الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأبطح حين خرج من منى، ولكنى جئت فضربت فيه قبته، فجاء فنزل.
قال أبو بكر في رواية صالح: قال: سمعت سليمان بن يسار. وفي رواية قتيبة قال: عن أبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم [في حجة الوداع واللَّه أعلم] .
فصل في ذكر من حدا [ (1) ] برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أسفاره
اعلم أنه حدا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى خيبر: عامر بن الأكوع وهو عامر بن سنان بن عبد اللَّه بن قشير الأسلمي، المعروف بابن الأكوع، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان، ويقال أخوه. أحد من بايع تحت الشجرة [ (2) ] .
[ () ] ابن إسحاق، أنه كان على ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتعقبه أبو الفتح بأن الّذي كان على الثقل عبد بن كعب بن عمرو بن عوف. وترجم لعبد اللَّه بن كعب الأنصاريّ فذكر أنه كان على ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. (التراتيب الإدارية) 1/ 351- 352، باب في ذكر صاحب الثقل متاع المسافر وحشمه.
[ (1) ] حدا الإبل، وحدا بها، يحدو حدوا وحداء، ممدود: زجرها خلفها وساقها. قال الجوهري:
الحدو سوق الإبل والغناء لها. (لسان العرب) : 14/ 168.
[ (2) ] ثبت ذكره في الصحيح من حديث سلمة في قصة خيبر، قال: فقاتل أخى عامر قتالا شديدا فارتد عليه سيفه فقتله، فقالوا: حبط عمله،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذب من قال، إنه لجاهد ومجاهد قلّ عربىّ نشأ بها مثله.
قال ابن عبد البر: قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم، حدثنا محمد بن وضاح، حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة. حدثنا هاشم بن القاسم. حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع، قال أخبرنى أبى قال: لما خرج عمى عامر بن سنان إلى خيبر مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل يرتجز بأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يسوق الركاب، وهو يقول:
باللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا-
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا، وقال البخاري: فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر: يا ابن الأكوع، يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
…
وثبت الأقدام ان لاقينا
وألقين سكينة علينا
…
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال يرحمه اللَّه، قال رجل من القوم: وجببت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به، قال:
فأتينا خيبر فحاصرناهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. ثم قال: إن اللَّه عز وجل فتحها عليكم، قال: فلما أمسى الناس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم
[ () ]
إن الذين قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
…
فثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قالوا: عامر يا رسول اللَّه. قال: غفر لك ربك. وقال:
وما استغفر لإنسان قط يخصه بالاستغفار إلا استشهد. قال: فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: يا رسول اللَّه، لو متعتنا بعامر، فاستشهد يوم خيبر.
(الإصابة) : 3/ 582- 583، ترجمة رقم (4396)، (الاستيعاب) : 2/ 785- 787، ترجمة رقم (1317) .
[ (1) ](فتح الباري) 7/ 589، كتاب (المغازي) ، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4196) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 12/ 408- 412، كتاب الجهاد والسير، باب 43 غزوة خيبر، من طرق وبسياقات مختلفة، بنحو حديث البخاري، حديث رقم (123) .
أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما هذه النيران؟ على أي شيء يوقدون؟ فقالوا: على لحم، قال: أي لحم؟ وقال البخاري: على أي لحم قالوا: لحم حمر الإنسية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أهريقوها، واكسروها، فقال رجل من القوم أو يهريقوها ويغسلوها؟ وقال البخاري: فقال رجل يا رسول اللَّه أو نهريقها ونغسلها؟ قال: أو ذاك، فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه.
قال: فلما قفلوا، قال سلمة وهو آخذ بيدي: قال فلما رآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ساكتا قال: مالك؟ قلت له: فداك أبى وأمه، زعموا أن عامرا حبط عمله، قال: من قاله؟ قلت: فلان وفلان، وأسيد بن حضير الأنصاريّ، فقال: كذب من قاله. إن له لأجرين، وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله. وخالف قتيبة محمدا في الحديث في حرفين. وفي رواية ابن عباد: وألق سكينة علينا.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وذكر الحديث.
