الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقام على الحجر، وأشار بكمه هكذا، ألا إني قد أجرت ابن أختى، فتكشّفوا عنى، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك عليك ردّ، فقل ما شئت، فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز اللَّه الإسلام.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، قال.
حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من أشد الناس علينا في إسلامنا.
فلما تهيأنا للخروج من أرض الحبشة، جاءني عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأنا على بعير نريد أن نتوجه- فقال: أين تريدين يا أم عبد اللَّه؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض اللَّه، حيث لا نؤذى في عبادة اللَّه، فقال صحبكم اللَّه، ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة، وأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال [ترحبين] يسلم؟ فقلت نعم، قال: واللَّه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب وهذا من شدته على المسلمين، ثم رزقه اللَّه الإسلام.
قال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشر امرأة [ (1) ] .
وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه
فإنّهم كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار ليرجعوا إلى دينهم، وفيهم نزلت: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
[ (1) ] ذكر البزار في إسلام عمر أنه قال: فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فجعلت أفكر: من أي شيء اشتق؟ ثم قرأت فيها سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وجعلت أفكر وأفكر حتى بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله وذلك إن كانت وردت رواية أن ما في الصحيفة من سورة الحديد. (سيرة ابن هشام) :
2/ 190.
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ [حِسابِكَ] عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (1) ] وهم: عمار بن ياسر [ (2) ] بن عامر بن مالك [بن كنانة بن قيس بن الحصين بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن مالك بن عبس بن زيد] أحد بنى عبس، أخى مر بن مالك بن أدد بن زيد أبو اليقظان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأبوه ياسر، وأمه سمية، [بنت سليم من لخم] ، وأخوه عبد اللَّه ابن ياسر.
قال الواقدي: عن عبد اللَّه بن أبى عبيدة، عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن سنان، على باب الأرقم بن أبى الأرقم، والنبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال: ما تريد أنت؟ قلت: أريد [أن] أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا ذاك، حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلام عمار وصهيب بعد إسلام بضع وثلاثين رجلا.
حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن أبى شيبة أبو بكر، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبيّ، عن منصور عن مجاهد، فقال: أول من أظهر الإسلام سبعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسمية أم عمار.
قال: فأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه، وأما أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فمنعه قومه، وأما الآخرون فلبسوا الدروع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم كل ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه ثم حملوا بجوانبه إلا بلال، فجعلوا في عنقه، ثم أمروا صبيانهم يشتدون به بين أخشبى مكة وجعل يقول: أحد أحد، وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها، فكانت أول شهيدة في في الإسلام لأنها أغلظت له في القول فأغضبته، وقيل: أو قتيل الحارث بن أبى هالة ابن خديجة.
[ (1) ] الأنعام: 52.
[ (2) ] زيادة للنسب.
قال الواقدي: عن عثمان بن محمد، عن الحارث بن الفضل، عن محمد بن كعب القرظي قال: أخبرنى من رأى عمار بن ياسر متجردا في سراويل، قال ونظرت إلى ظهره، فإذا فيه خط، قلت: ما هذا قال: هذا مما كانت قريش تعذبني به في رمضاء مكة.
وحدثني عثمان بن محمد في إسناده قال: كان عمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وبلال، وعمار، وابن فهيرة، وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. [ (1) ]
ويقال نزلت في أبى سلمة بن عبد الأسد وبلال [أول] من أذن في الإسلام، وعثمان بن مظعون وكانا أول من قدم المدينة.
قال: وحدثنا محمد بن حاتم المروزي، حدثنا هيثم عن حصين، عن أبى مالك في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (2) ] قال هو عمار.
وحدثنا أبو صالح الفراء الأنطاكي، حدثنا أبو إسحاق الفرازي، عن عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر عن عبد الكريم، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: لما أخذ المشركون عمارا فعذبوه، لم يتركوه حتى سب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما وراءك يا عمار؟ [قال] : شر واللَّه، ما تركني المشركون حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال وكيف تجدك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد، ونزلت فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ.
وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبى صالح عن أم هانئ أن عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وأخاه عبد اللَّه بن ياسر، وسمية أم عمار كانوا يعذبون في اللَّه، فمر بهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أصبروا آل ياسر،
[ (1) ] النحل: 41- 42.
[ (2) ] النحل: 106.
فإن موعدكم الجنة، فمات ياسر في العذاب، وأغلظت سمية لأبى جهل، فطعنها في قبلها فماتت، وزمن عبد اللَّه فسقط.
