الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا
[1333]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا)).
[خ: 505]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ ! ))، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ ! فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْت))، فقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
[خ: 1585]
في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم؛ خوفًا على قريش من الردة؛ لأن قلوبهم لا تتحمل هذا لتعظيمهم للكعبة.
والكعبة بنتها قريش قبل البعثة بخمس سنين، وشاركهم النبي صلى الله عليه وسلم في بنائها، وكان عمره صلى الله عليه وسلم وقتئذٍ خمسًا وثلاثين سنة.
وذلك لما تصدعت الكعبة فأرادوا بنائها، فاتفقوا فيما بينهم على أن يجمعوا مالًا حلالًا لا يوجد فيه شيء من الربا، ولا شيء من الكهانة، ولا
غيرها، فجمعوا دراهم لبناء الكعبة فلم يجدوا مالًا يكفي لبنائها من الحلال، فلما لم يكفهم المال قالوا: نبني بعضها، ونخرج بعضها فبنوا بعضها، وأخذوا الحجر ستة أذرع، أو سبعة أذرع، كما هو الآن.
فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وكان الناس حديثي عهدهم بالإسلام، ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم، ولو هُدِمت الكعبة وغُيِّرت وأُدخل الحِجر لتغيرت قلوبهم ولارتد بعضهم، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:((لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ))، يعني: لولا أني أخشى أن يرتد بعضهم لفعلت؛ فأخذ العلماء من هذا الحديث بطرقه المتعددة قواعدَ أربع:
الأولى: سد الذرائع.
الثانية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
الثالثة: ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
الرابعة: تحصيل أعلى المصلحتين لدفع أدناهما.
وهذا مثل قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم} ، فالله تعالى نهى عن سب المشركين؛ لئلَّا يسبوا الله، فسبُّ المشركين مطلوب، ولكن إذا كان يؤدي إلى سب الله فلا نَسُبُّهُم.
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ. ح، وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا- مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ- أَوَ قَالَ: بِكُفْرٍ- لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ)).
قوله: ((لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ)) الكنز هو مال الكعبة الذي يُتبرع به؛ لينفق في مصالحها.
هذا الحديث فيه: أن الباب كان مرتفعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ))، أي: لألصقته بالأرض، وجاء في الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن السبب، وهو أن قريشًا رفعت الباب حتى تُدخل من تشاء، وتمنع من تشاء، فإذا رقي من لا يريدون دخوله أزالوا السلم فسقط.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ سَعِيدٍ- يَعْنِي: ابْنَ مِينَاءَ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي- يَعْنِي: عَائِشَةَ- قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ)).
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ- أَوْ: يُحَرِّبَهُمْ- عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ أَنْقُضُهَا، ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ ! إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي، فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ، فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا، فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الْأَرْضَ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عَنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي
عَلَى بِنَائِهِ لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ))، قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ، وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ، قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ
الْحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ: يُخْرَجُ مِنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ.
في هذا الحديث: أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ترك بناء الكعبة لما أحرقها أهل الشام حتى الموسم؛ ليشاهدها الناس فيغضبوا على أهل الشام، لأجل أن يُحَرِّبَهم عليهم، فلما انتهى الموسم بناها.
وقوله: ((مَا وَهَى مِنْهَا))، يعني: ما ضعف.
وقوله: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ))، أي: هل أبني الكعبة من جديد، أو أرممها وأصلح ما وهى منها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:((فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا: أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا))، أي: أن ترممها، ((وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) فاتركه ولا تفعل شيئًا، فقال عبد الله بن الزبير:((لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ ! ))، يعني: كيف يجدد أحدكم بيته، ولا يجدد الكعبة، وهذا رأي لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
وقوله: ((إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي))، يعني: أن ابن الزبير رضي الله عنه لما أراد أن يهدم الكعبة ويبنيها من جديد استخار الله تعالى ثلاثة أيام، ثُمَّ تبين له أن يبنيها بعد ذلك، فلما أرادوا هدمها خشوا أن تنزل عليهم عقوبة من السماء، فبدأ رجل ((فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا،
فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الْأَرْضَ))، أي: هدموها حتى ساووها بالأرض، ((فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ))، أي: بنى الأعمدة التي في وسط الكعبة، وجعل عليها سترة عن الناس حتى قام البناء.
والحكمة من جعل الستور: حتى لا يروا الأعمدة من غير بناء؛ لأنه ليس مناسبًا أن يراه الناس هكذا لشرفها وعظمتها في قلوبهم.
وقوله: ((فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ)) في رواية في البخاري: قال جرير: ((فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها))
(1)
.
وقوله: ((حَتَّى أَبْدَى أُسًّا))، يعني: أساس الكعبة التي هي قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وجاء في أخبار الفاكهي:((لَمَّا أَرَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَالَجَ الأَسَاسَ، فَإِذَا وَضَعَ الْبَانِي الْعَتَلَةَ فِي حَجَرٍ، ارْتَجَّتْ جَوَانِبُ الْبَيْتِ؛ فَأَمْسَكَ عَنْهُ))
(2)
، وأصابها زلزال حتى تركها، فقواعد الكعبة لم تغير، وإنما غُيِّرَ البناءُ.
وقوله: ((وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا)) قال الحافظ: ((وجزم الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر))
(3)
.
وأعاد ابن الزبير رضي الله عنه بناء الكعبة على ما كانت عليه في الجاهلية، ((فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ))، وليس كذلك، لأن ابن الزبير رضي الله عنه عمل بمنطوق الحديث، وهو صحابي جليل، وعبد الملك بن مروان من سائر الناس، فابن الزبير رضي الله عنهما أفضل منه بكثير.
(1)
أخرجه البخاري (1586).
(2)
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (؟ ؟ ؟ ؟ /215). يراجع العزو
(3)
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (؟ ؟ ؟ ؟ /215). يراجع العزو
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ، يحدثان عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدٍ: وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ- يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ- سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا، قَالَ الْحَارِثُ: بَلَى، أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا، قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ))، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ؛ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا، وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ ))، قَالَت: قُلْتُ: لَا، قَالَ:((تَعَزُّزًا أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ أَرَادُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ))، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ.
وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ؛ فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِي
الْبِنَاءِ))، فقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا، قَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ.
قوله: ((فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ)) فيه: دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام يشير إلى بناء الكعبة؛ لهذا فعل ابن الزبير رضي الله عنه ما أشار به وبناها من جديد.
وقد أخرج الفاكهي في أخبار مكة ندم عبدالملك، عن هشام بن عروة قال:((فبادر- يعني: الحجاج- فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر، ورفع بابها وسد الباب الغربي، قال: قال أبو أويس: فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على اذنه للحجاج في هدمها ولعن الحجاج))
(1)
.
(1)
أخبار مكة، للفاكهاني (5/ 229).