ذكره في الأدب، في باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، وفيه: فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شاحبا، فقال لي: ما لك؟
فقلت: فدى لك أبي وأمي
…
الحديث [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 10/ 658- 659، كتاب الأدب باب (90) ما يجوز من الشعر، والرجز، والحداء، وما يكره منه، وقوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 224- 227]، قال ابن عباس: في كل لغو يخوضون، حديث رقم (6148) . قال الحافظ: وأما الرجز فهو بفتح الراء والجيم بعدها زاي، وهو نوع من الشعر عند الأكثر، وقيل: ليس بشعر لأنه يقال راجز، لا شاعر وسمى رجزا لتقارب أجزائه واضطراب اللسان به، ويقال: رجز
وذكره في غزوة خيبر بهذا الإسناد إلى آخره، وقال فيه: فسرنا ليلا، وفيه: قال: على أي لحم؟ وقال: فاغفر، فداء لك ما اتقينا [ (1) ] .
[ () ] البعير إذا تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه، وأما الحداء فهو بضم الحاء وتخفيف الدال المهملتين يمد ويقصر: سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء، والحداء في الغالب إنما يكون بالرجز وقد يكون بغيره من الشعر وبذلك عطفه على الشعر والرجز، وقد جرت عادة الإبل أنها تسرع السير إذا حدى بها.
وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلا، وأورده موصولا عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض: إن أول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر، فضربه على يده فأوجعه فقال: يا يداه يا يداه، وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل لما سمعته في السير، فكان ذلك مبدأ الحداء.
ونقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفي كلام بعض الحنابلة إشعار بنقل خلاف فيه، ومانعه محجوج بالأحاديث الصحيحة، ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال، ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد.
وأخرجه البخاري (الأدب المفرد) أيضا من حديث عبد اللَّه بن عمر مرفوعا بلفظ:
الشعر بمنزلة الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. وسنده ضعيف. وأخرجه الطبراني في (الأوسط)، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. وقد اشتهر هذا الكلام عن الشافعيّ. واقتصر ابن بطال على نسبته إليه فقصر.
وعاب القرطبي المفسر على جماعة من الشافعية والاقتصار على نسبة ذلك للشافعي، وقد شاركهم في ذلك ابن بطال وهو مالكي، وأخرج الطبري من طريق ابن جريج قال: سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء فقال: لا بأس به ما لم يكن فحشا. (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 588- 589، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4195)، قوله:«إنه لجاهد مجاهد» كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا: جاد مجد. وقال ابن التين:
الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء اللَّه تعالى. -
وذكره في كتاب الدعاء من حديث مسدد، حدثنا يحيى عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة، حدثنا سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، قال رجل من القوم: أيا عامر لو أسمعتنا من هنيهاتك، فنزل يحدو بهم يذكر «تاللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا» وذكر شعرا غير هذا، ولكنى لم أحفظه.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: يرحمه اللَّه. فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه، لولا متعتنا به. فلما صافّ القوم قاتلوهم، فأصيب عامر بقائمة سيف نفسه، فمات. فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هذه النار، على أي شيء توقدون؟ قالوا:
على حمر إنسية. فقال: أهريقوا ما فيها وكسروها. قال رجل: يا رسول اللَّه، ألا نهريق ما فيها ونغسلها؟ قال: أو ذاك [ (1) ] .
