الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسَهُ
[978]
حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.
قوله: ((بِمَشَاقِصَ)): هي السهام الغلاظ.
وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على هذا الرجل؛ زجرًا عن هذا الفعل، حتى لا يفعل ذلك الأحياء.
فيؤخذ من هذا: أنه ينبغي للأعيان، والعلماء، والوجهاء أن يتركوا الصلاة على قاتل نفسه؛ زجرًا للأحياء، حتى لا يفعلوا مثل فعله، لكن يصلي عليه عامة الناس؛ لأنه ليس بكافر، إلا إذا استحل القتل.
وقاتلُ نفسه فعل كبيرة من كبائر الذنوب، لا يفسُد معها الإسلام، وإن كان متوعَّدًا بالنار، فقد جاء في الحديث:((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ، فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا، فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا))
(1)
.
قال النووي رحمه الله: ((وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه؛ لعصيانه، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي.
وقال الحسن، والنخعي، وقتادة، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء: يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه؛ زجرًا للناس عن مثل فعله، وصلى عليه الصحابة، وهذا
(1)
أخرجه مسلم (110).
هو الصواب: أنه يصلي عليه عامة الناس، لكن الأعيان ينبغي أن يتأخروا عن الصلاة عليه كالأمراء والعلماء وأهل الفضل زجرًا للأحياء، كي لا يفعلوا مثل فعله))
(1)
.
وقال: ((وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائه، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: ((هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ ))، فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين:((صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ))، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال:((أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ))
(2)
، فكان عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يقضي الدين من عنده.
وقال النووي: ((قال القاضي: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا.
وعن مالك وغيره: أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في الحد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرًا لهم.
وعن الزهري: لا يصلى على مرجوم، ويصلى على المقتول في قصاص.
وقال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية.
وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا.
وعن الحسن: لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا ولدها، ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير
…
واختلفوا في الصلاة على السقط، فقال بها فقهاء المحدثين، وبعض السلف، إذا مضى عليه أربعة
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 47).
(2)
أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619).
أشهر، ومنعها جمهور الفقهاء، حتى يستهل وتعرف حياته بغير ذلك))
(1)
.
والصواب: أنه إذا تبين أنه إنسان يصلى عليه، أما قول الجمهور من الفقهاء ففيه نظر.
وقال: ((وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك، والشافعي، والجمهور: لا يغسل، ولا يصلى عليه، وقال أبو حنيفة: يغسل، ولا يصلى عليه، وعن الحسن: يغسل ويصلى عليه، والله أعلم))
(2)
.
والصواب: أنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، كما هو مذهب الجمهور
(3)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 47 - 48).
(2)
شرح مسلم، للنووي (7/ 48).
(3)
المدونة، للإمام مالك (1/ 258)، المجموع، للنووي (5/ 260)، المغني، لابن قدامة (2/ 393).