المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إسلام الجن، وإنذارهم قومهم - إمتاع الأسماع - جـ ٩

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌فصل في ذكر عمرات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها بعد هجرته

- ‌وأما عمرة القضاء

- ‌وأما عمرة الجعرانة [ (1) ]

- ‌فصل في ذكر حجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة

- ‌فصل في ذكر من حدّث عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جلت قدرته

- ‌وأما الأحاديث [الإلهية] [ (1) ]

- ‌وأما الحكمة، وهي سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما مجيء الجبال إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة

- ‌وأما الملك الّذي نزل بتصويب الحباب

- ‌وأما اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن تميم الداريّ [ (1) ]

- ‌وأما حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قسّ بن ساعدة

- ‌وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبى كبشة

- ‌ فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك

- ‌إسلام الجن، وإنذارهم قومهم

- ‌وأما الصحابة رضوان اللَّه عليهم

- ‌أما المهاجرون

- ‌ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وأما السابقون الأولون

- ‌وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه ابن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ [ (1) ]

- ‌وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه

- ‌وأما المهاجرون إلى الحبشة

- ‌وأما من أسلم قبل الفتح

- ‌وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية

- ‌وأما رفقاؤه النجباء

- ‌وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم

- ‌فصل في ذكر أنصار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب

- ‌فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج

- ‌فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه

- ‌أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت

- ‌ثم لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بنى عبد الأشهل

- ‌وكان من خبر يوم بعاث [ (1) ]

- ‌فصل في ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة إذ مكر به المشركون، وهجرته إلى المدينة دار هجرته ونزوله على الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم وتلاحق المهاجرين به [صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة

- ‌فصل في ذكر من بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقههم في الدين

- ‌عقوبة من سب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما وصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأما اعتذاره صلى الله عليه وسلم عن التخلف

- ‌فصل في ذكر من استخلفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة

- ‌فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في نصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرعب

- ‌فصل في ذكر مشورة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه

- ‌فصل في ذكر ما كان يقوله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا غزا

- ‌فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها

- ‌فصل في وقت إغارة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر الوقت الّذي كان يقاتل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين في محاربتهم

- ‌فصل في ذكر شعار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حروبه

- ‌فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر ما كان للنّبيّ عليه السلام من الغنيمة

- ‌فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه

- ‌فصل في ذكر من كان على ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من حدا [ (1) ] برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أسفاره

- ‌فصل في ذكر وزير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر صاحب سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من كان يكتب الوحي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الّذي كان يختم به

- ‌فصل في ذكر ما كان يختم به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتبه

- ‌فصل في ذكر صاحب خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكتابة الجيش وقسمه العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم

- ‌فصل في ذكر ما أقطعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأرضين ونحوه

- ‌فصل في ذكر أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجزية والخراج

- ‌فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الجزية

- ‌فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الزكاة

- ‌فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر الخارص على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة ومتوليها يقال له المحتسب [ (1) ]

الفصل: ‌إسلام الجن، وإنذارهم قومهم

‌وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبى كبشة

فذكر الكلبي في كتاب (الرقائق) : حدثني أبى عن أبى صالح، عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: حدثني أبو كبشة: أنهم لما أرادوا دفن [بلال] بن حبشية- وكان سيدا معظما- حفروا له، فوقعوا له على باب مغلق، ففتحوه، فإذا سرير عليه رجل، وعليه ملك عدة، وعند رأسه كتاب: أنا أبو سمر، ذو النون، مأوى المساكين، ومستفاد الغارمين، أخذنى الموت غصبا، وقد أعيا الجابرة قبلي.

قال صلى الله عليه وسلم: كان ذو النون هذا، هو سيف [ذي النون] الحميري، وأبو كبشة هذا، يقال: أنه الحوت، زوج حليمة السعدية، ظئر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (1) ]

.‌

‌ فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك

اعلم أنه آمن برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس خلائق حدثوا عنه، ورووا ما وعوه، وسمعوه، فسمع منه الجن القرآن وهو يقرأ بأصحابه بعكاظ وجاءوه فسألوه عن أشياء، ومكث معهم أيضا في ليلة شهدها عبد اللَّه بن مسعود، فأسلم منهم طائفة من جن نصيبين.

‌إسلام الجن، وإنذارهم قومهم

فقد ثبت بكتاب اللَّه تعالى، وحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال اللَّه تعالى:

وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ

[ (1) ] وهذا الحديث، الآفة فيه، الكلبي، وهو متهم، وضعفه أكثر أهل العلم.

