الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ حمزة والكسائي (1): {تَخْرُجُونَ} بفتح التاء وضم الراء، وباقي السبعة بضمها وفتح الراء. وقال الشوكاني: وقد أجمع القراء على فتح التاء في {تَخْرُجُونَ} هنا، وغلط من قال: إنه قرىء هنا بضمها على البناء للمفعول وإنما قرىء بضمها في الأعراف. انتهى.
والمعنى (2): أن إمساك هذه العوالم وإقامتها، وتدبيرها وإحكامها، من الآيات التي ترشد إلى إله مدبر لها، ولا يزال الأمر هكذا حتى ينتهي أجل الدنيا، ويختل نظام العالم، فتبدل الأرض غير الأرض، وتدك الجبال دكًا، وحينئذٍ تخرجون من قبوركم سراعًا، حينما يدعوكم الداعي، ونحو الآية قوله:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)} ، وقوله:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} . وقوله: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)} .
26
- {وَلَهُ} سبحانه خاصةً، لا لغيره {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} من الملائكة {وَ} من في {الْأَرْضِ} من الإنس والجن خلقًا وملكًا وتصرفًا، ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه {كُلٌّ}؛ أي: كل من فيهما وفي غيرهما {لَهُ} سبحانه وتعالى وهو متعلق بقوله: {قَانِتُونَ} من القنوت، وهو الطاعة، والمراد: طاعة الإرادة، لا طاعة العبادة؛ أي: منقادون لما يريده بهم من حياة وموت وبعث وصحة وسقم وعز وذل وغنى وفقر وغيرها، لا يمتنعون عليه تعالى في شأن من شؤونه، فهم مسخرون تحت حكمه على كل حال، وقال الحسن (3):{قَانِتُونَ} ؛ أي: قائمون بالشهادة على وحدانيته، كما قال الشاعر:
وَفِيْ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ
…
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وقيل: قائمون يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
27
- {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْق} بمعنى المخلوق؛ أي: ينشئهم
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
في الدنيا ابتداءً، فإنه أنشأ آدم وحواء، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، ثم يميتهم عند إنتهاء آجالهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ}؛ أي: يعيد الخلق بعد موتهم بالبعث من القبور، فيحييهم الحياة الدائمة، وإفراد الضمير باعتبار لفظ الخلق؛ أي: ثم يعيدهم في ألآخرة بنفخ صور إسرافيل، فيكونون أحياءً كما كانوا.
{وَهُوَ} ؛ أي: الإعادة، وذكر الضمير نظرًا للخبر أو لأن التاء فيه تاء المصدر، أو نظرا للمعنى؛ لأنه بمعنى العود، كما في قوله تعالى:{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ؛ أي: مكانًا ميتًا. {أَهْوَنُ} ؛ أي: أسهل وأيسر {عَلَيْهِ} سبحانه وتعالى من البدء (1) بالنسبة إلى قدرتكم أيها الآدميون، وبالقياس على قوانينكم، وإلا فهما عليه تعالى سواء:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} سواء هناك مادة أم لا، يعني: إن ابتداء الشيء، أشد عند الخلق من إعادته، وإعادته أهون من ابتدائه، فتكون الآية واردةً على ما يزعمون فيما بينهم، ويعتقدون عندهم، وإلا فما شق على الله ابتداء الخلق، فيكون إعادتهم أهون عليه.
وقال بعضهم: أفعل هنا ليس للتفضيل، بل هو بمعنى فعيل، فيكون أهون بمعنى هين، مثل الله أكبر بمعنى كبير، قال الفرزدق:
إِنَّ الَّذِيْ سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
…
بَيْتًا دَعَاِئِمُهُ أَعَزَّ وَأَطْوَلُ
أي: عزيزة طويلة، وقيل: الضمير في عليه للخلق، وهو؛ أي: العود أهون؛ أي: أيسر أو أسرع عليهم؛ أي: على الخلق؛ لأنه يصاح بهم صيحة واحدة، فيقومون دفعةً، ويقال لهم: كونوا فيكونون، فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفةً، ثم علقةً ثم مضغةَ إلى النشأة، وقرأ (2) عبد الله بن مسعود:{وهو عليه هين} .
وقال الزمخشري: فإن قلت (3): لم أخر الصلة في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
الكشاف.
