الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: الرأى ما أشار به حباب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا حباب! أشرت بالرأي،
فنهض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ففعل كل ذلك [ (1) ] .
وأما اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء
فقد مضى ذكر ذلك مجودا فراجعه [ (2) ] .
وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام
فخرج الترمذي من حديث القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بى، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك منى السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان اللَّه، والحمد اللَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر.
قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجهة [ (3) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن عمر، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على إبراهيم عليه السلام، فقال من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، قال له إبراهيم: مر أمتك
[ (1) ] أخرجه الواقدي في (المغازي) : 1/ 54، وفي إسناده داود بن الحصين وهو ضعيف، فضلا عن أن روايته عن عكرمة منكرة، كما صرح بذلك الحفاظ كعليّ بن المديني وابن معين، انظر (تهذيب التهذيب) : 3/ 157.
[ (2) ] راجع (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 1/ فصل في الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ (3) ](سنن الترمذي) : 5/ 476، كتاب الدعوات باب 59 [بدون ترجمة](3462) وفيه عبد الرحمن ابن إسحاق بن سعد الحارث، قال فيه أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث، وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف، ليس بشيء، وقال البخاري: فيه نظر، وكذا ضعفه النسائي.
فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة، وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (1) ] .
وخرج ابن حبان في صحيحه، من حديث حيوة بن شريح قال: أخبرنى أبو صخر، أن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، أخبره عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر قال: حدثني أيوب صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة اسرى به، مر على إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فقال لجبريل عليه السلام،: من معك يا جبريل؟ فقال جبريل: هذا محمد، فقال: مر أمتك أن يكثروا غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لإبراهيم: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (2) ] .
[[و] إبراهيم خليل الرحمن، أبو الضيفان] ، وهو الأب الثالث، أب الآباء، وعمود العالم، وإمام الحنفاء، الّذي اتخذه اللَّه تعالى خليلا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، وشيخ الأنبياء ابن [آذر]، ويقال:[آذر] بن تارح ابن نوحود بن مسروغ بن رعوا بن فالغ بن عيبر، ويقال: عابر بن شالخ بن أرفخشاذ بن سام بن نوح [ (3) ] ، صلوات اللَّه وسلامه عليه، كان آباؤه في
[ (1) ](كنز العمال) : 3948.
[ (2) ](الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 101، كتاب الرقاق، باب (8) الأذكار، ذكر البيان بأن المرء كلما كثر تبريه من الحول والقوة إلا ببارئه كثر غراسه في الجنة، حديث رقم (821) ، وفيه عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وثقة ابن حبان، وأبو صخر وهو حميد بن زياد وهو متكلم فيه من قبل حفظه، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .
[ (3) ] وتمام النسب: ابن نوح بن لامخ بن مثوشالح بن حنوح- وهو إدريس- بن يارذ بن ماهللئيل بن قنن بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. (المقفى الكبير) :
1/ 13.
قال العلامة المقريزي رحمه الله: هذه الأسماء كلها ليست بعربية، وقد خبط في ضبطها كثير من نقلة الأخبار لبعدهم عن معرفة العبرانية، والصواب في ذلك ما وقع في التوراة، إذ هذه الأسماء ليست مما يدخله النسخ والتبديل، وهي هناك كما أوردته لك هنا.
_________
[ () ] وأزيدك أيضا بيانا بضبطها بالحروف، فإنّها إنما كتبت في التوراة بالقلم العبرانىّ، وقد منّ اللَّه بعد معرفتها بالقلم العبرانىّ أن يسّر ضبطها بالحروف العربية.
فإبراهيم، كان اسمه «أبرام» بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة، ثم ألف بعدها ميم، ومعنى ذلك تقريبا: رفيع القدر «فسماه اللَّه تعالى: أبروهام: وصار معناه: أبو جمهور الأحزاب. وعرّبته العرب فقالت: إبراهيم: بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الهاء ثم ياء آخر الحروف ساكنة بعدها ميم.
