الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه
اعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل على مغانم حروبه غير واحد من أصحابه فجعل على المغانم يوم بدر في قول ابن إسحاق: عبد اللَّه بن كعب بن عمرو ابن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن النجار أبا الحارث. وقيل:
أبا يحيى الأنصاري المازني، وقال أبو عمر بن عبد البر: شهد بدرا وكان على غنائم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وشهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وكان على خمس النبي صلى الله عليه وسلم في غيرها. كانت وفاته بالمدينة سنة ثلاثين، وصلّى عليه عثمان [ (1) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكر الواقدي [ (2) ] : أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعمل على غنائم بدر عبد اللَّه بن كعب، هذا أتم. قال: وقد قيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عليها خباب بن الأرتّ [ (3) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، التميمي بالنسب، الخزاعي بالولاء، الدهري بالحلف، أحد المهاجرين الأولين، جعله النبي صلى الله عليه وسلم على أسرى بدر.
ذكر أبو محمد بن حزم بن عبد اللَّه بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو أن زيد الأصغر الّذي ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر. وقال ابن عبد البر
[ (1) ](الاستيعاب) : 3/ 981.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 100.
[ (3) ] هو خباب بن الأرت، أصله عربي ولحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة وهو أحد السابقين وممن عذب في اللَّه تعالى وكان سادس ستة في الإسلام، وكان حدادا يصنع السيوف. وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمشاهد كلها.
قال الشعبي: سأل عمر بن الخطاب خبابا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عما لقي من المشركين فقال: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري، فنظر، فقال: ما رأيت كاليوم ظهر رجل. قال خباب: لقد أوقدت نارا وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري. روى عنه ابنه عبد اللَّه ومسروق وقيس بن أبى حازم وغيرهم. نزل الكوفة وتوفى بها سنة (37) وهو أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة. (أسماء الصحابة الرواة) : 100، ترجمة رقم (89) .
كان من مهاجرة الحبشة وتأخر إقفاله منها، وأول مشاهده المريسيع واستعمله، رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الأخماس. وذكر مسلم [ (1) ] في كتاب الزكاة أن محمية بن جزء استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على الأخماس.
وقال الواقدي [ (2) ] في غزاة المريسيع: حدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبى الجهم، قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 7/ 186- 187، كتاب الزكاة باب (51) ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، حديث رقم (168)، ولفظه: حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس ائتيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه: فألقى عليّ رداءه ثم اضطجع عليه وقال أنا أبو حسن القرم واللَّه لا أريم مكاني حتى يرجع اليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقال في الحديث: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولآل محمد، وقال أيضا:
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي محمية بن جزء
وهو رجل من بنى أسد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس.
قوله صلى الله عليه وسلم «ادعوا لي محمية بن جزء وهو رجل من بنى أسد» :
أما محمية فبميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة، وأما جزء فبجيم مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم همزة، هذا هو الأصح قال القاضي: هكذا تقوله عامة الحفاظ وأهل الإتقان ومعظم الرواة، وقال عبد الغنى بن سعيد: يقال: جزي بكسر الزاى يعنى وبالياء وكذا وقع في بعض النسخ في بلادنا. قال القاضي: وقال أبو عبيد: هو عندنا جزّأ مشدد الزاى، وأما قوله:«وهو رجل من بنى أسد» ، فقال القاضي: كذا وقع والمحفوظ أنه من بنى زبيد لا من بنى أسد. (شرح النووي) .
وقال الواقدي استعمل على الأسرى شقران مولاه، واستعمل على مقسم الخمس وصهبان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، فأخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الخمس من جميع المغنم، فقال يليه محمية بن جزء الزبيد. (مغازي الواقدي) : 1/ 410.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 409- 410.
