الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر مشورة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه
قال الترمذي: ويروى عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وذكر مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، ثم تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقام سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فقال إيانا تريد يا رسول اللَّه، والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها في البحر لخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى [برك الغماد] لفعلنا، قال: فندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا وذكر الحديث [ (2) ] .
[ (1) ]
(تحفة الأحوذي) : 5/ 306، كتاب أبواب الجهاد، باب (34) ما جاء في المشورة، حديث رقم (1767) ولفظه: حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبى عبيدة عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء؟
وذكر قصة طويلة. وفي الباب عن عمر وأبى أيوب وأنس وأبى هريرة، [قال] : هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه" ويروى عن أبى هريرة قال: " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في (الفتح) بعد ذكر هذا الحديث: رجاله ثقات إلا أنه منقطع.
[ (2) ]
(صحيح مسلم) : 6/ 366، كتاب الجهاد والسير باب (30) غزوة بدر، حديث رقم (1779) وتمامه: «فانطلقوا حتى نزلوا بدرا وورد عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبى سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف فإذا قال ذلك ضربوه، فقال نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه، فقال: ما لي بأبي سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فإذا قال هذا أيضا ضربوه ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلى فلما رأى ذلك انصرف قال
وذكره أبو داود من طريق حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بهذا المعنى، وذكر الثاني في النسائي من حديث محمد بن [المثنى] قال: أنبأنا خالد وقال أنبأنا حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سار إلى بدر فاستشار المسلمون فأشار عليه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فقال الأنصاري: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: إذا لا تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
اذهب أنت وربك فقاتلا، والّذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادنا إلى برك الغماد لاتبعناك [ (1) ] .
وقد ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن عمر الواقدي وساقه الواقدي أنه قال: ومضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان [دوين][ (2) ] بدر أتاه الخبر بمسير قريش فأخبرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمسيرهم واستشار الناس فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قال يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلّت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا، ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال:
يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (3) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك- وبرك الغماد من وراء مكة بخمس ليال من وراء الساحل مما يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن. فقال له رسول اللَّه
[ () ] والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم. قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذا مصرع فلان قال ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا
قال فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ (1) ] سبق تخريج الأحاديث والآثار في شرح غزوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ] في (الأصل) : (دون) ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) .
[ (3) ] المائدة: 24.
صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ أيها الناس! وإنما يريد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأنصار، وكان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول اللَّه تريدنا! قال: أجل.
قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوى إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي اللَّه، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والّذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم، وما نكره أن يلقانا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك [ (1) ] .
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم ابن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: قال سعد: يا رسول اللَّه، إنا قد خلفنا من قومنا ما نحن بأشد حبّا لك منهم، ولا أطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا يا رسول اللَّه أنك ملاق عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشا فتكون فيه ونعد لك رواحلك، ثم نلقى عدوّنا فإن أعزّنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خيرا.
وقال: أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد! [ (2) ] قالوا: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللَّه، لكأنّي انظر إلى مصارع القوم
[ (3) ] قال: وأرانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مصارعهم يومئذ، هذا مصرع فلان، وهذا
[ (1) ] ، (2)، (3) (مغازي الواقدي) : 1/ 48- 55 باختلاف يسير.
مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه. قال: فعلم القوم أنهم يلاقون القتال، وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبعة عشر ليلة مضت من رمضان، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أشيروا علي في المنزل. فقال الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه اللَّه فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
قال: فإن هذا ليس بمنزل! انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإنّي عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح، ثم نبني عليها حوضا ونقذف فيه الآنية، فنشرب ونقاتل، ونغور ما سواها من القلب [ (1) ] .
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود ابن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: الرأي ما أشار به الحباب فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يا حباب أشرت بالرأي!
فنهض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ففعل كل ذلك] [ (2) ] ، وأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما استشارهما صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر.
[قال الواقدي: ولما حبس الأسرى ببدر- استعمل عليهم شقران وكان المسلمون قد اقترعوا عليهم- طمعوا في الحيا فقالوا: لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه! فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم فقالوا: يا أبا بكر، إن فينا الآباء والأبناء والإخوان والعمومة وبني العم، وأبعدنا قريب، كلّم صاحبك فيمن علينا أن يفادنا. فقال:
نعم إن شاء اللَّه، لا آلوكم خيرا.
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 1/ 53.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 54.
ثم انصرف إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: وابعثوا إلى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. فإنه من علمتم، فلا نأمن أن يفسد عليكم لعله يكف عنكم فأرسلوا إليه.
فجاءهم فقالوا له مثل ما قالوا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لن آلوكم خيرا، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فوجد أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يلينه. يقول: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب فامنن عليهم من اللَّه عليك، أو فادهم يستنفدهم اللَّه بك من النار. فتأخذ منهم ما أخذت قوة المسلمين. فلعل يقبل بقلوبهم عليك. ثم قام فتنحى ناحية، وسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يجبه.
