الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه
.
[اعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان [ (1) ]] يقف بالموسم على [القبائل][ (2) ] فيقول: يا بنى فلان، إني رسول اللَّه إليكم، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وكان يمشى خلفه أبو لهب ويقول: لا تطيعوه.
وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كندة في منازلهم، فدعاهم إلى اللَّه فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم، فلم يقبلوا منه، وأتى بنى حنيفة في منازلهم، فردوا عليه أقبح ردّ، وأتى عامر بن صعصعة، وكان لا يدع من العرب من [له [ (1) ]] اسم وشرف إلا دعاه، وعرض عليه ما عنده.
خرج الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا عثمان [بن [ (2) ]] المغيرة عن سالم بن أبى الجعد، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف فقال: [إلا [ (2) ]] رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى.
قال أبو عيسى: هذا حديث [غريب [ (3) ]] صحيح [ (4) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان من (سنن الترمذي) .
[ (3) ] في (الأصل) :: «حسن» .
[ (4) ](سنن الترمذي) : 5/ 168- 169، كتاب فضائل القرآن، باب (24) ، حديث رقم (2925) .
وخرج أبو داود من حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم ابن أبى الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام [ (1) ] ربى.
زاد ابن إسحاق في روايته قال: فأتاه رجل من همدان فقال: أنا، فقال: وهل في قومك منعة؟ وسأله: من أين هو؟ فقال: من همدان، ثم إن الهمدانيّ خشي أن يخفره قومه، أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: آتيهم فأخبرهم، ثم ألقاك من عام قابل؟ قال: نعم، فانطلق، وجاء وفد الأنصار في رجب.
وخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . [ولم يخرجاه [ (3) ]] .
وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب من كل موسم، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك أن لا يؤذوه ويمنعوه، يقول: لا أكره أحدا منكم على [شيء] ، من رضى منكم بالذي أدعو إليه [قبله] ، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بى من القتل، حتى أبلغ رسالات ربى، وحتى يقضى اللَّه عز وجل لي و [لمن] صحبني بما شاء، فلم يقبله أحد منهم،
ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا
[ (1) ](سنن أبى داود) : 5/ 103، كتاب السنة، باب (22) في القرآن، حديث رقم (4734)
[ (2) ](المستدرك) : 2/ 669، كتاب تواريخ الأنبياء والمتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4220) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق)، (سيرة ابن هشام) : 2/ 270- 275، عرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، (مسند أحمد) : 4/ 382، حديث رقم (14770) من مسند جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، (سنن ابن ماجة) : 1/ 73، المقدمة، باب (13) فيما أنكرته الجهمية، حديث رقم (201) . (سنن الدارميّ) : 2/ 440، باب القرآن كلام اللَّه، (المجموعة الصحيحة) : 4/ 591، حديث رقم (1947) .
وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فكان ذلك مما ادّخر اللَّه عز وجل للأنصار وأكرمهم به، [من البركة [ (1) ]] .
فلما توفى أبو طالب ارتد البلاء على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشد ما كان، فعهد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر، هم سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم:
أنا أسرق أستار الكعبة إن كان اللَّه قد بعثك بشيء! وقال الآخر: أعجز اللَّه أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: واللَّه لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، واللَّه لئن كنت رسول اللَّه، لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على اللَّه، لأنت أشر من أن أكلمك، وهزءوا به، وأفشوا في قومهم الّذي راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها، إلا رضخوها بالحجارة، حتى دموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء.
فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبله [ (2) ] منه، [وهو] مكروب موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما، لما يعلم من عداوتهما للَّه ورسوله،
فلما رأياه أرسلا إليه غلاما [لهما] يدعى عدّاس- هو نصرانىّ من أهل نينوى معه عنب- فلما جاءه عداس، قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عدّاس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه-: أنا رسول اللَّه، واللَّه عز وجل أخبرنى خبر يونس [بن] متى،
فلما أخبره بما أوحى اللَّه إليه من شأن يونس بن متى، خرّ عداس ساجدا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وشيبة ما صنع غلامهما، سكتا،
[ (1) ](دلائل أبى نعيم) : 1/ 295 حديث رقم (221) .