ص: 70

يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] اختلف أئمة التفسير في سبب صرف الجن إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قيل: وصرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، وقيل: صرفوا إليه لينذرهم، وأمر عليه السلام أن يقرأ عليهم القرآن، وإليه ذهب قتادة. وقيل:

مروا به وهو يقرأ القرآن بنخلة [ (2) ] ، لما عاد من الطائف [ (3) ] .

واختلف أيضا في المكان الّذي سمعوا فيه قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قيل:

بالحجون [ (4) ] ، وهو قول ابن مسعود وقتادة، وقيل ببطن نخل [ (5) ] ، وهو قول ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.

واختلف من أي بلدهم، فقيل: هم جن نصيبين- قرية باليمن- لا مدينة نصيبين التي بالجزيرة- قاله ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وقيل: من أهل نينوى [ (6) ]، قاله قتادة. وقيل: من جزيرة الموصل، قاله عكرمة، وقيل: من أهل حيران، قاله مجاهد، واختلف في عدتهم.

فقيل: كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة بن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.

وقيل: كانوا تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما.

وقيل: كانوا اثنى عشر، وهو مروى عن عكرمة، ويرد بقوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ والنفر لا يطلق على الكثير، فإن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.

[ (1) ] الأحقاف 29- 32

[ (2) ] نخلة: اسم موضع

[ (3) ] الطائف: مسيرة يوم للطالع من مكة، ونصف يوم للهابط إلى مكة.

[ (4) ] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.

[ (5) ] بطن نخل: قريبة من المدينة على طريق البصرة.

[ (6) ] نينوى: قرية يونس بن متى عليه السلام بالموصل.

ص: 71

وذكر السهيليّ في (التفسير) أنهم كانوا يهودا، لذلك قالوا: مِنْ بَعْدِ مُوسى ولم يقولوا: «من بعد عيسى» ذكره ابن سلام، وكانوا سبعة، وقد ذكروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات، وهم: شاصر، وآصر، ومنشى، وماشى، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، ووجدت في خبر ذكره، أن منهم آخر يقال له: سرق، وفي خبر آخر: أن منهم عمرو بن [جابر][ (1) ]] فَلَمَّا حَضَرُوهُ، أي حضروا استماعه، قالوا: أنصتوا، قال

[ (1) ] مطموس بالأصل، واستدركناه من كتب السيرة.

قال الحافظ ابن كثير في (التفسير) : كانوا سبعة نفر: ثلاثة من أهل حران، وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم: حسي، وحسبي، ومنسي، وساصر، وناصر، والأردوبيان، والأحتم. وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال لهم بنو الشيصبان وكانوا أكثر الجن عددا، وأشرفهم نسبا، وهم كانوا عامة جنود إبليس.

وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه:

كانوا تسعة أحدهم زوبعة أتوه من أصل نخلة وتقدم عنهم أنهم كانوا خمسة عشر.

وفي رواية أنهم كانوا اثنى عشر ألفا فلعل هذا الاختلاف دليل تكرر وفادتهم عليه صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك ما قاله البخاري في صحيحه حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا عمر وهو ابن محمد قال إن سالما حدثه عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول لشيء قط إني لأظنه هكذا إلا كما يظن، بينما عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جالس إذا مر به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم، عليّ بالرجل، فدعى له فقال له: ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم قال: فأنى أعزم عليك إلا ما أخبرتنى قال كنت كاهنكم في الجاهلية فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت:

ألم تر الجن وإبلاسها

ويأسها من بعد إنكاسها

ولحقوها بالقلاص وأحلاسها

قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا اللَّه قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح برجل فصيح يقول لا إله إلا اللَّه فقمت فما نشبنا إن قيل هذا نبي. هذا سياق البخاري.

ص: 72

بعضهم لبعض: اسكتوا كي نستمع إلى قراءته، فَلَمَّا قَضى، أي فرغ من التلاوة، وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، انصرفوا إليهم محذرين عذاب اللَّه إن لم يؤمنوا.

واختلف هل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم؟ أم جعلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم؟ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى يعنى القرآن، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [ (1) ] .

قال عطاء: كان دينهم اليهودية، ولذلك قالوا: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [ (2) ] ، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو دليل على أنه بعث إلى الجن، كما بعث إلى الإنس، قال مقاتل: ولم يبعث اللَّه نبيا إلى الجن والإنس قبله.

