الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما من أسلم قبل الفتح
فقد قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] .
[ (1) ] الحديد: 10، قوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، ولهذا قال تعالى: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا صلح الحديبيّة، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:«دعوا لي أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم» ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبيّة وفتح مكة وكانت هذه أعمالهم» وكانت هذه المشاجرة بينهما في بنى جذيمة الذين بعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم فخالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه بن عمر وغيرهما فاختصمهم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك.
والّذي في الصحيح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تسبوا أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه»
وروى بن جرير وابن أبى حاتم من حديث ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام الحديبيّة حتى إذا كنا بعسفان قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
يوشك أن يأتى قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم فقلنا: من هم يا رسول اللَّه أقريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا أهم خير منا يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، إلا أن هذه الآية فضلت ما بيننا وبين-
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من حديث شعبة عن الأعمش، سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ذكره البخاري في مناقب أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكره مسلم [ (3) ] في آخر المناقب من طريق الأعمش، عن أبى صالح عن أبى سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف
[ () ] الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
وهذا الحديث غريب بهذا السياق والّذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء ابن يسار عن أبى سعيد وقد ذكر الخوارج: تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يرمقون من الدين كما يمرق السهم من الرّميّة، والحديث الّذي في الصحيح: المؤمن القوى خير وأحب إلى اللَّه من المؤمن الضعيف وفي كل خير، وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب آخر لمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه، لهذا قال: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. (تفسير ابن كثير) 4/ 328- 329 مختصرا.
[ (1) ] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا.
ومسلم في فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم حديث رقم (2541) وأبو داود في السنة، باب النهى عن سبب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (4658) والترمذي في المناقب، باب فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3860)، والمدّ: ربع الصاع، والنصيف نصف المد، والتقدير: ما بلغ هذا القدر اليسير من فضلهم ولا نصفهم. (جامع الأصول) 8/ 552- 553 باب في فضائل الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم ومناقبهم، حديث رقم (6361) ، و (6362) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
شيء، فسبه خالد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابى فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه.
كذا وقع في كتاب مسلم في هذا الحديث، عن أبى معاوية عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، ولعله وهم من مسلم، أو ممن كتب عنه وإنما الحديث عن أبى سعيد الخدريّ، وهكذا هو في مسند ابن أبى شيبة، وفي كتاب الترمذي وغيرهما، ويدل على الوهم في ذلك قول مسلم بعد ما أورده من رواية وكيع، ومعاذ، وشعبه عن الأعمش، بإسناد جرير وأبى معاوية، [و] إنما تدل هذه الإحالة على أمر متفق، لا مختلف.
وخرجه أبو داود [ (2) ] الترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه،
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: نصيفه، يعنى نصف المد.
وقال أبو بكر محمد بن أبى نصر الحميدي في كتابه، بعد ذكره حديث الأعمش: رواه أبو بكر البرقاني في كتابه (المخرج على الصحيح) ، من حديث أبى بكر بن عياش عن الأعمش، وفيه: لا تسبوا أصحابى، دعوا لي أصحابى، فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد ذهبا لم يبلغ مدّ أحدهم،
قال أبو بكر البرقاني: قوله: كل يوم، حسن مليح.
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] سبق تخريجه.
وقال سعيد بن منصور المكيّ في كتابه (الزهد) : حدثني سفيان عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يأتى قوم من ها هنا- وأشار بيده نحو اليمين- تحتقرون أعمالكم عند أعمالهم، قالوا: فنحن خير أم هم؟ قال:
بل أنتم، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، فضلت هذه الآية بيننا وبين الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] .
حديث مرسل.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ: فضّل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بفضائل، وسمهم بها، وذكرهم فيها، ولم يأت عنه أنه فضّل منهم واحد على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم، ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل، والدين، [و] العلم.
وكان صلى الله عليه وسلم أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق، من أن يواجه فاضلا منهم، بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه، بل فضل السابقين منهم، وأهل الاختصاص به، على من لم ينل منازلهم، فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، وهذا معنى قول اللَّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا
ومحال أن يستوي من قاتله صلى الله عليه وسلم، مع من قاتل عنه.
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه يمشى بين يدي أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: تمشى بين يدي من هو خير منك؟!
لأنه كان أعلمهما، ذلك في الجملة، لمن شهد بدرا والحديبيّة، ولكل طبقة منهم منزلة معروفة، وحال موصوفة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.