الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} معطوف على {قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} والتعبير فيه بالمضارع لحكاية الحال الماضية أيضًا؛ أي: ويطلب جماعة منهم من النبي صلى الله عليه وسلم الإذن في الرجوع إلى بيوتهم، وتركهم للقتال، معتذرين بمختلف المعاذير، وجملة قوله:{يَقُولُونَ} : بدل من قوله: {يستأذن} أو حال، أو مستأنف جوابًا لسؤال مقدر، والقول الذي قالوه هو قولهم:{إِنَّ بُيُوتَنَا} ومنازلنا في المدينة {عَوْرَةٌ} ؛ أي: غير حصينة، وغير محرزة لما فيها، لأنها قصيرة الحيطان، وفي أطراف المدينة، فيخشى عليها من السراق، وأصل العورة في اللغة: الخلل في البناء ونحوه، بحيث يمكن دخول السارق فيها، كما سيأتي.
والمعنى: أنها غير حصينة متخرقة، ممكنة لمن أرادها، فأذن لنا حتى نحصنها ثم نرجع إلى العسكر، وكان عليه السلام يأذن لهم، وفي الحقيقة أنهم كاذبون فيما يقولون، وهم مضمرون غير ذلك، ثم رد الله عليهم بقوله:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ؛ أي: والحال أن بيوتهم ليست بضائعةٍ، يخشى عليها السراق، بل هي حصينة محرزة.
وقرأ ابن عباس وابن يعمر وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعكرمة ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة، وأبو طالوت وابن مقسم وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير:{عورة} {بعورة} بكسر الواو فيهما؛ أي: قصيرة الجدران، والجمهور: بإسكانها فيهما، أطلقت على المختل مبالغةً.
ثم بيّن سبب استئذانهم وما يريدونه به، فقال:{إِنْ يُرِيدُونَ} ؛ أي: ما يريدون بالاستئذان {إِلَّا فِرَارًا} وهربًا من القتال، وعدم مساعدة عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فرارًا من الدين والإِسلام.
14
- ثم بيّن وهن الدين وضعفه في قلوبهم إذ ذاك، وأنه معلق بخيط دقيق، ينقطع بأدنى هزةٍ، فقال:{وَلَوْ دُخِلَتْ} بيوتهم أو المدينة، أسند الدخول إلى بيوتهم، وأوقع عليهم، لما أن المراد فرص دخولها وهم فيها، لا فرص دخولها مطلقًا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور.
{مِنْ أَقْطَارِهَا} ؛ أي: من جميع جوانبها، لا من بعضها دون بعض؛ أي:
لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية، ودخلها كل من أراد الخبث والفساد، {ثُمَّ سُئِلُوا} من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة {الْفِتْنَةَ}؛ أي: الردة والرجعة إلى الكفر مكان ما سئلوا من الإيمان والطاعة .. {لَآتَوْهَا} بالمد؛ أي: لأعطوا تلك الفتنة السائلين لها؛ أي (1): أعطوهم مرادهم غير مبالين بما دهاهم من الداهية والغارة بالقصر؛ أي: لفعلوا تلك الفتنة وجاؤوا بها.
{وَمَا تَلَبَّثُوا} ؛ أي: وما مكثوا وما تأخروا عن الإتيان بتلك الفتنة {إِلَّا} ، زمنًا {يَسِيرًا} ؛ أي؛ قليلًا قدر ما يسمع السؤال والجواب، فضلًا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها، كما فعلوا الآن، وما ذلك إلا لمقتهم الإِسلام، وشدة بغضهم لأهله، وحبهم بالكفر وأهله، وتهالكهم على حزبه.
والمعنى (2): لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم، وهم الأحزاب، من نواحي المدينة وجوانبها، أو دخلوا بيوتهم من جوانبها جميعًا، لا من بعضها، ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة، واستبيحت ديارهم، وهتكت حرمهم ومنازلهم، ثم سئلوا الفتنة والردة والرجعة إلى الكفر، الذي يبطنونه ويظهرون خلافه من جهة أخرى، عند نزول هذه النازلة الشديدة بهم .. لآتوها؛ أي: لجاؤوا، وفعلوا تلك الفتنة، أو أعطوا تلك الفتنة لسائلها، وما تلبثوا وجلسوا بها؛ أي: بالمدينة بعد أن أتوا الفتنة إلا تلبثًا يسيرًا حتى يهلكوا، كذا قال الحسن والسدي والفراء والقتيبي، وقال أكثر المفسرين: إن المعنى: وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلًا، بل هم مسرعون إليها، راغبون فيها، لا يقفون عنها إلا قدر زمن وقوع السؤال لهم، ولا يتعللون عن الإجابة بأن بيوتهم في هذه الحالة عورة، مع أنها قد صارت عورة على الحقيقة، كما تعللوا عن إجابة الرسول والقتال معه بأنها عورة، ولم تكن إذ ذاك عورة.
وقال ابن عطية: والمعنى: ولو دخلت المدينة من أقطارها، واشتد الحرب الحقيقي، ثم سئلوا الفتنة، والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم .. لطاروا إليها، وأتوها
(1) روح البيان.
(2)
الخازن والشوكاني.