ثم جاء عمر، فجلس مجلس أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
فقال: يا رسول اللَّه، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك. اضرب رقابهم. هم رءوس الكفر، وأئمة الضلالة. يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل بهم اللَّه أهل الشرك. فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، وعاد أبو بكر إلى مجلسه الأول، وقال: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى، قومك فيهم الآباء، والأبناء، والعمومة، والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب. فامنن عليهم، أو فادهم فهم عترتك وقومك لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم اللَّه خيرا من أن تهلكهم فسكت عنه ساعة، ولم يرد عليه شيئا، فقام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فجلس مجلسه، فقال: يا رسول اللَّه: ما تنتظر بهم؟ اضرب رقابهم يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل أهل الشرك، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك، يا رسول اللَّه اشف صدور المؤمنين لو قدروا على مثل هذا منا ما أقالونا أبدا، فجلس فعاد أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكلمه مثل كلامه الّذي كلمه، فلم يجبه، ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل، فمكث فيها ساعة، وخرج والناس يخوضون في شأنهم. يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وآخرون يقولون: القول ما قال عمر.
فلما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما تقولون في صاحبيكم هذين دعوهما. فإن لهما مثلا، مثل أبى بكر كمثل ميكائيل ينزل برضاء اللَّه، وعفوه عن عباده، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل. أوقد له قومه النار فطرحوه فيها. فما زاد على أن قال: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [ (1) ]، وقال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (2) ] ، ومثله مثل عيسى، إذ يقول: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (3) ] ومثل عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالسخط من اللَّه والنقمة على [عباد] اللَّه، ومثله في الأنبياء كمثل نوح، كان أشد على قومه من الحجارة. إذ يقول رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (4) ] . فدعى عليهم دعوة أغرق اللَّه الأرض جميعها، ومثل موسى إذ يقول: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [ (5) ] ، وإن بكم عيلة، فلا يفوتكم رجلا من هؤلاء إلا بفداء أو ضربة عنق، فقال عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه: إلا سهيل بن بيضاء [قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة فما شهد بدرا، إنما هو أخ له يقال له [سهل][ (6) ] فإنّي رأيته يظهر الإسلام بمكة. فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال عبد
[ (1) ] الأنبياء: 67.
[ (2) ] إبراهيم: 36.
[ (3) ] المائدة: 118.
[ (4) ] نوح: 26.
[ (5) ] يونس: 88.
[ (6) ] من بنى الحارث بن فهر وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وهو من العشرة الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة وكان عليهم عثمان بن مظعون (سيرة ابن هشام) 2/ 165 وذكره ابن هشام أيضا فيمن ذكر ممن هاجروا من بنى الحارث (المرجع السابق) :
2/ 172. وذكره ابن إسحاق أيضا في العائدين من أرض الحبشة من بنى الحارث (المرجع
اللَّه: فما مرت على ساعة قط كانت أشد على من تلك الساعة، فجعلت انظر إلى السماء أتخوف أن تسقط على الحجارة لتقدمى بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالكلام. فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه. فقال إلا سهيل بن بيضاء فما مرت على ساعة أقر لعيني منها. إذ قالها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه عز وجل ليشدد على القلب فيه حتى يكون أشد من الحجارة، وإنه ليلين القلب فيه حتى يكون ألين من الزبد، وقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهم الفداء، وقال صلى الله عليه وسلم لو نزل من السماء نار يوم بدر ما نجا منه إلا عمر كان يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء،
وكان سعد بن معاذ يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء [ (1) ] .
قال الواقدي: وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد والترمذي [ (3) ] في التفسير من حديث عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آت ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض،
فما زال يهتف بربه، ومادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك
[ () ] السابق) : 2/ 213 وذكره ابن إسحاق فيمن صحب عبد اللَّه بن جحش في سريته من بني الحارث بن فهر. (المرجع السابق) 3/ 147.
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 1/ 108- 110.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 12/ 326، كتاب الجهاد باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم حديث رقم (1763) .
[ (3) ](سنن الترمذي) : 5/ 251- 252، كتاب تفسير القرآن باب (9) سورة الأنفال حديث رقم (3081) وقال في آخر الحديث: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمر، إلا من حديث عكرمة بن عمار عن أبى زميل، وأبو زميل اسمه سماك الحنفي، وإنما كان هذا يوم بدر.
فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [ (1) ] قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيا، فنظر إليه، فإذا هو قد حطم أنفه، وشق، كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع،
فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي اللَّه، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم، للإسلام فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكنا فتضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان «نسيبا لعمر» فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت:
يا رسول اللَّه، أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبكى للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض على عذابهم أدنى هذه
[ (1) ] الأنفال: 9.
