المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تعرج الملائكة} بزيادة الملائكة، ولعله تفسير منه، لسقوطه في سواد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: تعرج الملائكة} بزيادة الملائكة، ولعله تفسير منه، لسقوطه في سواد

تعرج الملائكة} بزيادة الملائكة، ولعله تفسير منه، لسقوطه في سواد المصحف.

‌6

- {ذَلِكَ} ؛ أي: ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ؛ أي: عالم ما غاب عن المخلوقات، وعالم ما شوهد لهم، أو عالم الغيب؛ أي: الآخرة، والشهادة؛ أي: الدنيا، والإشارة بقوله:{ذَلِكَ} إلى لله سبحانه، باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف، وهو مبتدأ خبره {عَالِمُ الْغَيْبِ} ، وفي هذا معنى التهديد؛ لأنه تعالى إذا علم بما يغيب ويحضر .. فهو مجاز لكل عامل بعمله، أو فهو يدبر الأمر بما تقتضيه حكمته.

{الْعَزِيزُ} ؛ أي: الغالب القاهر، الذي لا يغالب على ما أراده، {الرَّحِيمُ} بعباده؛ أي: ذلك (1) الله العظيم الشأن، المتصف بالخلق والاستواء وانحصار الولاية والنصرة فيه، وتدبير أمر الكائنات، هو عالم ما غاب عن الخلق وما حضر لهم، ويدبر أمرهما حسبما يقتضيه الغالب على أمره، الرحيم بعباده في تدبيره، وفيه إيماء إلى أنه تعالى يراعي المصالح، تفضلًا وإحسانًا، لا إيجابًا، وهذه أخبار لذلك المبتدأ.

‌7

- وقوله: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} : خبر آخر لذلك المبتدأ؛ أي: الذي جعل كل خلقه على وجه حسن في الصورة والمعنى، على ما يقتضيه استعداده، وتوجبه الحكمة والمصلحة، فالقبيح كالقردة والخنازير حسن في ذاته، وقبحه بالنظر إلى ما هو أحسن منه، لا في ذاته، طول رجل البهيمة والطائر وطول عنقهما، لئلا يتعذر عليهما ما لا بد لهما منه من قوتهما، ولو تفاوت ذلك لما يكن لهما معاش، وكذلك كل شيء من أعضاء الإنسان، مقدر لما يصلح به معاشه، فجميع المخلوقات حسنة، وإن اختلفت أشكالها وافترقت إلى حسن وأحسن، كما قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها، ولذلك قال ابن عباس: ليست القردة بحسنة، ولكنها متقنة محكمة. اهـ.

(1) روح البيان.

ص: 338

أيضًا (1): ذلك المدبر لهذه الأمور، هو العالم بما يغيب عن أبصاركم، مما تكنه الصدور وتخفيه النفوس، وما لم يكن بعد مما هو كائن، وبما شاهدته الأبصار وعاينته، وهو الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره وكذب رسله، وهو الرحيم بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، وعمل صالحًا، وهو الذي أحسن خلق الأشياء وأحكمها.

وقرأ زيد بن علي (2): {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} بخفض الأوصاف الثلاثة، وأبو زيد النحوي: بخفض {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ، وقرأ الجمهور: برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك، أو الأول خبر والتاليان وصفان له، ووجه الخفض: أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر، وهو فاعل بـ {يَعْرُجُ}؛ أي: ثم يعرج إليه ذلك؛ أي: الأمر المدبر، ويكون {عَالِمُ} وما بعده: بدلًا من الضمير في {إِلَيْهِ} ، وفي قراءة أبي زيد النحوي: يكون {ذَلِكَ عَالِمُ} : مبتدأ وخبرًا، و {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} بالخفض بدلًا من الضمير في {إِلَيْهِ} .

وقرأ الجمهور (3): {خَلَقَهُ} بفتح اللام، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: بإسكانها، فعلى القراءة الأولى، هو فعل ماض نعتًا لـ {شَيْءٍ} ، فهو في محل جر، وأما على القراءة الثانية ففي نصبه أوجه:

الأول: أن يكون بدلًا من {كُلَّ شَيْءٍ} بدل اشتمال، والضمير عائد إلى {كُلَّ شَيْءٍ} ، وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة.

الثاني: أنه بدل كل من كل، والضمير: راجع إلى الله سبحانه، ومعنى {أَحْسَنَ}: حسن؛ لأنه ما من شيء إلا وهو مخلوق على ما تقتضيه الحكمة، فكل المخلوقات حسنة.

الثالث: أن يكون {كُلَّ شَيْءٍ} : هو المفعول الأول، و {خَلَقَهُ}: هو المفعول الثاني على تضمين {أَحْسَنَ} معنى أعطى، والمعنى: أعطى كل شيء

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

الشوكاني.

ص: 339

خلقه الذي خصه به، وقيل على تضمينه معنى ألهم، قال الفراء: ألهم خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه.

الرابع: أنه منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة؛ أي: خلقه خلقًا، كقوله: صنع الله، وهذا قول سيبويه، والضمير يعود إلى الله سبحانه.

والخامس: أنه منصوب بنزع الخافض، والمعنى: أحسن كل شيء في خلقه.

ومعنى الآية: أنه أتقن وأحكم خلق مخلوقاته، فبعض المخلوقات وإن لم تكن حسنة في نفسها، فهي متقنة محكمة، فتكون هذه الآية معناها: معنى أعطى كل شيء خلقه؛ أي: لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة، ولم يخلق البهيمة على خلق الإنسان، وقيل: هو عام في اللفظ خاص في المعنى؛ أي: أحسن خلق كل شيء حسن، ذكره الشوكاني.

قال بعضهم (1): لو تصورت مثلًا أن للفيل مثل رأس الجمل، وأن للأرنب مثل رأس الأسد، وأن للإنسان مثل رأس الحمار .. لو جدت في ذلك نقصًا كبيرًا، وعلمت عدم تناسب وانسجام، ولكنك إذا علمت أن طول عنق الجمل، وشق شفته ليسهل تناوله الكلأ عليه أثناء السير، وأن الفيل لولا خرطومه الطويل .. لما استطاع أن يبرك بجمسه الكبير لتناول طعامه وشرابه، لو علمت كل هذا لتيقنت أنه صنع الله الذي أتقن كل شيء، ولقلت: تبارك الله أحسن الخالقين.

ولما ذكر خلق السماوات والأرض .. شرع يذكر خلق الإنسان، فقال:{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ} ؛ أي: بدأ خلق آدم أبي البشر عليه السلام من بين جميع المخلوقات {مِنْ طِينٍ} ؛ أي: من تراب، فصار على صورة بديعة وشكل حسن، والطين: التراب والماء المختلط، وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء، وقد يكون المعنى: إن الطين ماء وتراب مجتمعان، والآدمي أصله: منى، والمني من

(1) أوضح التفاسير.

ص: 340