الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث أنس [ (1) ] ، وحديث البراء مختصرا [ (2) ] ، وفرقه البخاري في مواضع.
وأما عمرة القضاء
فقال ابن إسحاق: فلما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع، وجمادين ورجبا، وشعبان، و [شهر][ (3) ] رمضان، وشوالا ثم خرج في ذي القعدة، في الشهر الّذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء، مكان عمرته التي صدوه عنها [ (4) ] .
قال ابن هشام- ويقال لها: عمرة القصاص [ (5) ] ، لأنهم صدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول اللَّه
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 12/ 380، 381، كتاب الجهاد والسير، باب (34) صلح الحديبيّة، حديث رقم (1784) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (91)، قال الإمام النووي: وفي هذه الأحاديث جواز مصالحة الكفار إذا كان فيها مصلحة، وهو مجمع عليه عند الحاجة، وأن مدتها لا تزيد على عشر سنين إذا لم يكن الإمام مستظهرا عليهم، وإن كان مستظهرا لم يزد على أربعة أشهر، وفي قول: يجوز دون سنة، وقال الإمام مالك: لا حد لذلك، بل يجوز ذلك قل أم كثر بحسب رأى الإمام، واللَّه تعالى أعلم.
[ (3) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (4) ](سيرة ابن هشام) : 5/ 17، عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع.
[ (5) ] وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ وهذه الآية فيها نزلت، فهذا الاسم أولى بها، وسميت عمرة القضاء لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا عليها، لا لأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها، فإنّها لم تكن فسدت بصدهم عن البيت، بل كانت عمرة تامة متقبلة، إنهم حين حلقوا رءوسهم بالحل احتملها الريح فألقتها في الحرم، فهي معدودة في عمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي أربع: عمرة الحديبيّة، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي قرنها مع حجه في حجة الوداع، فهو أصح القولين أنه كان قارنا في تلك الحجة وكانت إحدى عمره عليه السلام في شوال كذلك.
صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل مكة في الشهر الحرام الّذي صدوه فيه من سنة سبع-: بلغنا عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: فأنزل اللَّه في ذلك:
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [ (1) ] .
[ () ] روى عروة عن عائشة وأكثر الروايات أنهن كن كلهن في ذي القعدة إلا التي قرن مع حجه، كذلك روى الزهري وانفرد معمر عن الزهري بأنه عليه السلام كان قارنا، وأن عمراته كن أربعا بعمرة القران.
وأما حجاته عليه السلام فقد روى عن الترمذي أنه حج ثلاث حجات ثنتين بمكة، وواحدة بالمدينة، وهي حجة الوداع، ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن كان حج مع الناس، إذ كان بمكة، كما روى الترمذي، فلم يكن ذلك الحج على الناس، وكماله، لأنه كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته، كما تقدم في أول الكتاب، فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حسب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، وهذا هو الّذي منع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يحج من المدينة، حتى كانت مكة دار إسلام، وقد كان أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بإثر الفتح بيسير، ثم ذكر أن بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فأخر الحج، حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة، ثم حج في السنة العاشرة بعد إمحاء رسوم الشرك، وانحسار سير الجاهلية، ولذلك قال في حجة الوداع:«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض» .
والعمرة واجبة في قول أكثر العلماء، وهو قول ابن عمر وابن عباس، وقال الشعبي:
ليست بواجبة، وذكر عنه أنه كان يقرؤها: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ بالرفع أي برفع لفظ العمرة على جعل وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ كلاما مستأنفا- لا يعطفها على الحج.
وقال عطاء: هي واجبة إلا على أهل مكة، ويكره مالك أن يعتمر الرجل في العام مرارا، وهو قول الحسن وابن سيرين، وجمهور العلماء على الإباحة في ذلك، وهو قول على وابن عباس وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالوا: يعتمر الرجل في العام ما شاء.
[ (1) ] البقرة: 194.
قال موسى بن عقبة: فلما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ناجح، وضع الأداة كلها: الجحف، والرماح، والمجان، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب:
السيوف في القرب.
قال ابن إسحاق: فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها: أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة، فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: صفوا له عند دار الندوة، لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسجد، اضطبع بردائه [ (1) ] ، واخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة،
ثم استلم الركن، وخرج يهرول [ (2) ] ويهرول أصحابه معه حتى واراه البيت منهم، واستلم [ (3) ] الركن اليماني، ومشى حتى استلم الركن الأسود ثم يهرول كذلك ثلاثة أشواط، ومشى سائرها، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش، للذي بلغه عنهم، حتى حج حجة الوداع، فلزمها فمضت السنة بها.
قال موسى بن عقبة: فلما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة، أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكايدهم بكل ما استطاع، فانكفأ أهل مكة، الرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم يطوفون بالبيت، وعبد اللَّه بن رواحة يرتجز بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، متوشحا بالسيف، وهو يقول:
خلوا بنى الكفار عن سبيله
…
إني شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله
…
نحن قتلناكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله
…
ضربا يزيل الهام عن مقيله
[ (1) ] اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر.
[ (2) ] الهرولة ضرب من السير، فوق المشي ودون الجرى.
[ (3) ] في (ابن هشام) : «حتى يستلم» .
ويذهل الخليل عن خليله [ (1) ]
فقال عمر بن الخطاب: يا ابن رواحة! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا عمر، إني أسمع! فأسكت عمر.
قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين، كراهية ان ينظروا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه غيظا، وحنقا، ونفاسة، وحسدا، خرجوا إلى بوادي مكة.
قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة، فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما عليكم لو تركتموني، فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟
قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف [ (2) ] ، فبنى بها هنالك ثم انصرف إلى المدينة.
[ (1) ] هذه الأبيات في (ابن هشام) هكذا:
خلوا بنى الكفار عن سبيله
…
خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله
…
أعرف حق اللَّه في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله
…
كما قاتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
[ (2) ] مكان قرب التنعيم، وبسرف كانت وفاتها رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وذلك سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ست وستين، صلى عليها ابن عباس ويزيد بن الأصم، وكلاهما ابن أخت لها، ويقال فيها نزلت: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب: 50] في أحد الأقوال، وذلك أن الخاطب جاءها وهي على بعيرها فقالت البعير وما عليه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واختلف الناس في تزويجه إياها، أكان محرما أم حلالا، وقد أوضحنا ذلك مفصلا في الحديث عن أزواج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام [ (1) ] : فأنزل اللَّه عز وجل فيما حدثني أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (2) ] .
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 5/ 20- 21.
[ (2) ] الفتح: 27، والفتح القريب: يعنى خيبر.