وأخرجه أيضا أبو داود في الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال مختصرا وسياق هذا الحديث مضطربا في (الأصل) وأثبتناه من (صحيح مسلم) .
الشجرة
- شجرة قريبة من نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنزل اللَّه عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
فأحل اللَّه الغنيمة لهم.
وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ورأيت في سيفي فلّا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ،
ورأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا، في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب أن يوافق على مثل ما رأى، وعلى ما عبر عليه الرؤيا فقام عبد اللَّه بن أبىّ فقال: يا رسول اللَّه كنا نقاتل في الجاهلية ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي، ونجعل معهم الحجارة واللَّه لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية، وترمى المرأة والصبى من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك. يا رسول اللَّه، إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، وما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناه. فدعهم يا رسول اللَّه. فإنّهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس، وأن رجعوا خائبين مغلوبين، لم ينال خيرا. يا رسول اللَّه، أطعني في هذا الأمر، وأعلم أنى ورثت هذا الأمر الرأى من أكابر قومي، وأهل الرأى منهم. فهم كانوا أهل الحرب والتجربة. فكان رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع رأى ابن أبىّ، وكان ذلك رأى الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 209- 211.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، وارموا من فوق الصياصي والآطام،
وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية.
فهي كالحصن. فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وطلبوا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى عدوهم، ورغبوا في الشهادة، وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا، وقال رجال من أهل السن، وأهل النية، منهم حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، في غيرهم من الأوس والخزرج رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: إنا نخشى يا رسول اللَّه أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفرك اللَّه عليهم، ونحن اليوم بشر كثير قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعوا اللَّه به، فقد ساقه اللَّه إلينا في ساحتنا. ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتسامون كأنهم الفحول.
وقال مالك بن سنان أبو أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه نحن واللَّه بين إحدى الحسنيين، إما يظفرنا اللَّه بهم، فهذا الّذي نريد، فيذلهم اللَّه لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر، فلا يبقى منهم الا الشريد، والأخرى يا رسول اللَّه، يرزقنا اللَّه الشهادة، واللَّه يا رسول اللَّه ما أبالى أيهما، كان أن كلّا لفيه الخير، فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليه قولا، وسكت. فقال حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه:
والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة. وكان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما، ويوم السبت صائما، فلاقاهم وهو صائم.
وقال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بنى سالم: يا رسول اللَّه، أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك وأنى منهم، فلم تحرمنا الجنة؟ فو الّذي لا إله إلا هو لأدخلنها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بم؟ قال: إني أحب اللَّه
ورسوله ولا أفر يوم الزحف. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صدقت! فاستشهد يومئذ
وقال إياس بن أوس بن عتيك: يا رسول اللَّه، نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح، نرجو يا رسول اللَّه أن نذبّح في القوم ويذبّح فينا، فنصير إلى الجنة، ويصيرون إلى النار. مع أنى يا رسول اللَّه لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون: حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها! فيكون هذا جرأة لقريش، وقد وطئوا سعفنا، فإذا لم نذب عن عرضنا لم نزرع، وقد كنا يا رسول اللَّه في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبهم عنا، فنحن اليوم أحق إذ أيّدنا اللَّه بك، وعرفنا مصيرنا، لا نحصر أنفسنا في بيوتنا.
وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال: يا رسول اللَّه، إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيشها، ثم جاءونا وقد قادوا الخيل، وامتطوا الإبل، حتى نزلوا بساحتنا فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا، فيجرئهم ذلك علينا حتى يشون الغارات علينا، ويصيبوا أطرافنا ويضعوا العيون والأرصاد علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا، ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطعموا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم، فنذبهم عن جوارنا وعسى اللَّه أن يظفرنا بهم فتلك عادة اللَّه عندنا، أو تكون الأخرى فهي الشهادة. لقد أخطأتنى وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد كنت حريصا على الشهادة. وقد رأيت ابني البارحة في النوم في النوم أحسن صورة، يسرحى في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول: ألحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربى حقا، وقد واللَّه يا رسول اللَّه أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة وقد كبرت سنى، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربى، فادع اللَّه يا رسول اللَّه أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة. فدعى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك، فقتل بأحد شهيدا.
وقال أنس بن قتادة: يا رسول اللَّه، هي إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الغنيمة والظفر في قتلهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إني أخاف عليكم الهزيمة.
فلما أبوا إلا الخروج صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس، ثم وعظ الناس وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بذلك حيث أعلمهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشخوص إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ثم صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العصر بالناس، وقد حشد الناس وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام. فحضرت بنو عمرو بن عوف ولفها، والنبيت ولفها، وتلبث السلاح.
فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيته، ودخل معه أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فعمماه ولبساه، وصف الناس له ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه. فجاءهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: قلتم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر، إليه فما أمركم، فافعلوه وما رأيتم له فيه هوى أو رأى فأطيعوه.