بالأسرى فتكفوا وجعلوا ناحية، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من رثة [المتاع] والسلاح فجمع، وعمد إلى النعم والشاء فسيق واستعمل عليهم شقران مولاه، وجمع الذرية ناحية، واستعمل على المقسم- مقسم الخمس- وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، فأخرج الرسول صلى الله عليه وسلم الخمس من جميع المغنم، فكان يليه محمية بن جزء.
[ولما نزل بنو قينقاع على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وربطوا جعل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، وأجلاهم محمد بن مسلمة الأنصاري [ (1) ] ، وقبض أموالهم [ (2) ]] .
وقال الواقدي [ (3) ] أيضا: وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت [ (4) ] أن يجليهم، فجعلت قينقاع تقول: يا أبا الوليد، من بين الأوس والخزرج- ونحن مواليك- فعلت هذا بنا؟ فقال لهم عبادة: لما حاربتم جئت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إني أبرأ إليك منهم ومن حلفهم. وكان عبد اللَّه ابن أبيّ ابن سلول، وعبادة بن الصامت منهم بمنزلة واحدة في الحلف. فقال عبد اللَّه بن أبي: تبرأت من حلف مواليك؟ ما هذه بيدهم عندك. فذكّره مواطن
[ (1) ] هو محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة أبو عبد اللَّه وأبو سعيد الأنصاري، ولد قبل البعثة باثنين وعشرين سنة، شهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا تبوك ومات بالمدينة سنه (46) أو (47) وله (77) سنة وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف.
واستخلفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته.. واستعمله عمر على صدقات جهينة.
(أسماء الصحابة الرواة) : 134 ترجمة (140) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 1/ 179- 180.
[ (4) ] هو عبادة بن الصامت بن قيس بن صرم بن فهر بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري، الخزرجي، توفى سنة (34) بالرملة، عاش (45) سنه. من مناقبه: نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: 51] . لما تبرأ من حلفه من بنى قينقاع لما خانوا المسلمين في غزوة الخندق.
(أسماء الصحابة الرواة) : 51 ترجمة (20)، (الإصابة) : 3/ 624، (الاستيعاب) : 807- 808.
قد أبلوا فيها. فقال عبادة: أبا الحباب، تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود، أما واللَّه إنك لمعتصم بأمر سترى غبه غدا! فقالت قينقاع: يا محمد، إن لنا دينا في الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعجلوا وضعوا! وأخذهم عبادة بالرحيل والإجلاء، وطلبوا التنفس فقال لهم: ولا ساعة من نهار، لكم ثلاث لا أزيدكم عليها!
هذا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولو كنت أنا ما نفستكم. فلما مضت ثلاث خرج في آثارهم حتى سلكوا الشام، وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى، فأقصى، وبلغ خلف ذباب [ (1) ] ، ثم رجعوا ولحقوا بأذرعات [ (2) ] .
وولى إخراج بني النضير محمد بن مسلمة، الّذي قبض أموالهم والحلقة وكشفهم عنها.
قال الواقدي أيضا [ (3) ] : وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد استعمل على أموال بني النضير- يعني التي جعلها اللَّه تعالى خاصة- أبا رافع مولاه، وربما جاءه بالباكورة منها.
وقال في بنى قريظة: فلما جهدهم الحصار ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بأسراهم فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة ونحوا ناحية، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون وكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليهم عبد اللَّه بن سلام.
قال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن أبيه، قال: لما سبى بنو قريظة النساء والذرية باع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهم
[ (1) ] ذباب بكسر أوله وباءين: جبل بالمدينة، له ذكر في المغازي والأخبار، ذكر ابن هشام في سيرته في غزوة تبوك: وضرب عبد اللَّه بن أبىّ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على حدة عسكره أسفل منها، نحو ذباب، فلما سار رسول اللَّه تخلف عنه عبد اللَّه بن أبىّ في من تخلف من المنافقين وأهل الريب. (معجم البلدان) : 3/ 3.
[ (2) ] أذرعات: بالفتح، ثم السكون، وكسر الراء، وعين مهملة، وألف وتاء. كأنه جمع أذرعة، جمع ذراع جمع قلة: وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمان، ينسب إليه الخمر. (المرجع السابق) : 1/ 158.