قال ابن عبد البر: ولا يختلفون أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول إلى الإنس والجن، نذيرا، وبشيرا، هذا مما فضل به على الأنبياء، أنه بعث إلى الخلق كافة، الجن والإنس، وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه، ودليل ذلك ما نطق به القرآن الكريم من دعائهم إلى الإيمان، بقوله في مواضع من كتابه: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (3) ] وقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما:

فاستجاب لهم من قومهم سبعين رجلا من الجن، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوافوه بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن، وأمرهم، ونهاهم.

[ () ] وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بنفسه سمع الصارخ صرخ من العجل الّذي ذبح وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الّذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه واللَّه أعلم، (تفسير ابن كثير) : 4/ 180.

[ (1) ] الأحقاف: 30.

[ (2) ] الأحقاف: 30.

[ (3) ] الرحمن: 33.

ص: 73

وقال أبو حنيفة [رحمه الله] : ليس لمؤمن الجن ثواب إلا النجاة من النار، لقوله تعالى: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (1) ] . وقال الحسن: ثوابهم أن يجاروا من النار، يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم. وقال مالك وابن أبى ليلى: إن كان عليهم العقاب في الإساءة، وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس. وقال جويبر عن الضحاك: الجن يدخلون الجنة، ويأكلون، ويشربون.

وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [ (2) ] أي لا يعجز اللَّه في الأرض ولن يعجزه هربا، وليس له من دونه أولياء، أي أنصار يمنعونه من عذاب اللَّه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أي الذين لا يجيبون الرسل.

وقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً* وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

[ (3) ] .

أي قل يا محمد لأمتك: أوحى إلى على لسان جبريل، أنه استمع إليك نفر من الجن، ولم يكن صلى الله عليه وسلم عالما به قبل أن يوحى إليه.

[ (1) ] الأحقاف: 31.

[ (2) ] الأحقاف: 32.

[ (3) ] الجن: 1- 15.

ص: 74

قال ابن عباس وغيره: وظاهر القرآن يدل على أنه يراهم، [لقوله] اسْتَمِعْ، ولقوله: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: وقال عكرمة:

السورة التي كان يقرؤها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ* كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [ (1) ] .

وقد خرج البخاري ومسلم، من حديث [أبى] عوانه، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الجن ولا أراهم، انطلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيئا حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء.

فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك [النفر] الذين توجهوا إلى نحو تهامة، إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه

[ (1) ] العلق: 1- 19.

ص: 75

عز وجل على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (1) ] وإنما أوحى إليه قول الجن [ (2) ] .

قال البيهقي: وهذا الّذي حكاه عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، إنما [هو] أول ما سمعت الجن قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن، كما حكاه عبد اللَّه بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم، وعبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حفظ القصتين جميعا فرواهما.

أما القصة الأولى: فذكر البيهقي من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حديث سفيان عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه قال:[هبطوا] على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوا قالوا: أنصتوا، قالوا:

صه، وكانوا سبعة، أحدهم زوبعة، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا.

[ (1) ] الجن: 1.

[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 321، كتاب الأذان، باب (105) الجهر بقراءة صلاة الفجر، حديث رقم (773) .

وذكره أيضا في: 8/ 865، كتاب التفسير، باب (1) سورة قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ، حديث رقم (4921) .

وذكره في مسلم: 4/ 411، كتاب الصلاة، باب (33) في (السنن) ، حديث رقم (149) .

وذكره الترمذي: 5/ 3980، كتاب تفسير القرآن، باب (69) ومن سورة الجن، حديث رقم (3323)، قال أبو عيسى الترمذي: وبهذا الإسناد عن ابن عباس، قال قول الجن لقومهم:

لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن: 19] قال: لما رأوه يصلى وأصحابه يصلون بصلاته فيسجدون بسجوده، قال: فعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم:

لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 76

داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] .

وخرجه الحاكم وصححه، وذكر ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث أبى قدامة، عبيد اللَّه بن سعيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر، عن معن، قال: سمعت أبى قال: سألت مسروقا: من آذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ قال: حدثني أبوك- يعنى عبد اللَّه- أنه آذنت به الشجرة، ذكره البخاري في كتاب المبعث، وذكره مسلم في كتاب الصلاة، ولفظه: حدثني أبوك- يعنى ابن مسعود- أنه آذنته بهم شجرة [ (2) ] . قال البيهقي:

وأما القصة الأخرى: فذكر حديث مسلم من طريق عامر الشعبي، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟

فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير [ (3) ] أو اغتيل [ (4) ] ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا، إذ هو جاء من قبل حراء، [قال] : فقلنا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال:

أتانى داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم [ (5) ] .

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 228، باب ذكر إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وسلم، والآيات: 29- 32، من سورة الأحقاف.

