المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المساء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وتدخلون في الصباح، والإمساء: الدخول في المساء، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: المساء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وتدخلون في الصباح، والإمساء: الدخول في المساء،

المساء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وتدخلون في الصباح، والإمساء: الدخول في المساء، كما أن الإصباح: الدخول في الصباح، كما سيأتي في مبحث اللغة.

والمعنى: وسبحوه تعالى وقت دخولكم في المساء، وساعة دخولكم في الصباح،

‌18

- وجملة قوله: {وَلَهُ} سبحانه وتعالى {الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا لغيره، يحمده خاصةً أهل السماوات والأرض، ويثنون عليه (1)، معترضة مسوقة للإرشاد إلى الحمد، والإيذان بمشروعية الجمع بينه وبين التسبيح، كما في قوله:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} وقوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} .

وفيه لطيفة: وهو أن الله تعالى، لا أمر العباد بالتسبيح .. كأنه بين لهم أن تسبيحم الله سبحانه لنفعهم، لا لنفع يعود على الله تعالى، فعليهم أن يحمدوا الله إذا سبحوه، لأجل نعمة هدايتهم إلى التوفيق اهـ. "رازي".

والمعنى: احمدوه على نعمهِ العظام في الأوقات كلها، فإن الإخبار بثبوت الحمد له تعالى، ووجوبه على أهل التمييز، من خلق السماوات والأرض في معنى الأمر على أبلغ وجه، وتقديم التسبيح على التحميد؛ لأن التخلية بالمعجمة، مقدمة على التحلية بالمهملة، كشرب المسهل مقدم على شرب المصلح، وكالأساس مقدم على الحيطان، وما يبنى عليها من النقوش، والجار والمجرور في قوله:{فِي السَّمَاوَاتِ} متعلق بنفس الحمد.

وقوله: {وَعَشِيًّا} أي: آخر النهار، معطوف على {حِينَ تُمْسُونَ}؛ أي: وسبحوه وقت العشي، وتقديمه على قوله:{وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ؛ أي: تدخلون في الظهيرة التي هي وصط النار، لمراعاة الفواصل، وتغيير الأسلوب؛ لأنه لا يجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي، كالمساء والصباح والظهيرة.

وإنما خص (2) بعض الأوقات بالأمر بالتسبيح؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح، لكونه محتاجًا إلى تحصيل مأكول ومشروب

(1) روح البيان.

(2)

المراح.

ص: 96

وملبوس ومركوب، كما أن العبد ينزه الله في أول النهار وآخره ووسطه، فإن الله يطهره في أولهِ، وهو دنياه، وفي آخره وهو عقباه، وفي وسطه وهو حالة كونه في قبره، وتخصيص (1) التسبيح والتحميد بتلك الأوقات، للدلالة على أن ما يحدث فيها من آيات قدرته، وأنواع رحمته، ونعمته، شواهد ناطقة بتنزهه تعالى، واستحقاقه الحمد موجبة لتسبيحه، وتحميده حتمًا.

وعبارة "المراغي" هنا: وتخصيص (2) هذه الأوقات من بين سائرها، لما فيها من التبدل الظاهر في أجزاء الزمن، والانتقال من حال إلى أخرى على صورة واضحة، كالانتقال من الضياء إلى الظلام في المساء، ومن الظلام إلى النور في الصباح، ومن ضياءٍ تامٍ وقت الظهيرة، إلى اضمحلالٍ لذلك الضياء وقت العشي. وهكذا.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الآية جامعة للصلوات الخمس ومواقيتها: {تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء، و {تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر، {وَعَشِيًّا} صلاة العصر، و {تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر. فالمعنى عليه: فصلوا لله في هذه الأوقات، الصلاة المشتملة على التسبيح والتحميد، وسائر الأذكار.

والأولى أن يفسر التسبيح بالتنزيه (3)؛ أي: نزهوا الله سبحانه في هذه الأوقات عن صفات النقص، وصفوه بصفات الكمال؛ لأنه يتضمن الصلاة؛ لأنَّ التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب، وهو الاعتقاد الجازم، ويتناول التنزيه باللسان، وهو الذكر الحسن، ويتناول التنزيه بالأركان، وهو العمل الصالح، والثاني ثمرة الأول، والثالث ثمرة الثاني، فالإنسان إذا اعتقد شيئًا .. ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال .. ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله، فاللسان: ترجمان الجنان، والأركان: ترجمان اللسان، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان، فهي مشتملة على الذكر باللسان، والتصديق بالجنان، فهو نوع من أنواع التنزيه،

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

الرازي.

ص: 97

والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع، فيجب حمله على كل ما هو تنزيه، الذي من جملته الصلاة اهـ. "رازي".

وقدم (1) الإمساء على الإصباح، كما قدم في قوله:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} والظلمات على النور، وقابل بالعشي الإمساء، وبالإظهار الإصباح، لأن كلا منهما يعقب بما يقابله، فالعشي يعقبه الإمساء، والإصباح يعقبه الإظهار، ولما لم يتصرف من العشي فعل لا يقال أعشى، كما يقال: أمسى وأصبح وأظهر .. جاء التركيب {وَعَشِيًّا} .

وقرأ عكرمة: {حينا تمسون وحينا تصبحون} بتنوين {حين} ، والجملة: صفة حذف منها الرابط، تقديره تمسون فيه، وتصبحون فيه.

فصل في ذكر نبذة من الأحاديث الواردة في فضل التسبيح

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: سبحان الله وبحمده، في كل يوم مئة مرة .. حطت خطاياه، وان كانت مثل زبد البحر".

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مئة مرة .. لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه". أخرجهما الترمذي، وقال فيهما: حسن صحيح.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان" حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وعن جويرية رضي الله عنها بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها، وهي في مسجدها، فرجع بعد ما تعالى النهار فقال:"ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد" قالت: نعم، فقال: "لقد قلتُ بعدَك أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرات، لو وزنت بكلماتك لوزنتهن: سبحان الله وبحمده

(1) البحر المحيط.

ص: 98