وقالت أيضا «إبراهام» بفتح الهاء، وبهما جاء تنزيل العزيز الحكيم في القرآن المجيد.
وسمع أيضا «إبرهم» . قال عبد المطلب بن عبد مناف بن أساف: نحن آل اللَّه في بلدته، لم يزل ذاك على عهد إبرهم.
وتارح، بفتح التاء المثناة من فوق ثم ألف ساكنة بعدها راء مهملة مفتوحة ثم حاء مهملة.
ونوحور، بضم النون وسكون الواو وضمّ الحاء المهملة، وبعدها واو ثم راء مهملة.
وسروغ، بفتح السين المهملة وضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة بعدها غين معجمة.
ورعو، بضم الراء والعين المهملتين ثم واو.
وفالغ، بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم لام مفتوحة وغين معجمة. وهذه الفاء ليست في اللغة. وبعضهم يقول: فالج بالجيم، وهذه الفاء بين الفاء والباء الموحدة.
وعيبر، بكسر العين المهملة وسكون الباء اخر الحروف وفتح الباء الموحدة ومن نقلة الأخبار من يقول:«عابر بفتح العين» . وأصله ما ذكرت.
وشالح، بفتح الشين المعجمة واللام وسكون الحاء المهملة.
وأرفخشاذ، بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة، وفتح الفاء وسكون الخاء المعجمة وفتح الشين، ثم ألف بعدها ذال معجمة. وهذه الفاء أيضا بين الفاء والباء الموحدة.
وسام، أصله بشين معجمة، وعرّب فقيل: بسين مهملة مفتوحة، ثم ألف بعدها ميم، وكثيرا ما تكون الشين المعجمة في العبرانية سينا مهملة في اللسان العربيّ.
ولامخ، بفتح اللام والميم وبعدها خاء معجمة.
ومثوشالح، بفتح الميم وضم المثلثة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها ألف ساكنة ثم لام مفتوحة ثم حاء مهملة كأن بعدها ألفا.
وحنوخ، بحاء مهملة مفتوحة ونون مضمومة بعدها واو ساكنة، ثم خاء معجمة.
السريانيين، يقال: ابن الكنعانيين، وولد [عليه السلام] بكوثى، وقيل: ولد بهرمزجرد، ثم انتقل إلى كوثى من أرض بابل، وأمه [عليه الصلاة والسلام] يونا بنت كرنيا بن كوثى، من بنى أرفخشاذ بن سام، ويقال: بل اسمها أبيونا وأنها من ولد أفرام بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشاذ.
وكان أبوه [ (1) ] على أصنام الملك نمروذ، ولسانهم السريانية، وبينه عليه السلام، وبين نوح [عليه السلام] عشرة قرون، وولد ولأبيه من العمر سبعون سنة، وخرج به أبوه بعد ما تزوج بسارة، ومعه لوط فسكن حران، وبها [مات] أبوه.
وكان قد أراه اللَّه تعالى ملكوت السموات والأرض، وكاد أصنام قومه [ (2) ] ، وحاجهم
[ () ] ويرذ، ويقال يارذ- بياء آخر الحروف مفتوحة إذا أشبعت الفتحة صار كأن بعدها ألفا ثم راء مهملة مفتوحة بعدها ذال معجمة.
وماهللئيل، بميم مفتوحة بعدها ألف ساكنة، ثم هاء مفتوحة ولام مفتوحة أيضا، ثم لام أخرى ساكنة بعدها ألف مهموزة مكسورة كأنما بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ثم لام ثلاثة.
وقنن، بقاف مكسورة كأن بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ثم نون مضمومة كأن بعدها واو ساكنة، ثم نون أخرى.
وأنوش، بفتح الهمزة وضم النون وسكون الواو ثم شين معجمة.
(المقفى الكبير) : 1/ 13- 15، ترجمة إبراهيم الخليل عليه السلام، ترجمة رقم (1) .
[ (1) ] عن مجاهد قال: آزر صنم، ليس بأبيه، وفي التوراة:«إبراهيم بن تارح» . وهذا قول مردود، فقد قال تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام: 74]، وهذا هو الحق. وقال بعضهم: آزر هو تارح، وأحدهما اسم، والآخر لقب، وليس ببعيد. (المرجع السابق) .
