المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال في "روح البيان": لعل الوجه في الختم به: أن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وقال في "روح البيان": لعل الوجه في الختم به: أن

وقال في "روح البيان": لعل الوجه في الختم به: أن إدراك ما ذكر، ليس مما يختص بخواص أهل التفكر، وهم العلماء، بل يدركه من له أدنى شيء من التفكر، والتفكر دون التذكر، ولذا لم يذكر التذكر في القرآن، إلا مع أولي الألباب. انتهى.

وحاصل معنى الآيتين (1): أي ومن حججه الدالة على أنه القادر على ما يشاء، من إنشاء وإفناء وإيجاد وإعدام، أن خلقكم من تراب بتغذيتكم، إما بلحوم الحيوان وألبانها وأسمانها، وإما من النبات، والحيوان غذاؤه النبات، والنبات من التراب، فإن النواة لا تصير شجرة إلا بالتراب الذي ينضم إليه أجزاء مائية، تجعلها صالحة للتغذية، ثم بعد إخراجكم منه إذا أنتم بشر تنتشرون في الأرض، تتصرفون فيها في أغراضكم المختلفة، وأسفاركم البعيدة، تكدحون وتجدون لتحصيل أرزاقكم من فيض ربكم، وواسع نعمه عليكم.

ومن آياته الدالة على البعث والإعادة: أن خلق لكم أزواجًا من جنسكم، لتأنسوا بها، وجعل بينكم المودة، والرحمة، لتدوم الحياة المنزلية على أتمّ نظام، إن فيما ذكر من خلقكم من تراب، وخلق أزواجكم من أنفسكم، وإبقاء المودة والرحمة، لعبرةً لمن تأمل في تضاعيف تلك الأفعال المبنية على الحكم والمصالح، فهي لم تخلق عبثًا، بل خلقت لأغراضٍ شتى، تحتاج إلى الفكر، حتى يصل إلى معرفتها ذوو الذهن والعقل الراجح.

‌22

- {وَمِنْ آيَاتِهِ} ودلائل وجوده وبراهين قدرته على البعث والنشور {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} على عظمهما وكثافتهما، وكثرة أجزائهما بلا مادة، فهو أظهر قدرة على إعادة ما كان حيًا قبل ذلك؛ أي: خلقه السماوات المزدانة بالكواكب، والنجوم الثوابت، والسيارة المرتفعة السموات الواسعة الأرجاء وخلق الأرض ذات الجبال والوديان، والبحار والقفار، والحيوان والأشجار، فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة، التي هي أجرام السماوات والأرض، وجعلها باقيةً مادامت هذه

(1) المراغي.

ص: 103

الدار، وخلق فيها من عجائب الصنع، وغرائب التكوين، ما هو عبرة للمعتبرين، قادر على أن يخلقكم بعد موتكم، وينشركم من قبوركم.

{وَ} من آياته وقدرته {اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} ولغاتكم اختلافًا لا حد له، من عربية، وفارسية، وفرنسية، وانجليزية، وهندية، وصينية، وتركية، ورومية، وأورمية، إلى نحو ذلك، مما لا يعلم حصره إلا خالق اللغات، فمن اطلع على لغات رأى من اختلاف تراكيبها أو قوانينها مع اتحاد المدلول، عجائب وغرائب في المفردات والمركبات.

وعن وهب (1): إن الألسنة اثنان وسبعون لسانًا، منها في ولد حامٍ سبعة عشر، وفي ولد سامٍ تسعة عشر، وفي ولد يافثٍ ستة وثلاثون.

وهذا من قديم الزمان، وأما الآن فقد صارت تعد بالمئات، وقيل: المراد باللغات الأصوات والنغم، قال الراغب: اختلاف الألسنة، إشارة إلى اختلاف اللغات، واختلاف النغمات، فإن لكل لسان نغمةً يميزها السمع، كما أن له صورة مخصوصةً يميزها البصر، انتهى. فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجهٍ، متفقين في همسٍ واحدٍ، ولا جهارةٍ واحدةٍ، ولا رخاوةٍ ولا فصاحةٍ، ولا لكنةٍ، ولا نظمٍ، ولا أسلوبٍ، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، قاله الزمخشري.

{وَ} من آياته اختلاف {أَلْوَانِكُمْ} وأشكالكم من البياض والسواد والحمرة، والصفرة والزرقة والخضرة والأدمة مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد، وهو الإنسانية، وفصل واحد، وهو الناطقية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل في كل فرد من أفرادكم ما يميزه عن غيره من الأفراد، ولولا ذلك الاختلاف.، لوقع الالتباس، وتعطلت مصالح كثيرة من المعاملات وغيرها، وفي هذا من بديع القدرة، وعجيب الحكمة، ما لا يعاقله إلا العالمون، ولا يفهمه إلا المتفكرون.

(1) البحر المحيط.

ص: 104