[ (2) ] سبق تخريج أحاديث البخاري ومسلم والترمذي.

[ (3) ] استطير: طارت به الجن.

[ (4) ] اغتيل: قتل سرا.

[ (5) ](دلائل البيهقي) : 2/ 228- 229، واللفظ لمسلم كما قال.

ص: 77

وفي لفظ له قال: قال الشعبي: وسألوه الزاد وكان من جن الجزيرة- إلى آخر الحديث، من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد اللَّه. وقد خرجه الترمذي من طريق الشعبي.

قال البيهقي: والأحاديث الصحاح، تدل على أن عبد اللَّه بن مسعود لم يكن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره، يريهم آثار الجن وآثار نيرانهم.

وقد خرج مسلم من حديث أبى معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ووددت أنى كنت معه.

ذكره في كتاب الصلاة [ (1) ] .

قال البيهقي: وقد روى من أوجه أخر، أنه كان معه ليلتئذ، فذكر من طريق الليث بن سعد قال: حدثني يونس بن زيد، عن ابن شهاب قال:

أخبرنى أبو عثمان بن سنة الخزاعي- وكان رجلا من أهل الشام- أنه سمع عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقنا، حتى إذا [كنا] بأعلى مكة، خط لي برجله خطا، ثم أمرنى أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن، فغشيته، أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، وفرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع الفجر، فانطلق فبرز، ثم أتانى فقال: ما فعل الرهط؟

فقلت: هم أولئك يا رسول اللَّه

فأخذ عظما وروثا، فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث [ (2) ] .

قال البيهقي: يحتمل قوله في الحديث الصحيح، ما صحبه منا أحد، أراد به في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم، إلا أنه ما روى في هذا الحديث، من إعلام أصحابه بخروجه إليهم، يخالف ما روى في الحديث الصحيح من

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 415، كتاب الصلاة، باب (33) الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، حديث رقم (125) .

[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 230.

ص: 78

فقدانهم إياه، حتى قيل: اغتيل، استطير، إلا أن يكون المراد بمن فقده غير، الّذي علم بخروجه [ (1) ] .

وذكر البيهقي أيضا: من طريق موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استتبعني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن نفرا من الجن خمسة عشر، بنى إخوة، وبنى عم، يأتوننى الليلة، فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقت معه إلى المكان الّذي أراد، فخط خطا وأجلسنى فيه، وقال لي: لا تخرج من هذا، فبت فيه، حتى أتانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع السحر، في يده عظم حائل، وروثة، وحممة، فقال لي: إذا ذهبت إلى الخلاء فلا [تستنج] بشيء من هؤلاء،

قال: فلما أصبحت قلت: لأعلمن حيث كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:

فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا [ (1) ] .

وذكر أيضا من طريق يزيد بن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان النهدي، أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق، فقال:

ما هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن، وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا [ (1) ] .

ومن طريق أبى الجوزاء، عن عبد اللَّه [بن مسعود] قال: انطلقت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون، فخط لي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له: وردان: إني أنا أرحلهم عنك، فقال:

إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [ (2) ] .

ومن طريق المسعودي، عن قتادة، عن أبى المليح الهذلي، أنه كتب إلى أبى عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود: أين قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الجن؟

فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له: الحجون [ (3) ] .

وخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد، قال: أخبرنى جدي عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه كان يحمل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 229- 230 مختصرا.

[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 231، 232، باب إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وسلم، والآية رقم: 22، من سورة الجن.

[ (3) ](المرجع السابق) : 232- 233.

ص: 79

إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني حجارا استنفض بها، ولا تأتنى بعظم ولا بروثة.

فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتانى وفد جن نصبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت اللَّه لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلى وجدوا عليها طعما. [حديث رقم:

(3860)

، باب ذكر الجن من كتاب مناقب الأنصار] .

وخرج الترمذي من حديث زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [على] أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: قرأتها على الجن ليلة الجن، وكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من [نعمك] ربنا نكذب، فلك الحمد، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد.

قال ابن حنبل: كان زهير بن محمد هو الّذي وقع بالشام ليس هو الّذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعنى لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة [ (1) ] .

قلت: وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ففي بعضها لما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من آلائك ربنا نكذب [ (2) ] .

وفي بعضها قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، لما قرأت عليهم هذه

[ (1) ](سنن الترمذي) : 5/ 372، 373، كتاب تفسير القرآن، باب (55) ، حديث رقم (3291) .

[ (2) ](تفسير ابن كثير) : 4/ 289، مقدمة تفسير سورة الرحمن.

ص: 80