[ (2) ] الحبلة: شجرة العنب.
فلما أتاهما قالا: ما شأنك؟ سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ ولم نرك فعلته بأحد منا! قال: هذا رجل صالح، أخبرنى بشيء عرفته، من شأن رسول بعثه اللَّه إلينا، يدعى يونس بن متى، فضحكا به وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى مكة [ (1) ] .
وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعنى الواقدي- قال:
حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبى الحويرث، عن محمد بن جبير ابن مطعم قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد موت أبى طالب إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك في الثالث من شوال سنة عشر. قال الواقدي: فأقام بالطائف عشرة أيام- قال غيره: شهرا- لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه فكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد! اخرج من بلدنا وألحق بمحالك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا يرجمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجا، فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو محزون.
فلما نزل نخلة، قام يصلى من الليل، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل نصيبين، فاستمعوا القرآن، وأقام بنخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم ابن عدي، أدخل في جوارك؟ قال: نعم.
ويروى أنه أن ذهب إلى الأخنس بن شريق فقال: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربى؟ فقال: إن الحليف لا يجير على الصريح، فقال الرسول: ائت سهيل بن عمرو، فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ فأتاه، فقال له ذلك، فقال: إن بنى عامر بن لؤيّ لا تجير على بنى كعب، فرجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فأخبره فقال: ائت
[ (1) ] نينوى: بكسر أوله وسكون ثانيه، وفتح النون والواو، وهي قرية نبي اللَّه يونس عليه السلام بالموصل. (معجم البلدان) : 5/ 391.
المطعم ابن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ قال: نعم،
فليدخل، فرجع إليه فأخبره.
وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه، وبنو أخيه، ودخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير، قال: أجرنا من أجرت، فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى الركن فاستلمه، وصلّى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم وأولاده مطيفون به [ (1) ] .
وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد أخفت في اللَّه، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه، وما يؤذى أحد، ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي [ولبلال] طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال [ (2) ]، قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب][ (3) ] .
قال بعضهم: ومعناه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين خرج فارا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه [ (4) ] .
وخرج البخاري [ (5) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عمرو بن الزبير أن عائشة [رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]
[ (1) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 210- 212، ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.
[ (2) ](سنن الترمذي) : 4/ 556، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (34) ، حديث رقم (2472) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي)، وفي (الأصل) :«حديث صحيح» ، وقال: ومعنى هذا الحديث: حين خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فارا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه.
[ (4) ](المرجع السابق) : تعقيبا على الحديث رقم (2472) .
[ (5) ](فتح الباري) : 6/ 384- 385، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم:«آمين» والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، حديث رقم (3231) ، 13، 460، كتاب التوحيد باب (9) وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً حديث رقم
حدثته أنها قالت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك [ما لقيت و] كان أشد منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل [بن] عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث اللَّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن اللَّه عز وجل قد سمع قومك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرنى بما شئت، إن شئت نطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج اللَّه من أشرارهم [أو قال من أصلابهم][ (1) ] من يعبد اللَّه لا يشرك به شيئا.
قال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري قال: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ناسا من كندة [في] مياه لهم، وفيهم سيد لهم يقال له:
مليح، فدعاهم إلى اللَّه عز وجل، فعرض عليهم نفسه، فأبوا أن يقبلوا منه نفاسة، ثم أتى حيا من كلب، يقال لهم، بنو عبد اللَّه، فقال لهم: يا بنى عبد اللَّه! قد أحسن اللَّه اسم أبيكم، فلم يقبلوا ما عرض عليهم.
قال أبو نعيم: وحمله عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل على تأكيد الحجة على منى لم يقبله، ولزوال اللائمة عنه صلى الله عليه وسلم في الإساءة بهم إذا أعلاه اللَّه [لكي] لا ينسب إليه- إذا لم يعدم العذر، ويلزمهم الحجة- الغلظة والإساءة بقومه.
وقيل: بل عرض نفسه على القبائل رياضة من اللَّه له، وتنبيها على التوكل عليه في كل أموره، فيبقى له العلو والتمكين، من حيث لا يحتسب،
[ () ](7389) ، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب (39) ما لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (1795) .
[ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في البخاري.