الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ الْآخِذَةُ
[1033]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ- فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ- عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ، وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ-:((الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ)).
[خ: 1429]
[1034]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، جميعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ- أَوْ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ- عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)).
[خ: 1427]
قوله: ((وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)): اليد العليا هي: المنفقة، والسفلى هي: الآخذة.
وقوله: ((وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ))، يعني: ابدأ بمن يجب عليك عولهم، والإنفاق عليهم، أي: أن العيال والقرابة أحق من الأجانب.
وفي هذه الأحاديث:
1 -
الحث على أن تكون يد الإنسان عليا.
2 -
الحث على كسب المال من وجوه مشروعة حتى يتصدق منه.
3 -
التحذير من السؤال.
4 -
بيان أفضل الصدقة بالنسبة للمال: وهو ما كان ((عَنْ ظَهْرِ غِنًى))، أي: ما زاد عن حاجة الإنسان من نفقته على نفسه، وأهله، وأولاده، ومن كان تحت يده من الدواب والبهائم.
5 -
بيان أفضل الصدقة بالنسبة للمتصدَّق عليه، وهي: الصدقة على الأقارب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ))، وقال في الحديث الآخر:((دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ))
(1)
.
وجاء في قصة ميمونة رضي الله عنها لما أعتقت وليدة لها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ))
(2)
.
[1035]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ:((إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)).
[خ: 1472]
في هذا الحديث: أن حكيم بن حزام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من المال فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه- ثلاث مرات- ثم نصحه بنصيحة انتفع بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ))، يعني: تميل إليه النفس، فالشيء الأخضر مرغوب فيه، وكذلك الحلو مرغوب فيه.
وقال له: ((فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ))، يعني: من أخذه بسخاوة نفس فلم يتطلع إليه، ولم يسأل، بارك الله له فيه، ((وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ)) وتاشراف: تطلع النفس وتعرضها وطمعها في الحصول عليه، ((لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ)).
(1)
أخرجه مسلم (995).
(2)
أخرجه البخاري (2592)، ومسلم (999).
فانتفع حكيم بن حزام رضي الله عنه بهذه النصيحة، وقال- كما في اللفظ الآخر-:((وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ))
(1)
.
[1036]
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)).
قوله: ((أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ)): بفتح همزة أن، والمعنى: بذلُكَ الفاضلَ عن حاجتك وحاجة عيالك خيرٌ لك؛ لبقاء ثوابه.
وقوله: ((وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ)): بفتح همزة أن، والمعنى: وإمساكُكَ الفاضلَ شرٌّ لك؛ لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإن أمسك عن المندوب نقص ثوابه، فهو في كلا الحالين شر؛ لتفويته مصلحة نفسه في آخرته.
وقوله: ((وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ))، يعني: أن لا لوم على صاحب المال في إبقاء ما يحتاج إليه منه، للنفقة على نفسه، وأهله، وأولاده؛ حتى لا يحتاج إلى غيره.
(1)
أخرجه البخاري (1472).