الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ نافع: {مثقال} بالرفع على أن {تَكُ} تامة، وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة. وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر، وباقي السبعة بالنصب على أن {تَكُ} ناقصة، واسمها: ضمير يفهم من سياق الكلام، تقديره: هي؛ أي: التي سألت عنها، وقرأ عبد الكريم الجزري:{فتكن} بكسر الكاف وشد النون وفتحها من الكن، وهو الشيء المغطى، وقراءة محمد بن أبي فجة البعلبكي:{فتكن} بضم التاء وفتح الكاف والنون مشددة، وقرأ قتادة:{فتكن} بفتح التاء وكسر الكاف وسكون النون، من وكن الطائر يكن: إذا استقر في وكنته، ورويت هذه القراءة عن عبد الكريم الجزري أيضًا؛ أي: تستقر.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى من قول لقمان {لَطِيفٌ} يصل علمه إلى كل خفي، فإن أحد معاني اللطيف هو العالم بخفيات الأمور، ومن عرف أنه العالم بالخفيات .. يحذر أن يطلع عليه فيما هو فيه، ويثق به في علم ما يجهله، {خَبِيرٌ}؛ أي: عالم بكنهه يعلم ظواهر الأمور وخوافيها.
قال في "شرح حزب البحر": الخبير: هو العلم بدقائق الأمور، التي لا يتوصل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال، ومن عرف أنه الخبير .. ترك الرياء والتصنع لغيره بالإخلاص له، فالله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويحيط بأسرار الضمائر وبطون الخواطر ويحاسب عليها، سواء كانت في صخرة النفوس أو في سماء الأرواح، أو في أرض القلوب، وفيه تنبيه لأهل المراقبة، وتحذير من الملاحظات لاطلاع الحق على نوادر الخطرات وبطون الحركات.
17
- ولما (1) نهاه أولًا عن الشرك، وأخبره ثانيًا بعلمه تعالى وباهر قدرته .. أمره بما يتوسل به إلى الله تعالى من الطاعات، فبدأ بأشرفها، وهو الصلاة، حيث يتوجه إليه بها، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها، أو على ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف، ممن يبعثه عليه، والنهي عن المنكر ممن ينكره عليه، فكثيرًا ما يؤذى فاعل ذلك، وهذا إنما يريد
(1) البحر المحيط.
به بعد أن يمثل هو في نفسه فيأتي بالمعروف فقال:
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} التي (1) هي أكمل العبادات، تكميلًا لنفسك من حيث العمل بعد تكميلها من العلم والاعتقادات؛ لأن النهي عن الشرك فيما سبق قد تضمن الأمر بالتوحيد، الذي هو أول ما يجب على الإنسان؛ أي (2): أدّها كاملةً على النحو المرضي لما فيها من رضا الرب بالإقبال عليه والإخبات له، ولما فيها من النهي عن الفحشاء والمنكر، وإذا تم ذلك .. صفت النفس وأنابت إلى بارئها في السراء والضراء، كما جاء في الحديث:"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وبعد أن أمره بتكميل نفسه توفيةً لحق الله عليه، عطف على ذلك تكميله لغيره فقال:{وَأْمُرْ} غيرك بقدر استطاعتك {بِالْمَعْرُوفِ} ؛ أي: بالمستحسن شرعًا وعقلًا، وحقيقته: ما يوصل العبد إلى الله تعالى. {وَانْهَ} الناس {عَنِ الْمُنْكَرِ} ؛ أي: عن المستقبح شرعًا وعقلًا وتكميلًا لغيرك، وحقيقته: ما يشغل العبد عن الله؛ أي: وانْهَهُمْ بقدر استطاعتك عن معاصي الله ومحارمه، التي توبق من اكتسبها، وتلقي به في عذاب السعير، في جهنم وبئس المصير.
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من أذى الناس في ذات الله، إذا أنت أمرتهم بالمعروف أو نهيتهم عن المنكر، أو على ما أصابك من الشدائد والمحن، كالأمراض والفقر والهم والغم، والصبر: حبس النفس عما يقتضي الشرع أو العقل والكف عنه، وقد بدأ هذه الوصية بالصلاة وختمها بالصبر؛ لأنهما عمادا الاستعانة إلى رضوان الله تعالى، كما قال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} .
ثم ذكر علة ذلك فقال: {إِنَّ ذَلِكَ} الذي أوصيك به {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ؛ أي: من الأمور التي جعلها الله تعالى محتومة واجبةً على عباده، لا محيص عنها لما لها من جزيل الفوائد وعظيم المنافع في الدنيا والآخرة، كما دلت على ذلك تجارب الحياة، وأرشدت إليه نصوص الدين.
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.