الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم
اعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقام في جهات جيوشه، وعلى عسكره، لما كان يخرج إلى الغزو جماعة من أصحابه، فاستعمل على المشاة لما خرج إلى بدر، قيس بن أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمر بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاريّ، أحد من شهد بيعة العقبة على المشاة، وأمره حين فصل من بيوت السقيا، أن يعد المسلمين، فوقف لهم [مع] أبى عتبة، فعدهم، ثم أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعله على الساقة يومئذ وقدم يوم أحد طليعتين، هما مالك والنعمان، ابنا خلف بن عوف [بن] دارم بن عمر بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة ابن عمرو مزيقياء، ودفنا في قبر واحد.
قال الكلبي: وجعل في غزاة أحد على الرماة- وهم خمسون رجلا- عبد اللَّه بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس، واسمه البرك بن ثعلبة ابن عمرو بن عوف الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وهو أخو خوات بن جبير،
وتقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الرماة فقال: احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانكم، لا تبرحوا منه، وإن رأيتمونا نهزمهم، حتى تدخل عسكرهم، فلا تفارقوا مكانكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا [ولا تدفعوا عنا] ، اللَّهمّ إني أشهدك عليهم، وأرشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقوم على النبل.
فلما التحمت الحرب، وكانت الدولة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المشركين، قال بعض الرماة لبعض [لما تقيمون] هاهنا في غير شيء، قد هزم اللَّه العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين، فاغنموا مع [إخوانكم]
فقال بعض الرماة لبعض ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لكم:
احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟
فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا، وقد أذل اللَّه المشركين وهزمهم فادخلوا العسكر، وانتهبوا مع إخوانكم، فخطبهم عبد اللَّه بن [حمير] ، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وأمر بطاعته، وطاعة رسوله، فعصوا، وانطلقوا حتى لم يبق معه إلا دون العشرة، ومضوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، فبين المسلمون قد شغلوا بالنهب، وضع الرماة [
…
] دخل المشركون عليهم وهم غارون [آمنون] ، فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه.
وكر خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبى جهل إلى موضع الرماة، فحملوا على من بقي منهم، فرموهم حتى أصيبوا، ورمى عبد اللَّه بن جبير، حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه، فقاتلهم حتى قتل شهيدا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
ولما سار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير، ورجع بعد أن صلّى العشاء إلى بيته في عشرة من أصحابه، استعمل عليّ بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم لما رجع من الغداة أمر بنخل بنى النضير، فقطعت، وحرقت، واستعمل على قطعها أبا ليلى، عبد الرحمن بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني، أخا عبد اللَّه بن كعب المازني، وعبد اللَّه بن سلام بن الحارث، أبا يوسف الإسرائيلي، حليف الأنصار، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد اللَّه بن سلام يقطع اللون، فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد اللَّه بن سلام: قد عرفت أن اللَّه سيغنمه أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم، [فنزل] في ذلك رضاء بما [صنعنا جميعا] قول اللَّه عز وجل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، ألوان النخل الّذي فعل بن سلام، أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها، يعنى العجوة، [فبإذن اللَّه] ، وقطع أبو ليلى العجوة، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعنى بنى النضير، [رضا] من اللَّه تعالى، بما صنع الفريقان جميعا ولما نزل بنو قريظة على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بأسراهم، فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، [ونحوا
ناحية] وأخرجوا النساء والذرية من الحصون، فكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي، على سبايا بنى قريظة، وبعثه بهم إلى نجد، فاتباع له بها خيلا وسلاحا.