وخرّج مسلم [ (2) ] بعد حديث حاتم بن إسماعيل [ (3) ] من حديث ابن وهب قال أخبرني يونس بن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب، فقال: ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك وشكّوا فيه: رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره، قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه ائذن أن أرجز لك، فأذن له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أعلم ما تقول،
قال: فقلت:
[ (-) ] قوله: «قلّ عربي مشى بها مثله» كذا في هذه الرواية بالميم، والقصر من المشي، والضمير للأرض، أو المدينة، أو للحرب، أو للخصلة. (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ]
(فتح الباري) : 11/ 163، كتاب الدعوات باب (19) قول اللَّه تبارك وتعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، ومن خص أخاه بدعاء دون نفسه، وقال أبو موسى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اغفر لعبيد أبى عامر، اللَّهمّ اغفر لعبد اللَّه بن قيس ذنبه، حديث رقم (6331) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 12/ 411- 412، كتاب الجهاد والسير، باب (43) غزوة خيبر، حديث رقم (124) .
[ (3) ] حديث حاتم بن إسماعيل هو الحديث رقم (123) .
واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صدقت:
وأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا
قال فلما قضيت وجزى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ قلت له:
أخي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يرحمه اللَّه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
مات جاهدا مجاهدا، قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا يهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين، وأشار بإصبعيه.
قال الواقدي [ (1) ] : فلما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى خيبر، قال لعامر بن سنان انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك، فاقتحم عامر عن راحلته ثم ارتجز برسول اللَّه وهو يقول:
واللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فألقين سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
…
وبالصياح عولوا علينا
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يرحمك اللَّه،
فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت واللَّه يا رسول اللَّه فقال رجل من القوم لولا متعتنا به يا رسول اللَّه! فاستشهد عامر يوم خيبر.
وخرج النسائي [ (2) ] من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن وعبد اللَّه ابنا كعب بن مالك، أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 638- 639.
[ (2) ](سنن النسائي) 6/ 338- 339، كتاب الجهاد، باب (29) من قاتل في سبيل اللَّه فارتد عليه سيفه فقتله.
يوم خيبر قاتل أخى قتال شديدا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه،
قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه أتأذن لي أن أرتجز بك؟
فأذن له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم ما تقول قلت:
واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صدقت فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فلما قضيت رجزى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ قلت: أخى، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يرحمه اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه، واللَّه إن ناسا لا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مات جاهدا مجاهدا.
قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
كذبوا مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه.
وذكر الواقدي [ (1) ] في مسير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر: أنه قال لعبد اللَّه بن رواحة: ألا تحرك بنا الركب، فنزل عبد اللَّه عن راحلته فقال:
واللَّه لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ ارحمه،
فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت يا رسول اللَّه، قال الواقدي: قتل يوم مؤتة شهيدا.
وخرّج الترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا جعفر ابن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن النبي
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 639.
[ (2) ](سنن الترمذي) : 5/ 127- 128، كتاب الأدب، باب (70) ، ما جاء في إنشاد الشعر، حديث رقم (2847) .
[ (3) ](سنن النسائي) : 5/ 222،
صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد اللَّه بن رواحة بين يديه يمشى وهو يقول: -
خلوا بنى الكفار عن سبيله
…
اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفي حرم اللَّه تقول الشعر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر، فلهى أسرع فيهم من نضح النبل.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضا عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا، وروى في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد اللَّه بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك.
قلت: من قال: أن عمرة القضاء كانت بعد مؤتة، لأنه لم يكن بعد مؤتة الأصح مكة وكانت عمرة الحديبيّة وهي التي صدّ المشركون فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البيت في ذي القعدة سنة ست وفيها صالح المشركين على أن يرجع إلى المدينة ثم يعتمر من قابل، وكان فتح مكة في رمضان في عمرة القضاء.
[ () ] كتاب المناسك، باب (109) إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الإمام، حديث رقم (2873) ، وأخرجه النسائي أيضا في باب (121) استقبال الحج، حديث رقم (2893)، وقوله:«فقال له عمر إلخ» كأنه رأى أن الشعر مكروه فلا ينبغي أن يكون بين يديه صلى الله عليه وسلم وفي حرمه تعالى ولم يلتفت إلى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن يكون قلبه مشتغلا بما منعه عن الالتفات إلى الشعر.
