الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانوا أكثر منكم أموالًا وأولادًا، ومكنوا في الدنيا تمكينًا، لم تبلغوا معشاره، وعمروا فيها أعمارًا طوالًا، واستغلوها أكثر من استغلالكم، ولما جاءتهم الرسل بالبينات .. كذبوهم، وفرحوا بما أوتوا، فأخذوا بذنوبهم، ولم تغن عنهم أموالهم شيئًا، ولم تحل بينهم وبين بأس الله تعالى.
10
- ثم أكد ما سلف بقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو:{عَاقِبَةَ} بالرفع، على أنها اسم {كَانَ} ، وتذكير الفعل حينئذٍ لكون تانيثها مجازيًا، و {السُّوأَى} خبرها، والمعنى؛ أي: ثم بعد إهلاكهم في الدنيا، كان عاقبة الذين عملوا السيئات في الآخرة الدار السيئة، التي هي نار جهنم، والعقوبة التي هي أسوأ العقوبات وأفظعها، وهي العقوبة بالنار.
وفيه وضع الظاهر، وهو {الَّذِينَ} مقام المضمر؛ لأن مقتضى السياق أن يقول: ثم كان عاقبتهم، وقوله:{أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} : مفعول لأجله، علة لما أشير إليه من تعذيبهم الدنيوي والأخروي؛ أي: أهلكهم الله سبحانه في الدنيا، ثم كان عاقبتهم في الآخرة الدار السيئة، لأجل أن كذبوا بآيات الله، المنزلة على رسله، ومعجزاته الظاهرة على أيديهم.
{وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} معطوف على {كَذَّبُوا} داخل معه في حكم العلة؛ أي: لأجل تكذيبهم بايات الله تعالى، واستهزائهم بها، وإيراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده.
وقرأ الكوفيون وابن عامر (1): {عاقبة} بالنصب، على أنه خير {كَانَ} مقدم، و {السُّوأَى}: مصدر أساؤوا، كالرجعى، أو صفة لمصدر محذوف، و {أَنْ كَذَّبُوا}: اسمها المؤخر، والتقدير: ثم كان التكذيب والاستهزاء عاقبة الذين عملوا السوأى، أو عملوا الأعمال السينة، و {السُّوأَى}: تأنيث الأسوأ، كالحسنى، تأنيث الأحسن، أو مصدر كالبشرى والرجعى، وصف به العقوبة مبالغةً، كأنها نفس السوأى، وقيل: السوأى: اسم لجهنم، كما أن الحسنى اسم
(1) البحر المحيط.
للجنة، وإنما سميت سوأى؛ لأنها تسوء صاحبها، وقرأ الأعمش، والحسن:{السوى} بإبدال الهمزة واوًا وإدغام الواو فيها، كقراءة من قرأ {بالسو} بالإدغام في يوسف، وقرأ ابن مسعود:{السوء} بالتذكير.
وحاصل معنى الآيات (1): أن الأمم السالفة المكذبة، عذبوا في الدنيا والآخرة، بسبب تكذيبهم واستهزائهم، وسائر معاصيهم، فلم تنفعهم قوتهم، ولم تمنعهم أموالهم من العذاب والهلاك، فما الظن بأهل مكة، وهم دونهم في العدد وقوة الجسد.
فائدة: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قاله (2) هنا وفي فاطر وفي أول المؤمن بالواو، وفي آخر سورة المؤمن قاله بالفاء، حيث قال:{أَفلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} لأن ما هنا موافق لما قبله، وهو:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} ولما بعده، وهو {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} وما في فاطر موافق أيضًا لما قبله، وهو {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} ولما بعده وهو:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} وما في أول المؤمن موافق لما قبله، وهو {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} وما في آخرها موافق لما قبله، وهو {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} وما بعده، وهو:{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)} فناسب فيه الفاء، وفي الثلاثة قبله الواو.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (3) قاله هنا بحذف {كَانُوا} قبل قوله: {مِنْ قَبْلِهِمْ} وحذف الواو بعده، وقاله في فاطر بحذف {كَانُوا} أيضًا، وبذكر الواو، حيث قال:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وفي أوائل غافر بذكر {كَانُوا} دون الواو وزيادة {هُمُ} حيث قال: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}
(1) روح البيان.
(2)
فتح الرحمن.
(3)
فتح الرحمن.