قال ابن إسحاق، واستعمل سعدا هذا في غزوة الغابة أميرا على الخيل، وكانوا ثمانية، وقدم عباد بن بشير أمامه طليعة في خيل قوتها عشرون فرسا، لما خرج يريد العمرة، فصده المشركون عن البيت بالحديبية، ثم قدمه في فوارس طليعة، لما خرج إلى غزاة خيبر، فأخذ عينا لليهود من أشجع، فقال: من أنت؟ قال: باغ أبغى أبعرة ضلت لي، أنا على إثرها، قال له ألك علم بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فأنتم تسألون عنه، قال:
عن يهود؟ قال: نعم كان كنانة بن أبى الحقيق، وهودة بن قيس ساروا في حلفائهم من غطفان، فاستنفروهم، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، فجاءوا معدين بالكراع، والسلاح، يقودهم عينية بن بدر، ودخلوا معهم في حصونهم، وفيها عشرة آلاف مقاتل، وهم أهل حصون لا ترام، وسلاح وطعام كثير، لو أحصروا سنين لكفاهم، فرفع عباد [بن] بشر السوط، فضربه ضربات وقال: ما أنت إلا عين لهم، أصدقني وإلا ضربت عنقك، فقال الأعرابي:
فتؤمنى على أن أصدقك، فقال عباد: نعم، قال الأعرابي: القوم مرعوبون منك، خائفون وجلون، لما قد صنعتم بمن كان [قبلكهم] بيثرب من يهود، [إن يهود] بعثوا ابن عم لي وجدوه بالمدينة، قد قدم بسلعه له يبيعها، فبعثوه إلى كنانة بن أبى الحقيق، يخبرونه بقتالهم وقال، خيلكم وسلاحكم فأصدقوهم الضرب، ينصرفوا عنكم، فإنه لم يلق [قوما] يحسنون القتال، وقريش والعرب قد سروا بمسيره إليكم، لما يعلمون من كثرة عددكم وسلاحكم، وجودة حصونكم، وقد بايعت قريش وغيرهم، ممن يهوى هوى محمد، تقول قريش: إن جاءهم يظهر، ويقول الآخرون: يظهر محمد فإن ظفر محمد فهو ذل الدهر.
قال الأعرابي: وأنا أسمع كل هذا، فقالت لي كنانة: اذهب معترضا للطريق فإنّهم لا يستنكرون مكانك، فاحذرهم لنا، وادن منهم كالسائل لهم
ما يقوى به، ثم ألق [إليهم] كثرة عددنا، وموادنا، فهم [لن يدعوا سؤالك] ، وعجل الرجعة إلينا بخبرهم، فأتى به عباد بن بشر، إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه:
أضرب عنقه، فقال عباد: جعلت له الأمان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمسكه معك يا عباد فأوثقه رباطا، فلما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيبر، عرض عليه الإسلام وقال: إني داعيك ثلاثا، فإن لم تسلم وإلا ضرب عنقك، فأسلم، وندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة ليرتاد له منزلا، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم، لما نزل على خيبر، بات وأصبح بمنزله، فجاء الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه: - إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به، فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى تكلمنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأى: فقال:
يا رسول اللَّه، دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، إن أهل النطاق لي ولهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى، ولا أعدل، وهم مرسون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بياتهم، يدخلون في خمر النخل، فتحول يا رسول اللَّه إلى موضع يرى من البر، ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم، حتى لا ينالنا نبلهم، ونأمن من نبالهم، ومرتفع من البر.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أشرت بالرأي، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي محمد بن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم يرى من البر لا ننال من نبالهم، فطاف محمد [بن مسلمة] حتى انتهى إلى الرجيع، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلا فقال وجدت لك منزلا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على بركة اللَّه، وقاتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومه ذلك إلى الليل، فقال الحباب: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا فلما أمسى تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع.
واستخلف عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على العسكر بخيبر، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما تحول إلى الرجيع، خاف على أصحابه البيات، فضرب عسكره هناك، وبات فيه، فأقام سبعة أيام، يغدو كل يوم بالمسلمين، ويترك العسكر بالرجيع، ويستخلف عليه عثمان، ويقاتل أهل
النطاة يومه إلى الليل، فإن أمسى رجع إلى الرجيع، وكل من خرج من المسلمين يحمل على العسكر.
واستعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على الحرس، وذلك أنه كان يناوب بين أصحابه في حراسة الليل، مدة مقامه بالرجيع، فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فطاف عمر بأصحابه حول العسكر، وفرقهم، فأتى برجل من اليهود في جوف الليل، فأمر به عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يضرب عنقه، فقال: اذهب بى إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسك عنه، وأتى به إلى باب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [فوجده] يصلى، فسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلام عمر، فسلم، وأدخله عليه، فدخل اليهودي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لليهودي: ما وراءك؟ ومن أين أنت؟ فقال تؤمني يا أبا القاسم وأنا أصدقك، قال: نعم، فقال: خرجت من حصن النطاة، من عند قوم ليس لهم نظام [تركتهم] يتسللون من الحصن في هذه الليلة، قال: فأين يذهبون؟ قال: أذل مما كانوا فيه إلى الشق، وقد رغبوا منك، حتى إن أفئدتهم لتخفق، وهنا حصن فيه السلاح، والطعام، والودك، وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتل بها بعضهم بعضا، قد غيبوا ذلك في بيت من حصنهم تحت الأرض.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما هو؟ قال: منجنيق مفككة، وسلاح ودروع، وبيض، وسيوف، فإذا دخلت الحصن غدا، وأنت تدخله، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن شاء اللَّه، قال اليهودي: إن شاء اللَّه، أوقعك عليه، فإنه لا يعرفه أحد من اليهود غيري، وأخرى، قال: ما هي؟ قال: تستخرجه ثم انصب المنجنيق على حصن الشق، ويدخل الرجال تحت [الدبابتين] فيحفروا الحصن، فتفتحه من يومك، وكذلك تفعل بحصون الكتيبة.