قوله: «أسرع فيهم» أي في التأثير في قلوبهم من نضح النبل، بنون وضاد معجمة، وحاء مهملة، من الرمي بالسهم، أي فيجوز للمصلحة واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي على سنن النسائي) .
وقال موسى بن عقبة في عمرة القضاء: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يكشفوا عن المناكب وأن يسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [يطوف بالبيت بين أصحابه] أهل مكة والرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون.
وكان يحدو بالإبل غلام حسن الحداء يقال له أنجشة، فكانت الإبل تزيد في الحركة لحدائه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير،
يعني النساء [ (1) ] .
وإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظلله في الحر أبو بكر وأسامة ظلله من الحر أبو بكر الصديق وأسامة بن زيد وبلال المؤذن [ (2) ] .
فخرج البخاري [ (3) ] من حديث ابن شهاب قال: فأخبرني عروة بن الزبير، فذكر حديث الهجرة وقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف، وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه للناس وجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار- ممن لم ير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر، حتى
[ (1) ] كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أسرعت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك [أي على مهل] بالقوارير [أو انى الزجاج] الواحدة قارورة شبه النساء لضعف قلوبهن بقوارير الزجاج. (التراتيب الإدارية) : 1/ 342- 343، باب في الحادي.
[ (2) ] ذكر ابن إسحاق في خبر هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ووصوله إلى المدينة وخروج الناس إليه سرعانا:
فلما زال الظل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو بكر فأظله بردائه، وفي صحيح مسلم عن أم الحصين بنت إسحاق الأخمصية أو الأخمسية قالت: حجبت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 303- 304، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) ، هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3906) .
أصابت الشمس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الّذي أسس على التقوى، وصلّى فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم ركب راحلته، فسار يمشى معه الناس، حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مريدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللَّه المنزل.
ثم عاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهيه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللبن: -
هذا الحمال لا حمال خيبر
…
هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:
اللَّهمّ إن الأجر أجر الآخرة
…
فارحم الأنصار والمهاجرة
فتمثل بعشر رجل من المسلمين لم يسم لي.
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا- في الأحاديث- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات.
ذكره في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده [ (1) ] .
وخرج مسلم [ (2) ] من حديث معقل عن زيد بن أبي أنيسه عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال: سمعتها تقول: حججت مع الرسول صلى الله عليه وسلم
[ (1) ](فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده، حديث رقم (2297) .
[ (2) ]
(صحيح مسلم) : 9/ 51- كتاب الحج باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر راكبا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم: لتأخذوا منا مناسككم، حديث رقم (311) ،
وفيه جواز تسميتها حجة الوداع، وفيه الرمي راكبا كم سبق وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره.
حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الشمس، قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا، ثم سمعته يقول: إن أمّر عليكم عبد مجدع، حسبتها قالت: أسود يقودكم بكتاب اللَّه، فاسمعوا له وأطيعوا.
وفي لفظ [ (1) ] : حججت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة.
خرج عمر بن شبة من حديث يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد أبو مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة بنحو حديث علي بن زيد، عن القاسم بن أبي أمامة عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم سائرا إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال في يده عود عليه ثوب يظل به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الشمس.
وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبى العاتكة، عن على بن زيد عن القاسم، عن أبى أمامة عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه بلال فذكره.
[ () ] وقال مالك وأحمد لا يجوز وإن فعل لزمته الفدية وعن أحمد رواية أنه لا فدية وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيرا في المحمل لا فدية وكذا لو استظل بيده.
وعن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال: اضح لمن أحرمت له.
ورواه البيهقي بإسناد صحيح، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعفه واحتج الجمهور بحديث أم الحصين،
وهذا المذكور في مسلم ولأنه لا يسمى لبسا وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا مع أنه ليس فيه نهى وكذا فعل عمر وقول ابن عمر ليس فيه نهى ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (312) .
[ (2) ](مسند أحمد) : 6/ 359، حديث رقم (21802) ، من حديث أبى أمامة الباهلي.
