الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ
[951]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ)).
[خ: 1245، 1327]
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما حدثاه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:((نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ)).
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى، فَصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ)).
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ-، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَرِوَايَةِ عُقَيْلٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا.
[952]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا)).
[خ: 1334]
في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي.
وفيه: مشروعية الصلاة على الغائب إذا كان له شأن وقدم في الإسلام، من إمام عادل، أو أمير، أو عالم، أو داعية، وهذا هو الصواب.
وذهب الشافعية، والحنابلة، وجماعة: إلى مشروعية الصلاة على الغائب مطلقًا
(1)
.
وذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة على الغائب خاصة بالنجاشي رضي الله عنه، وقالوا: إن النجاشي لم يصلِّ عليه أحد؛ لأنه أسلم في بلاد النصارى؛ فلهذا صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقالوا: إنه مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جمع غفير من الناس في مكة وغيرها، ولم يُصلِّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالوا- أيضًا-: إنه كُشف له عن النجاشي، فكان يشاهده أمامه؛ فلهذا منعوا الصلاة على الغائب.
وفيه: معجزة من معجزاته، ودليل من دلائل النبوة، حيث إنه أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه مع بُعد المسافة.
وقوله: ((فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ))، أي: صلى بهم في مكان الجنائز، وإن صُلِّي على الميت في المسجد فلا حرج، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن البيضاء في المسجد
(3)
.
والقول بأنه لم يصلِّ عليه أحد، وأنه لم يُسلِمْ أحد من قومه بعيد جدًّا؛ لأن الملوك لهم أتباع، فلا يمكن أن يكون ملك، أو رئيس دولة، ولا يتبعه أحد من الخدم وغيرهم، وإنما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن له قدمًا وشأنًا في الإسلام، ولأنه آوى الصحابة رضي الله عنهم مرتين، لما هاجروا الهجرة الأولى والثانية.
وفيه: جواز الإخبار بموت الميت حتى يصلى عليه، وأن هذا ليس من
(1)
المجموع، للنووي (5/ 250)، الإقناع، للحجاوي (1/ 227)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 533).
(2)
شرح مختصر خليل، للخرشي (2/ 142 - 143)، البحر الرائق، لابن نجيم (2/ 193)، المبسوط، للسرخسي (2/ 67).
(3)
أخرجه مسلم (973).
المنهي عنه؛ ولهذا نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه.
والنعي نعيان: نعي جائز، ونعي محرم.
- فالنعي الجائز: هو الإخبار بموت الميت؛ كأن يخبر الجيران والأقارب ومن حوله فيصلون عليه.
- والنعي المنهي عنه: هو ما يفعله أهل الجاهلية من الطواف في القبائل، يقولون: مات فلان، مات فلان، مات فلان.
وأما الإعلان في الصحف: فإذا كان المراد به: مجرد الإخبار حتى يعلم الناس ويصلى عليه فأرجو ألا يكون فيه حرج.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدٌ لِلَّهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ، فَقَامَ فَأَمَّنَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ)).
[خ: 1320]
قوله: ((أَصْحَمَةُ)): هو اسم النجاشي، وهو مؤمن وليس صحابيًّا؛ لأنه لم ير النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلا يدخل في حكم الصحابي، ولكن حكمه حكم المخضرم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَقُمْنَا فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ)).
قوله: ((فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ)): كان مالك بن هبيرة رضي الله عنه إذا تقالَّ الناس الذين يصلون على الميت، جزأهم، فجعلهم صفَّين، أو ثلاثة صفوف؛ أخذًا من
هذا الحديث
(1)
.
وأما حديث أبي داود: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ))
(2)
، فهو حديث في سنده مقال.
[953]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ- يَعْنِي: النَّجَاشِيَ))، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ:((إِنَّ أَخَاكُمْ)).
قال النووي رحمه الله: ((قوله في حديث النجاشي: ((وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ))، وكذا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كبر أربعًا، وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بعد هذا أنه كبر خمسًا، قال القاضي: اختلفت الآثار في ذلك، فجاء في رواية ابن أبي خيثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعًا، وخمسًا، وستًّا، وسبعًا، وثمانيًا، حتى مات النجاشي، فكبر عليه أربعًا، وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم.
قال: واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر على أهل بدر ستًّا، وعلى سائر الصحابة خمسًا، وعلى غيرهم أربعًا، قال ابن عبد البر: (وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع، على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يُلتفت إليه، قال: ولا نعلم أحدًا
(1)
أخرجه أبو داود (3166)، والترمذي (1028)، وابن ماجه (1490).
(2)
أخرجه أبو داود (3166)، قال الهيثمي في المجمع (3/ 432): وفيه ابن لهيعة وفيه كلام، وفيه: عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
من فقهاء الأمصار يخمِّس إلا ابن أبي ليلى)، ولم يذكر في روايات مسلم السلام، وقد ذكره الدارقطني في سننه وأجمع عليه العلماء))
(1)
.
وأقول: لقد تساهل ابن عبد البر رحمه الله في نقل الإجماع، والمسألة ثابت فيها الخلاف؛ لأن قول الجمهور: أنه استقرت الشريعة على أربع تكبيرات، وما ورد في التكبير خمسًا، أو ستًّا فهذا كان أولًا.
وبعض العلماء يرى أنه لا حرج في الزيادة إلى خمس تكبيرات، أو ست.
قال النووي رحمه الله: ((ثم قال- أي: ابن عبد البر-: جمهورهم يسلم تسليمة واحدة، وقال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماعة من السلف: تسليمتان، واختلفوا: هل يجهر الإمام بالتسليم أم يسر؟ وأبو حنيفة، والشافعي يقولان: يجهر، وعن مالك روايتان، واختلفوا في رفع الأيدي في هذه التكبيرات، ومذهب الشافعي: الرفع في جميعها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وقيس بن أبي حازم، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، واختاره ابن المنذر، وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحاب الرأي: لا يرفع إلا في التكبيرة الأولى، وعن مالك ثلاث روايات: الرفع في الجميع، وفي الأولى فقط، وعدمه في كلها))
(2)
.
وقد ورد عن الصحابة أنه يرفعون أيديهم في التكبيرات الأربع، وهذا هو الصواب عن عمر رضي الله عنه وغيره
(3)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 23).
(2)
شرح مسلم، للنووي (7/ 24).
(3)
قرة العينين، للبخاري (ص 24 - 25).