المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية - إمتاع الأسماع - جـ ٩

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌فصل في ذكر عمرات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها بعد هجرته

- ‌وأما عمرة القضاء

- ‌وأما عمرة الجعرانة [ (1) ]

- ‌فصل في ذكر حجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة

- ‌فصل في ذكر من حدّث عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جلت قدرته

- ‌وأما الأحاديث [الإلهية] [ (1) ]

- ‌وأما الحكمة، وهي سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما مجيء الجبال إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة

- ‌وأما الملك الّذي نزل بتصويب الحباب

- ‌وأما اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن تميم الداريّ [ (1) ]

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قسّ بن ساعدة

- ‌وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبى كبشة

- ‌ فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك

- ‌إسلام الجن، وإنذارهم قومهم

- ‌وأما الصحابة رضوان اللَّه عليهم

- ‌أما المهاجرون

- ‌ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وأما السابقون الأولون

- ‌وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه ابن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ [ (1) ]

- ‌وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه

- ‌وأما المهاجرون إلى الحبشة

- ‌وأما من أسلم قبل الفتح

- ‌وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية

- ‌وأما رفقاؤه النجباء

- ‌وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم

- ‌فصل في ذكر أنصار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب

- ‌فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج

- ‌فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه

- ‌أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت

- ‌ثم لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بنى عبد الأشهل

- ‌وكان من خبر يوم بعاث [ (1) ]

- ‌فصل في ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة إذ مكر به المشركون، وهجرته إلى المدينة دار هجرته ونزوله على الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم وتلاحق المهاجرين به [صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة

- ‌فصل في ذكر من بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقههم في الدين

- ‌عقوبة من سب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما وصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأما اعتذاره صلى الله عليه وسلم عن التخلف

- ‌فصل في ذكر من استخلفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة

- ‌فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في نصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرعب

- ‌فصل في ذكر مشورة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه

- ‌فصل في ذكر ما كان يقوله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا غزا

- ‌فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها

- ‌فصل في وقت إغارة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر الوقت الّذي كان يقاتل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين في محاربتهم

- ‌فصل في ذكر شعار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حروبه

- ‌فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر ما كان للنّبيّ عليه السلام من الغنيمة

- ‌فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه

- ‌فصل في ذكر من كان على ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من حدا [ (1) ] برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أسفاره

- ‌فصل في ذكر وزير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر صاحب سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من كان يكتب الوحي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الّذي كان يختم به

- ‌فصل في ذكر ما كان يختم به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتبه

- ‌فصل في ذكر صاحب خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكتابة الجيش وقسمه العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم

- ‌فصل في ذكر ما أقطعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأرضين ونحوه

- ‌فصل في ذكر أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجزية والخراج

- ‌فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الجزية

- ‌فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الزكاة

- ‌فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر الخارص على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة ومتوليها يقال له المحتسب [ (1) ]

الفصل: ‌وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية

‌وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية

فخرج الإمام أحمد من حديث هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: كان عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أحد العددين.

ومن حديث سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق، حدثنا البراء بن عازب قال: كنا- يعنى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدد أصحاب طالوت الذين جازوا، وما جاز معه النهر إلا مؤمن.

[ (1) ] سبب البيعة ونصها: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد اللَّه بن أبى بكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس يقولون: بايعهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر بن عبد اللَّه يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر.

فبايع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد ابن قيس، أخو بنى سلمة، فكان جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: واللَّه لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط ناقته. قد خبأ إليها، يستتر بها من الناس ثم أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الّذي ذكر من أمر عثمان باطل.

قال ابن هشام: فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي: أن أول من بايع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان: أبو سنان الأسدي.

قال ابن هشام: وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له، عن ابن أبى مليكة عن ابن أبى عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان، فضرب بإحدى يديه على الآخرى.

ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بنى عامر بن لؤيّ، إلى رسول اللَّه وقالوا له: ائت محمدا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو اللَّه لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقبلا، قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم تم بينهم الصلح.

ص: 121

وقال ابن إسحاق [ (1) ] : جميع من شهد بدرا من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، ثلاثمائة رجل، وأربعة عشر رجلا: من المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون.

وقال ابن جريج: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا بالحديبية أربعة عشر مائة.... الحديث.

وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: كم كانوا الذين شهدوا بيعة الرضوان، قال: أربع عشر مائة، قال: رحم اللَّه جابرا، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.

ولأحمد بن حنبل [ (2) ] من حديث سفيان، عن عمرو قال: سمعت جابر ابن عبد اللَّه يقول: كنا يوم الحديبيّة أنا وأربع عشر مائة، فقال [لنا] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الأرض.

وقال معقل بن يسار، وعبد اللَّه بن أبى أوفى- وكانا ممن شهد البيعة تحت الشجرة- كانوا ألفا [وأربعمائة] .

وخرج

[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 2/ 261، عدد من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار.

وقال القسطلاني: وكان عدة من خرج معه صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وخمسة، وثمانية لم يحضروها، وإنما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم، فكانوا كمن حضرها، وهم: عثمان ابن عفان، تخلف بسبب مرض زوجته رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد ابن زيد، كانا في مهمة استطلاعية تتعلق بالعير، وأبو لبابة استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن حاطب على بنى عمرو ابن عوف، والحارث بن الصمة وقع أثناء الطريق فرد، وخوات بن جبير أصابه حجر في ساقه فرد من الصفراء. (المواهب اللدنية) : 1/ 349.