قال الواقدي: وقدّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما من الأثيل، فجاءوا يوم الأحد شد الضحى، وفارق عبد اللَّه بن زيد بالعقيق منصرفة من غزوة بدر، فجعل عبد اللَّه ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقتل المشركين وأسرهم! قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة ابن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمر ذو الأنياب في أسرى كثيرة، ونزل آيات في ذلك، قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت:
أحق ما تقول يا ابن رواحة؟ قال: إي واللَّه، وغدا يقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن شاء اللَّه ومعه الأسرى مقرنين، ثم اتبع دور الأنصار بالعالية، فبشرهم دارا دارا، والصبيان يشتدون معه ويقولون: قتل أبو جهل الفاسق! حتى انتهوا إلى بنى أمية بن زيد [ (1) ][وعبد اللَّه بن رواحة يرجز بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متوشحا السيف وهو يقول:][ (2) ]
[خلوا بني الكفار عن سبيله
…
أنى شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله
…
نحن قتلناكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله
…
ضربا يزيل الهام عن مقيله [ (2) ]]
ويذهل الخليل عن خليله
ولأبي داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أنجشة يحدو بالنساء،
[ (1) ](مغازي الواقدي) 1/ 114، من أحداث غزوة بدر الكبرى.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين مكانه في المغازي 2/ 736، من أحداث غزوة القضية، وعلى ذلك التلفيق واضح في سياق هذه الفقرة.
وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل [ (1) ]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.
وخرجه البخاري [ (2) ] من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، وأيوب عن قلابة، عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] العنق، من السير: المنبسط، والعنيق، كذلك وسير عق وعنيق: معروف، وقد اعنقت الدابة، فهي معنق، ومعناق وعنيق.
وفي حديث معاذ وأبى موسى: أنهما كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم، في سفر ومعه أصحابه فأناخوا ليلة وتوسد كل رجل منهم بذراع راحلته، قالا: فانتبهنا ولم نر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، عند راحلته فاتبعناه، فأخبرنا، عليه السلام، أنه خير بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة، وأنه اختار الشفاعة، فانطلقنا معانيق إلى الناس نبشرهم، قال شمر: قوله معانيق أي مسرعين، يقال: أعنقت إليه أعنق إعناقا.
وفي حديث أصحاب الغار: فانفرجت الصخرة فانطلقوا معانقين أي مسرعين، من عانق مثل أعنق إذا سارع وأسرع، ويروى: فانطلقوا معانيق، ورجل معنق وقوم معنقون ومعانيق، قال: والعنق ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير منبسط. مختصرا من (لسان العرب) :
10/ 273- 274.
[ (2) ](فتح الباري) : 10/ 675، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول الرجل «ويلك» حديث رقم (6161) ، وأخرجه والحديثين بعده في كتاب الأدب باب (90) ، ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه حديث رقم (6149)، وقال في آخره: قال أبو قلابة: فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه، وأخرجه في باب (111) ، من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، حديث رقم (620)، وفيه:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أنجش» ،
وفي باب (116) ، المعاريض مندوحة عن الكذب، وقال إسحاق: سمعت أنس: مات ابن لأبى طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح. وظن أنها صادقة، حديث رقم (6209)، وفيه:
«أرفق يا أنجشة- ويحك- بالقوارير» ،
وحديث رقم (6210)، وفيه:«قال أبو قلابة: القوارير يعنى النساء» ، وحديث رقم (6211)، وفيه:
_________
[ () ] وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (18) ، رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن،
حديث رقم (70)، وفيه:«يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير»
وحديث رقم (71)، وفيه:«ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير»
وحديث رقم (72)، وفيه:«أي أنجشة رويدا سوقك بالقوارير» ،
وحديث رقم (73)، وفيه: «رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير
يعنى ضعفة النساء» .