فقال [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] : إني أحسبه قد صدق، قال اليهودي: يا أبا القاسم: احقن دمي، قال: أنت آمن، قال: ولي زوجة في حصن النزار فهبها لي، قال: هي لك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ قال: جردوها للمقاتلة،
وتحول الذراري إلى الشق والكتيبة، ثم
دعاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقال: أنظرني أياما، فلما أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غزا بالمسلمين إلى النطاة ففتح اللَّه الحصن، فاستخرج ما كان قال اليهودي فيه، فأمر صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق أن يصلح وينصب على الشق وعلى حصن النزار، فما رموا عليها بحجر، حتى فتح اللَّه عليهم حصن النزار.
واستعمل [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] على غنائم خيبر، فروة بن عمرو بن ودقة ابن عبيد بن غانم بن بياضه، البياضي، الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وحصن الشق، وحصن الكتيبة، فلم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره، من الرجال، والنساء، والصبيان، وجمعوا أثاثا كبيرا، وبزا، [وقطائف] ، وسلاحا وغنما، وبقرا، وطعاما، وأدما كثيرا، فلم يخمس الطعام، والأدم، والعلف، بل أخذ الناس منه [حاجاتهم، وكل] من احتاج [إلى سلاح] يقاتل به، أخذوه من فروة بن عمرو، صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فردوا ذلك في المغنم، فلما اجتمع ذلك كله، أمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجزئ [خمسة] أجزاء، منهم سهم اللَّه، وأمر ببيع أربعة أخماس فيمن يزيد، فجعل فروة بن عمرو يبيعها فيمن يزيد،
فدعا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: اللَّهمّ ألق عليه النفاق،
قال فروة بن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون على، ويتواثبون، حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته.
واستعمل [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] على إحصاء الناس بخيبر، زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بينهم الّذي غنموه من المتاع الّذي بيع، ثم أحصاهم ألفا و [أربعمائة] ، والخيل مائتي فرس، فكانت السهمان على ثمانية عشر سهما، للرجال [أربعمائة] ، وللخيل [أربعمائة] .
واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزاة الفتح، الزبير بن العوام رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على مائتين من المسلمين، وقدمه أمامه، وجعل صلى الله عليه وسلم من العرج، أتته الطليعة بعين من هوازن، فقالوا: يا رسول اللَّه رأيناه حين طلعنا عليه، وهو على راحله قد تغيب عنها في هذه، ثم جاء فأوفى على [سهل] فقعد عليه، فركضنا إليه، فأراد أن يهرب منا، وإذا بعيره قد عقله،
فأدركناه، فقلنا: ممن أنت؟ قال: رجل من غفار، فقلنا: هم أهل [هذا] البلد، فأى بنى غفار أنت؟ فلم يذكر لنا نسبا، فازددنا به ريبة، وأسأنا به الظن هنالك؟ فلم يقل شيئا، فلما رأينا ما خلط، فقلنا: لتصدقنا، أو لنضربن عنقك قال: فإن صدقتكم ينفعني ذلك [عندكم] قلنا: نعم فإنّي رجل من هوازن، من بنى النضير، بعثتني هوازن عينا، وقالوا: ائت المدينة حتى تلقى محمدا، فتستخبر لنا ما يريد في أمر حلفائه، أيبعث إلى قريش بعثا، أو يغزوهم بنفسه، ولا نراه إلا سيغزوهم، فإن خرج سائرا، أو بعث بعثا، فسر معه، حتى ينتهى إلى بطن سرف، فإن كان يريدنا أولا، فاسلك في بطن سرف حتى يخرج إلينا، وإن كان يريد شيئا، [فسيلزم] الطريق.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأين هوازن؟ قال: تركتهم [شيعا] ، وقد جمعوا الجموع، وأجلبوا في العرب، وبعثوا إلى ثقيف، فأجابتهم، فتركت ثقيفا على ساق، قد جمعوا الجموع، وبعثوا إلى جرش في عمل الرايات والمنجنيق، وهم سائرون إلى جمع هوازن، فيكونون جميعا.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وإلى من جعلوا أمرهم؟ قال: إلى مالك بن عوف، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وكل هوازن قد أجاب إلى ما دعي إليه مالك؟
قال: وقد أبطأ من بنى عامر أهل الجد والجلد، قال: من؟ قال: كعب وكلاب، قال ما فعلت هلال؟ قال: ما أقل من ضوى إليه منهم، ومررت بقومك أمس بمكة، وقد قدم عليهم أبو سفيان بن حرب فرأيتهم ساخطين لما جاء به، وهم خائفون وجلون.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقنى،
قال الرجل: فلينفعنى ذلك، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يحبسه، وخافوا أن يتقدم ويحذر الناس، فلما نزل العسكر مر الظهران، أفلت الرجل، فطلبه خالد بن الوليد، فأخذه عند الأراك، وقال لولا عهد لك لضربت عنقك، وأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأمر به يحبس حتى يدخل مكة، فلما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة وفتحها، أتى به إليه، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم، ثم خرج معه، فقتل [بأوطاس] فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في غزاة الفتح قديدا، لقيته سليم في تسعمائة أو في ألف فارس، فجعل معهم خالد بن الوليد في المقدمة، حتى نزلوا مر الظهران معه، فكان أول من قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالدا في بنى سليم، وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مرداس، ولواء يحمله خفاف بن ندبة، وراية يحملها آخر، [فلم يزل] خالد بهم في المقدمة، حتى ورد الجعرانة بعد فتح مكة.
