المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عدم غرقه، وفي سيره إلى البلاد الشاسعة والأقطار البعيدة، وفي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عدم غرقه، وفي سيره إلى البلاد الشاسعة والأقطار البعيدة، وفي

عدم غرقه، وفي سيره إلى البلاد الشاسعة والأقطار البعيدة، وفي كون سيره ذهابًا وإيابًا تارة بريحين، وتارة بريح واحدة، وفي إنجاء أبيه نوح عليه السلام ومن أراد الله تعالى من خلقه، وإغراق غيرهم من جميع أهل الأرض، وفي غير ذلك من شؤونه وأموره. اهـ. "خطيب".

وهما صفتا المؤمن، فكأنه قيل: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن؛ أي: إن فيما ذكر لدلائل واضحات لكل صبار في الضراء، شكور في الرخاء. قال الشعبي: الصبر نصف الإيمان، والشكر: نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله، ألم تر إلى قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} . وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)} . وقال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر".

‌32

- ثم بين أن المشركين ينسون الله تعالى في السراء، ويلجؤون إليه حين الضراء، فقال:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ} يقال: غشيه: إذا ستره وعلاه، والضمير لمن ركب البحر مطلقًا، أو لأهل الكفر، ففيه التفات من ضمير الخطاب في {لِيُرِيَكُمْ} إلى ضمير الغيبة في {غَشِيَهُمْ}؛ أي: وإذا علاهم وأحاط بهم {موج} : هو ما ارتفع من الماء {كَالظُّلَلِ} ؛ أي: كالجبال، أو كالسحاب في الارتفاع.

وقرأ محمد بن الحنفية: {كالظلال} : جمع ظله، كقلال وقلة، شبه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما، وإنما شبه (1) الموج وهو مفرد بالظلل وهي جمع؛ لأن الموج يأتي شيئًا بعد شيء، ويركب بعضه بعضًا، وقيل: إن الموج في معنى الجمع؛ لأنه مصدر، وأصل الموج الحركة والازدحام، ومنه يقال: ماج الماء: إذا تحرك، وماج الناس: إذا ازدحموا.

{دَعَوُا اللَّهَ} وحده حال كونهم {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ؛ أي: الدعاء والاستغاثة، لا يذكرون معه غيره، ولا يستغيثون بغيره، ولا يعولون على غيره في خلاصهم؛ لأنهم يعلمون أنه لا ينفع ولا يضر سواه، لزوال ما ينازع الفطرة من

(1) الشوكاني.

ص: 298

الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد، والإخلاص: إفراد الشيء من الشوائب. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} الله سبحانه وتعالى من البحر {إِلَى الْبَرِّ} وجاد تحقيق مناهم بسبب إخلاصهم في الدعاء صاروا على قمسين {فـ} قسم {مقتصد} ؛ أي: آخذ بالطريق القصد، ومتمسك بالدين المستقيم، وهو التوحيد والطاعة لله سبحانه فيما أمر ونهى، قاله الحسن: وقيل؛ أي: موف بما عاهد عليه الله في البحر، من إخلاص الدين له، باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر، وأخرجه إلى البر سالمًا.

وقسم كافر جاحد، ففي الكلام حذف، ويدل على هذا المحذوف قوله:{وَمَا يَجْحَدُ} وينكر {بِآيَاتِنَا} ؛ أي: بدلائل قدرتنا التي منها إنجاء هؤلاء من البحر، والقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي: ما ينكر بحقيتها {إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ} ؛ أي: غدار نقاض للعهد؛ أي: كثير الختر والغدر لما عاهد على نفسه. {كَفُورٍ} ؛ أي: كثير الكفران لنعم الله تعالى، وإنما (1) يطلق هذا اللفظ على من صار الكفر عادةً ديدنًا له، كما يقال: ظلوم، لمن كان الظلم عادةً له.

وختم هذه الآية بصيغتي مبالغة اللتين هما (2): {خَتَّارٍ} و {كَفُورٍ} ليكونا في مقابلة ما ختم به الآية التي قبلها، وهما:{صَبَّارٍ} و {شَكُورٍ} فتوازنت الكلمات الأربع لفظًا ومعنًى، أما توازنها لفظًا فظاهر، وأما معنًى، فالختار: هو الغدار، والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر، فإن الصبار يفوض أمره إلى الله تعالى وأما الغدار: فيعهد ويغدر فلا يصبر على العهد، وأما الكفور: فمقابلته معنًى للشكور واضحةٌ.

ومعنى الآية (3): أي وإذا أحاطت بهؤلاء المشركين الذين يدعون من دون الله تعالى الآلهة والأصنام الأمواج العالية كالجبال، وأحدق بهم الخطر من كل

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط بتصرف.

(3)

المراغي.

ص: 299