المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيكون مريدًا للشيء كارهًا له، وظانًا له موقنًا به في - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فيكون مريدًا للشيء كارهًا له، وظانًا له موقنًا به في

فيكون مريدًا للشيء كارهًا له، وظانًا له موقنًا به في حال واحدة، وهذا لن يكون.

2 -

أنه لم ير أن تكون المرأة أمًا لرجل وزوجًا له، لأن الأم مخدومة مخفوض لها الجناح، والمرأة مستخدمة في المصالح الزوجية على وجوه شتى.

3 -

لم يشأ في حكمته أن يكون الرجل الواحد دعيًا لرجل وابنًا له؛ لأن البنوة نسب أصيل عريق، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية، لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلًا وغير أصيلٍ.

‌5

- ولما ذكر أنه يقول الحق .. فصل هذا الحق بقوله: {ادْعُوهُمْ} ؛ أي: أنسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم {لِآبَائِهِمْ} ؛ أي: إلى آبائهم الذين ولدوهم، فقولوا: زيد بن حارثة، ولا تقولوا: زيد بن محمد، وكذا غيره {هُوَ}؛ أي: الدعاء لآبائهم، فالضمير (1) لمصدر {دعوا} ، كما في قوله:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، {أَقْسَطُ} وأعدل {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه، وأصوب في حكمه من دعائكم إياهم لغير آبائهم، وأقسط أفعل تفضيل، قصد به الزيادة المطلقة.

والمعنى: بالغ في العدل والصدق، وهذه الجملة معللة لما قبلها.

وفي "كشف الأسرار": هو أعدل وأصدق من دعائهم إياهم لغير آبائهم.

{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا} أنتم أيها الناس، ولم تعرفوا آباء أدعيائكم من هم، حتى تنسبوهم إليهم، وتلحقوهم بهم {فَـ} هم {إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} إن كانوا قد دخلوا في دينكم {وَمَوَالِيكُمْ} إن كانوا محررين؛ أي: قولوا: هو مولى فلان، ولهذا قيل لسالم بعد نزول الآية: مولى حذيفة، وكان قد تبناه من قبل، قال الزجاج: ويجوز (2) أن يكون {مواليكم} أولياؤكم في الدين، وقيل المعنى: فإن كانوا محررين، ولم يكونوا أحرارًا .. فقولوا: موالي فلان.

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

ص: 415

فائدة: قال بعضهم (1): متى عرض ما يحيل معنى الشرط .. جعلت إن بمعنى إذ، وإذ: يكون للماضي، فلا منافاة هاهنا بين حرفي الماضي والاستقبال، قال البيضاوي: في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} إن تفعلوا جزم بـ {لَمْ} فإنها لما صيرته؛ أي: المضارع ماضيًا صارت كالجزء منه، وحرف الشرط كالداخل على المجموع، وكأنه قال: فإن تركتم الفعل، ولذلك ساغ اجتماعهما؛ أي: حرف الشرط ولم. انتهى.

{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ} أيها الناس {جُنَاحٌ} ؛ أي: ذنب وإثم {فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} ؛ أي: فيما فعلتموه من تلك الدعوة، مخطئين قبل النهي أو بعده، نسيانًا أو سبق لسان.

قال ابن عطية: لا تتصف التسمية بالخطأ إلا بعد النهي، والخطأ: العدول عن الجهة المقصودة؛ أي: لا إثم عليكم فيما وقع منكم من ذلك خطأ من غير عمد بالنسيان، أو سبق اللسان، فقول القائل لغيره: يا بني، بطريق الشفقة، أو يا أبي، أو يا عمي، بطريق التعظيم، فإنه مثل الخطأ لا بأس به، ألا ترى أن اللغو في اليمين مثل الخطأ وسبق اللسان.

{وَلَكِنْ} الجناح والإثم فيـ {مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ؛ أي: فيما قصدت قلوبكم به بعد النهي، على أن ما في محل الجر عطفًا على {مَا أَخْطَأْتُمْ} ، أو المعنى: ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح، على أن محل {ما} الرفع على الابتداء محذوف الخبر؛ أي: ولكن الجناح والإثم عليكم فيما فعلتموه عامدين، من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم مع علمكم بذلك.

وخلاصة ما سلف (2): أنه لا إثم عليكم إذا نسبتم الولد لغير أبيه خطأً غير مقصود، كان سهوتم أو سبق لسانكم بما تقولون، ولكن الإثم عليكم إذا قلتم ذلك تعمدين.

أخرج ابن جرير وابن المنذر وعن قتادة، أنه قال في الآية: لو دعوت رجلًا

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 416