الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ وَلَا أَمْكَنَهُ تَعَلُّمَهَا، قَرَأَ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا
[394]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جميعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- يَبْلُغُ بِهِا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
[خ: 756]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ. ح، وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)).
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ- الَّذِي مَجّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرِهِمْ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُبَادَةَ ابْنَ الصَّامِتِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)).
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَزَادَ:((فَصَاعِدًا)).
في هذا الحديث: أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة، وَلَا تصح الصلاة بدونها، وهذا مجمع عليه في حق الإمام والمنفرد
(1)
، واختلفوا في وجوبها على المأموم على أربعة أقوال:
أحدها: ذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا تجب القراءة على المأموم في
(1)
الإقناع، لابن القطان (1/ 129).
الصلاة الجهرية، ويتحملها الإمام عنه
(1)
، واستدلوا بحديث:((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ))
(2)
، وهو حديث ضعيف.
وعند المالكية يستحب قراءتها للمأموم في الصلاة السرية، دون الجهرية، وعند الحنابلة تجب
(3)
.
الثاني: ذهب الأحناف إلى أن المأموم لا يقرأ الفاتحة خلف الإمام مطلقا حتى في الصلاة السرية، ويكره تحريما أن يقرأ خلف الإمام
(4)
.
الثالث: ذهب الشافعية إلى أنها تجب قراءتها في السرية والجهرية، وهو قول الشافعية
(5)
وهذا أرجح الأقوال؛ لعموم هذا الحديث: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ)).
وأما آية: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} ، وحديث:((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))
(6)
، فهما عامان يخصصهما هذا الحديث، وحديث:((لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ ))، قالوا: نعم، قال:((لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا))
(7)
، أخرجه أحمد وبعض أهل السنن بسند جيد.
وقراءة الفاتحة في حق المأموم واجب مخفف، يسقط بالجهل والنسيان،
(1)
الشرح الكبير، للدردير (1/ 236 - 237)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 228).
(2)
أخرجه أحمد (14643)، وابن ماجه (850)، قال الإمام البخاري رحمه الله في خير الكلام في القراءة خلف الإمام (ص 9) -:«هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه» .
(3)
شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 269)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 228)، المبدع، لابن مفلح (2/ 49 - 50).
(4)
الاختيار، لأبي الفضل الحنفي (1/ 50)، تبيين الحقائق، للزيلعي (1/ 131).
(5)
المجموع، للنووي (3/ 365)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري (1/ 149).
(6)
أخرجه أحمد (8889)، وأبو داود (604)، والنسائي (921)، وابن ماجه (846).
(7)
أخرجه أحمد (22694)، والترمذي (311).
وكذا يسقط إذا أدرك الإمام راكعًا، وكذا إذا أدركه في آخر القيام ولم يتمكن من قراءتها؛ لحديث أبي بكرة حين أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعًا، وركع خلف الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((زَادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ))
(1)
؛ فلم يأمره بقضاء الركعة.
الرابع: ذهب الإمام البخاري إلى أن الفاتحة لا تسقط عن المأموم، حتى ولو أدرك الإمام راكعًا، فإنه يقضي الركعة، وكذا لو تركها نسيانًا أو جهلًا فإنه يقضيها، وهذا اختيار الإمام البخاري في كتابه: جزء القراءة
(2)
.
وسكتات الصلاة: سكتة أولى عند تكبيرة الإحرام، والسكتة الثانية قبل الركوع، وهي سكتة خفيفة حتى يرتد إليه نَفَسُهُ، أما السكتة الثالثة بعد الفاتحة، فمحل خلاف بين أهل العلم، وليس هناك دليل واضح على السكوت بعد الفاتحة.
ويؤخذ من الحديث: أنه تجب قراءة الفاتحة في كل صلاة، حتى في صلاة الجنازة.
(1)
أخرجه البخاري (783).
(2)
القراءة خلف الإمام، للبخاري (ص 36).
[395]
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ)) - ثَلَاثًا- غَيْرُ تَمَامٍ، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ: مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)).
قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنِي بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ: ((دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي بَيْتِهِ فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْهُ)).
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ- مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ- مَوْلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ))، بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَفِي حَدِيثِهِمَا، ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي)).
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي، وَمِنْ أَبِي السَّائِبِ- وَكَانَا جَلِيسَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ- قَالَا: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) - يَقُولُهَا ثَلَاثًا، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: ((خِدَاجٌ))، أي: نقصان، أي: فهي ناقصة غير تامة، وقد دلت النصوص الأخرى على أنها باطلة؛ فهذا النقصان يبطلها.
وفي هذا الحديث: تسمية الفاتحة بأنها صلاة، يقول الرب عز وجل:((قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ)) وسميت الفاتحة صلاةً؛ لأنها أعظم أركان الصلاة؛ حيث تُقرأ في كل ركعة؛ ولأن الصلاة في اللغة: الدعاء، والفاتحة فيها الدعاء، وَلَا تصح الصلاة إلا بها، والفاتحة لها عدة أسماء، فهي تسمى: الفاتحة، وأم القرآن، والسبع المثاني.
وقوله: ((فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ})) دليل على أن أول آية من الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} ، وأن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولو كانت من الفاتحة لقال: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم.
وقوله: ((حَمِدَنِي عَبْدِي)) الحمد: هو الثناء على المحمود بصفاته الجليلة مع حبه وتعظيمه وإجلاله.
وقوله: ((أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي))، أي: كرر الثناء، من التثنية للشيء، فهو ثناء بعد ثناء.
وقوله: ((مَجَّدَنِي عَبْدِي))، أي: توسَّع في الثناء، واستكثر منه، ومن أسماء الله الحسنى: المجيد، أي: العظيم، ذو الصفات العظيمة الجليلة.
وقوله: ((فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ})) هذا اعتراف بحق الله عز وجل، وأنه المستحق للعبادة وحده، وأنه مخصوص بها
دون سواه، وهو توكل عليه وتخصيص الاستعانة به سبحانه، والاعتماد عليه وحده في أداء العبادة، وفي الأمور كلها.
وقوله: ((فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ})) هذا أفضل وأجمع وأنفع دعاء، أن تسأل الله أن يوفقك وأن يرشدك ويثبتك على الصراط المستقيم، وهو صراط المنعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، {غير المغضوب عليهم} وهم الغاوون الذين ضلوا، فعلموا ولم يعملوا بالعلم، {ولا الضالين} الذين يتعبدون على جهل وضلال، والصراط المستقيم: هو طريق الرشد والهداية، ولو كان هناك دعاء أفضل من هذا لأوجبه الله في الفاتحة؛ فدعاءٌ يجب على كل مسلم أن يقرأه في كل ركعة دعاءٌ عظيمٌ.
وفيه: إثبات الكلام لله، وهذا فيه الرد على الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام معنى قائم بالنفس، وأنه ليس بحرف وَلَا صوت، والنووي رحمه الله وابن حجر قد يؤولونه أحياناً، ويقولون: هذه الصفات - ومنها الكلام- تنسب للعبد المخلوق وَلَا يليق ظاهرها بجلال الله
(1)
.
فمذهب أهل السنة والجماعة أن كلام الله تعالى بحرف وصوت، وقد دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة، قال تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} ، وقال تعالى:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} ، والنداء يكون بالصوت، فهو رفع الصوت بالكلام للبعيد، وقوله:{وقربناه نجيًّا} : من المناجاة، وهو الكلام من قرب.
وجاء في الصحيحين أن الله تعالى ينادي آدم يوم القيامة، فيقول:((يا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ))، فَيَقُولُ:((أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، ))
(2)
، وفي الحديث الآخر:
(1)
فتح الباري، لابن حجر (13/ 453)، شرح مسلم، للنووي (6/ 36).
(2)
أخرجه البخاري (3348)، ومسلم (222).
((يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ))
(1)
.
وكلامه سبحانه وتعالى وإن كان بحرف وصوت، لكنه ليس ككلام المخلوقين، وَلَا يشبهه، فهو سبحانه ليس كمثله شيء.
وفيه: أن القراءة إنما تكون بحركة اللسان، حيث يسمع نفسه، وأن الذي يقرأ بقلبه وينظر بعينيه لا يعتبر قارئًا، ولكن هذا تدبُّر وتأمُّل، كما قال النووي:((((اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ)) فمعناه: اقرأها سرًّا بحيث تُسمع نفسك، وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا يقبل؛ لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه؛ ولهذا اتفقوا على أن الجُنُب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة))
(2)
.
[396]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ))، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ.
[772]
قوله: ((لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ))، أي: أن القراءة لا بد منها، إما سرًّا أو جهرًا.
(1)
علَّقه البخاري في الصحيح (9/ 141) بصيغة التمريض، ووصله أحمد (16042).
(2)
شرح مسلم، للنووي (4/ 103).
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو- قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِي كُلِّ الصَّلَاةِ يَقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَا مِنْكُمْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: إِنْ زِدْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْكَ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ- يَعْنِي: ابْنَ زُرَيْعٍ- عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ، فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ.
في هذا الحديث: أن الصلوات منها ما سُترّ فيها القراءة كلها، كالظهر والعصر، ومنها ما يجتمع فيها قراءة سرية، وقراءة جهرية؛ القراءة الجهرية في المغرب، والعشاء، وذلك في الركعتين الأوليين كالفجر، والجمعة، والاستسقاء، والكسوف، ومنها ما يُجهر فيها بالقراءة كلها، أما في الركعتين الأخريين فهي سرية.
وفيه: أن الواجب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأن الزيادة عليها في الركعتين الأوليين ليس بواجب، بل نافلة وخير وفضيلة، وأما الركعتان الأُخْرَيان فيقتصر فيهما على الفاتحة.
[397]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((وَعَلَيْكَ السَّلَامُ))، ثُمَّ قَالَ:((ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، عَلِّمْنِي، قَالَ:((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)).
[خ: 793]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَاحِيَةٍ، وَسَاقَا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَزَادَا فِيهِ:((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ)).
هذا الحديث يسمى عند أهل العلم: حديثَ المسيء صلاته.
وفي هذا الحديث: وجوب تعليم الجاهل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه كيفية الصلاة؛ لأنه صلى صلاة سريعة، ولم يُصَلِّ صلاة شرعية.
وقوله: ((ارْجِعْ فَصَلِّ))، أي: صل صلاة صحيحة شرعاً، ففيه دليل على وجوب الطمأنينة، وأنها ركن من أركان الصلاة، وأن من لم يطمئن في صلاته فصلاته باطلة يؤمر بإعادتها، والطمأنينة معناها: السكون والخشوع
في كل ركن من أركان الصلاة، حتى يعود كل مفصل إلى موضعه.
وفيه: أنه لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلوات الماضية مع أنه لا يحسن غيرها؛ لأنه معذور بالجهل فيها، لكنه لم يعذره بالصلاة الحاضرة، فإذا كان الإنسان يُخِلُّ بصلاته وهو جاهل لسنين طويلة، فإنه يؤمر بإعادة الصلاة الحاضرة، وَلَا يؤمر بإعادة ما مضى.
والحكمة من عدم أمره بإعادة الصلوات السابقة: أن قضائها مشقة عظيمة، والله عزو جل يقول:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} .
وفيه: مشروعية السلام، وأنه يشرع تكرار السلام إذا اشتغل الإنسان بشيء.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين له في أول الأمر؛ لعله ينتبه، فيعرف الخطأ، وَلَا شك أن البيان لا يؤخَّر عن وقت الحاجة، وقد يؤخَّر إلى وقت الحاجة.
وقوله: ((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ)) فيه: أنه زاده خيرًا على خير؛ لأنه كان يخل بالصلاة، فخشي أنه يخل بالوضوء؛ ولهذا وجَّهَه إلى الإسباغ، ففيه: أن المسؤول قد يزيد على سؤال السائل، فيجيبه عن شيء لم يسأل عنه؛ لأنه قد يحتاج إليه، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن ماء البحر:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ))
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (8735)، وأبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (59).