وخباب بن الأرت [ (1) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم [حليف بنى زهرة ويقال: إنه من البحرين فأنبط، وأنه أسود ويقال هو خباب بن الأرت بن حدار بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد] ، وقع عليه رسا فصار إلى أم أنمار فأعتقته، وكان به رنة إذا تكلم فسمى الأرت، وكان قينا بمكة، فأسلم سادس ستة من بنى مظعون، وأبى سلمة، وجماعة قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، فعذب في اللَّه، وجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف، حتى ذهب ماء متنه.
وقال مجاهد عن الشعبي، دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأجلسه على متكأة، وقال:[ما على الأرض] أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا رجل واحد، فقال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، قال: ما هو بحق منى، إن بلالا كان له من المشركين من يمنعه اللَّه به، ولم يكن لي أحد، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهرى، ثم كشف خباب عن ظهره، فإذا هو قد برص.
وقال هشام بن الكلبي، عن أبى صالح: كان خبابا قينا، وكان قد أسلم، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يألفه ويأتيه، فأخبرت بذلك مولاته، فكانت تأخذ الحديدة قد أحمتها، فتضعها على رأسه، فشكى ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:
اللَّهمّ انصر خبابا،
فشتت مولاته- وهي أم أنمار- فكانت تعوى مع الكلاب، فقيل لها: اكتوى، فكان خباب يأخذ الحديدة وقد أحماها، فيكوى بها رأسها.
[ (1) ] هو خباب بن الأرت من بنى سعد بن زيد مناة حليف لبني زهرة كنيته: أبو يحيى وقد قيل: أبو عبد اللَّه مولى ثابت بن الأرت بن أم أنمار الخزاعية مات بالكوفة منصرف على من صفين سنة سبع وثلاثين وهو ابن خمسين سنة، وصلّى عليه على بن أبى طالب، وقيل: إنه مات سنة تسع عشرة بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب، والأول أصح.
(تاريخ الصحابة) : 88 ترجمة (363)، (الثقات) : 3/ 106، (الإصابة) : 1/ 416.
وذكر الواقدي أن الّذي كان يعذب خبابا حين أسلم، عتبة بن أبى وقاص، ويقال: الأسود بن عبد يغوث، قال: وهو الثبت، [توفى بالكوفة سنة سبع وثلاثين، منصرف على من صفين إلى الكوفة، وهو أول من توفى] من الصحابة.
وصهيب بن سنان بن مالك [ (1) ] بن عمرو بن نفيل بن عقيل بن عامر بن جندلة بن خزيمة بن كعب بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط، [ويقال:
إن [أمه امرأة] من تميم، يقال لها: سلمى بنت الحارث] ، أسلم مع عمار في دار الأرقم.
قال: يزيد بن رومان، عن عروة: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين يهزءون، فقال صهيب: نحن جلساء نبي اللَّه، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه، ولا خسيسة مع الإسلام، ولا عز مع الشرك، فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ اللَّه عليهم من بيننا [توفى سنة ثمان وثلاثين] .
وبلال بن رباح [ (2) ][مولى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان أسود مولدا من مواليد بنى جمح] كان أبوه رباح حبشيا [سبيا] وكان ابنه
[ (1) ] هو صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن مناة بن النمر بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن عدنان، كنيته أبو يحيى، مولى عبد اللَّه بن جدعان التميمي، وقد قيل حليف ابن جدعان من سبى الموصل أصله من الجزيرة، أمه سلمى بنت قعيد. مات في شوال ستة ثمان وثلاثين في خلافة على بن أبى طالب، عليه السلام ودفن بالبقيع وكان له يوم مات سبعون سنة.
ومن أولاده عمرة وعمارة. (تاريخ الصحابة) : 136، 137، ترجمة رقم (671)، (الإصابة) :
2/ 195.
[ (2) ] هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أعتقه أبو بكر وكان تربه، وكان له ولاؤه، كنيته أبو عمرو. ويقال أبو عبد اللَّه. وقد قيل أبو عبد الكريم.
أمه حمامة. قيل لأبى بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت أعتقتني للَّه فدعني أذهب حيث شئت، وإن كنت أعتقتنى لنفسك فأمسكنى، قال أبو بكر: اذهب حيث شئت، فذهب إلى الشام فسكنها مؤثرا الجهاد على الأذان، إلى أن مات سنة عشرين، ويقال: إن قبره بدمشق، وسمعت أهل فلسطين يقولون: إن قبره بعمواس، وقد قيل: قبره بداريا، وامرأة بلال هند الخولانية. وكان-
بلال من مولدي السراة، وكانت أمه حمامة سبية، تلقب بسكينة، وأسلم قديما في أول ما دعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنه كان الثالث في الإسلام، وكان لأمية ابن خلف، وكان أمية بن خلف يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ويقول:
واللَّه لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول: أحد أحد، ويضع أمية بن خلف في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو يعذبه، فقال له: يا أمية! أما تتقى اللَّه في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته، فأنقذه.
