الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحكمة، وهي سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فقال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه الله ورضى عنه-: قد وضع اللَّه [عز وجل] رسوله صلى الله عليه وسلم من [دينه] ، وفرضه، وكتابه، الموضع الّذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته، وحرم معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله، مع الإيمان به، فقال: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ]، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (2) ] ، فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه، تبع له الإيمان باللَّه، ثم برسوله.
قال الشافعيّ: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (3) ] قال: لا أذكر إلا ذكرت، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه. قال: وفرض اللَّه على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله، فقال في كتابه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [يَتْلُوا] عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (4) ] مع آي سواها، ذكر فيهن الكتاب والحكمة.
قال الشافعيّ: فذكر اللَّه الكتاب والقرآن، وذكر الحكمة، فسمعت ممن أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (5) ]، فقال: بعض أهل العلم [أولو] الأمر: هم أمراء سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال: فإن تنازعتم في
[ (1) ] النساء: 136.
[ (2) ] النور: 62.
[ (3) ] الشرح: 4.
[ (4) ] آل عمران: 164.
[ (5) ] النساء: 59.
شيء، يعنى اختلفتم في شيء، يعنى- واللَّه أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعته، فردوه للَّه والرسول، يعنى- واللَّه أعلم- إلى ما قاله اللَّه والرسول.
ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أن طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طاعته، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] .
واحتج أيضا في فرض اتباع أمره بقوله عز وجل: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (2) ] وقوله: [وَ] ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (3) ] ، وغيرها من الآيات التي دلت على اتباع أمره، ولزوم طاعته.
قال: وكان فرضه جل ثناءه على من عاين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعده إلى يوم القيامة واحدا، من أن على كل طاعته، لم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا بالخبر عنه، والخبر عنه خبران:
خبر عامة عن عامة: عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجمل ما فرض اللَّه سبحانه من العبادات، يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم، وهذا ما لا يسع جهله، وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه لأن كلا كلفه، كعدد الصلاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وتحريم الفواحش، وأن للَّه عليهم حقا في أموالهم، وما كان في معنى هذا.
وخبر خاصة: في خاص الأحكام، لم يأت أكثره كما جاء الأول، لم يكلفه العامة وكلف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة، وهذا مثل ما يكون بينهم في الصلاة من سهو يجب به سجود السهو أو لا يجب، وما يفسد الحج، و [ما] لا يفسده، وما يجب به الفدية، وما لا يجب فيما لا يفعل، وغير
[ (1) ] النساء: 5.
[ (2) ] النور: 63.
[ (3) ] الحشر: 7.
ذلك. وهو الّذي على العلماء فيه عندنا، قبول خبر الصادق على صدقه، ولا يسعهم رده، بفرض اللَّه طاعة نبيه.
قال: ولولا ثبوت الحجة بالخبر، لما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلما ندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وأدائها، أمر أن يؤديها، والأمر واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم الحجة به على من أدى إليه.
قال: سفيان بن عيينة: أخبرنى سالم أبو النصر، أنه سمع عبيد اللَّه ابن أبى رافع، يخبر عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى، مما أمرت به أو نهيت عنه، يقول: لا أدرى، ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعنا [ (1) ] .
والحجج في تثبيت خبر الواحد كثيرة، وفيما احتج به الإمام الشافعيّ رحمه الله [و] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك كفاية.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 5/ 12، كتاب السنة، باب (6) في لزوم السنة، حديث رقم (4605)، (سنن الترمذي) : 5/ 36- 37، كتاب العلم، باب (9) ما جاء فيمن روى حديثا، وهو يرى أنه كذب، حديث رقم (2663)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم عن سفيان عن ابن المنكدر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرسلا، وسالم ابن لأبى النضير عن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بين حديث ابن المنكدر من حديث سالم ابن أبى النضر، وإذا جمعهما روى هكذا، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، اسمه أسلم.