الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
[610]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح، قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ، فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يقول: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((نَزَلَ جِبْرِيلُ، فَأَمَّنِي، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ)).
[خ: 3221]
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا- وَهُوَ بِالْكُوفَةِ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ ! أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ، فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام، هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
[خ: 521]
[611]
قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ- زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَليِّ الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ.
[خ: 522]
في هذه الأحاديث: بيان وجوب أداء الصلاة في وقتها؛ فإن الله تعالى
حددها في أوقات محددة لا تتقدم ولا تتأخر، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} ، أي: مفروضة في الأوقات، فالصلاة محددة بأوقات جبريل حينما أَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله عز وجل.
وفيه: نصيحة الأمراء إذا خالفوا السنة؛ فإن عروة دخل على عمر بن عبد العزيز لما أخَّر الصلاة على عادة بني أمية، وكان هذا لما كان أميرًا على المدينة، وبعد ذلك لما ظهرت له السنة لزمها رحمه الله، وكذلك المغيرة عندما كان أميرًا على الكوفة لما أخَّر الصلاة أنكر عليه أبو مسعود الأنصاري
(1)
.
والنصيحة للأمراء وولاة الأمور والإنكار عليهم فيما يخالف شرع الله لا بد أن تكون دون فتنة، أو تشهير.
وعن أبي أمامة سهل بن سعد قال: ((صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ))
(2)
.
والثابت أن جبريل أَمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فصلى خمس صلوات، ثُمَّ نزل فصلى، ثُمَّ نزل فصلى، ثُمَّ نزل فصلى، ثُمَّ نزل فصلى، خمس صلوات، واللفظ الآخر في الحديث- كما سيأتي- في يومين: في اليوم الأول صلى في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر أوقات الصلوات الخمس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل الذي سأله عن أوقات الصلاة:((وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ))
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (521)، ومسلم (610).
(2)
أخرجه البخاري (549)، ومسلم (623).
(3)
أخرجه مسلم (613).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي، لَمْ يَفِئْ الْفَيْءُ بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ.
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ فِي حُجْرَتِهَا.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِي حُجْرَتِي.
في هذا الحديث: مشروعية التبكير في صلاة العصر؛ ولذلك كان النبي يصلي والشمس في حجرة عائشة رضي الله عنها، يعني: والشمس مرتفعة؛ لأنها إذا كانت الشمس في الحجرة لم يظهر الفيء، وإذا كان وقت الغروب صارت الشمس في أطراف الجدران وخرجت من الحجرة.
[612]
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ- وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ- حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلُ، ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)).
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ- وَاسْمَهْ: يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ، وَيُقَالُ: الْمَرَاغِيُّ، وَالْمَرَاغ: حَيٌّ مِنَ الأَزْدِ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ)).
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِمَا، قَالَ شُعْبَةُ: رَفَعَهُ مَرَّةً، وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَيْنِ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ)).
في هذه الأحاديث: بيان أوقات الصلاة:
قال بعض العلماء: وقت الاختيار للفجر إلى الإسفار جدًّا، ثُمَّ بعد ذلك يخرج وقت الاختيار ووقت الاضطرار من الإسفار إلى طلوع الشمس، ثُمَّ وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء مثله، ثُمَّ يأتي وقت العصر ليس بينهما فاصل، فإذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر، ثُمَّ يستمر إلى اصفرار الشمس، وما جاء في الحديث الآخر:((ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ))
(1)
، فهذا كان أولًا، ثُمَّ زاد الله الوقت ساعة إلى اصفرار الشمس، ثُمَّ من اصفرار الشمس إلى غروبها هذا وقت ضرورة، ثُمَّ المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، والعشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل، وإذا خرج وقت المغرب دخل وقت العشاء، ليس بينهما فاصل، فإذا غاب الشفق خرج وقت المغرب، ودخل وقت العشاء.
وجاء في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: أنه جمع جمعًا صوريًّا، يعني: صلى الظهر في آخر وقته أربع ركعات، ثُمَّ دخل وقت العصر فصلى العصر أربع ركعات في آخره، فكل صلاة وقعت في وقتها فهو جمعٌ صوري؛ لأنه ليس بينهما فاصل، أما العشاء فوقت اختياره إلى نصف الليل، وبينه وبين وقت الفجر فاصل، ووقت الفجر إلى طلوع الشمس، وبينه وبين وقت الظهر فاصل.
(1)
أخرجه أحمد (3081)، والترمذي (149).
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي: ابْنَ طَهْمَانَ- عَنِ الْحَجَّاجِ- وَهُوَ ابْنُ حَجَّاجٍ- عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ:((وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)).
في هذا الحديث: بيان لوقت المغرب، ويجمع بين ما سبق من أن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم وقت المغرب في يومين متواليين في وقت واحد: أن هذا كان أولًا، ثُمَّ زاد الله وقت المغرب ساعة، فاتسع إلى مغيب الشفق.
