الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَثَلِ الْمُنْفِقِ، وَالْبَخِيلِ
[1021]
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ- أَوْ جُنَّتَانِ- مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ- وَقَالَ الْآخَرُ: فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ- أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ- أَوْ مَرَّتْ- وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ)) قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ.
[خ: 1443]
هذا الحديث وقع فيه أوهام، كما قال القاضي عياض رحمه الله
(1)
:
فمن هذه الأوهام: ما وقع في قوله: ((مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ))، فالصواب:((مَثَلُ البَخِيلِ والمُتَصَدِّق)).
ومنها: ما وقع في قوله: ((كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ- أَوْ جُنَّتَانِ))، فالصواب:((كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُنَّتَانِ)) بالنون.
ومنها: ما وقع في قوله: ((وَقَالَ الْآخَرُ: فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ- أَوْ مَرَّتْ))، والصواب:((أو مدَّت)) بدل: ((مَرَّتْ)).
ومنها: ما وقع في قوله: ((حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ)) فهذا وهمٌ؛ لأن هذا القول إنما جاء في المتصدق، لا في البخيل، وهو على الضد من ذلك، كما في قوله:((قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا)).
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (3/ 545).
وفي هذا الحديث: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل للمنفق، والبخيل، والأمثال ينتقل فيها الذهن من المعنى المجرد إلى المعنى المحسوس المعقول، قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} .
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ- يعني: الْعَقَدِيَّ- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ، حَتَّى تُغَشِّيَ أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ، قَلَصَتْ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ فِي جَيْبِهِ: فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا، وَلَا تَوَسَّعُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ وُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ، وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ، وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ، وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا)) قَالَ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ)).
قوله: ((وَلَا تَوَسَّعُ)): أصلها: ولا تتوسع، على حذف إحدى التاءين.
وقوله: ((وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ))، أي: إلى رقبته.
وفي هذا الحديث: مثل واضح للبخيل والمتصدق، وهو أنه: ((إِذَا هَمَّ
الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ))؛ لأنه يجد انشراح صدر وراحة، كأنه هو الآخذ، أما البخيل- والعياذ بالله- فإنه:((إِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ، وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا، فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ))، أي: إذا أراد أن ينفق حصل له انقباض وضيق في الصدر، وكأنه مأخوذ منه شيء لا يستطيع رده؛ ولهذا ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا بالجبة التي تقلصت عليه.
وفيه: ضرب المثل للبخيل والمتصدق بالجبتين؛ لأن المنفق يستره الله بنفقته، ويستر عوراته فى الدنيا والآخرة كستر هذه الجبةِ لابسَها، والبخيل بإمساكه عن نفقة ماله فيما يستره، ويستر عوراته، كهذا الذي لبس الجبة إلى ثدييه، بقي باديَ العورة مفتضحًا فى الدنيا والآخرة
(1)
.
والمعنى: أن البخيل إذا حدَّث نفسه بالصدقة شحت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه.
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (3/ 547).