الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
بَابُ الأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ، وَكَرَاهَةِ قَوْلِ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا
،
وَجَوَازِ قَوْلِ: أُنْسِيتُهَا
[788]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ:((يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا)).
[خ: 5042]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:(رحمه الله، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا)).
في هذا الحديث: جواز رفع الصوت بالقرآن في المسجد إذا لم يكن ثَمَّ مصلٍّ، أو تالٍ، أو نائم.
وفيه: أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).
الثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى:{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} .
فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال؛ لظاهر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، وأما الثاني فداخل في قوله تعالى:{ما ننسخ من آية أو ننسها} على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة
(1)
.
وفيه: حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ مطلقًا، وكذا فيما طريقه البلاغ.
قال النووي رحمه الله: ((قوله صلى الله عليه وسلم كُنْتُ أُنْسِيتُهَا دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلَّغه إلى الأمة، وقد تقدم في باب سجود السهو الكلام فيما يجوز من السهو عليه صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز، قال القاضي عياض رحمه الله: جمهور المحققين جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم ولكن من جوز قال: لا يُقَرُّ عليه، بل لا بد أن يتذكره، أو يذكره)).
(2)
تنبيه: ما جاء في حديث: ((مَا مِنَ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ))
(3)
فهو حديث ضعيف، والإنسان من طبيعته النسيان، لكن لا ينبغي للإنسان أن يهمل ما حفظه؛ لأن هذا من التفريط في خير كثير.
مسألة: قول الله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} ، وقوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُم} المراد: بالنسيان هنا: نسيان الترك، وهو الإعراض عن العمل.
وهذا لا ينافي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في أول الأمر، حينما يأتيه جبريل
(1)
حجة القراءات، لابن زنجلة (ص 109).
(2)
شرح مسلم، للنووي (6/ 76 - 77).
(3)
أخرجه أبو داود (1474)، والدارمي (3340).
عليه السلام بالوحي، فيحرك لسانه؛ خشية أن ينساه، فوعده الله تعالى أن يجعله في صدره في وقت النزول، ولا يضيع منه شيء، فجمعه الله في صدره، فكان بعد ذلك يسكت، فإذا ذهب جبريل قرأه، ولا يضيع منه شيء
(1)
.
[789]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ)).
[خ: 5031]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى- وَهُوَ الْقَطَّانُ- ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ. ح، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-.ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ- يَعْنِي: ابْنَ عِيَاضٍ- جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ:((وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ)).
[790]
وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا)).
[خ: 5032]
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ
(1)
أخرجه البخاري (50)، ومسلم (450).
عَبْدُ اللَّهِ: تَعَاهَدُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ، وَرُبَّمَا قَالَ: الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ)).
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((بِئْسَمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ سُورَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ)).
[791]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا))، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِابْنِ بَرَّادٍ.
[خ: 5033]
قوله: ((وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ))، يعني: إذا قام به يبقى متذكرًا له، وإذا تركه نسيه.
وقوله: ((النَّعَمِ)): هي: الإبل.
وقوله: ((تَفَصِّيًا))، يعني: تفلُّتًا.
وقوله: ((بِعُقُلِهَا)): جمع عقال، وهو الحبل الذي يربط به البعير.
وفي هذه الأحاديث: الحث على تعاهد القرآن، وأن من أعطاه الله القرآن وحفظه عن ظهر قلب عليه أن يتعاهده حتى لا ينساه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال:((اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآن)) أي: طلب ذُكره- بضم الذال- فينبغي استذكار القرآن وملازمة تلاوته، وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث بقوله:((استذكار القرآن وتعاهده))
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (6/ 193).
قوله: ((فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا))، فالإبل إذا عُقلت بالعقال- وهو الحبل الذي يربط به يد البعير وهي جالسة- تقوم واحدة بعد واحدة، فإذا قامت واحدة تحركت، ثم انفلت العقال، فإذا رأتها أختها قامت، ثم تتفلت، وهكذا صاحب القرآن.
فالإبل المعقلة إذا كانت يدها مربوطة بالعقال فإنها تحركه، ثم ينفلت هذا العقال وتذهب، وهذا إذا لم يكن عندها صاحبها، أما إذا كان عندها فإنه إذا انفلتت قام وربط العقال مرة ثانية، وإذا تحركت ثانية ربطها فبقيت، وكذلك صاحب القرآن إن عاهد عليه فصار يقرؤه بقي، وإلا ذهب، وهذه نصيحة من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
وقوله: ((بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ)): هذا ذم لهذه المقالة، أن يقول: نَسيت، بل يقول:((نُسِّيت))، وهذا النهي للتنزيه، والصارف عن التحريم إلى الكراهة التنزيهية قول الله تعالى:{سَنُقْرِئكَ فَلَا تَنسَى} ، ولم يقل: فلا تُنَسَّى، فدل على أن النهي الوارد في الحديث للتنزيه.