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 1/ 378.
[ (4) ](مغازي الواقدي) : 2/ 523- 524.
من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف طائفة وبعث طائفة، إلى نجد، وبعث طائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يبيعهم ويشترى بهم سلاحا وخيلا.
ويقال باعهم بيعا من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فاقتسما فسهمه عثمان بمال كثير، وجعل عثمان على كل من جاء من سبيهم شيئا موفيا، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشواب، فربح عثمان مالا كثيرا- وسهم عبد الرحمن- وذلك أن عثمان صار في سهمه العجائز.
ويقال: لما قسم جعل الشواب على حدة والعجائز على حدة، ثم خير عبد الرحمن عثمان، فأخذ عثمان العجائز.
قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: كان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة قبل بيع المغنم، وجزّأ السبي خمسة أجزاء، فأخذ خمسا، فكان يعتق منه، ويهب منه، ويخدم منه من أراد. وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم، قسمت قبل أن تباع، وكذلك النخل، عزل خمسة. وكل ذلك يسهم عليه صلى الله عليه وسلم خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها «للَّه» ثم يخرج السهم، فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين.
حدثني عبد اللَّه بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يسهم ولا يتخيبر [ (1) ] .
حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين بنى قريظة في القسم والبيع والنساء والذرية.
وذكر ابن فتحون في (الذيل على كتاب الاستيعاب) : أن صاحب المغانم يوم خيبر هو كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري، وعن ابن وهب أنه كان على المغانم يوم خيبر أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 524.
سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة الأنصاري [ (1) ] ، [وقيل كعب بن عمر بن تميم ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي][ (2) ] .
وقال الواقدي [ (3) ] : واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الغنائم يوم خيبر فروة ابن عمرو البياضي الأنصاري. فكان قد جمع ما غنم المسلمون في حصون النطاة، وحصون الشق، وحصون الكتيبة، لم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره من الرجال والنساء والصبيان، جمعوا أثاثا كثيرا وسلاحا كثيرا، وغنما وبقرا، وطعاما وأدما كثيرا، فأما الطعام والأدم والعلف فلم يخمس، يأخذ منه الناس حاجتهم، وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فرد ذلك إلى المغنم، فلما اجتمع ذلك كله أمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجزّى خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها «اللَّه» وسائر السهمان أغفال، فكان أول ما خرج سهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخير في الأخماس، ثم أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببيع الأربعة الأخماس فيمن يزيد، فجعل فروة يبيعها فيمن يزيد،
فدعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، وقال: اللَّهمّ ألق علينا النفاق!
قال فروة ابن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون علي ويتواثبون حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته.
وفي مسند الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يوم خيبر ستة آلاف بين امرأة وغلام فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عليها أبا سفيان بن الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (1) ] هو كعب بن عمرو الأنصاري. شهد بدرا بعد العقبة، وهو الّذي أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر، وهو الّذي انتزع راية المشركين، ثم شهد صفين مع على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يعد في أهل المدينة، ومات بها وله (55) سنة. (الاستيعاب) : 4/ 1776.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين: زيادة للسياق من (الإصابة) : 7/ 468.
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 2/ 680.
وذكر أبو محمد بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا الجهم [ (1) ] عامر بن عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد اللَّه بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي على الغنائم يوم خيبر.
وذكر عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الأثير في كتاب (الكامل في التاريخ)[ (2) ] أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أمر بالسبايا والأموال فجمعت إلى الجعرانة، وجعله عليها بديل بن ورقاء [بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى ابن ربيعة بن جرى بن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة][ (3) ] بن ربيعة الخزاعي.
