الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}
[863]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنْ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، وَلَمْ يَقُلْ: قَائِمًا.
[خ: 936]
وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ- يَعْنِي: الطَّحَّانَ- عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا أَنَا فِيهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} .
قوله: ((فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ))، أي: عير تحمل تجارة.
وقوله: (({انفضوا}))، أي: خرجوا إلى العير التي جاءت من الشام، ولم
يعلموا الحكم الشرعي أنه لا يجوز.
وقيل: إن هذا لما كانت الخطبة بعد الصلاة
(1)
، لكن هذا لا يصح له دليل.
وقوله: (({وتركوك قائمًا})) هذا من شدة حاجتهم وفاقتهم التي أصابتهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العدد القليل، ثم لما نهاهم الله وأدبهم تأدبوا، ولم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقتها إلا اثنا عشر رجلًا؛ لذا: اشترط المالكية في الجمعة اثنا عشر رجلًا، وهذا قول مرجوح
(2)
؛ لأن هذا وقع اتفاقًا.
وقال بعضهم: لا بد في الجمعة أن يكون العدد أربعين، معهم الإمام
(3)
، أو ليس معهم، على خلاف بينهم، وهذا مذهب الحنابلة
(4)
؛ لحديث: ((وَفِى كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ جُمُعَةٌ، وَفِطْرٌ، وَأَضْحًى؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ))
(5)
، والأحاديث الواردة في الباب ضعيفة.
القول الثاني: أن أقل عدد تنعقد به الجمعة ثلاثة سوى الإمام، وأن يكون الإمام والثلاثة ممن يجوز الاقتداء بهم في غير الجمعة
(6)
.
والصواب: أن أقل عدد للجمعة: ثلاثة وهو اختيار ابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، والثلاثة هم: مؤذن، وإمام، ومأموم مع المؤذن
(7)
.
وفي هذا الحديث: ثبات الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وسبقهما إلى
(1)
تفسير ابن كثير (8/ 124).
(2)
التاج والإكليل، للمواق (2/ 524).
(3)
المجموع، للنووي (4/ 487)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري (1/ 249).
(4)
الإقناع، للحجاوي (1/ 192)، المغني، لابن قدامة (2/ 242).
(5)
أخرجه البيهقي في الكبرى (5815)، والدارقطني (1579).
(6)
الاختيار لتعليل المختار، لأبي الفضل الحنفي (1/ 83).
(7)
المحلى، لابن حزم (3/ 250 - 251)، الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (5/ 355).
الخير، وملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث عن أشراط الساعة:((وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ))
(1)
، فالشيخان أبو بكر وعمر هما أفضل الصحابة، ولهما مزية على غيرهم، ولا يسبهما مَن مَسَّ الإيمانُ شغافَ قلبه.
[864]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أم الحكم يخطب قاعدًا، فقال: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
قوله: ((انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا)) هو من كلام الصحابي كعب بن عجرة رضي الله عنه، وقاله من باب الإنكار، ولم يرفع به صوته، ولكن قاله فسمعه من حوله.
وكعب بن عجرة رضي الله عنه صحابي جليل، له مكانته ومنزلته عند الناس، وعند الأمراء، بخلاف غيره من الصحابة رضي الله عنهم، فليس لهم هذه المنزلة؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن ينكر المنكر برفق، ولا ينكره بعنف، فيكون هذا أدعى إلى القبول، ولأن الشدة قد يحصل منها التنفير.
وفي هذا الحديث: دليل على أن هذا الصحابي يرى أن القيام للخطبة واجب لا يجوز تركه، وأنه شرط لصحتها.
(1)
أخرجه البخاري (3471).