قوله صلى الله عليه وسلم (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير)
وفي رواية ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير،
وفي رواية: يا أنجشة لا تكسر القوارير
يعنى ضعفة النساء، أما أنجشة فهمزة مفتوحة وإسكان النون وبالجيم وبشين معجمة، وأما رويدك فمنصوب على الصفة بمصدر محذوف أي سق سوقا رويدا، ومعناه الأمر بالرفق بهن وسوقك منصوب بإسقاط الجار، أي أرفق في سوقك بالقوارير، قال العلماء: سمى النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها، وإسراع الانكسار إليها واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين: ذكرهما القاضي وغيره، أصحهما عند القاضي وآخرين وهو الّذي جزم به الهروي وصاحب (التحرير) وآخرون: أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز، وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة: الغناء رقية الزنا، قال القاضي: هذا أشبه بمقصوده صلى الله عليه وسلم وبمقتضى اللفظ، قال: وهو الّذي يدل عليه كلام أبى قلابة المذكور في هذا الحديث في مسلم والقول الثاني: أن المراد به الرّفق في السير، لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي، واستلذته فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن، وسقوطهن.
وأما «ويحك» فهكذا وقع في مسلم ووقع في غيره «ويلك» قال القاضي: قال سيبويه:
«ويل» كلمة تقال لمن وقع في هلكة، «وويح: تقال لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء:«ويل وويح وويس» بمعنى، وقيل:«ويح» كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها- يعنى في عرفنا- فيرثى له، ويترحم عليه، و «ويل» ضده، قال القاضي: قال بعض أهل اللغة: لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء وإنما يراد بها المدح، والتعجب. -
في سفر، وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير.
وروى عن حماد بن زيد قال أنبأنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال كان عبد أسود يقال له أنجشة فبينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفر وكان أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أنشجة رويدك سوقك بالقوارير
وكان يسوق بالنساء وكانت فيهن أم سليم.
قال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير،
يعنى النساء.
حديثه عند أنس بن مالك، أخبرنا أحمد بن عبد اللَّه، حدثنا سلمة بن قاسم، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان إذا حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.
[ () ] وفي هذه الأحاديث جواز الحداء، وهو بضم الحاء، ممدود، وجواز السفر بالنساء، واستعمال المجاز، وفيه مساعدة النساء من الرجال، ومن سماع كلامهم إلا الوعظ، ونحوه.
(شرح النووي) : 15/ 86- 88.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 35، حديث رقم (12532) ، 4/ 102، حديث رقم (12964) ، كلاهما من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وأخرجه الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) : 10/ 227، كتاب الشهادات باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل، وفيه:
«رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير» .
[ (1) ](الاستيعاب) : 1/ 140، ترجمة أنجشة رقم (151) .
وروى حماد بن زيد، قال حدثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس، قال: كان عبد أسود يقال له أنجشة، فبينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان أنجشة يحدو بهم، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير،
وكان يسوق بالنساء. قال: وكانت فيهن أم سليم [ (1) ] .
[ (1) ] هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اختلف في اسمها، فقيل: سهلة. وقيل: رميلة. وقيل: رميثة، وقيل: ملكية، ويقال: الغمصياء، أو الرميصاء، كانت تحت مالك بن النضر، أبى أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء اللَّه بالإسلام، أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها، وخرج إلى الشام، فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاريّ، خطبها مشركا، فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها وحسن إسلامه، فولد له منها غلام كان قد أعجب به فمات صغيرا، فأسف عليه، ويقال: إنه أبو عمير صاحب النغير.
ثم ولدت له عبد اللَّه بن أبى طلحة فبورك فيه، وهو ولد إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة الفقيه وإخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، وروت أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.
وكانت من عقلاء النساء، روى عنها ابنها أنس بن مالك، وروى سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس، قال: أتيت أبا طلحة وهو يضرب أمى. فقلت: تضرب هذه العجوز
…
في حديث ذكره، وروى عن أم سليم أنها قالت: لقد دعا لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى ما أريد زيادة.