المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واختلف القراء في الألف التي في {الظُّنُونَا}، وكذا {السبيلا} و - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: واختلف القراء في الألف التي في {الظُّنُونَا}، وكذا {السبيلا} و

واختلف القراء في الألف التي في {الظُّنُونَا} ، وكذا {السبيلا} و {الرسولا} ، كما سيأتيان في آخر هذه السورة، فأثبت هذه الألفات نافع وابن عامر وأبو بكر وصلًا ووقفًا، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو والكسائي، وتمسكوا بخط المصحف العثماني، وبخط جميع المصاحف في جميع البلدان، فإن الألف فيها كلها ثابتة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، إلا أنه قال: لا ينبغي للقارىء أن يدرج القراءة بعدهن، بل يقف عليهن، وتمسكوا أيضًا بما في أشعار العرب من مثل هذا، وأنشد أبو عمرو في "كتاب الألحان":

إِذَا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا

ظَنَنْتَ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُوْنَا

وقرأ (1) أبو عمرو وحمزة والجحدري ويعقوب، بحذفها في الوصل والوقف معًا، وقالوا هي من زيادات الخط، فكتبت كذلك، ولا ينبغي النطق بها، وأما في الشعر فهو يجوز فيه للضرورة ما لا يجوز في غيره، وقرأ ابن كثير والكسائي وحفص وابن محيصن: بإثباتها وقفًا وحذفها وصلًا، وهذه القراءة راجحة باعتبار اللغة العربية، أما (2) إثباتها وقفًا، ففيه اتباع الرسم، وموافقة لبعض مذاهب العرب؛ لأنهم يثبتون هذه الألف في قوافي أشعارهم، وفي تصاريفها؛ اتباعًا للفتحة، والفواصل في الكلام كالمصارع، وقال أبو علي: هي رؤوس الآي، تشبه بالقوافي، من حيث إنها كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع، وهذه الألف هي التي تسميها النحاة ألف الإطلاق، والكلام فيها معروف في علم النحو.

‌11

- {هُنَالِكَ} هو (3) في الأصل ظرف للمكان البعيد، لكن العرب تكني بالمكان عن الزمان، وبالزمان عن المكان، فهو إما ظرف زمان أو ظرف مكان لما بعده؛ أي: في ذلك المكان الهائل، أو في ذلك الدحض الذي تدحض فيه الأقدام {ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} واختبروا بالحصر والرعب والخوف والجوع والبرد؛ أي:

(1) الشوكاني.

(2)

البحر المحيط.

(3)

روح البيان.

ص: 432

عوملوا معاملة من يختبر، فظهر المخلصر من المنافق، والراسخ من المتزلزل {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}؛ أي: حركوا تحريكًا شديدًا، وأزعجوا إزعاجًا قويًا، وذلك أن الخائف يكون قلقًا مضطربًا، لا يستقر على مكان، وتكرير حروف لفظه، تنبيه على تكرر معنى الزلل، ولكن صبروا وقاسوا الشدائد في طريق الحق ونصره، واجتهدوا إلى أن فتح الله مكة، واتسع الإِسلام وبلاده وأهاليه.

وقرأ الجمهور (1): {زلزلوا} بضم الزاي الأولى، وكسر الثانية، على ما هو الأصل في المبني للمفعول، وقرأ أحمد بن موسى اللؤلؤي عن أبي عمرو: بكسر الزاي الأولى، قاله ابن خالويه، وقال الزمخشري: وعن أبي عمرو إشمام زاي: {زلزلوا} . انتهى، كأنه يعني إشمامها الكسر، ووجه الكسر في هذه القراءة الشاذة: أنه أتبع حركة الزاي الأولى بحركة الثانية، ولم يعتد بالساكن، كما لم يعتد به من قال: منتن، بكسر الميم إتباعًا لحركة التاء، وهو اسم فاعل من أنتن، وقرأ الجمهور:{زلزالًا} بكسر الزاي، والجحدري وعيسى بفتحها، وكذا:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} ، ومصدر فعلل من المضاعف يجوز فيه الكسر والفتح، نحو قلقل قلقالًا، وقد يراد بالمفتوح معنى اسم الفاعل، كصلصال بمعنى مصلصل؛ أي: مصوت.

ومعنى الآيتين: أي واذكروا حين مالت الأبصار عن سننها، وانحرفت عن مستوى نظرها، حيرةً ودهشةً، وخاف الناس خوفًا شديدًا، وفزعوا فزعًا عظيمًا، وظنوا مختلف الظنون، فمنهم مؤمن مخلص يستنجز الله وعده في إعلاء دينه ونصرة نبيه، ويقول هذا ما وعدنا الله ورسوله، ومنهم منافق وفي قلبه مرض، يظن أن محمدًا وأصحابه سيستأصلون، ويستولي المشركون على المدينة، وتعود الجاهلية سيرتها إلى نحو ذلك من ظنون لا حصر لها، تجول في قلوب المؤمنين والمنافقين، على قدر ما يكون القلب عامرًا بالإخلاص، مكتوبًا له السعادة، أو متشككًا في اعتقاده، ليست له عزيمة صادقة، ثم ذكر أن هذه الشدائد محصت

(1) البحر المحيط.

ص: 433