فبينا القوم على ذلك من الأمر، وبعض القوم يقول: القول ما قال سعد، وبعضهم على البصيرة على الشخوص، وبعضهم للخروج كاره، إذا خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم، كانت عند آل أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد، واعتم، وتقلد السيف.
فلما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ندموا جميعا على ما صنعوا، وقال الذين يلحون على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما كان لنا أن نلح على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أمر يهوي خلافه. وندّمهم أهل الرأي الذين كانوا يشيرون بالمقام،
فقالوا: يا رسول اللَّه ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك والأمر إلى اللَّه ثم إليك، فقال: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. ثم قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انظروا ما أمرتكم به فاتّبعوه، امضوا على اسم اللَّه فلكم النصر ما صبرتم.
وقال الواقدي [ (1) ] : حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال حصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إنك إن تشأ لا تعبد!
فبينا هم على ذلك من الحال أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف- ولم يحضر الخندق الحارث بن عوف ولا قومه، ويقال حضرها الحارث بن عوف. قال ابن واقد: وهو أثبت القولين عندنا.
وإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرسل إليه وإلى عيينة: أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟ قالا: تعطينا نصف تمر المدينة. فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يزيدها على الثلث، فرضيا بذلك
وجاءا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر، فجاءوا وقد أحضر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه وأحضر الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأعطاه الصحيفة وهو يريد أن يكتب الصلح بينهم، وعباد ابن بشر قائم على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد. فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا يدري بما كان من الكلام فلما جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاء وعيينة مادّا رجليه بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلم ما يريدون، فقال: يا عين الهجرس [ (2) ] اقبض رجليك! أتمد رجليك بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ - ومعه الرمح- واللَّه، لولا رسول اللَّه لأنفذت صلى الله عليه وسلم خصيتك بالرمح! ثم أقبل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو اللَّه لا نعطيهم إلا السيف! متى طمعوا بهذا
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 476- 480.
[ (2) ] الهجرس بالكسر: ولد الثعلب. (لسان العرب) : 6/ 246.
منا؟ فاسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فاستشارهما في ذلك، وهو متكئ عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخيفه، وأخبرهما بما قد أراد من الصلح، فقالا: إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى، فسمعا وطاعة، وإن كان إنما هو الرأى فما لهم عندنا إلا السيف.
وأخذ سعد بن معاذ الكتاب
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم فقالا: يا رسول اللَّه، إن كانوا ليأكلون العلهز [ (1) ] في الجاهلية من الجهد، وما طمعوا بهذا منا قط أن يأخذوا تمرة الا بشرى أو قرى! فحين أتانا اللَّه تعالى بك وأكرمنا بك، وهدانا بك نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب فتفل سعد فيه، ثم شقه وقال: بيننا السيف! فقام عيينة وهو يقول: أما واللَّه للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة. فقال عباد بن بشر يا عيينة أبا السيف تخوفنا؟ ستعلم أينا أجزع وإلا فو اللَّه لقد كنت أنت وقومك تأكلون العلهز والرمة من الجهد فتأتون هاهنا ما تطمعون بهذا منا ألا ترى وقرى أو شرى ونحن لا نعبد شيئا، فلما هدانا اللَّه وأيدنا بمحمد صلى الله عليه وسلم سألتمونا هذه الخطة! أما واللَّه لولا مكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا، بيننا السيف! رافعا صوته.
فرجع عيينة والحارث وهما يقولان: واللَّه، ما نرى أن ندرك منهم شيئا ولقد أنهجت للقوم بصائرهم! واللَّه، ما حضرت إلا كرها لقوم غلبوني، وما مقامنا بشيء، مع أن قريشا إن علمت بما عرضنا على محمد عرفت أنا قد خذلناها ولم ننصرها. قال عيينة: هو واللَّه ذلك! قال الحارث: أما إنا لم نصب بتعرضنا لنصر قريش على محمد، واللَّه لئن ظهرت قريش على محمد
[ (1) ] العلهز: هو شيء يتخذونه في سنى المجاعة، يخلطون الدم بأوبار الإبل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه. (النهاية) : 3/ 124.
ليكونن الأمر فيها دون سائر العرب، مع أنى أرى أمر محمد أمرا ظاهرا.
واللَّه، لقد كان أحبار يهود خيبر وأنهم يحدثون أنهم يجدون في كتبهم أنه يبعث نبي من الحرم على صفته.