وكان بلالا تربا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأحد من دعاه أبو بكر إلى الإسلام، فقال أبو بكر: عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك إياه ثمنا لبلال، قال: قد قبلت، فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه.
وقال معمر عن قتادة: إن عمرو بن العاص قال: مررت ببلال وهو يعذب، ولو أنه بضعة لحم وضعت لنضجت، وهو [يقول] : أنا كافر باللات والعزى، وأمية يغاظ عليه، فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيدعث حلقه، فيغشى عليه، ثم يفيق.
وذكر الواقدي أن حسان بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
حججت، أو قال: اعتمرت، فرأيت بلالا في حبل طويل، يمده الصبيان، معه عامر بن فهيرة وهو يقول: أحد أحد، أنا كافر باللات، والعزى، وهبل، وإساف، ونائلة، فأضجعه أمية في الرمضاء. وقتل بلال أمية بن خلف يوم بدر، فقال أبو بكر:
هنيئا زادك الرحمن عزا
…
لقد أدركت ثأرك يا بلال
[توفى سنة عشرين، وقيل غير ذلك، وكانت وفاته بدمشق] .
[ () ] لبلال يوم مات بضع وستون سنة، (طبقات ابن سعد) : 3/ 232، 7/ 385، (حلية الأولياء) :
1/ 147، (تاريخ الصحابة) : 42، 43 ترجمة (106)، (الإصابة) : 1/ 165.
وعامر بن فهيرة، [يقال: إنه من عنز بن وائل، وأنه عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد اللَّه بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي وقيل في نسبه غير ذلك [ (1) ] .
أسلم عامر قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان من المستضعفين، فكان يعذب ليرجع عن دينه، حتى اشتراه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأعتقه، وكان حسن الإسلام، وكان يرعى الغنم، واستشهد ببئر معونة.
قال ابن إسحاق: عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عامر بن الطفيل قال يومئذ: من رجل لما طعنته رفع حتى رأيت السماء دونه، رواه البكاري عن ابن إسحاق،
وفي رواية يونس بن بكير عنه بهذا الإسناد، أن عامر بن الطفيل قدم المدينة بعد ذلك، وقال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: من رجل يا محمد لما طعنته رفع إلى السماء؟ فقال: هو عامر بن فهيرة.
وروى عبد الرزاق وابن المبارك، أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ ففقد، فيرون الملائكة قد رفعته أو دفنته.
[ (1) ] وعنز بسكون النون أخو بكر بن وائل حليف بنى عدىّ، ثم الخطاب والد عمر، منهم من ينسبه إلى مذحج.
وكان أحد السابقين الأولين، وهاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته ليلى بنت أبى خيثمة، ثم هاجر إلى المدينة أيضا، وشهد بدرا وما بعدها، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبيه عبد اللَّه، ومن طريق عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، وأبى أسامة بن سهل، وغيرهم.
وذلك في الصحيحين وغيرهما، وكان صاحب عمر لما قدم الجابية، واستخلفه عثمان على المدينة لما حج.
وقال ابن سعد: كان الخطاب قد تبنى عامرا، فكان يقال: عامر بن الخطاب حتى نزلت:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ، [الأحزاب: 5] .
وقال يحي بن سعد الأنصاري، عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة: قام عمر بن ربيعة يصلى من الليل، وذلك حين نشب الناس في الطعن على عثمان، فنام فأتاه آت فقال له: قم فاسأل اللَّه أن يعيذك من الفتنة. فقام فصلى ثم اشتكى فما خرج بعد إلا بجنازته. أخرجه في الموطأ.
قال مصعب الزبيري: مات سنة اثنين وثلاثين، كذا قال أبو عبيدة، ثم ذكره في سنة سبع وثلاثين، وقال: أظن هذا أثبت. وقال الواقدي: كان مؤتة بعد قتل عثمان بأيام. وقيل: في وفاته غير ذلك. (الإصابة) : 3/ 579- 580، ترجمة رقم (4384) .
وأبو فكيهة أفلح، وقيل: يسار كان عبدا لصفوان بن أمية الجمحيّ، فأسلم حين أسلم بلال [ (1) ] ، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا، وأمر به فجر، ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل، فقال له أمية: أليس هذا ربك؟ قال: اللَّه ربى خالقي، وخالقك، وخالق هذا الجعل، فغلظ عليه وجعل يخنقه، ومعه أخوه أبى ابن خلف يقول: زده عذابا، حتى يأتيه محمد فيخلصه بسحره، ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات، ثم أفاق فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فاشتراه فأعتقه.