[ (2) ] أخذ إبراهيم قدوما وأتاها ليلا وكسرها وعلّق القدوم على عنق صنم الشمس وهو أكبرها- حيث قد كانوا سموها بأسماء الكواكب- فلما رأوها قالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا [الأنبياء: 59]، قال رجل منهم: سمعت إبراهيم يذكرها، فأتوا إبراهيم فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال لهم:
سلوا كبيرهم هذا إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 63] . (المرجع السابق) .
في إثبات اللَّه تعالى [ (1) ] ، فألقوه في النار، فصارت بردا
[ (1) ] عن كعب الأحبار قال: رأى إبراهيم عليه السلام قوما يأتون نمروذ الجبار فيصيبون منه طعاما، فانطلق معهم، فكان مرّ بالنمروذ رجل قال له:«من ربك؟» قال: «أنت ربى» ، وسجد له إعظاما له، فأعطاه حاجته، حتى مرّ به إبراهيم فقال: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة: 258] ، وخرج إبراهيم ولم يعطه شيئا، فعمد إبراهيم إلى تراب فملأ به وعاءه ودخل به منزله، وأمر أهله أن لا يحلوه، ووضع رأسه فنام، فحلت امرأته الوعاء فإذا هو أجود دقيق رأت. (المرجع السابق) .
وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبو الأحوص بن عبد اللَّه قال: خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم فمروا عليه فقالوا: يا إبراهيم، ألا تخرج معنا؟ قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] . وقد كان قبل ذلك قال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء: 57] . فسمعه إنسان منهم فلما خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاما ثم انطلق إلى آلهتهم فقربه إليهم فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ* ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ* فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [الصافات: 91- 93] فكسرها إلا كبيرا لهم، ثم ربط في يده الفأس الّذي كسر به آلهتهم.
فجاهرهم عند ذلك وقال: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟ [الصافات: 95]، أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء: 66- 67] . (المرجع السابق) .
عن عكرمة في قوله تعالى قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: 96] أن نار الدنيا كلها لم ينتفع بها أحد من أهلها، فلما أخرج اللَّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار زاده اللَّه في حسنه وجماله سبعين ضعفا.
وعن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كانت البغال تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لحرق إبراهيم عليه السلام فدعا عليها، فقطع اللَّه نسلها.
وكانت الضفادع مساكنها القفار فجعلت تطفئ النار عن إبراهيم عليه السلام فدعا لها فأنزلها اللَّه الماء، وكانت الأوزاغ تنفث عليه النار فلعنها فصارت ملعونة، فمن قتل منها أجر. (المرجع السابق) .
وعن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما ألقى بإبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبي اللَّه ونعم الوكيل. (المرجع السابق) .
_________
[ () ] وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة قال: لما رأى الناس أن إبراهيم عليه السلام لا تحرقه النار قالوا: ما هو إلا عرق الندى وما نعرفه، ألا ترى ما تضره النار ولا تحرقه؟
فسمى عرق الندى. (المرجع السابق) .
وقال مقاتل: أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار التي أضرمها لرمي إبراهيم عليه السلام فيها، فقال: أنا أدلكم، فاتخذ لهم المنجنيق، صنعه له رجل من الأكراد يقال له: هبون. وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف اللَّه به الأرض، وجيء بإبراهيم عليه السلام فخلعوا ثيابه وشدوا رباطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السموات، والأرض، والجبال، والشمس، والقمر، والعرش، والكرسي، والسحاب، والريح، والملائكة، كل يقول: يا رب عبدك إبراهيم بالنار يحرق، فائذن لنا في نصرته، فقالت النار وبكت: يا رب سخرتني لبني أدم، وعبدك يحرق بى عليه السلام.
فأوحى اللَّه إليهم أن عبدي إياي عبد، وفي جنبي أوذى، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه. فلما رمى استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل، ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى اللَّه ربى. (المرجع السابق) .