قال عيينة: أنا واللَّه ما جئنا. ننصر قريشا ولو استنصرنا قريشا ما نصرتنا ولا خرجت معنا من حرمها، ولكنى كنت أطمع أن نأخذ تمر المدينة فيكون لنا به ذكر مع ما لنا فيه من منفعة الغنيمة، مع أنا ننصر حلفاءنا من اليهود فهم جلبونا إلى ما هاهنا. قال الحارث قد واللَّه أبت الأوس والخزرج إلا السيف، واللَّه لتقاتلن عن هذا السعف، ما بقي منها رجل مقيم، وقد أجدب الجناب، وهلك الحباب وهلك الخف والكراع. قال عيينة لا شيء.
فلما أتيا منزلهما جاءتهما غطفان فقالوا: ما وراءكم؟ قالوا: لم يتم الأمر، رأينا قوما على بصيرة وبذل أنفسهم دون صاحبهم وقد هلكنا وهلكت قريش، وقريش تنصرف ولا تكلم محمدا! وإنما يقع حرّ محمد ببني قريظة، إذا ولينا جثم عليهم فحصرهم جمعة حتى يعطوا بأيديهم. قال الحارث: بعدا وسحقا! محمد أحب إلينا من اليهود.
وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني خارجة بن عبد اللَّه عن داود بن الحصين، عن أبى سفيان، عن محمد بن مسلمة قال وتنحى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجلس، ودنت الأوس الى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت بنى قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبى، وهبت له ثلاثمائة حاسر وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد، فهبهم لنا. ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم حتى أكثروا عليه وألحوا ونطقت الأوس كلها،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟
قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ.
وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة بنت سعد بن عتبة، وكانت تداوى الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع والّذي لا أحد له. وكان لها خيمة في المسجد وكان رسول اللَّه
[ (1) ](المغازي للواقدي) : 2/ 510.
صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فيها. فلما جعل صلى الله عليه وسلم الحكم إلى سعد بن معاذ خرجت الأوس حتى جاءوه، فحملوه على حمار، وعلى الحمار قطيفة وخطامه حبل من ليف، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبىّ وما صنع في حلفائه. والضحاك بن خليفة [ (1) ] يقول: يا أبا عمرو مواليك، مواليك! قد منعوك في المواطن كلها واختاروك على من سواك ورجوا عياذك، ولهم جمال وعدد.
وقال سلمة بن سلامة بن وقش: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك وحلفاءك، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب البقية، نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن كلها، ولا تكن شرا من ابن أبىّ.
قال إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: وجعل قائلهم يقول يا أبا عمرو، إنا واللَّه قاتلنا بهم فقتلنا، وعاززنا بهم فعززنا، قالوا: وسعد لا يتكلم، حتى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك ابن خليفة ثم: وا قوماه! ثم رجع الضحاك إلى الأوس فنعى لهم بنى قريظة.
وقال معتب [ (2) ] بن قشير وا سوء صباحاه! وقال حاطب بن أمية الظفري: ذهب قومي آخر الدهر.
وأقبل سعد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والناس حوله جلوس فلما طلع سعد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم.
فكان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون
[ (1) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهلي، شهد غزوة بنى النضير، وله ذكر وليست له رواية. (الإصابة) : 3/ 475.
[ (2) ] معتب بن قشير بقاف ومعجمة مصغرا، ابن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، ذكروه فيمن شهد العقبة، وقيل: إنه كان منافقا، وإنه الّذي قال يوم أحد لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا وقيل: إنه تاب، وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا. (الإصابة) : 6/ 175، ترجمة رقم (8125)، (طبقات ابن سعد) : 3/ 34.
فقمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقائل يقول: إنما عنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقوله:
قوموا إلى سيدكم،
يعنى به الأنصار دون قريش. قالت الأوس الذين بقوا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لسعد: يا أبا عمرو، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد ولاك الحكم، فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك.
فقال سعد بن معاذ: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، قد رضينا بحكمك وأنت غائب عنا، اختيارا منا، ورجاء أن تمن علينا كما فعله غيرك من حلفائه من قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك، فقال سعد: لا آلوكم جهدا. فقالوا: ما يعنى بقوله هذا؟ ثم قال عليكم عهد اللَّه وميثاقه أنّ الحكم فيكم ما حكمت؟ قالوا: نعم.
قال سعد للناحية الأخرى التي فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها إجلالا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن معه: نعم. قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتلا من جرت عليه الموسى [ (1) ] ، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
لقد حكمت بحكم اللَّه عز وجل من فوق سبع أرقعة [ (2) ] .
وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبحها نزلت قريظة على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قد دعا فقال: اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أقاتل من قوم كذبوا رسول اللَّه، وآذوه
[ (1) ] وفي ذلك كناية عن الإنبات، وهو نبات شعر العانة، فجعله علامة على البلوغ، وليس ذلك حد إلا في أهل الشرك عند الأكثرين، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: الإنبات حد يقام به الحد على من أنبت، ويحكى مثل ذلك عن مالك رحمه الله، فأما من جعله مخصوصا بأهل الشرك:
فيشبه أن يكون أن أهل الشرك لا يوقف على بلوغهم من جهة السن، ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عنهم، وأداء الجزية، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف المسلمين فإنّهم يمكن أن تعرف أوقات بلوغهم وولادتهم. (جامع الأصول) : 8/ 279.