وذكر النووي رحمه الله أن مذهب الشافعي رحمه الله أن وقت المغرب بمقدار ما يتوضأ الإنسان، ويستر عورته، ويصلي ثلاث ركعات
(1)
، لكن هذا القول مرجوح، وهو على ما جاء أولًا، والصواب: أن وقت المغرب ممتد، كما في هذه الأحاديث، من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، لكنه أقصر الأوقات، وكذلك وقت الفجر يقارب ساعة وثلث الساعة، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
(1)
شرح مسلم، للنووي (5/ 111).
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يقول: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ.
هذا ليس بحديث، وقد رواه يحيى بن أبي كثير عن أبيه، قال الشراح: إن الإمام مسلم رحمه الله ذكر هذا؛ لأنه تعب في سياق هذه الأسانيد وضبطها، وأعجبه- أيضًا- سياق أحاديث توقيت الصلوات، فأراد أن يبين لطالب العلم أنه لا بد أن يتعب، وأن هذا العلم الذي حصَّله مسلم في ضبط الأسانيد والعناية بها ما جاء بالنوم والكسل، وإنما جاء بالتعب؛ فالعلم لا ينال براحة الجسم، وكان العلماء يتعبون ويسهرون، ويسافرون على أقدامهم، ويطلبون العلم، ويأخذون عن المشايخ، فالإمام أحمد رحمه الله خرج إلى طَرَسُوس ماشيًا، وخرج إلى اليمن ماشيًا
(1)
، وقال بقي بن مخلد:((أتيت العراق، وقد مُنع أحمد بن حنبل من الحديث، فسألته أن يحدثني، وكان بيني وبينه خُلة، فكان يحدثني بالحديث في زي السؤال، ونحن خلوة، حتى اجتمع لي عنه نحو من ثلاثمائة حديث))
(2)
.
فينبغي أن يحرص طالب العلم على حضور الحلقات لتحصيل الفوائد، وعليه الانتباه والعناية، لا سيما وقد زال الآن التعب في تحصيل العلم وكل شيء أصبح ميسرًا، فالكتب كلها مدونة، وما على الإنسان إلا أن يعطيها وقته وعقله، وأعطِ العلم كلَّك يعطِكَ بعضه.
(1)
مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي (ص 38).
(2)
سير أعلام النبلاء، للذهبي (13/ 291)، وقال:((قلت: هذه حكاية منقطعة)).
[613]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَزْرَقِ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ:((صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ)) - يَعْنِي: الْيَوْمَيْنِ- فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي، أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ، فَأَبْرَدَ بِهَا، فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ:((أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ ))، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ)).
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:((اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ))، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ بَعْضِهِ- شَكَّ حَرَمِيٌّ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ:((أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ)).
[614]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ:((الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَة، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، سَمِعَهُ مِنْه عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
قوله: ((بِغَلَسٍ)) الغلس: اختلاط ضوء الصبح بظلام الليل
(1)
، يعني: مبكرًا.
وقوله: ((فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ))، يعني: أخَّرها حتى أسفر قبل طلوع الشمس.
في هذه الأحاديث من الفوائد ما يلي:
(1)
النهاية، لابن الأثير (3/ 377).
1 -
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الأوقات بالفعل لما جاءه السائل، قال:((صَلِّ مَعَنَا))، فصلى معه اليوم الأول الصلوات في أول أوقاتها، وفي اليوم الثاني صلى في آخر أوقاتها، ثُمَّ قال للسائل:((وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ))، وفي الرواية الأخرى:((الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ)) إشارة إلى أن أوقات الصلوات محصورة بين هذين الوقتين، في اليوم الأول واليوم الثاني، وهو بيان لقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} ، أي: مفروضة في أوقات محددة بينها النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يبين المجمل في القرآن العزيز، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} .
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس، وأما حديث:((أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ- أَوْ لِأَجْرِهَا))
(1)
، وأحاديث التغليس أصح، وعلى فرض صحة أحاديث الإسفار فيجمع بينها وبين أحاديث التغليس بأن المراد من الإسفار: التحقق من طلوع الفجر، ووضوحه وظهوره
(2)
.
3 -
التعليم بالفعل؛ فإنه لما سأل السائلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الأوقات لم يقل له شيئًا، بل علمه بالفعل صلى الله عليه وسلم، وهذا كما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الناس الصلاة على المنبر وقال:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا؛ لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّموا صَلَاتِي)).
4 -
مسألة أصولية، وهي: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكن يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة.
وقوله: ((ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ كَادَتْ))، يعني: سلَّم من صلاة الفجر، والقائل يقول: طلعت الشمس، يعني: قد قربت أن تطلع، فصلَّاها في آخر الوقت.
وقوله: ((حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ))، يعني: إذا صار ظل كل
(1)
أخرجه أحمد (15819)، والترمذي (154)، والنسائي (548).
(2)
سنن الترمذي (1/ 49).
شيء مثله دخل وقت العصر، فصلى في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني صلاها في آخر وقتها قبل أن يصير ظل كل شيء مثليه.
وقوله: ((ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ)) معناه: أنها ما زالت بيضاء، لكن قربت أن تحمرَّ، أو تصفرَّ.