[ (2) ](مسند أحمد) : 4/ 244، حديث رقم (13901) ، (14409) ، كلاهما من مسند جابر بن عبد اللَّه، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

ص: 122

البخاري [ (1) ] في آخر الجهاد من حديث هيثم، أنبأنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن- وكان عثمانيا فقال لابن عطية- وكان علويا-: إني لا أعلم ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول: بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والزبير فقال: ائتوا روضة كذا، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا، فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب؟ فقالت: لم يعطني، قلنا لتخرجنه أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل الى حاطب فقال: لا تعجل، واللَّه ما كفرت، ولا ازددت للإسلام إلا حبا، ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا. فصدقه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد نافق، فقال: وما يدريك لعل اللَّه أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم، فهذا الّذي جرّأه.

[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 234، كتاب الجهاد والسير، باب (195) إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن، حديث رقم (3081) .

قوله: «باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن» أورد فيه حديث في قصة المرأة التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة، ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر، من قوله في الرواية الأخرى «فأخرجته من عقاصها» وهي ذوائبها المضفورة، وفي التجريد من قول علي «لأجردنك» وقد تقدم في «باب الجاسوس» من وجه آخر عن على، ويأتى شرحه في تفسير سورة الممتحنة. وقوله في الإسناد «عن أبي عبد الرحمن» هو السلمي.

وقوله «وكان عثمانيا» أي يقدم عثمان على عليّ في الفضل، وقوله «فقال لابن عطية» هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة.

وقوله «وكان علويا» أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة. قال ابن الأثير: ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية، لكن لما استوى حكمها في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل. وقال ابن التين: إن كانت مشركة لم توافق الترجمة، وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة.

ص: 123

وخرجه [ (1) ] في كتاب استتابه المرتدين بأبسط من هذا، لفظه: فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء- يعني

[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 375، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6939) .

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب اللَّه لهم الجنة ووقع منه ما وقع.

وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: «اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب.

وفيه الرد على من كفر مسلما بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب.

وفيه من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين.

وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق.

وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يردّه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر: يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه.

وفيه العفو عن زلة ذوى الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه اللَّه عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك.

قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام اللَّه في عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجرى عليه أحكام الإسلام.

وفيه من أعلام النبوة اطلاع اللَّه نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك.

وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأى العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. -

ص: 124

عليا- قال: ما هو لا أبا لك؟ قال: شيء سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والزبير وأبا مرثد- وكلنا فارس- قال:

انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ- قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة خاخ- فإن امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبى بلتعة إلى المشركين فأتوني بها. فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسير على بعير لها، وكان إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم. فقلنا: أين الكتاب الّذي معك؟ قالت: ما معى كتاب. فأنخنا بها بعيرها، فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا. فقال صاحباي ما نرى معها كتابا، قال فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم حلف على: والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك. فأهوت إلى حجزتها- وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول اللَّه، وما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله، ولكنى أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها أهلي ومالي، وليس

[ () ] وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها عليّ بتجريدها. قاله ابن بطال.

وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء اللَّه خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع، وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب ما تقدم في «باب فضل من شهد بدرا» أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها.

وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار.

وفيه تأدب عمر، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم.

وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب.

ص: 125

من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع اللَّه به عن أهله وماله. قال: صدق، لا تقولوا له إلا خيرا. قال فعاد عمر فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه قال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكن الجنة،

فاغرورقت عيناه فقال: ورسوله أعلم، وهو مما أتفقا على إخراجه.

ولمسلم [ (1) ] من حديث الليث عن أبى الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [يشكو] حاطبا، فقال: يا رسول اللَّه! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبيّة.

وخرجه النسائي أيضا، ولمسلم [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول:

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (36) من فضائل أهل بدر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقصة حاطب بن أبى بلتعة، حديث رقم (162) . وفيه فضيلة أهل بدر، والحديبيّة، وفضيلة حاطب لكونه منهم.

وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدا كان أو سهوا، كان الإخبار عن ماض، أو مستقبل، وخصته المعتزلة بالعمد، وهذا يرد عليهم، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان، وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي، بخلاف ما هو مستقبل، وهذا الحديث يرد عليهم، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) .

[ (2) ]

(مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (37) من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم (163) .

قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها» ،

وقال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في الحديث الّذي قبله- حديث حاطب- وإنما

قال: إن شاء اللَّه

للتبرك، لا للشك، وأما قول حفصة: بلى، وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها فقالت: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي-

ص: 126

أخبرتنى أم مبشر، أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول عن حفصة: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول اللَّه! فانتهرها، فقالت حفصة: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [ (1) ]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال اللَّه عز وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [ (2) ] ، وخرجه [ (3) ] أبو بكر بن أبى شيبة والترمذي [ (4) ] بمعناه.

[وقال أبو بكر بن أبى شيبة [ (5) ] : حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي قال: أول من بايع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، أبو سنان الأسدي] .

[ () ] الَّذِينَ اتَّقَوْا، فيه دليل للمناظرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم.

والصحيح أن المراد بالورود في الآية: المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون. (شرح النووي) .

[ (1) ] مريم: 71.

[ (2) ] مريم: 72.

[ (3) ](مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 400- 401، كتاب الفضائل، باب (51) ما جاء في أهل بدر من الفضل، حديث رقم (32335) ، (32336) ، (32337) ، (32338) .

[ (4) ](سنن الترمذي) : 5/ 652، كتاب المناقب، باب (58) في فضل من بايع تحت الشجرة، حديث رقم (3860)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[ (5) ](مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 250، كتاب الأوائل، حديث رقم (35758) .

ص: 127