[ (2) ] الأرقعة السموات، والواحدة رقيع.
وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنا وعنهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة! فأقر اللَّه عينه منهم.
فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية العزار ابنتة الحارث [ (1) ] وأمضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بنى قريظة حكم سعد فضرب أعناق الرجال واسترق النشئ والذرية وقسم الأموال وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي فحكم فيهم بأن يقتل الرجال ويقسم الأموال ويسبى الذراري والنساء [ (2) ] .
وقد خرج البخاري ومسلم حكم سعد في بنى قريظة من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت أبا سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم، ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
[ (1) ] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية، ذكرها ابن حبيب في (المبايعات) ، وذكر ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) أن بنى قريظة لما حكم فيهم سعد ابن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث، امرأة من الأنصار من بني النجار.
قال الحافظ في (الإصابة) : وتكرر في السيرة، وأما الواقدي فيقول: رملة بنت الحدث، بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها.
وقال ابن سعد في (الطبقات) : رملة بنت الحارث، وهو الحارث بن ثعلبة بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، تكنى أم ثابت، وأمها كبشة بنت ثابت بن النعمان ابن حرام، وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة. لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 651، ترجمة رقم (11183)، (طبقات ابن سعد) : 8/ 327.
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 195.
قضيت بحكم اللَّه، وربما قال: قضيت بحكم الملك، ولم يذكر محمد بن المثنى من رواية مسلم [ (1) ] : وربما قال قضيت بحكم الملك، وذكر من رواية عبد الرحمن ابن مهدي عن شعبة بهذا الإسناد، وقال في حديثه: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم اللَّه. وقال مرة: حكمت بحكم الملك. وكرره البخاري في [الاستئذان] ، وفي كتاب الجهاد، وفي كتاب المناقب، وغير ذلك مطولا، ومختصرا، وذكره مسلم من عدة طرق [ (2) ] .
وذكر الواقدي: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام في المسلمين، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين استنفروا إليّ من أطاعهم ليصدون عن المسجد الحرام؟ أترون أن نمضي لوجهنا إلى البيت فمن صدنا عنهم قاتلناه، أم ترون أن نخلف هؤلاء الذين استنفروا لنا إلى أهليهم فنصيبهم؟ فإن اتبعونا اتبعنا منهم عنق يقطعها اللَّه، وأن قعدوا قعدوا محزونين موتورين!.
فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: اللَّه ورسوله اعلم! نرى يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نمضي لوجهنا فمن صدنا عن البيت قاتلناه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فإن خيل قريش فيها خالد بن الوليد بالغميم.
فقال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فلم أر أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانت مشاورته أصحابه في الحرب فقط. قال: فقام المقداد ابن عمرو فقال: يا رسول اللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
[ (1) ](شرح مسلم للنووي) : 12/ 339، كتاب الجهاد باب (22) جواز قتال من نقض العهد حديث رقم (65) .
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 203، كتاب الجهاد، باب (168) إذا نزل العدو، على حكم رجل، حديث رقم (3043) ، وذكره في المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب سعد بن معاذ، وفي الاستئذان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، ومسلم في الجهاد، باب جواز قتل من نقض العهد، حديث رقم (1768) ، وأبو داود في الأدب، باب ما جاء في القيام، حديث رقم (5215) ، (5216) .
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، واللَّه يا رسول اللَّه لو سرت إلى برك الغماد [ (2) ] لسرنا معك ما بقي منا رجل.
وتكلم أسيد بن حضير فقال يا رسول اللَّه نرى أن نصمد لما خرجنا له فمن صدّنا قاتلناه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنا لم نخرج لقتال أحد إنما خرجنا عمار.
ولقيه بديل بن ورقاء في نفر من أصحابه فقال يا محمد لقد اغتررت بقتال قومك جلابيب العرب، واللَّه ما أرى معك أحد له وجه، مع أنى أراكم قوما لا سلاح معكم، قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه:
عضضت بظر اللات! قال بديل: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك، فو اللَّه ما أتهم أنا ولا قومي ألا أكون أحب أن يظهر محمد! إني رأيت قريشا مقاتلتك عن ذراريها وأموالها، قد خرجوا إلى بلدح فضربوا الأبنية، معهم العوذ المطافيل، ورادفوا على الطعام، يطعمون الجزر من جاءهم، يتقوون بهم على حربكم فر رأيك.
قال الواقدي: فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الحديبيّة نزل بمر الظهران ثم نزل عسفان، فأرملوا [ (3) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنهم قد بلغوا الجهد [ (4) ] من الجوع وفي الناس ظهر، وقالوا: فننحر يا رسول اللَّه، وندهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه لا تفعل فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن أدعهم بأزوادهم ثم ادع اللَّه فيها.