قال اللَّه تعالى: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: 69] ، فلو لم يخلط بالسلام لآذاه البرد، ودخل جبريل معه وإسرائيل، وأنبت اللَّه تعالى حوله روضة خضراء، وبسط له بساط من درنوك [بسط] الجنة، وأتى بقميص من حلل جنة عدن فألبسه، وأجرى عليه الرزق غدوة وعشيا. (المرجع السابق) .
قال وهب: فلما رأوا الآية الباهرة، آمن منهم بشر كثير فأتى الجمع إلى نمروذ فقالوا: إن إبراهيم قد استمال الناس، وقد صبأ إليه خلق كثير، فجمع نمروذ وزحف، يريد إبراهيم ومن معه، فأوحى اللَّه إلى إبراهيم: أرحل بمن معك، فرفع بامرأته سارة وجميع من آمن به حتى بلغ مدين، فنزل، ونمروذ سائر بجموعه خلفه، فأرسل اللَّه عليهم جندا من البعوض فأعمى أعين الدواب، ودخل خياشيم الرجال حتى ماتوا، وأبقى اللَّه نمروذ، وقد دخلت خيشومه بعوضة فسكنت دماغه حتى كان أحب الناس إليه من ضرب رأسه ليكف عنه أكل البعوض. ثم هلك بعد ذلك. (المرجع السابق) .
وسلاما [ (1) ] فخرج عليه الصلاة والسلام عند ذلك بزوجته سارة، ومعه لوط إلى حران، فأقام بها خمس سنين ثم مضى منها وعمره خمس وسبعون، فهاجر إلى ربه [ (2) ] .
فلما عبر الفرات من حران، غير اللَّه تعالى لسانه، وتكلم بالعبرانية، وسار حتى نزل أرض القدس، ومعه مواشيه، وزوجته، ولوط، فبنى عند صخرة بيت المقدس مذبحا، يقرب فيه قرابينه للَّه تعالى.
ثم قدم مصر لغلاء نزل [بأرض] القدس، فكان أمر سارة مع الملك ما كان [ (3) ] وأخذ منها هاجر، ثم خرج [عليه الصلاة والسلام] من مصر، بعد ما أقام بها ثلاثة أشهر، فنزل خارج غزة، وقد كثر ماله، وابتنى بئر سبع، وجعلها سبيلا، وفرق أموالا في وجوه البر، وكان عليه الصلاة والسلام نصيف من كل مزية، وأمر ابن أخيه لوطا أن يتحول عنه، فسار عنه لوط إلى أرض القدس، ونزل سدوم، ونزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام حبرون، التي تعرف اليوم ببلد الخليل.
وولد له عليه الصلاة والسلام بعد عشر سنين من سكناه إسماعيل عليه السلام من هاجر، وعمره ست وثمانون سنة، [ثم اختتن وله تسع وتسعين سنة][ (4) ] وفي الصحيح أنه اختتن وعمره ثمانون سنة، وولد له إسحاق
[ (1) ] قال العلامة المقريزي: وكان من خبر إبراهيم عليه السلام مع طوطيس بن ماليا فرعون إبراهيم، أنه عليه الصلاة والسلام قدم إلى مصر بزوجته سارة، فعند ما رآها الحرس الموكلون بأبواب مدينة منف عجبوا من حسنها، فرفعوا خبرها إلى طوطيس، فأمر وزيره فأحضر إبراهيم عليه السلام وسأله عنها وبعث بها إلى طوطيس، فأكرمها وكف عنها طوطيس، وجفت يده لما مدها إليها حتى دعت اللَّه سبحانه وتعالى فخلصها، وهابها طوطيس بعد ذلك وبعث بها إلى ابنته حوريا فأكرمتها وأعادتها إلى إبراهيم عليه السلام، ووهبتها هاجر أم إسماعيل. (المقفى الكبير) : 4/ 36.
[ (2) ] هكذا ورد في التوراة وهو خلاف لما في الصحيح.
[ (3) ](فتح الباري) : 11/ 104، كتاب الاستئذان، باب (51) ، الختان بعد الكبر ونتف الإبط، حديث رقم (6298) .