وروى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل يوم الفتح على المجنة اليمنى، خالد بن الوليد، وعلى المجنة اليسرى الزبير بن العوام، رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، وعلى الساقة، أبو عبيدة بن الجراح، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ذكره مسلم.
واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا عامر، بن قيس، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عبيد، وقيل عباد بن قيس، وهو أخو أبى موسى الأشعري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك أن المشركين لما انهزموا بحنين، عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وعقد له لواء، وكان معه في ذلك البعث سلمة بن الأكوع، وكان يحدث ويقول: لما انهزمت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا، فإذاهم ممتنعون، فبرز رجل منهم فقال: من يبارز، فبرز له رجل معلم، فبرز له أبو عامر فقتله، فلما كان العاشر، برز له رجل معتم بعمامة صفراء، فقال أبو عامر: اللَّهمّ اشهد، فقال الرجل: اللَّهمّ لا تشهد فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق.
واستخلف أبو موسى الأشعري، فأخبر أبو عامر [أبا موسى، أن قاتله صاحب العمامة الصفراء. وأوصى أبو عامر إلى أبى موسى، ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسي وسلاحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح اللَّه عليه، وقتل قاتل أبى عامر، وجاء بسلاحه وبذلته إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
وقال: إن أبا عامر أمرنى بذلك، وقال: قل لرسول اللَّه يستغفر لي، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ اغفر لأبى عامر، واجعله من أعلى أمتى إلى الجنة، وأمر بتركته [فبعثت] إلى أبيه، فقال أبو موسى:
يا رسول اللَّه إني أعلم أن اللَّه قد غفر لأبى عامر وقتل شهيدا فادع اللَّه لي، فقال:
اللَّهمّ اغفر لأبى موسى، واجعله في أعلى أمتى
قال الواقدي: فيرون أن ذلك وقع يوم الخميس.
واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سبايا حنين، يزيد بن ورقاء بن عبد العزيز ربيعة الخزاعي، وأمر بالسبي أن يوجه إلى الجعرانة، وبالغنائم [فحبست][ (1) ] أيضا فسيقت إلى الجعرانة، ومضى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، أبا عمرو، الأنصاري، السلمي، الّذي يقال له ذو الرأى لما نزلوا على الطائف أن يرتاد له مكانا، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم نزل من الطائف قريبا من الحصن، فضرب عسكره هناك، فساعة حل وأصحابه، جاء الحباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه إنا قد دنونا من الحصن، فإن كان عن أمر سلمنا، وإن كان الرأى، فالتأخر عن حصنهم، فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان عمرو بن أمية الضمريّ يحدث ويقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة، تركنا بنى سليم كأنه رجل جراء، وترسنا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة،
فدعى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا نتأخر عن القوم.
فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف، وجاء رجل من القرية فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره [فأمر] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحولوا، قال عمرو بن أمية: إني لأنظر إلى أبى محجن، يرمى به من فوق الحصن كأنها الرماح، فما يسقط لهم سهم.
واستعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت الأنصاري، على غنائم أوطاس وأمره بإحصاء الناس والغنائم ثم قسمها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل، وأربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد، لم يسهم له، وكان أبى حذيفة العدوي على مقاسم الغنم.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصلين، ولعل ما أثبتناه متمم للسياق من كتب السيرة.