الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّهْيِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
[479]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ:((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ، إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عز وجل، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّتْرَ، وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ:((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-؟ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا، يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ))، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ.
في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بانتهاء النبوة، وأنه لم يبق إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له، وهو داخل في قوله تعالى:{لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فالبشرى تكون للمؤمن بالرؤيا الصالحة وبثناء المؤمنين عليه في الحياة الدنيا، ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بهذه الرؤيا، بل تزيده نشاطًا وقوة في العبادة.
وفيه: النهي عن القراءة في حال الركوع والسجود؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عز وجل)، أي: تقول: سبحان رب العظيم، وكذا الدعاء
التابع للتسبيح؛ كقولك: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي))
(1)
.
وفي السجود يكثر من الدعاء؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)) والمعنى: حريٌّ أن يستجاب لكم.
وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام يستشهد الله عليهم بأنه بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة يقول: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)) وقد قال هذا صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع، يوم عرفة، يوم خطب الناس فقال:((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ))؟
(2)
قالوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَفَعَ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَشْهِدُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فشهد له الصحابة بالبلاغ، ونحن نشهد بأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة عليه الصلاة والسلام، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله خير ما يجزي نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن أمته عليه الصلاة والسلام، فقد بلغ وحذر وأنذر، ولم يترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولم يترك شرًّا إلا حذر الأمة منه.
وفي حديث حجة الوداع من الفوائد: أن الله في العلو؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رفع إصبعه إلى السماء.
وفيه: أنه لا بأس بالإشارة إلى أن الله في العلو، خلافًا للجهمية والمعتزلة الذين ينكرون أن الله في العلو، ويقولون: أنتم تفعلون هذا لأنكم مشبهة، جعلتم الله متحيزًا محدودًا، وهذا من أبطل الباطل؛ فالله تعالى في العلو، وهو فوق، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى.
(1)
أخرجه البخاري (794)، ومسلم (484).
(2)
أخرجه البخاري (1739).
[480]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا.
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنَ الْوَلِيدِ- يَعْنِي: ابْنَ كَثِيرٍ- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَا رَاكِعٌ، أَوْ سَاجِدٌ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَلَا أَقُولُ: نَهَاكُمْ.
قوله: ((نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَلَا أَقُولُ: نَهَاكُمْ)) هذا من ورع علي رضي الله عنه، وإلا فإن نهي النبي صلى الله عليه وسلم للواحد هو نهي للأمة كلها؛ لأن الشريعة عامة، إلا ما ورد الدليل بخصوصه، كما في جذعة أبي نيار خال البراء بن عازب رضي الله عنهما، لما ذبح الأضحية قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً- هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ- أَفَتَجْزِي عَنِّي، قَالَ:((نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (955).
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَال: نَهَانِي حِبِّي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. ح، وَحَدَّثَنِي عِيسَى ابْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: ح، وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: ح، وَحَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ. ح، وَحَدَّثَنِي هَارُونُ ابْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ- وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو- قَالَ: ح، وَحَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ. ح، إِلَّا الضَّحَّاكَ، وَابْنَ عَجْلَانَ فَإِنَّهُمَا زَادَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ قَالُوا: نَهَانِي عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَا رَاكِعٌ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمْ، النَّهْيَ عَنْهَا فِي السُّجُودِ، كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فِي السُّجُودِ.
[481]
وَحَدَّثَنِي، عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ، وَأَنَا رَاكِعٌ، لَا يَذْكُرُ فِي الإِسْنَادِ عَلِيًّا.
قوله: ((نَهَانِي حِبِّي صلى الله عليه وسلم) حبي: يعني: حبيبي، أَوْ محبوبي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن يزيد رضي الله عنه حب رسول الله، وزيد بن حارثة أبوه رضي الله عنه هو حب
رسول الله كذلك، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحب كثيرين، فهو يحب عليًّا، ويحب أبا بكر، ويحب عائشة، ويحب أسامة رضي الله عنهم جميعًا، أما الخلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يخالل أحدًا من الخلق، وإنما هو خليل لربه عز وجل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((أَلَا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ))
(1)
، وهذا يدل على أن المحبة أوسع من الخلة، والخلة هي نهاية المحبة، وأنه لا يتسع القلب لأكثر من خليل؛ ولهذا لما خالل النبي صلى الله عليه وسلم ربه لم يتسع قلبه لخلة أحد، ولو كان فيه متسع لكان لأبي بكر رضي الله عنه.
قوله: ((نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ، وَأَنَا رَاكِعٌ)) ظاهره التحريم، وأنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، حتى إن بعضهم قال: لو تعمد لبطلت صلاته
(2)
، إلا إذا كان ناسيًا فإنه يُعفى عنه.
(1)
أخرجه مسلم (2383).
(2)
المحلى، لابن حزم (2/ 361).