وقال ابن عبد البر: كانوا يعذبونه، وإنه إنما كان لهم، فأخرجوه يوما مقيدا، نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى [دلع] لسانه، وقيل: قد مات، ثم أفاق، وقتل يوم بدر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وجارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه بن قرظ بن رازح ابن عدىّ، ويقال لها لبيبة، أسلمت [ (2) ] قبل إسلام عمر بن الخطاب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان عمر يعذبها حتى تفتر، فيدعها ثم يقول: أما أنى أعتذر إليك، ما أدعوك الا مسلمة، فتقول: كذلك يعذبك اللَّه إن لم تسلم.
وذكر الواقدي: أن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون، فوقعت على عمر وهو مؤتزر، يخنق جارية بنى عمرو بن المؤمل حتى تسترخي في يده، فأقول: قد ماتت ثم
[ (1) ] أبو فكيهة أفلح أو يسار، هو أبو فكيهة الجهمى، مولى صفوان بن أمية، وقيل مولى ابن عبد الدار أسلم قديما فربط أمية بن خلف في رجله حبلا فجره حتى ألقاه في الرمضاء وجعل يخنقه، فجاء أخوه أبىّ بن خلف فقال: زده، فلم يزل على ذلك حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر الصديق فاشتراه فأعتقه، واسمه يسار، وقد تقدم في التحتانية، وقيل اسمه أفلح بن يسار، وقال عمر بن شبة كان ينسب للأشعريين (الإصابة) : 232- 323، ترجمة (10391) .
[ (2) ] هي زنيرة الروميّة، كانت من السابقات في الإسلام فعذبها المشركون على إسلامها فاحتملت عذابهم بصبر ورباطة جأش ولم تصبأ عن دينها ثم اشتراها أبو بكر الصديق فأعتقها.
(أعلام النساء) : 2/ 39.
يخلى عنها، ثم يثب على زنيرة، فيفعل بها مثل ذلك، [قال: وكان أبو جهل يقول:] لا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا، فلو كان أمر محمد خيرا وحقا، ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد وهي كما ترون؟ وكانت زنيرة قد عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى، بك ما ترين، فقالت هي، ولا تبصره: وما يدرى اللات والعزى من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربى قادر على أن يرد على بصرى، فأصبحت من تلك الليلة، وقد ردّ اللَّه عليها بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد، فاشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جارية بنى المؤمل، وزنيرة وأعتقهما، ويقال: أن زنيرة لبني مخزوم، وكان أبو جهل يعذبها.
وكانت النهدية مولدة لبني نهد بن زيد فصارت لامرأة من بنى عبد الدار وأسلمت، فكانت تعذبها وتقول: واللَّه لا أقلعت عنك أو يعتقك بعض صباتك، فأتاها أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها، وكان معها طحين، ويقال: نوى لمولاتها يوم أعتقها، فردته عليها.
وكانت أم عبيس [ (1) ] بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمة لبني زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، فابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها.
[ (1) ] أم عبيس: هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به.
وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه- أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أعتق ممن يعذب في اللَّه سبعة، وهم:
بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وجارية ابنة المؤمل، والنهدية، وابنتها، وأم عبيس.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن إبراهيم بن يوسف بن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد، عن أنس: قال: قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم عبيس.
وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة لبني تيم ابن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها، فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز.
قال الواقدي عن ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبى غطفان، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] أنه قال له: هل كان المشركون يبلغون من المسلمين من العذاب ما يعذرون به من ترك دينهم؟
قال: نعم، إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه ويعطشونه، ويضربونه حتى ما يقدر أن يقعد، فيعطهم ما سألوه من الفتنة، ويقولون له: اللات والعزى إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر، فيقولون:
إن هذا الجعل إلا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، افتداء منهم بما يبذلون من جهده، فإذا أفاق رجع إلى التوحيد.
وقال الكلبي: عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع منهم، فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منهم من غير اعتقاد منه للكفر، وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا، منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص السهمي.
قالوا: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة، وأشباههم من المسلمين، فيقول بعض قريش لبعض [ما هو] ولا جلساؤه كما ترون قد من اللَّه عليهم من بيننا، فأنزل اللَّه [عز وجل] : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (1) ] ونزل فيهم: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (2) ] ونزل فيهم:
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ (3) ] ونزل
[ (1) ] الأنعام: 53.
[ (2) ] الأنعام: 52.
[ (3) ] النحل: 42.