الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر وزير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
الوزير [ (1) ] الّذي يحمل نعل الملك ويعينه، وقد استوزره، وهي الوزارة بكسر الواو وفتحها والكسر أعلى، وأوزره على الأمر: أعانه وقوّاه، الأصل أوزر، وقد اختلف في اشتقاق الوزير فقيل من الوزر بفتح الواو والزاي وهي الملجأ لأن الوزير يلجأ إلى رأيه، وقيل سمى وزيرا من الوزر بكسر الواو وسكون الزاي وهي النعل لأنه يحمل عن صاحبه نعله ويعينه.
قال ابن قتيبة: وما حمله الإنسان على ظهره، وآزرني فلان أعانني ووازرني صار لي وزيرا، وقال ابن جريج: وأزر الرجل الرجل موازرة أعانه، وكذلك آزره. قال: السبكي الوزير مأخوذ من أزر، وكان الأصل أزير فقيل وزير.
ومن عرف سيرة أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وكيف كانا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الهوى، والعصبية، وإعراض عن تقليد الآباء والمشيخة، تبين له أنهما كانا منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوزيرين.
[ (1) ] قال الإمام أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: وازره على الأمر: أعانه وقواه، والأصل آزره. قال بن سيده: ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى أن الواو في وزير بدل من الهمزة. وفي التنزيل العزيز: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، [طه: 29] ، قال: الوزير في اللغة اشتقاقه من الوزر، وكذلك وزير الخليفة معناه الّذي يعتمد على رأيه في أموره ويلتجئ إليه، وقيل لوزير السلطان: وزير لأنه يزر عن السلطان أثقال ما أسند إليه من تدبير المملكة أي يحمل ذلك. الجوهري: الوزير الموازر كالأكيل المواكل لأنه يحمل عنه وزره أي ثقله. وقد استوزر فلان، فهو يوازره الأمر ويتوزر له. وفي حديث السقيفة: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، جمع وزير وهو الّذي يوازره فيحمل عنه ما حمله من الأثقال والّذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، فهو ملجأ له ومفزع. ووزرت الشيء أزره وزرا أي حملته، ومنه قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. [الإسراء: 15] .
وقد خرج أبو عيسى الترمذي [ (1) ] من حديث تليد بن سليمان عن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر،
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وأبو الجحاف واسمه داود بن أبي عوف. ويروى عن سفيان الثوري حدثنا أبو الجحاف وكان رافضيا، وتليد بن سليمان يكنى أبا إدريس وهو شيعىّ.
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عطاء بن عجلان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وإنما يعرف هذا الحديث
[ (1) ](سنن الترمذي) : 5/ 576، كتاب المناقب، باب (7) مناقب أبى بكر، حديث رقم 3680، (حلية الأولياء) : 8/ 160، ترجمة وهيب بن الورد رقم (369)، (تاريخ بغداد) : 3/ 298، ترجمة محمد بن مجيب الثقفي الكوفي رقم (1385) على الحديث رقم (6462) : في سنده محمد بن مجيب الثقفي، وهو كذاب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الشيخ الألباني: ضعيف كما في المشكاة: (6056) ، (ضعيف الجامع الصغير) ، (55223)، (ضعيف سنن الترمذي) :(492)، قوله:«فأما وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل» فيه دلالة ظاهرة على فضله صلوات اللَّه وسلامه عليه على جبرئيل وميكائيل عليهما السلام كما أن فيه إيماء إلى تفضيل جبرئيل. «وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر» فيه دلالة ظاهرة على فضلهما على غيرهما من الصحابة وهم أفضل الأمة وعلى أن أبا بكر أفضل من عمر لأن الواو وإن كان لمطلق الجمع ولكن ترتيبه في لفظه الحكيم لا بد له من أثر عظيم. قوله: «وهذا حديث حسن غريب» ، وأخرجه الحاكم وصححه وأقروه، والحكيم في (نوادره) عن ابن عباس، وغيره وابن عساكر، وأبو يعلى، وغيرهما عن أبى ذر بأسانيد ضعيفة، كذا في (التيسير)، (تحفة الأحوذي) : 10/ 114.
[ (2) ](المستدرك) : 2/ 290- 291، كتاب التفسير، حديث رقم (3047)، قال الحافظ الذهبي في (التخليص) : صحيح.
من حديث سوار بن مصعب عن عطية العوفيّ عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن لي وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض، فأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ورواه عبيد بن القاسم بن سلام عن أبى معاوية عن عطية بلفظ آخر.
وخرج أيضا من حديث ربيعة بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب قال: كان أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير، فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانية في الإسلام، وكان ثانية في الغار، وكان ثانية في العريش يوم بدر، وكان ثانية في القبر، ولم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقدم أحدا [ (1) ][إلا هو هذا][ (2) ] .
أما ما أخرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث إبراهيم بن سعد قال حدثنا ابن سعد عن أبيه عن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه
[ (1) ](المستدرك) : 3/ 66، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4409) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة في الأصل، وليست في (المستدرك) .
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 454، كتاب المغازي، باب (18) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ حديث رقم (4054) ، 10/ 347، كتاب اللباس، باب (24) الثياب البيض، حديث رقم (5826) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 72- 73، كتاب الفضائل، باب (10) في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، حديث رقم (46/ 3206)، وحيث رقم (47) من أحاديث الباب ولفظه: «
…
حدثنا سعد بن أبى وقاص قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه صلى الله عليه وسلم أشد القتال، ما رأيتها قبل ولا بعد» .
وفي هذا الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على اللَّه تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه به، فهذا صريح في الرد عليه.
وفيه فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء. -
قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد.
ذكره البخاري في [المغازي] وأخرجه في كتاب اللباس. وأخرجه مسلم في المناقب من حديث سعد عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد قال: رأيت عن يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل [عليهما السلام] . لم يقل البخاري: يعني جبريل وميكائيل.
قال الواقدي: حدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه، عن عبد الواحد بن أبى عون، عن صالح بن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: لقد رأيت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه [ (1) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه عن عبد الواحد بن أبي عون، عن زياد مولى سعد، عن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت رجلين يوم بدر [يقاتلان] عن النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما عن يساره والآخر عن يمينه وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة سرورا بما ظفره اللَّه تعالى [ (2) ] .
[ () ] وفيه منقبة لسعد بن أبى وقاص الّذي رأى الملائكة. واللَّه تعالى أعلا وأعلم. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 1/ 78
[ (2) ](المرجع السابق) .