[ (4) ] قال تعالى: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم: 41.
[عليهما السلام] وهو ابن مائة سنة من سارة، وأنزل ابنه إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر بمكة، وقد وعده اللَّه [تبارك و] تعالى أن يجعل منه ومن إسحاق [عليهما السلام] شعوبا كبارا.
وامتحنه اللَّه [عز وجل] بذبح ولده، فبادر لطاعة ربه، وأراد ذبحه، ففداه اللَّه [تعالى] بذبح عظيم، وماتت سارة، فتزوج بعدها قطورا، فولدت له عليه السلام ستة أولاد، ثم مات عليه السلام، وعمره مائة وخمس وسبعون سنة، فدفن حيث قبره الآن من قرية حبرون، مع زوجته سارة.
ويقال: معنى إبراهيم بالسريانية، أب رحيم، وقد سماه اللَّه تعالى إماما [ (1) ][وحليما [ (2) ] ، وأواها، ومنيبا وصديقا [ (3) ]] وأمّة، وقانتا، وحنيفا [ (4) ]، فالأمة: هو القدوة، المعلم للخير. والقانت: المطيع للَّه، الملازم لطاعته.
والحنيف: المقبل على اللَّه، المعرض عما سواه. وقد اتفق أهل الملة على تعظيمه، وتوليته، [و] محبته، وكان خير بنيه، وسيد ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم، يجله، ويعظمه، ويبجله، ويحترمه.
ففي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية، فقال ذاك إبراهيم [ (5) ] ،
وسماه شيخه، فإنه لما دخل الكعبة، وجد
[ (1) ] قال تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً البقرة: 124.
[ (2) ] قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هود: 75.
[ (3) ] قال تعالى: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم: 41.
[ (4) ] قال تعالى: أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً النحل: 120.
[ (5) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 130، كتاب الفضائل، باب (41) من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، حديث رقم (2369) .
قال العلماء: إنما قال هذا تواضعا واحتراما لإبراهيم لخلقه وأبوّته، وإلا فنبينا أفضل، كما
قال صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم،
ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بيانا لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم: ولا فخر،
لينفى ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة.
(المرجع السابق) . -
المشركين قد صوروا فيها صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال قائلهم: سبحان اللَّه! لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام، ولم يأمر اللَّه [تبارك وتعالى] رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة أحد من الأنبياء، غير إبراهيم عليه السلام، وأمر أمته بذلك.
وأخبر صلى الله عليه وسلم، أن إبراهيم عليه السلام، أول من [يكسي] يوم القيامة، وكان أشبه الخلق به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو عليه [الصلاة] والسّلام أول من [أقرى] الضيف، وأول من اختتن، وأول من رأى الشيب، وقد شهد اللَّه [تبارك و] تعالى له، أنه وفّى ما أمر به، يعنى وفّى جميع ما أمر به من تبليغ الرسالة، وفّى جميع شرائع الإسلام، وجعله [تبارك] تعالى إماما للخلائق يأتمون به.
وكان كما قيل: قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله للضيفان، وبه سنّ اللَّه الهدايا والضحايا، وهو الّذي للأمة مناظر المشركين، والمبطلين، وكسر حجتهم، وهو أذن في الناس بالحج، لما فرغ من بناء الكعبة البيت الحرام، فكل من حجه واعتمره، كان لإبراهيم مزيد الثواب، بعدد الحجاج والمعتمرين إلى يوم القيامة، وقد ذكرت له سيرة في (التاريخ الكبير المقفى)[ (1) ] ، صلى اللَّه عليه وعلى نبينا وسلم.
[ () ] وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب من سورة لم يكن، حديث رقم (3349) .
وأبو داود في كتاب السنة باب في التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، حديث رقم (4672)، (جامع الأصول) : 8/ 512، كتاب الفضائل في فضل جماعة من الأنبياء، حديث رقم (6306)، (مسند أحمد) : 4/ 19، حديث رقم (12415) من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (1) ](المقفى للمقريزي) : 1/ 13، 4/ 36.