[ (1) ] المائدة: 24
[ (2) ] برك الغماد: ووضع وراءه مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وفي كتاب عياض هو موضع أقاصى أرض هجر. (معجم البلدان) : 1/ 475، موضع رقم (1799) .
[ (3) ] أرمل القوم: إذا نفد زادهم.
[ (4) ] كذا في الأصل، وفي (مغازي الواقدي) :«قد بلغوا من الجوع» .
فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد فلينثره على الأنطاع.
قال أبو شريح [ (1) ] الكعبي: فلقد رأيت من يأتى بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتى بشيء، ويأتى بالكف من الدقيق، والكف من السويق، وذلك كله قليل.
فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليها فدعى فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم،
فجاءوا بأوعيتهم.
قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد حتى إن الرجل لأخذه ما لا [يجد له محملا [ (2) ]] .
قال الواقدي: ولما انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى منزله بعين خيبر [ (3) ] جعل مسجدا فصلى إليه من آخر الليل نافلة. فثارت راحلته تجر زمامها. فأدركت توجّه إلى الصخرة لا تريد أن تركب
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنّها مأمورة حتى بركت عند الصخرة،
فتحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة، وأمر برحله فحط، وأمر الناس بالتحول إليها، ثم ابتنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها مسجدا. فهو مسجدهم اليوم.
فلما أصبح جاءه الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى [تكلمنا] . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأى.
فقال:
[ (1) ] هو أبو شريح الخزاعي ثم الكعبي، خويلد بن عمرو وقيل عمرو بن خويلد وقيل هانئ وقيل كعب بن عمرو وقيل عبد الرحمن والأول أشهر، بكعب جزم ابن نمير وأبو خيثمة وتردد هارون الجمال في خويلد وكعب قال الطيرى هو خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية من بنى عدي بن عمرو بن ربيعة أسلم قبل الفتح وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 616.
[ (3) ](معجم البلدان) : 2/ 468 الموضع المذكور في غزاة النبي صلى الله عليه وسلم وهي على ناحية ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، تشتمل الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير.
يا رسول اللَّه دنوت من الحصن ونزلت بين ظهري النخل والنز [ (1) ] ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى منهم، ولا أعدل منهم [وهم مرتفعون] ، علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بيتهم يدخلون في خمر [ (2) ] النخل، تحول يا رسول اللَّه إلى موضع بريء من النز ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم.
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محمد ابن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم، بريئا من الوباء، نأمن فيه بياتهم، فطاف محمد حتى انتهى إلى الرجيع [ (3) ]، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال: وجدت لك منزلا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على بركة اللَّه تعالى.
وقاتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومه ذلك إلى الليل، يقاتل أهل النطاة، يقاتلها من أسفلها، وحشدت اليهود يومئذ،
فقال الحباب بن المنذر: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا.
وجعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلتقطون نبلهم، ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغدو بالمسلمين على راياتهم، وكان شعارهم: يا منصور أمت! فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، إن اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم، فاقطع نخلهم، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقطع النخل ووقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في القطع، فجاءه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال يا:
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن اللَّه عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجز ما وعدك، فلا تقطع النخل. فأمر فنادى منادى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنهى عن قطع النخل.
[ (1) ] النزّ: ما يتحلب من الأرض من الماء.
[ (2) ] الخمر بالتحريك: كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره. (النهاية) : 1/ 320.
[ (3) ] الرجيع: واد قرب خيبر.
قال وحدثني محمد بن يحيى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت نخلا بخيبر في النطاة مقطعة، فكان ذلك مما قطع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة قال: قطع المسلمون في النطاة أربعمائة عذق، ولم تقطع في غير النطاة فكان محمد بن مسلمة ينظر إلى صور من كبيس [ (1) ]، قال: أنا قطعت هذا الصور بيدي حتى سمعت بلالا ينادى: عزمة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يقطع النخل، فأمسكنا.
قال الواقدي [ (2) ] حدثني يحيى بن عبد العزيز، عن بشير بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد قال: قدم رجل من أشجع يقال له حسيل بن نويرة، وقد كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أين يا حسيل؟ قال:
قدمت من الجناب [ (3) ] . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما وراءك؟ قال: تركت جمعا من غطفان بالجناب، قد بعث إليهم عيينة يقول لهم: إما تسيروا إلينا وإما نسير إليكم. فأرسلوا إليه أن سر إلينا حتى نزحف إلى محمد جميعا، وهم يريدونك أو بعض أطرافك.
قال: فدعى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فذكر لهما ذلك، فقالا جميعا: ابعث بشير بن سعد، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشيرا فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل ويمكنوا النهار، وخرج معهم حسيل بن نويرة دليلا، فسار الليل وكمنوا
[ (1) ] الصور: النخل الصغار أو المجتمع. والكبيس: ضرب من التمر. (القاموس المحيط) .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 727.
