر؛ أي: هم المفلحون لا غيرهم.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} شبه استبدالهم اللهو عن آيات الله باشتراء من اشترى سلعة خاسرًا، فاستعار اسم الاشتراء له، ثم اشتق منه اشترى بمعنى استبدل، على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} لأنه ذكر فيه أداة التشبيه، وحذف وجه الشبه، فهو تشبيه مرسل مجمل.
ومنها: أسلوب التهكم في قوله: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، لأن البشارة إنما تكون في الخير، واستعمالها في الشر سخريةٌ وتهكمٌ.
ومنها: والمعاكسة في الإضافة للمبالغة في قوله: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} لأن المعنى: لهم نعيم الجنات، فعكس للمبالغة كما في "البيضاوي".
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} شبه الجبال الرواسي استحقارًا لها، واستقلالًا لعددها، وإن كانت خلقًا عظيمًا بحصيات قبضهن قابض بيده، فنبذهن في الأرض، وما هو إلا تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته، وإن كل فعل يتحير فيه الأذهان فهو هين عليه تعالى.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ؛ أي: كراهية أن تميد بكم.
ومنها: الالتفات إلى نون العظمة في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} بعد قوله: {خَلَقَ} ، {وَأَلْقَى} {وَبَثَّ} كلها بضمير الغائب، التفت في الفعلين إلى نون العظمة، لإبراز مزيد الاعتناء بأمرهما، وتوفيةً لمقام الامتنان، وقال الفخر الرازي: وفي هذا الالتفات فصاحة وحكمة: أما الفصاحة: فهي أن السامع إذا سمع كلامًا طويلًا من نمط واحد، ثم ورد عليه نمط آخر يستطيبه، ألا ترى أنك إذا قلت: قال زيد كذا، وقال خالد كذا، وقال عمرو كذا، ثم إن بكرًا قال قولًا حسنًا يستطاب لما قد تكرر القول مرارًا، وأما الحكمة: فهو أن إنزال الماء نعمة ظاهرة متكررة في كل زمان، ومكان، فأسند الإنزال إلى نفسه صريحًا، ليتنبه
الإنسان لشكر النعمة، فيزيد له في الرحمة. اهـ. من "التفسير الكبير".
ومنها: إطلاق المصدر على اسم المفعول في قوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} ؛ أي: مخلوقة.
ومنها: الاستفهام للتوبيخ والتبكيت في قوله: {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} .
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التوبيخ وللتسجيل عليهم بغاية الظلم والجهل بإشراكهم في قوله: {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وكان الأصل أن يقال: بل هم في ضلال مبين.
ومنها: الطباق بين {شكر} و {كَفَرَ} .
ومنها: صيغة المبالغة في قوله: {فَخُورٍ} لأن فعولًا من صيغ المبالغة؛ أي: كثير الفخر.
ومنها: ذكر الخاص بعد العام في قوله: {بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} لزيادة العناية والاهتمام بشأن الخاص.
ومنها: تقديم ما حقه التأخير لإفادة الحصر مثل {إلي المصير} ، {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ}؛ أي: لا إلى غيري.
ومنها: التمثيل في قوله: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} مثل ذلك لسعة علم الله، وإحاطته بجميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، فإنه تعالى يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة.
ومنها: التتميم في قوله: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} تمم خفاءها في نفسها بخفاء مكانها، وهذا من البديع.
ومنها: المقابلة في قوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} ، ثم قال:{وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فقابل بين اللفظين.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} شبه الرافعين أصواتهم بالحمير، وأصواتهم بالنهيق، ولم يذكر أداة التشبيه، بل أخرجه
مخرج الاستعارة للمبالغة في الذم والتنفير عن رفع الصوت.
ومنها: الطباق بين قوله: {ظَاهِرَةً} {وَبَاطِنَةً} .
ومنها: الإنكار والتوبيخ مع الحذف في قوله: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} ؛ أي: أيتبعونهم ولو كان الشيطان إلخ.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال المشرك المجادل في الله بغير علم .. أردف ذلك بذكر حال المستسلم المفوض أموره إلى الله، وبيان عاقبته ومآله، ثم سلى رسوله على ما يلقاه من المشركين من العناد والكفران، وبين له أنه قد بلغ رسالات ربه، وتلك وظيفة الرسل، وعلي الحساب والجزاء، فهو يجازيهم بما يستحقون من العذاب الغليظ في جهنم، وبئس المصير.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما أقام الأدلة (1) على وحدانيته بخلق السماوات بغير عمد، وبإسباغ نعمه الظاهرة والباطنة عليهم .. أردف ذلك ببيان أن المشركين معترفون بذلك، غير جاحدين له، وهذا يستدعي أن يكون الحمد كله له وحده، ومن يستحق الحمد هو الذي يستحق العبادة، فأمرهم عجيب، يعلمون المقدمات، ثم ينكرون النتيجة التي تستتبعها، فيعبدون من لا يستحق عبادةً، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا من الأصنام والأوثان.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه أجرى الحكمة على لسان لقمان، ثم قفى على ذلك ببيان أنه أسبغ نعمه على عباده ظاهرةً وباطنةً، وأن له ما في السماوات وما في الأرض .. أردف ذلك ببيان أن تلك النعم وهذه المخلوبات لا حصر لها، ولا يعلمها إلا خالقها، كما قال:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} .
ولما كانت تلك النعم لا نهاية لها، وربما ظن أنها مبعثرة لا قانون لها أو أنها لكثرتها يصعب عليه تدبيرها، وتصريف شؤونها كما يريد .. دفع هذا بقوله:{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنه سخر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض .. ذكر هنا بعض ما فيهما بقوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
…
} إلخ. وبعض ما في السماوات بقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} . وبعض ما في الأرض بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} ثم ذكر أن كل المشركين معترفون بتلك الآيات، إلا أن البصير يدركها على الفور، ومن في بصيرته ضعف لا يدركها إلا إذا وقع في شدة وأحدق به الخطر، فهو إذ ذاك يعترف بأن كل شيء لإرادة الله تعالى.
(1) المراغي.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد على ضروب مختلفة، وأشكال متنوعة .. أمر بتقوى الله على سبيل الموعظة والتذكير بيوم عظيم، يوم يحكم الله بين عباده، يوم لا تنفع فيه قرابة، ولا تجدي فيه صلة رحم، فلو أراد والد أن يفدي ابنه بنفسه لما قبل منه ذلك، وهكذا الابن مع أبيه، فلا تلهينكم الدنيا عن الدار الآخرة، ولا يغرنكم الشيطان فيزينن لكم بوساوسه المعاصي والآثام. ثم ختم السورة بذكر ما استأثر الله بعلمه مما في الكائنات، وهي الخمس التي اشتملت عليها الآية الكريمة، مما لم يؤت علمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلًا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ
…
} الآية.
وأخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .. أتاه أحبار اليهود فقالوا: ألم يبلغنا عنك أنك تقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} إيانا تريد أم قومك؟ فقال: "كلًّا عنيت"، قالوا: فإنك تتلو أنا قد أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هي في علم الله قليل"، فأنزل الله عز وجل:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} .
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية:
(1) لباب النقول.