الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم، أهون من أن [تخفروا] ذمة اللَّه وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن، [فأرادوك] أن تنزلهم على حكم اللَّه، فلا تنزلهم على حكم اللَّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه [أم لا] .
فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[السرية [ (1) ] ، ما بين خمسة [أنفس] ، إلى ثمانية، وقيل: هي من الخيل نحو أربعمائة] ، وعدة سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. التي بعثها لجهاد أعداء اللَّه، ثمان وخمسون سرية، استعمل عليها سبعة وثلاثين رجلا وكان يعتذر عن تخلفه عنها، ويوصى [أمراءه] بتقوى اللَّه، ويعلمهم [ما] يحتاجون إلى فعله في غزوهم، وينكر ما لا يصلح من فعل [الأمراء] .
فأما اعتذاره صلى الله عليه وسلم عن التخلف
فخرج البخاري [ (2) ] من حديث الزهري، قال: أخبرنى سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: والّذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين، لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنى، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغدو في سبيل اللَّه، والّذي نفسي بيده، لوددت أنى أقتل في سبيل اللَّه، ثم أحيا، [ثم أقتل] ثم أحيا، ثم أقتل، ترجم عليه باب: تمنى الشهادة.
[ (1) ] السرية قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو هي من الخيل نحو أربعمائة وجمعها سرايا- (المعجم الوسيط) : 1/ 429. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا: سميت سرية لأنها تسرى في الليل ويخفى ذهابها- وهي فعيلة بمعنى فاعلة- يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلا (مسلم بشرح النووي) .
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 190، كتاب الجهاد والسير باب (7) تمنى الشهادة حديث رقم (2797) .
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبى زرعه عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكرراه من طرق، وخرجه النسائي أيضا. [ (2) ]
وذلك كله من غير مجاهدة نفس، ولا تكلف الهواجر، [ومقاساة] شدة الظمأ، ولا قيام ليل طويل، ولا استغراق الأوقات في الذكر، بل بإفاضة نور النبوة عليه، قد استحال في أقل من طرفة عين هذه الاستحالة الشريفة وارتقى إلى أعلى مقام تتقاصر أعمال العاملين من بعده بأسرهم عن بلوغه.
وأنت إن كنت ممن سلك طريق اللَّه، فإنك تعلم إن إجابة من إجابات الحق [توازى] عمل الثقلين، هذا في حق الأتباع الذين سلكوا منهاج الصحابة وأما الصحبة، فأين الثريا من يد المتناول هيهات أن يحصى الرمل، أو يحصر القطر، فالزم الأدب مع الحق، وقف مع حذاك من العبوديّة، [وأد إلى كل] إلى كل ذي حق حقه، ولا تكونن من المعقدين فتردى أسفل سافلين، وتعجز عن الوصول إلى منازل العارفين واللَّه يهدى من يشاء بمنه.
وهم مع هذه الفضائل الجمة، قد برأهم اللَّه تعالى ونزههم عن أن يمارى أحد فيما يسمع من الكتاب والسنة أو يجادل فيه، ولم يكن بينهم على ذلك بدعة ولا ضلالة، وإذا صلى أحد منهم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة، أو حج واعتمر، أو جاهد في سبيل اللَّه من صد عن سبيله وكفر، أو أدى زكاة ماله، أو [حض] من يؤديها، أو شاهد قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شيء، أغناه ذلك عن التكلف والدءوب في طلب علم الفقه، ومعاناة المشفقة في حفظه ودراسته.
ولم يكونوا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم مع هذا محتاجين إلى تجربة، ولا سلوك، ولا رياضة، ولا دخول خلوة، ولا سياحة، بل كانوا لمجرد رؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدهم، أو دعايته إياه إلى الإسلام، يحصل له
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 13/ 27 كتاب الإمارة باب فضل الجهاد حديث رقم (106) .
[ (2) ](سنن النسائي) : 6/ 339، كتاب الجهاد، باب (30) تمنى القتل في سبيل اللَّه، حديث رقم (3152) .
أجل مقامات العارفين، وأعلى منازل المقربين، و [أعلى] درجات الصديقين، من غير صيام نهار، ولا قيام ليل، ولا مجاهدة نفس، ولا تهذيب أخلاق، بل يستحيل في تلك اللحظة [صديقا] مقربا، ووليا للَّه عارفا، وحبرا من أحبار الأمة عالما قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وواقفه فيما بقي من عمره وحفظه.
واعتبر بحال أمير المؤمنين، أبى حفص، عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كيف كان أشد الناس في عداوة اللَّه [عز وجل] ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى لقد هم بقتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فما هو إلا أن وقف على دار الأرقم، وطرق الباب،
فقام إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتلقاه، وعانقه، وضرب صدره ثلاث مرات، وهو يقول: اللَّهمّ أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيمانا،
فللحال انصبغ عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، واستحال بعد الشرك باللَّه، وعبادة الأصنام، والأوثان، والطواغيت، وبذل الجهد في إطفاء نور اللَّه، ما سلك فجا، إلا سلك الشيطان فجا غيره، ولو كان بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر.