الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ
[866]
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَوَاتِ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: زَكَرِيَّاءُ عَنْ سِمَاكٍ.
قوله: ((كَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا))، أي: متوسطة، وليست طويلة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم، فيجمع المعاني الغزيرة في ألفاظ قليلة.
وفي حديث آخر: ((أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ))
(1)
، فكلماته معدودة، بخلاف ما يفعله كثير من الناس من الثرثرة والتكرار، والمعنى قليل، وهذا عكس ما هو مطلوب، ولو طالت الخطبة أنسى بعضُها بعضًا، وسيأتي حديث:((إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا))، وهذا هو الغالب، ولكن قد تدعو الحاجة إلى الإطالة أحيانًا، كأن يكون الموضوع يحتاج إلى أن يستوفيه الخطيب، وقد تكون موعظة طويلة أحيانًا، كأن تحدث أمور مهمة لا بد للخطيب من أن يبينها، وقد ثبت في صحيح مسلم: ((عن عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا
(1)
أخرجه البخاري (3568)، ومسلم (3014).
حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا))
(1)
، وقد حدث هذا لأمر عارض، وإلا فالغالب أن خطبته صلى الله عليه وسلم كانت قصدًا، وصلاته كذلك كانت قصدًا.
[867]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ:((صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ))، وَيَقُولُ:((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ)) - وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ: السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى-، وَيَقُولُ:((أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ))، ثُمَّ يَقُولُ:((أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؛ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ)).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
استدل العلماء بهذا الحديث على اشتراط أن يأتي خطيب الجمعة بحمد الله والثناء عليه، والشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، والصلاة والسلام على نبيه، والأمر بتقوى الله في الخطبتين جميعًا.
(1)
أخرجه مسلم (2894).
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ؛ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ:((مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ))، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ.
[868]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى- وَهُوَ أَبُو هَمَّامٍ- حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ، سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ))، قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((وَعَلَى قَوْمِكَ))، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ
أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: رُدُّوهَا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.
قوله: ((إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ))، أي: من مس الجن والجنون.
وقوله: ((وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ))، وفي رواية:((قَاعُوسَ الْبَحْرِ))
(1)
يعني: لجة البحر وقعره.
وقوله: ((رُدُّوهَا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ))، أي: إكرامًا لهم.
وفي هذا الحديث: أن السفهاء والمشركين قالوا لضماد: إن محمدًا مجنون، فقال ضماد: أنا أرقي من الجنون، يعني: عندي رقية أرقي بها، فلما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه أسلم في الحال.
[869]
حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)).
قوله: ((يَا أَبَا الْيَقْظَانِ)) هي كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه.
وقوله: ((فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ))، يعني: لو أطلتَ الخطبة.
وقوله: ((مَئِنَّةٌ))، أي: علامة ومظنة.
وفي هذا الحديث: بيان أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته علامة على فقه الخطيب؛ وذلك لأن الفقيه والبليغ هو الذي يجمع المعاني الغزيرة في ألفاظ قليلة، كخطب النبي صلى الله عليه وسلم، أما غير الفقيه وغير البليغ فيكون الكلام كثيرًا، والمعنى قليلًا، فيردد الكلام، ويعيده، وتكون خطبته ثرثرة فارغة.
وقوله: ((وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)) اختُلف فيه، هل هو ذم، أم مدح؟ فقال
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (3/ 271).
بعضهم: إنه ذم للبيان
(1)
، وقيل: بل هو مدح، وهو الأقرب؛ ولهذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، يعني: علامة على فقهه، ولا شك أن قصر الخطبة من البيان المحمود.
[870]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)).
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.
قوله: ((فَقَدْ غَوَى)) روي بفتح الواو، وبكسرها.
وقوله: ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) اختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وحديثُ أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
…
))
(2)
، فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الضمير العائد على الله تعالى، والضمير العائد على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال:((مِمَّا سِوَاهُمَا))، وهذا الخطيب لما قال:((وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى))، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))، أي: لا تجمع ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم مع ضمير الرب تبارك وتعالى.
فقيل: إن هذا الحديث منسوخ بحديث أنس: ((أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)).
وقيل: إن النهي عن جمع الضميرين معًا محمول على الأدب والتنزيه،
(1)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 237).
(2)
أخرجه البخاري (16)، ومسلم (44).
وحديث أنس رضي الله عنه محمول على الجواز؛ فالأفضل والأولى أن يُفرد ضمير النبي صلى الله عليه وسلم.
[871]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} .
[خ: 3230]
[872]
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ قَالَتْ: أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.
وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا- بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ.
[873]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: مَا حَفِظْتُ {ق} إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، قَالَتْ: وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا.
وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا سَنَتَيْنِ، أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ.
قولها: ((يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ)) لم ينقل عن غيرها من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة: ((ق)) على المنبر كل جمعة، وهذا يدل على أن أم هشام رضي الله عنها قالت ذلك على سبيل المبالغة، وأن مرادها أنها سمعته يقرأها مراتٍ على المنبر.
وفي هذه الأحاديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الآيات على المنبر يوم الجمعة، يذكِّر الناس؛ لأن الخطبة موعظة وتذكير، والقرآن أعظم موعظة.
والخطيب يقرأ على الناس سورة: {ق والقرآن المجيد} ؛ لما فيها من الموعظة، ففيها إثبات القرآن، وإثبات البعث والمعاد، وفيها أمر العباد بالنظر إلى آيات الله والتفكر فيها، وفي السماء، والأرض، والنبات، وفيها بيان مشاهد القيامة، وبيان أن الله تعالى يعلم ما توسوس به نفس الإنسان، وفيها التذكير بالموت وبالجنة والنار؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها.
وقولها: ((يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ)) استدل به أهل العلم على أنه ينبغي أن تتضمن الخطبة آيات من القرآن.
وقولها: ((لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا)) التنور: هو الذي يخبز فيه الخبز، وإما أن يُحفَر في الأرض، أو يُبنى.
[874]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا- وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
في هذا الحديث: أن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه أنكر على مروان لما رفع يديه، فالخطيب لا يرفع يديه، لكن يشير بإصبعه بالوحدانية.
وقوله: ((قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ)) لعله كان يُسمع من حوله فقط، ولم يكن يرفع صوته فيسمعه الناس كلهم؛ لأن درء المفسدة يقتضي هذا؛ فإنكار المنكر إذا ترتب عليه مفسدة أكبر فلا ينبغي القيام به، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وفيه: دليل على أن الخطيب لا يرفع يديه، وكذلك الناس لا يرفعون أيديهم يوم الجمعة، إلا في الاستسقاء، فيرفع يديه ويرفع الناس أيديهم، وفي غير الاستسقاء يشير بالمُسَبِّحة وهي الإصبع التي يُسبح بها، ويقال لها: السبابة؛ لأن الإنسان يشير بها إذا سب.