عَلَيْهِ} وقدمت في قوله: {هُوَ عَلَىّ هيَنٌ} ؟
قلت: هنالك قصد الاختصاص، وهو تجبره، فقيل: و {هُوَ عَلَىّ هَيّنٌ} ، وإن كان مستصعبًا عندك أن يولد بين هرم وعاجز، وأما هنا: فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون، من أن الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى.
{وَلَه} سبحانه وتعالى، لا لغيره {الْمَثَلُ الْأَعْلَى}؛ أي (1): الوصف الأعلى، العجيب الشأن، من القدرة العامة، والحكمة التامة، وسائر صفات الكمال، التي ليست لغيره تعالى ما يدانيها، فضلًا عما يساويها، فالمثل بمعنى الصفة، كما في قوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي} وقوله: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} ؛ أي: صفتها وصفتم، قاله الخليل، وقال مجاهد: المثل الأعلى: قول لا إله إلا الله، وبه قال قتادة، أراد به الوصف بالوحدانية، يعني له الصفة العليا، وهي: أنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه: وقيل: المثل الأعلى: هو أنه ليس كمثله شيء، وقيل: هو أنه ما أراده كان بقول: كن.
وقوله: {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} متعلق (2) بمضمون الجملة المتقدمة، على معنى أنه تعالى قد وصف بالمثل الأعلى، وعرف به فيهما على ألسنة الخلائق؛ أي: نطقًا، وألسنة الدلائل؛ أي: دلالةً، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من {الْأَعْلَى} ، أو من {الْمَثَلُ} ، أو من الضمير في {الْأَعْلَى} .
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزُ} في ملكه القادر الذي لا يغالب، أو القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن ما، وإعادته {الْحَكِيمُ} في أقواله وأفعاله الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة.
قال بعضهم (3): دلت الآية على أن السماوات والأرض مشحونة بشواهد وحدته، ودلائل قدرته تعالى، والعجب منك، أنك إذا دخلت بيت غني .. فتراه
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
روح البيان.
مزينًا بأنواع الزين، فلا ينقطع تعجبك عنه، ولا تزال تذكره وتصف حسنه طول عمرك، وأنت تنظر أبدًا إلى الآفاق والأنفس، وهي بيوت الله المزينة بأسمائه وصفاته، وآثاره المتجلية بقدرته، وعجيب آياته، ثم أنت فيما شاهدته أعمى عن حقيقته لعمى باطنك، وعدم دخولك في بيت القلب، الذي بالتفكر المودع فيه يستخرج الحقائق، وبالتذكر الموضوع فيه يرجع الإنسان إلى ما هو بالرجوع لائق، وبالشهود الذي فيه يرى الآيات، ويدرك البينات، ولولا هداية الملك المتعالي .. لبقي الخلق في ظلمات الضلال، فعليك بتوحيد الله تعالى في الليل والنهار، فإنه خير أوراد وأذكار، قال تعالى:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} وذكر الله سبب الحضور، وموصل إلى مشاهدة المذكور، ولكن الكل بعناية الله الملك الغفور. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} .
يَا ذَا الَّذِيْ أَنِسَ الْفُؤادُ بِذِكْرِهِ
…
أَنْتَ الَّذِيْ مَا إِنْ سِوَاكَ أُرِيْدُ
تَفْنَى اللَّيَالِيْ وَالزَّمَانُ بِأَسْرِهِ
…
وَهَوَاكَ غَضٌّ فِيْ الْفُؤادِ جَدِيْدُ
وحاصل معنى الآية (1): أي وهو الذي يبدأ الخلق من غير أصل له، فينشئه بعد أن لم يكن شيئًا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده كما بدأ، وذلك أسهل عليه على حسب ما يدور في عقول المخاطبين، من أن من فعل شيئًا مرةً كانت الإعادة أسهل عليه.
والخلاصة: أن الإعادة أسهل على الله من البدء، بالنظر لما يفعله البشر، مما يقدرون عليه، فإن إعادة شيء من مادته الأولى، أهو عليهم من إيجاده ابتداءً، والمراد بذلك: التقريب لعقول الجهلة المنكرين للبعث، وإلا فكل الممكنات بالنظر إلى قدرته سواء، وقصارى ذلك: أنه أهون عليه بالإضافة إلى أعمالكم، وبالقياس إلى أقداركم.
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما
(1) المراغي.