[ (3) ](معجم البلدان) : 2/ 191، والجناب موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى وقيل هو منازل بنى مازن وقال نصر الجناب من ديار بنى فزارة من الدينة وفيد.
النهار حتى أتوا أسفل خيبر فنزلوا بسلاح [ (1) ]، ثم خرجوا من سلاح حتى دنوا من القوم فقال لهم الدليل: بينكم وبين القوم ثلثا نهار أو ونصفه، فإن أحببتم كمنتم وخرجت طليعة آتيكم بالخبر وإن أحببتم سرنا جميعا. فقالوا: بل نقدمك، فقدموه، فغاب عنهم ساعة ثم كرّ عليهم فقال: هذا أوائل سرحهم، فهل لكم أن تغيروا عليهم؟ فاختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: إن أغرنا الآن حذرنا الرجال والطعن. وقال أخرون: نغنم ما ظهر لنا، ثم نطلب القوم، فشجعوا على النعم، فأصابوا نعما كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء وخرجوا سراعا، ثم حذروا الجمع فتفرق الجمع وحذروا، ولحقوا بعلياء بلادهم، فخرج بشير بأصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس بها أحد.
فرجع بالنعم حتى إذا كانوا بسلاح راجعين لقوا عينا لعيينة فقتلوه ثم لقوا جمع عيينة وعيينة لا يشعر بهم فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة وتبعهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأصاب منهم رجل أو رجلين فأسروهما أسرا، فقدموا بهما على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما فأرسلهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: ومضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من حصن الطائف فضرب عسكره هناك فحين حل وأصحابه جاءه الحباب بن المنذر فقال فأخبره، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحولوا. قال عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن ما يسقط له سهم، وكان عمرو ابن أمية الضمريّ يحدث يقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة نزلنا [شيء اللَّه به عليم كأنه رجل من جراد] وترسنا لهم حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، ودعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا مستأخرا عن القوم فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف خارج من القرية فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحولوا. قال
[ (1) ] سلاح: موضع أسفل من خيبر، وكان بشير بن سعد الأنصاري لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى يمن وجبار في سرية للإيقاع بجمع من غطفان لقيهم بسلاح. (معجم البلدان) : 3/ 263، موضع رقم (6510) .
عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن بعشرته بمعابل كأنها الرماح، ما يسقط له سهم قالوا: وارتفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند مسجد أهل الطائف اليوم.
قال الواقدي [ (1) ] في غزوة تبوك: وكان هرقل قد بعث رجلا من غسّان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه، ثم وإلى خاتم النبوة بين كتفيى، وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف إلى هرقل فذكر له ذلك له، فدعى قومه إلى التصديق به، فأبوا حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف.
وكان الّذي خبر النبي صلى الله عليه وسلم من بعثته أصحابه ودنوه إلى أدنى الشام باطلا ولم يرد ذلك ولم يهم به.
وشاور رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو أمرت به ما استشرتكم فيه،
قال: يا رسول اللَّه فإن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث اللَّه لك في ذلك أمرا.
قال الواقدي [ (2) ] : فلما أجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسيرة من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فياكلوها، فأذن لهم فلقيهم عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في خيمة له فقال: أذنت الناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: شكوا إلى ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم،
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1018.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1037- 1039.
بنحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم، وهم قافلون إلى أهليهم.
فقال: يا رسول اللَّه، لا تفعل، فإن يكن للناس فضل من ظهرهم يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق، ولكن أدع بفضل أزوادهم ثم اجمعها فادع اللَّه فيها بالبركة كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرمنا، فإن اللَّه عز وجل يستجيب لك، فنادى منادى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل من زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتى بالمد الدقيق والسويق والتمر، والقبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (1) ] حزرا، ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلّى ركعتين، ثم دعا اللَّه عز وجل أن يبارك فيه.
فكان أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
قالوا ثم انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونادى مناديه: هلموا إلى الطعام خذوا منه حاجتكم، فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه. فقال بعضهم لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت إحداهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا، ما كفانا إلى المدينة، فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها.
فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى عبده ورسوله وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار.
وكان الذين رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رأيهم الحباب بن المنذر بن
[ (1) ] الأفراق: جمع فرق، وهو مكيال المدينة يسع ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلا، أو أربعة أرباع. والحرز: التقدير والخرص. (القاموس المحيط) .
الجموح، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأبو بكر، عمر، وسلمان فإنه أشار بحفر الخندق ولم تكن العرب تخندق عليها، وأشار أيضا بعمل المنجنيق.
قال الواقدي [ (1) ] عن عبد الحميد عن سليم بن يسار: أن سلمان الفارسي أشار بنصب المنجنيق على الطائف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعملوا ثم نصبه. على حصن الطائف.
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 3/ 927.