وذكر البخاري عند سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه، عن ابن إسحاق قال: حدثني إبراهيم ابن أبي عبلة، عن ابن بديل بن ورقاء، سمع أبيه يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى
[ (1) ] كان من أعلم الناس بأنساب قريش وله صحبة، وكان يخاف للسانه، والجهامة غلظ الوجه وبه سمى الأسد جهمنا. ومنه قولهم: تجاهمنى فلان، إذا لقيني لقاء بشعا. (جمهرة النسب للكلبي) :
108، (الاشتقاق) : 104، (الاستيعاب) : 4/ 1623، ترجمة رقم (2899) .
[ (2) ](الكامل في التاريخ) : 2/ 266، وكان ذلك في غزوة هوازن بحنين.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للنسب من (الإصابة)، قال ابن السكن: له صحبة. سكن مكة، وفي (المغازي) عن ابن إسحاق وغيره- أن قريشا لجئوا يوم فتح مكة إلى دار بديل ابن ورقاء ودار رافع مولاه، وكان إسلامه قبل الفتح، وقيل يوم الفتح.
وروى البخاري في (تاريخه) والبغوي من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني إبراهيم بن أبى عبلة، عن ابن بديل بن ورقاء، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه ففعل.
وروى أبو نعيم، من طريق ابن جريج، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أم الحارث بنت عياش بن أبى ربيعة، أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل أورق يمنى يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام، فإنّها أيام أكل وشرب، (الإصابة) : 1/ 275- 276، ترجمة رقم:(614)، (الاستيعاب) : 1/ 150، ترجمة رقم:(167) .
يقدم عليه ففعل. وقال ابن إسحاق كان على المغانم يوم حنين مسعود بن عمرو [الغفاريّ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] .
وقال الواقدي: فلما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة أقام يتربص أن يقدم عليه وفدهم، وبدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد غنم فضة كثيرة، أربعة آلاف أوقية، فجمعت الغنائم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم،
فجاء أبو سفيان بن حرب وبين يديه الفضة، فقال: يا رسول اللَّه، أصبحت أكثر قريش مالا! فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال [أبو سفيان] :
أعطنى من هذا المال يا رسول اللَّه! فقال يا بلال، زن لأبى سفيان أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني يزيد أعطه! قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان:
ابني معاوية، يا رسول اللَّه! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل.
قال أبو سفيان: إنك لكريم، فداك أبي وأمي-! واللَّه لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك اللَّه خيرا! وأعطى في بنى أسد.
قال الواقدي: وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالا: حدثنا حكيم بن حزام قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحنين مائة من الإبل فأعطانيها. ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول!
قال: فكان حكيم يقول: والّذي بعثك بالحق، لا أرزأ [ (2) ] أحدا بعدك شيئا! فكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يدعوه إلى عطائه فيأبى يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس، إني أشهدكم على حكيم أنى
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 5/ 129، سبايا حنين وأموالها، ثم قال: وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها. وما بين الحاصرتين زيادة للنسب من (ابن هشام) .
[ (2) ] لا أرزأ: أي لا آخذ من أحد. (النهاية) : 2/ 78.
أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه. قال: حدثنا ابن أبى الزناد، قال: أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك.
وفي بنى عبد الدار: النضير، وهو أخو النضر بن الحارث بن كلدة، مائة من الإبل. وفي بنى زهرة: أسيد بن حارثة حليف لهم، مائة من الإبل.
وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرا، وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيرا، وقد رأيت عبد اللَّه بن جعفر ينكر أن يكون أخذ مخرمة في ذلك، وقال: ما سمعت أحدا من أهلي يذكر أنه أعطى شيئا، ومن بنى مخزوم:
الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل.
وأعطى في بنى جمح صفوان بن أمية مائة بعير، ويقال: إنه طاف مع النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء اللَّه عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه.
فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا بنى، وأشهد أنك رسول اللَّه! وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل.
