الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّشْدِيدِ فِي النِّيَاحَةِ
[934]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. ح، وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ)).
في هذا الحديث: دليل من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأمور الأربعة واقعة في الأمة.
وفيه: التحذير من هذه الخصال حتى لا يقع فيها المسلم.
وقوله: ((الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ))، أي: التعاظم على الناس بالآباء والأجداد ومآثرهم.
وقوله: ((وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ))، أي: عيبها، وتنقصها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} ، ولم يقل: لتفاخروا وتعاظموا.
وقوله: ((وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ))، أي: طلب السقيا، ونسبة المطر إلى النجوم والأنواء.
وقوله: ((النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ)): هذا فيه وعيد شديد للنائحة، وأن هذا الفعل من الكبائر، وأنه إذا لم تتب النائحة فيوم القيامة تطلى بالقطران، ويُجعل عليها
درع من جربٍ، ثم تُشعل فيها النار، فيكون اشتعال النار فيها أشد وأعظم- نسأل الله السلامة والعافية.
[935]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: ((لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ- شَقِّ الْبَابِ-، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ- وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ فَأَتَاهُ فَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ، فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، وَاللَّهِ مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَنَاءِ)).
[خ: 1299]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ-، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:((وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعِيِّ)).
في هذا الحديث: أنه في غزوة مؤتة استشهد الأمراء الثلاثة: جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، ثم زيد بن حارثة رضي الله عنهم جميعًا، كان أَمَّرَهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر إن قُتل فلان فالأمير فلان، فإن قُتل ففلان الأمير، فقتل الأمراء الثلاثة كلهم، ثم اصطلح الناس فيما بينهم على إمرة
خالد بن الوليد رضي الله عنه، وفُتح له، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر جلس على المنبر يُعرَف في وجهه الحزن.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((اذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ)): فيه: دليل على أنه يُنكَر على من بكى بالصياح، وأن من الإنكار عليه: أن يحثى في وجهه التراب.
وقولها: ((فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، وَاللَّهِ مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَنَاءِ))، يعني: ثلاث مرات تذهب وتقول: ما أَطَعْنَنِي، فأتعبتَ الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنت لم تفعل ما أمرك به النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا دعت عليه، فقالت:((أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ))، تعني رضي الله عنهما: أن عمر ما امتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرِح النبي صلى الله عليه وسلم من العناء والتعب، بل أتعبته بكثرة التردد عليه، وهذا اجتهادها رضي الله عنها.
[936]
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:((أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ الْبَيْعَةِ-: أَلَّا نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ، إِلَّا خَمْسٌ: أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ- أَوْ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ)).
[خ: 1306]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:((أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيْعَةِ-: أَلَّا تَنُحْنَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا غَيْرُ خَمْسٍ، مِنْهُنَّ: أُمُّ سُلَيْمٍ)).
قولها: ((فَمَا وَفَتْ مِنَّا غَيْرُ خَمْسٍ))؛ فلم يَفِ إلا هؤلاءِ الخمس، والبقية لم يستطعن أن يوفين؛ وذلك لما يغلب على النساء من سرعة الجزع وقلة الصبر.
[937]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَتْ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا آلَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَّا آلَ فُلَانٍ)).
[خ: 4892]
قول أم عطية رضي الله عنها: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا آلَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ))، يعني: لا بد لي من أن أجازيهم؛ لأنهم بكوا معي، فأريد أن أبكي معهم.
وقولها: ((إِلَّا آلَ فُلَانٍ)): قال النووي رحمه الله: ((هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، كما هو ظاهر، ولا تحل النياحة لغيرها، ولا لها في غير آل فلان، كما هو صريح في الحديث، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء، فهذا صواب الحكم في هذا الحديث))
(1)
.
وهذا الكلام جيد من النووي رحمه الله، ولكن الحافظ ابن حجر رحمه الله عقَّب على النووي رحمه الله، فقال:((وفيه نظر، إلا إن ادعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا، وفيه بُعد، وإلا فليدَّع مشاركتهم لها في الخصوصية))
(2)
، ثم قال: ((لكن لا يمتنع أن يكون النهي أولًا ورد بكراهة التنزيه، ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم، فيكون الإذن لمن ذكر وقع في الحالة الأولى؛
(1)
شرح مسلم، للنووي (6/ 238).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (8/ 638).
لبيان الجواز، ثم وقع التحريم، فورد- حينئذٍ- الوعيد الشديد))
(1)
.
والراجح: أن هذا خاص بأم عطية رضي الله عنها، كما ذكر ذلك النووي رحمه الله، أما تعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله فليس بظاهر.
(1)
فتح الباري، لابن حجر (8/ 638).