وفي بنى عامر بن لؤيّ أعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمر خمسين من الإبل، وأعطى في العرب الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن بدر الفزارىّ مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل. وأعطى العباس بن مرداس السلمي أربعا من الإبل، فعاتب النبيّ صلى الله عليه وسلم في شعر قاله [ (1) ] .
[ (1) ] وذكر الواقدي شعر العباس بن مرداس السلمي فقال:
كانت نهابا تلافيتها
…
بكرّى على القوم في الأجرع
وحثّى الجنود لكي يدلجوا
…
إذا هجع القوم لم أهجع
فأصبح نهى ونهب العبيد
…
بين عيينة والأقرع
إلّا أفائل أعطيتها
…
عديد قوائمها الأربع
فرفع أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أبياته إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: أنت الّذي تقول: «أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة» ؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي وأمى يا رسول اللَّه، ليس هكذا! قال، قال: كيف؟ قال: فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سواء ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة! فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي أنت وأمى، ما أنت بشاعر ولا راوية، ولا ينبغي لك [ (1) ]، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقطعوا لسانه عنى.
فأعطوه مائة من الإبل، ويقال خمسين من الإبل، ففزع منها أناس، وقالوا: أمر بعباس يمثل به. وقد اختلف علينا فيما أعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ الناس.
فحدثني عبد اللَّه بن جعفر، عن ابن أبى عون، عن سعد، عن إبراهيم ويعقوب بن عتبة، قالا: كانت العطايا فارعة من الغنائم. قال: حدثني موسى ابن إبراهيم، عن أبيه، قال: كانت من الخمس. فأثبت القولين أنها من الخمس.
[ () ]
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ
…
فلم أعط شيئا ولم أمنع
وما كان حصن ولا حابس
…
يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما
…
ومن تضع اليوم لا يرفع
معاني المفردات:
- كانت: يعنى الإبل والماشية.
- النهاب: جمع نهب، وهو ما ينهب ويغنم.
- الأجرع: المكان السهل.
- العبيد: فرس عباس بن مرداس.
- أفائل: جمع أفيل، وهي الصغار من الإبل.
- ذا تدرإ: أي ذا دفع، من قولك: درأه إذا دفعه.
[ (1) ] يشر بذلك إلى قوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ* لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ [يس: 69- 70] .
قال سعد بن أبى وقاص: يا رسول اللَّه، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمريّ! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أما والّذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكنى تالفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه.
وجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ وفي ثوب بلال فضة يقبضها للناس على ما أراه اللَّه، فأتاه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول اللَّه! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنقه! قال: دعه، إن له أصحابا! يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر [الرامي] في قذذه فلا يرى شيئا، ثم ينظر في نصله فلا يرى شيئا، ثم ينظر في رصافه فلا يرى شيئا، قد سبق الفرث والدم، يخرجون على فرقة من المسلمين، رأيتهم إن فيهم رجلا أسود، إحدى يديه [مثل ثدي] المرأة وكبضعة تدردر [ (1) ] .
فكان أبو سعيد يقول:
أشهد لسمعت عليا يحدث هذا الحديث [ (2) ] .
قال عبد اللَّه بن مسعود: سمعت رجلا من المنافقين يومئذ ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعطى تلك العطايا، وهو يقول: إنها العطايا ما يراد بها وجه اللَّه! قلت:
[ (1) ] تدردر: أي ترجرج، تجيء وتذهب، والأصل تتدردر، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا (النهاية) 2/ 20.
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 766، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام حديث رقم (3610)، وتمامة: قال أبو سعيد: فأشهد أن سمعت هذا الحديث من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأشهد إن على بن أبى طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الّذي نعته. وأخرجه في الأدب باب (95) ، وفي استتابة المرتدين باب (7) ، (مسلم) في الزكاة، (148) - (156) - (157)، و (أبو داود) : في السنة، باب (38)، والإمام أحمد في (المسند) : 3/ 459 حديث رقم (11143) ، 3/ 473، حديث رقم (11227) ، كلاهما من مسند أبى سعيد الخدريّ.